إلى روحٍ تُسمى بلدتي.. إليها أكتب دمعتي
لم تشْفني الكلماتُ ولن يقلعَ الأملُ داخل أعماقي إن لم أركِ وتنفست نسيمَكِ وتلمست حرشكِ بين أحداقي، يا بلدي: لا تحزني، أرجوك لا، أنا هنا ما أزال أشمّ عطرك الدافئ في غربتي، في غرفتي، لا.. لاتذرفي الأدمعا، ها أنا أعيشُ واليأس معا، دعيني أكتبُ القليلَ ولا تقتحمي أفكاراً ما عدتُ أسكنها، يا بلدتي ما تعودتُ الكذبَ عليكِ، فلن أقولَ أني أعيش بمنأًى عن عشبِ كفيكِ..
دعيني أكتبُ القليلَ، فلن أطيلَ، أرجوك أن تترحمي على فرحتي المقهورةِ منْ زمن، منذ أن كان الرحيلُ، ها تلك وصيّتي أنثرها بين عيْنيكِ، حينما أموتُ أرجو أن أُغسّل بترابِك الحاني، وأن يُذرَّ رمادي بين أغصانِ زيتونك.
يا بلدتي، كلما مرّت موجاتٌ من المذياعِ تهمس إسمك في أذني، أقف إجلالاً، وأقول: ها تلك حبيبتي، يا تُرى كيف تحيا، هل غيّروها، هل قتلوها، هل دمّروها، أم أنها لا فرقَ عندها إن غبت وإن متّ وإن شبت بعيداً عن روابيها..
كلّ شمسٍ تشرق أراك تنتشرين في أجزائها، وكلّ شمسٍ تغرب أراك ترسمين صورتك البهية من خلالها، وكلّ نرجسةِ تعيش فوقَ تربةِ صخرِك النديّ، أراك تنتشين عطرَها، وأراك في كلّ جوارحي، وأراك بين جوانحي، كمن يرى الدنيا من ثقبِ سجنِه القاسي، أراك من بين بقايا العمرِ تمرّين فوق عقبات الزمن...
أتذكرين، فالدمعُ لم يراودني حين كنت أغفو فوق ترابك الأحمر، والحسّاسينُ من حولي، كنت لا أدري بأن هناك وقتاً يمضي وساعاتٍ تفوتني، كيف ذاك وأجملُ اللحظاتِ أنتِ، كيف أحنّ إلى حياةٍ غير التي كنت أحياها وأنا جالسٌ فوق صخرةٍ في أرضنا البرية، أتذوق أصنافاً من الطيور المهاجرة، المن والسلوى وأبي العلا، ومن الأيائلِ والنمل المسافر...
صدّقيني أنني ما كتبت شيئاً إليكِ، لم أكتب حنيناً أو وداعاً أو روايةً أفصّل جمالك في أسطرها، كل ذاك لأني ما أردت أن تصلي إلى أوراقٍ قد تتطاير في مساماتِ الطرق، بل رأيت أن أكتب دمعتي، وأروّسها بحبرٍ من دمي، ورأيت ألا أقولَ أعشقكِ لأن ما بيني وبين خديكِ أكثر، ولأن ما بيني وبينك عيشاً كريما، ولو كان خبزاً وزعتر.
والله لا لم أدرِ لماذا كنت أشعر بأن يوماً غادراً سوف يبعدنا، واللهِ كنتِ أشعر وكنت تقولينَ: إصمتْ يا هذا، من يفرّقنا؟!!، كان هاجسي يقول: هي فرحةٌ قد تنتهي، منذ زمنٍ لم يسكن البلادَ من أحبّها حقاً، ويا ليتني متّ قبل أن أرى أن الهواجسَ قد تصير صدقاً...
كلّما ماتَ داخلي أقولُ لنفسي: لا تمتْ، فهناك أغلى منك يعيش داخلك، هناك صورةٌ تذكاريةٌ لبلدتِك الجميلة وهناك مناظرٌ خلابةٌ فيها، وزهورٌ وبساتين تغطي الخميلة، وهناك إنسٌ فرقوك وأسكنوا داءَ البعد في وريدك،......... أرجوكِ يا دمعتي فارقيني لحظةً كي أكتبَ بعضاً من حنيني، أرجوك أتركيني كي أرى الكلماتِ حين ترددها أنفاسي وترتّبها أناملي، أرجوكَ يا بحراً هائجاً في عينيّ: قف أمواجك قليلاً كي أكتب، إذا ما أردتَ فلك ذلك، فها أنا أتوقف عن الكتابة وأعتذر لمن يقرأ..................