الأحد ٨ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
حوار حول مجمع اللغة العربية مع د. فاروق مواسي

"احترنا يا قرعة من أين نبوسك !!!"

قررت الكنيست مؤخرًا تأسيس مجمع للغة العربية؟ كيف تنظر لهذه الخطوة وهل تتعارض مع وجود مجمع آخر؟ وما رأيك في الآراء المعارضة لإنشاء المجمع الذي قررته الكنيست، وكيف ترد على الانتقادات التي توجه للمجمع اللغوي الذي يضم شخصيات أكاديمية وأدباء؟ وما الذي يفعله هذا المجمع وما هي طموحاته؟.

الخطوة إيجابية، وخاصة في أجواء التنكر لنا وجودًا وحضارة ولغة، فمن بادر إليها هو عضو برلمان عربي من أعضاء حزب العمل، وقد اختير فيما بعد ليكون وزيرًا للثقافة في إسرائيل، وليست وظيفته محددة للعرب فقط، بل هو يعالج - افتراضًا - قضايا عامة في إسرائيل.

ولعل وجود وزير عربي مدعاة للتساؤل، ولا أقل من ذلك اهتمام البرلمان الإسرائيلي باللغة العربية. لقد حانت فرصة كنا نحلم بها، وعلينا أن نغتنمها، وإلا فإننا نظل نندب حظنا، ونتهم الحكومة، ولا أحد يستجيب لنا. ثم، إن مسؤوليتنا إزاء الأجيال الصاعدة أهم من الحسابات الشخصية.

إن مسألة: هل نقبل الوظائف العليا، وهل نقبل حقوقنا الأساس يختلف فيها السياسيون - كل من وجهة نظره أو رؤيته -، ولكنني أرى - شخصيًا - أن نستحصل كل حق، وأن نظل نطالب بحقوقنا حقًا تلو حق رغم أنف أصوات اليمين التي ترى في هذا الاعتراف بلغتنا عدوانًا على يهودية الدولة.

إن من يظن أن الأعضاء العرب من غير الأحزاب الصهيونية يستطيعون أن يمرروا مشروع القانون هو ظن حالم واهم وغير قائم - في أجواء العنصرية التي ينعق بها كثيرون من أعضاء الكنيست.

إذن، فلنطالب، ولنبحث عن كل وسيلة، ولن ندفع لقاء ذلك ثمنًا من كرامتنا، أو تنازلاً عن قيم نتبناها، ومن يظن ذلك لا يعرف تاريخ نضالنا ومثابرتنا.

المجمع الجديد هو استمرار لنشاط قام بها نخبة من أساتذة الأدب واللغة، وقد حيل بينهم وبين النشاطات والطموحات شحة الميزانيات، فإذا بنا أمام واقع جديد يرصد الميزانيات، وتبعًا لذلك، فنحن أمام مسؤولية جسيمة.

من الطموحات التي في عزمنا:

* إقامة أيام دراسية ومؤتمرات لدراسة اللغة العربية.

* إصدار أبحاث ودراسات لغوية، وإصدار مجلة خاصة باللغة ودراساتها.

* الإشراف على الترجمات، وإصدار معاجم خاصة تُعنى بالترجمة عن العبرية، خاصة ونحن أمام تحديق اللغة العبرية في كل مجالات حياتنا - نحن العرب في البلاد -.

* العمل على مراقبة اللافتات والإعلانات التي تنتهك العربية في المواصلات وفي مجالات أخرى.

* الإشراف مباشرة أو غير مباشرة على مناهج تعليم اللغة في المدارس والأكاديميات.

ولكن لدي استفسار صغير حول المجمع وتمويله وكيفية اختيار أعضائه، وما رأيك في الانتقادات التي تشير إلى أنه مقصور على أسماء محددة، وهل أسستموه أولا، ثم تم تمرير قانون تأسيسه من قبل النائب مجادلة؟

أسس المجمع أولاً بفكرة مني ومن الصديقين د. فهد أبو خضرة و د. إلياس عطا الله، وذلك في إطار عملنا المشترك في إعداد منهج جديد لتدريس قواعد اللغة العربية لمدارسنا، وكنت قبيل ذلك - وفي أوائل الثمانينيات - نشرت مقالة في مجلة الجديد تدعو إلى ذلك، فاستحسنها إلياس، وأضاف عليها، ثم اجتمعنا مع بعض الأخوة في أكثر من مكان، ومنها كلية مار إلياس التي فتحت أبوابها لتكون مقرًا لنا.

ثم إن السيد موفق خوري (مدير دائرة الثقافة العربية " ومقره في الناصرة ") تبنى المجمع في سنواته الأولى، وقدم له دعمًا يسيرًا متاحًا، وقد كان الأعضاء المؤسسون عشرة - هم الذين يعملون في اللجنة العليا لشؤون اللغة العربية، مضافًا إليهم بعض الأسماء المعروفة.

بعد ذلك أصبح المجمع جمعية مسجلة رسميًا تحت إدارة دائرة الثقافة العربية.

وفي جلسة من جلساتنا قررنا التوجه بطلب رسمي للبرلمان للاعتراف بنا - أسوة بمجمع اللغة العبرية-، فكان من رأي بعض الأخوة أن نتوجه إلى جميع أعضاء الكنيست العرب بدون استثناء ليعملوا معًا على تمرير قانون المجمع، وقد وافقنا على ذلك.

وكنت شخصيًا قد تحدثت مع ابن بلدي وجاري وطالبي (الذي لا أوافقه سياسيًا إطلاقًا) وعضو البرلمان عن حزب العمل السيد غالب مجادلة، فتحمس منفردًا للفكرة، وأخذ يجري اتصالات مع القائمين على المجمع، وعمل بكل الحيل والأساليب، حتى يحصل على أغلبية الأصوات اليهودية لتمرير مشروع القانون. ولم أفهم يومها لماذا امتنع أعضاء التجمع برئاسة عزمي بشارة عن التصويت رغم ما حاول التجمع عرضه من مبررات سياسية أو رفضية بسبب أن الاقتراح جاء من مجادلة، فأخذوا يسخرون من طريقة لفظه (المجمّـع)، كما تحسبوا من إمكان استثناء سيُجرى.

ومع ذلك، فقد سر الجميع بتمرير المشروع في البرلمان، وفي الأثناء أصبح غالب وزيرًا للثقافة، فاستمر بحماسته للمجمع.

وقد وصلنا النموذج الرسمي لتقديم الطلب، وفيه وجوب أن يكون العدد خمسة عشر، فما كان منا إلا أن أضفنا بضعة أسماء تحمست للدخول (بعد أن كانت امتنعت) لنستوفي العدد. وكان من الشروط أن يكون ثلث الأعضاء على الأقل من جنس آخر -وبتفسيرنا هنا أن تكون في المجمع ثلاث أو أربع باحثات-، وكذلك أن يكون المجمع لكل ناطقي اللغة العربية، ولا يستطيع أحد أن يستثني الباحثين اليهود، الأمر الذي يوجب تنازل أربعة منا على الأٌقل من أسماء المؤسسين الأوائل، وذلك ليفسحوا المجال للباحثات ولباحثين يهوديين مختصين.

ومن المهم ذكره أن وزير الثقافة هو المسؤول عن تعيين الأعضاء المؤسسين، وهو يعرض الأسماء على الحكومة لإقرارها.

وقد عمل رئيس المجمع د. فهد أبو خضرة على تثبيت أحد عشر اسمًا منا (بعد أن كان الوزير قد عرض أسماء أخرى معروفة وطنيًا لكنها ليست معروفة في ميادين البحث اللغوي).

ومع ذلك فقد كان استثناء أخوة لنا أمرًا عسيرًا، ومنهم د. إلياس عطا الله، و د. ياسين كتاني، د. إبراهيم جريس، د. نزيه قسيس، أ. جميل غنايم، وقد تداولنا الأمر، وأصبحنا بين خيارين:

أن نقبل اقتراح الوزير، ثم يكون لنا مجال فيما بعد لإعادة الأخوة - حسب القانون -،

أو أن نرفض النموذج الأصلي الذي أعد حسب قانون مجمع اللغة العبرية،

ويبقى خيار ثالث أن يكون لنا نموذج خاص وفق احتياجاتنا، وهذا كما أرى غير ممكن.

وكانت غضبة صديقنا إلياس - خاصة - بحق، خاصة وأنه استثني لأسباب سياسية، فهو تجمعي (حسب رأي الوزير الذي أكد لي بعد أن اقترحت عدم استثناء إلياس أنه لا يختار أي شخص له صبغة حزبية-)، ولكنها كانت متعجلة في الغمز المبطن ببعض أصدقائه دون أن يذكرهم، وذلك عبر تعليقه أو رده أو رسالته الموجهة للوزير (نشرت في فصل المقال 30 حزيران 2007 ).

لا أتحدث باسم أحد هنا، ولكني أقول: إننا أحوج إلى التعاون وإلى الإفادة من خبرات بعضنا البعض، فنحن جميعنا لنا تخصصات بدراسة اللغة، ولغة الأدب، وأدبيات اللغة، ولن يستطيع أحد أن يغمط مكانة من استثنوا، فكل منهم معطاء في تخصصه، وفيه وفاء للغته.

كيف ترى لواقع اللغة العربية بين العرب في إسرائيل؟ هل توجد سياسة إسرائيلية رسمية تستهدف هذه اللغة؟ ما تأثير اللغة العبرية على اللغة العربية في التداول اليومي، ودخول مفردات عبرية عليها؟ كيف ترى لمستقبل اللغة العربية بين العرب الذين بقوا في وطنهم؟

سميت اللغة التي يتحدث بها عامة الناس، بل أصحاب الوظائف: اللغة العِــرْبِـــية، ذلك لأنها مزيج بين العربية والعبرية.

لا أستطيع أن أتهم مباشرة السياسة الإسرائيلية بالتنكر للغتنا وأنسى مجالسنا المحلية التي تكون مراسلاتها بالعبرية، ولا أستطيع أن أغفل مؤسساتنا وأصحاب المحال التجارية في القرى والمدن ممن يؤثرون الإعلانات بالعبرية.

سأكون صريحًا وأقول: إننا في سبيل نشأة لغة خاصة هي العــِـــرْبيـــة - كما دعوتها، وهي لغة أدخلت الألفاظ العبرية وطبقت عليها قواعد العربية، فيقولون مثلاً: "راح ع القنيون واشترى بيجديمات وعمل له التاجر هناحا" = ذهب إلى المجمع التجاري (اقترحت أنا للّفظة "مشْرى" واشترى ألبسة للبحر، وعمل له التاجر تخفيضًا، ويقولون "يَشـِِّــر! = سر مستقيمًا... إلخ. ولا تسألوا عن اللغة مع السباك أو الميكانيكي أو المستشفى أو في ميادين الزراعة والمحاماة وغيرها، فنحن في مد داهم وجارف.

وفي هذا السياق أرجو أن تقرءوا مقالتي عن اللغة العِـــرْبية في موقعي:

http://faruqmawasi.com/lugha.htm

ما هو المطلوب للنهوض بواقع اللغة العربية لديكم؟ وهل تختلف المشاكل التي توجه اللغة العربية في إسرائيل، مثيلاتها في الدول العربية الأخرى؟ هل من مقترحات للعلو بالعربية ليس في إسرائيل وحدها وإنما بشكل عام؟

أولاً أن نعهد إلى أساتذة مختصين ليدرُسوا ويدرّسوا لغتنا، ويحببوها لأبنائنا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه،

وثانيًا أن نجري مسابقات في المطالعة،

وأن نكثف الاهتمام بالعربية،

وقبل ذلك أن نحترم لغتنا، ويبدأ ذلك من البيت، ومن الناس عامتهم قبل خاصتهم، فإذا أولينا عشاق اللغة احترامًا أولينا لغتنا ذلك.

أقول هذا وأنا أعرف أن هناك من يسخر، بدءًا من المسرحيات التي تجعل التحذلق اللغوي وسيلة هزء، وانتهاء بالعائلة التي تفاخر بدراسات أبنائها في الطب والمحاماة والهندسة....، فإذا قال أحدهم: "ابني يتخصص باللغة العربية" تغامزوا، و مروا به فكهين.

من هنا أصل إلى العالم العربي، ففي رأيي أن جرس الإنذار يقرع فيه كذلك، وقد زرت المغرب فما وجدت اللغة العربية في مطاعمها أو في حديث الشارع فيها (فاللهجة هناك تمزج الفرنسية باللهجة المغربية، وهات من يفهم!، وقد حاولت التفاهم معهم بالفصيحة، فإذا بأحدهم يصيح متهللاً: تعالوا: هنا طه حسين يتكلم!). وزرت الأردن ومصر فوجدت الإنجليزية تقتحم تضاعيف الجملة، ووجدت العنوانات واللافتات الأجنبية، وسمعت عربًا آخرين من الأقطار العربية فما سمعت إلا لحنًا، وصار العارف بالعربية والمحافظ عليها أعز من بيض الأنوق - في التعبير الصحراوي -، أو أعز من الكبريت الأحمر في معجم الأمثال.

هل كان هناك تعاون مع مجامع اللغة العربية في العالم العربي؟

زرنا مجمع الخالدين في القاهرة المحروسة، والتقينا د. شوقي ضيف رئيسه قبيل وفاته، واقترح علينا أن ننضم إلى مجمع اللغة الفلسطيني في نابلس، وهو لا يدري أن مشكلاتنا وقضايانا مختلفة على الصعيد اليومي والفعلي.

وفي المؤتمر الأخير في آذار وقد عقد احتفاء باليوبيل الماسي (خمسة وسبعين عامًا على تأسيس المجمع) كان هناك وعد بأن أشارك ضيفًا مراقبًا، فإذا بالمسؤولين فيه يتذرعون أولاً بالتطبيع، وكأننا مندوبون عن إسرائيل، ثم... بأن الأمن لم يقدم الموافقة حتى اليوم.

ولن أضيف أو أعلق تاركًا لكم أولاً أن تتخيلوا مشاعرنا إزاء هذه المعاملة، وثانيًا: أن تتساءلوا عن حقيقة ذلك.

أما مجمع الأردن فأغرب، فنحن نسافر يوميًا إلى بلدنا الثاني، وأبناؤنا يدرسون في جامعات الأردن، ونحن أهل رغم سايكس بيكو وووو، ولكن الدكتور عبد الكريم خليفة - رئيس المجمع - (ويشهد الله أنني استمعت إلى محاضرة له مؤخرًا فأحصيت.....)، وقد رفض قطعيًا أن يزور وفد منا المجمع الملكي للإفادة من تجاربه.....

ثم يأتي بعد ذلك من يعاتبنا - لأننا قبلنا اعتراف إسرائيل بمجمعنا؟ فقد "احترنا يا قرعة من أين نبوسك!!!"

 [1]


[1نص الحوار الذى أجراه أسامة العيسة لصحيفة "الشرق الأوسط"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى