الأحد ١١ آذار (مارس) ٢٠٠٧

التشكيلي حقي جاسم في معرض الثقافة الثالثة

أحمد بجاي - السويد

" كان الكولاج اصلا عنصرا مضافا لمساحة اللوحة ليخرج احيانا عن حدود اللوحة على هيئة بروز نافر ولايعتبر نحتا, ولكنه اصبح اساسا للتجديد في فن النحت الانشائي الذي تحرر ومنذ زمن بعيد من تبعية لوحة الكولاج لكنه, ولحد الآن, يصنف كأنبثاق منها وليس عبثا قول النحات خوليو جونزالز([1]) في النحت الانشائي " الرسم في الفضاء". يقوم هذا النحت الجديد على وحدة الاشياء الثنائية الابعاد في فضاء ثلاثي الابعاد".
جرينبيرج([2])

ان مواد الفنان المستخدمة في خلق وصناعة العمل الفني هي الطريق للانفتاح او الانغلاق على محيط الفنان الخارجي ومهما يكن فكر وادواة الفنان في تنفيذ عمله فانه ينجز عملا جماليا مبتكرا او مستهلكا وهذا ينطبق على اللوحة والمنحوتة التقليديين وايظا على العمل التركيبي والافتراضي في حدود غير مكتملة التشخيص بعد, اي ان مواد الفنان وغرابتها تشكل نوعا من المعارضة والرفض في عيني المتلقي للوهلة الاولى ولكن بعد فحص ومعاينة العمل تبدأ الافكار والرؤى بالوضوح لتتوحد ثقافة الفنان في مرحلة معينة مع ثقافة المتلقي.

تعود الناس على رؤية العمل الفني ( اللوحة والمنحوتة ) في الجاليريات والمتاحف والاماكن المتخصصة الأخرى وقلما تجد معارض في الهواء الطلق او في المعامل والمصانع كما يحدث الآن في العاصمة الفنلندية.
يشترك التشكيلي العراقي حقي جاسم (1958 - ) بعمل تركيبي في معرض الثقافة الثالثة ([3]) مع 23 فنانا مهاجرا ينحدرون من خمسة قوميات مختلفة مقيمين في مختلف الدول الاوربية, من ضمنهم ستة فنانين عراقيين([4]), تحت رعاية شبكة الفنانين المهاجرين في الاتحاد الاوربي ([5]) والمقام حاليا في معمل للكيبلات في هلسنكي كمحطة اولى لينتقل بعدها الى الدانمارك.
تهتم شبكة الفنانين المهاجرين التي تأسست عام 1997 في مدينة توركو الفنلندية بنشاطات الفنون البصرية للفنانين المهاجرين باشراف الفنان التشكيلي العراقي عبد الامير الخطيب, وربما يتبادر لذهن القاريء بأن اهنمامات الشبكة ربما قريبة من اهتمامات البينالات او الترينالات ولكنها ليست كذلك لأنها تقدم اعمالا تختلف عن اعمال البينالات التي تهتم بالدرجة الأولى قي عرض الأعمال الفنية الوطنية ( البيئة والتراث) لبلد الفنان المشارك.

للثقافة الثالثة, على مااظن, علاقة " بالتعددية الثقافية" المستقاة من قرارات ومقترحات ساسة البلدان المكتضة بالمهاجرين.
تعتبرالتعددية الثقافية في المجتمعات الغربية مصطلحا جديدا مضافا لقاموس التسويق الفني العالمي الذي يعتمد على بروز الفنانين المهاجرين عالميا عن طريق المعارض الجوالة في كبرى مراكز التسويق في عواصم اوربا الغربية او مدنها الكبيرة والتي تشرف عليها مؤسسات متخصصة باعتبارها جزءا حيويا من تيار " الفن العالمي المعاصر"
ان الأمر وبكل بساطة هو ان ثقافات المهاجرين عموما بدأت تؤثر في المجتمعات الغربية وتتأثر فيها وعملية التناص هذه تنتج ثقافة مختلفة أخرى.

اللعبة الخائبة

يقف المرء مندهشا امام الاعمال التركيبية الثلاثية الابعاد لتتحرك فيه انفعالات وردود فعل متباينة في مشاهدة تفاصيل العمل الفني. هذه الانفعالات تحاكي العمل سلبا او ايجابا وتدخله للمحيط المعرفي للمتلقي, وببحث المتلقي هذا تأخذ الافكار والمفاهيم بالتبلور لتدخل ضمن سجل الاسماء المعرفة, اي بمعنى آخر ان رقة تعامل الفنان مع المواد القاسية يعطيها نفسا مميزا لمسك الحقائق العابرة التي يوظفها الفنان من خلال مواده الصناعية الصلبة وبشكل مختلف عن وظيفتها الأصلية مما يخلق تضاربا معرفيا وجمة تساؤلات في ذهن المتلقي.

الفنان حقي جاسم ( جرافيكي اصلا ) واحدا من التشكيليين العراقيين الذين بدأوا بالظهور في بداية العقد الاخير من القرن الماضي, وفي اعماله, خلال السنوات الاخيرة, نجده يوظف خبراته وتجاربه الحياتية والفنية الطويلتين في بلدان اوربية كيوغسلافيا السابقة والسويد دون السقوط في الغربة اوالابتعاد عن الوطن الام او الشعور بأنه ضيفا ثقيلا على المجتمع الغربي ... هذا الشعور بالمرارة والنفور الذي يحتوي اكثر التشكيليين المغتربين الآن.

هل وضعت القوانين والضوابط لمختلف الالعاب لخلق المتعة والاثارة وعدم تخاصم طرفي اللعبة ؟
"اللعبة الخائبة" هو عنوان العمل التركيبي للفنان, المنجز بعد دراسة وبحث, والذي يتخذ من فن المينيمال([6]) مرجعية له وكثيرا مايذكرني بأعمال توني كارو([7]) من حيث صلابة المادة.
التعاسة والخيبة وعدم الجدوى واللامعقول كلمات تناغم فناني هذا التيار الفني ( المينيمال) وتتفق على اعادة الذائقة الحقيقية للأشياء الملموسة في فضاء آخر غير فضائها المفترض مع الحفاظ على الالوان الاصلية للمواد المستخدمة او اختزالها بعض الشيء.
من خلال توزيع الفنان لمواد عمله التركيبي ( العمل عبارة عن عمل واحد موزع على ثلاثة كتل متماثلة تفصلها مسافات محسوبة ومتساوية لتنهي بكتلة رابعة ترتكز على قصدية الفنان في تهشيم الزجاج ) نجده يقترب كثيرا من المفاهيمية مع تركيزه الملحوظ على مقاضاة معرفة المتلقي, اي انه ومن خلال قصديته المباشرة في تكرار الكتل الثلاثة يجر المتلقي الى بحر من الشك في معارفه وهو يتجول بين فضاءات كتل العمل ليكون جزءا رئيسيا من العمل وكأنه اختبارا لذكاء وسرعة بديهية المتلقي. عرض الفنان عمله بطريقة هندسية مدهشة لدعوة المتلقين, على اختلاف معارفهم, لدخول عالم الفنان مما يجعل عمله قريبا جدا من شك الانسان بماهية الاشياء واستخداماتها.

استخدم الفنان القطع الزجاجية المستطيلة (6 ملم سمكا و62 سم ارتفاعا لكل قطعة) ومضرب الجولف الاسطواني وكراته البيضاء والحمراء لتتخذ كل كتلة من شكل المثلث منطلقا للعمل باكمله لتأكيد وسائل التعبير الكلاسيكية للمينيمال ثم تبدأ بعد ذلك فنطازيا المتلقي في التحرك في حجم وصدى الصوت المفترض في فضاء صالة العرض الذي يحدثه تحطم القطع الزجاجية الثلاثة, ولكن الفنان هنا لايدخل المؤثرات الصوتية وربما كان قاصدا ذلك ليسمعنا لحنا ابداعيا صامتا أخر لفنانينا التشكيليين المغتربين, وليس مصادفة ان يختار الفنان الزجاج كمادة رئيسية في عمله التركيبي, فللزجاج قدرة على الحماية من المحيط الخارجي ولكنه ليس عصيا على الكسر والاختراق ليخلق توازنا بصريا وذهنيا عند المتلقي وتحفيزا على مسك مضرب الجولف لتهشيم قطع الزجاج.

هناك الكثير من التشكيليين الذين يتعاملون مع المفردة الفنية تماما كما يتعامل معها الفنان حقي جاسم ولكنه يختلف عنهم في الاقتراب من التقاليد الفنية المتعارف عليها والابتعاد عنها بنفس الوقت من خلال اهتمامه بالمتلقي كموضوعة وكجزء مؤثر من منجزه الفني دون الابتعاد عن مرجعيته في الهندسية والبساطة والحركة في عرض العمل او كما وصفه الزميل حسن السوداني ( أن الفنان قد غادر منطقة التشخيص المباشر منذ أيام دراسته الأولية منتقلا إلى مناطق التجريد البحتة مبتعدا عن كل أنواع التجريد الشلاكني الذي يحاول بعض الفنانين التشكيليين أن يزاوجوه مع الكلاسيكية للوصول إلى نوع من التقارب الدلالي بين أنتلجسيا مجتمعاتهم والحداثة في الفن) ([8]).


المراجع والهوامش

1. نحات اسباني (1876 – 1942) عاش في باريس منذ عام 1900.

2. جارلس هاريسون, الحداثة, ستوكهولم 2000, ص69.

3. موقع شبكة الفنانين المهاجرين في الاتحاد الاوربي, وصف مشروع الثقافة الثالثة:

http://www.eu-man.org/up.html

4. الفنانون العراقيون هم: علي النجار وحقي جاسم وعبد الأمير الخطيب وصادق كويش ويحيى الشيخ ومحمد حسين عبد الله.

5. شرح اسباب تأسيس شبكة الفنانين المهاجرين:

http://www.eu-man.org/why.html

6.تيار فني يعتمد على التقشف اللوني والاشكال الهندسية ومن اشهر فنانيه وليم دي كوننج وفرانك ستيلا وغيرهم:

http://dic.arabfunart.com/index4.html

7. نحات انجليزي ( 1924- ).

8. د.حسن السوداني, مراثي ملونة في الزمن العاطن:

http://iraqiartist.com/iraqiartist/Arabic/Articles/Article000024.htm

أحمد بجاي - السويد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى