القياس في السيميائيات البصرية
تقديم
ترجع أصول مفهوم القياس في السيميائيات البصرية إلى التفكير الفلسفي والمنطقي ابتداء، ثم في تعريف بورس للأيقون الذي شكل اللبنات الأولى في إرساء سميأة القياس، وبناء عليه قام النظر إلى الصورة بوصفها تعيد إنتاج بعض خصائص الشيء الممثل.
لكن التروي في فهم مايقصده بورس بالمشابهة، أدى إلى إعادة النظر في مفهوم القياس، كما أن الفعل السميائي نفسه الذي يروم دراسة شكل دلالة الصورة يتنافى والتحديدات الأولية له، مما خلق جدالا حول المفهوم، ودفع بالبعض إلى القول: إن بداية الفعل السميائي رهينة بنهاية القياس.
ولعل ما يزكي هذا الطرح الغزو الرقمي للصورة، التي حاولت استبدال الرقمية بالمفهوم الأولي للقياس. فما الإشكالات التي يطرحها المفهوم في السميائيات البصرية؟؟!!
1- بناء المفهوم
- في الحس المشترك
إن المضامين الرئيسة التي تقدمها اللغة غير العالمة للقياس، يمكن استجلاؤها في كونه تقدير شيء بحسب شيء آخر، فنقول مثالا:" قاس الثوب يقيسه" أي قدره بطوله وعرضه...إلخ، وقياس شيء على شيء آخر يمكن أن يحمل خصائصه، كما في العربية المغربية "قياس الخير على فلان"...إلخ.
- في اللغة العالمة
إن القياس في اللغة هو تقدير شيء بشيء آخر وتسويته به، جاء في لسان العرب "قاس الشيء يقيسه قيسا، واقتاسه، وقيسه، إذا قدره على مثاله". لاينزاح هذا التعريف عما تقدمه اللغة غير العالمة، حيث نلفي تصوره في الحس المشترك لازال هو نفسه.
- في الفلسفة
إن لفظ قياس في اليونانية ترجمه اللاتينيون بالتناسب بين الأجزاء فيما بينها، أو بين الكل الذي يجمعها، ثم أصبح يدل على العلاقة التي تربط بين كيانين من حيث الكمية أو الكيفية، كما في الرياضيات أوالهندسة (نجدها بين الإنسان والملاك مثالا)، ولايقترن القياس عموما بالمطابقة لأن في الحالتين معا يوجد تشابه.
وعموما، فالقياس هو تبيان التشابه في جوانب وخصائص وعلاقات معينة بين الأشياء المتشابهة، يتضح ذلك في المثال الآتي: س يمتلك الخصائص أ، ب، ج،د،هـ، والشيء ص يمتلك الخصائص ب، ج،د، هـ نتيجة لذلك من الممكن أن يمتلك ص الخاصية أ.
- في السيميائيات
يرى ألجرداس جوليان غريماص في معجمه السيميائي أن القياس في معناه الدقيق، هو هوية العلاقة التي تجمع عددا من المنفصلات، بين زوجين أو مجموعة أزواج من المصطلحات.
يعد القياس إذا مرادفا للتناسب الرياضي حيث إن معرفة ثلاثة مصطلحات لتناسب ما، من خلال زوجين، يسمح بتحديد الرابع. يصطلح على هذه العملية غالبا بـ: الاستدلال بالقياس.
إن مصطلح القياس يمكن أن يعوض بمصطلح التماثل ويعني القياس في معناه العام تشابها بين مقداري أوأكثر، وهو ما يجمع نسقا سيميائيا ما مع مرجعه في العالم الخارجي، أي في العالم الطبيعي. ويظهر القياس في قلب الجدل حينما يتعلق الأمر بالسيميائيات البصرية أوبالأيقونية، ويعتبر في أخرى محددا للأنواع السيميائية.
2-سميأة القياس
ترى مارتين جولي أن مصطلحات مثل "تشابه" و"تماثل" وقياس تستعمل باعتبارها مترادفات، ولعل هذا مايشير إليه إليزيو فيرون بصدد تعريفه للتسنين القياسي بقوله: "إنه يعبر عن وجود تماثل، أو تشابه بين العلامة وما تمثله.
تجد سميأة القياس جذورها في التعريف الذي قدمه بورس للأيقون، بكونه علامة تحمل علاقة مشابهة للشيء الذي تحيل إليه، هكذا نجد شارل موريس يقول إن العلامة الأيقونية تحمل بعض خصائص الشيء الممثل، مما جعل إيكو يرد بالقول إن هذا التحديد توتولوجي يرضي الحس السليم، لكنه لا يجيب على الإشكالات السميائية، لأنه يفترض أن عملية الإدراك عملية بسيطة تنفي أية علاقة توسط، ولايمكن للذهن المحلل أن يؤمن بهذا.
يرى إيكوأن"العلامة الأيقونية لا يمكن أن تحمل خصائص الشيء الممثل نفسها، ولكنها تعيد إنتاج بعض شروط الإدراك الحسي تحت قاعدة التسنين الإدراكي الذي يحيلنا إلى التجربة الواقعية، يقول موريس: إن صورة الملكة إيلزابيت للرسام أنيكوني تحمل خصائص الملكة إليزابيت نفسها، أي أن لها العينين ذاتها، والأنف، ولون الشعر،...عندما نقول مثالا إن لها الشكل ذاته للأنف، فإن للأنف في الواقع ثلاثة أبعاد، في حين أن الأنف في الصورة لا يتكون إلا من بعدين اثنين فقط، ويمكن القول هنا، إن ما يحمل خصائص الملكة إليزابيث ليس إلا الملكة نفسها.
يمكن أن نلمس الشيء عينه جليا عند كريستيان ميت في المقالة التي حاول فيها وضع مقارنة أساس بين المفاهيم اللسانية وكيفية انتقالها إلى السيميائيات البصرية، حيث إن القياس بالنسبة إليه هو المبدأ القادر على التمييز بين العلامة البصرية والعلامة اللغوية، فمثلا "قط" باعتباره صورة صوتية لا يماثل القط في العالم الخارجي، في حين أن صورة القط البصرية تملك هذا النزوع التماثلي. ولعل هذا مايراه أيضا فيرون حين يقول: "إن الكلمات بعكس الصور غير قابلة بأي معنى أن تكون ثماثلية للأشياء في تعيينها".
تضعنا هذه الأطاريح، وخاصة منها استدراكات إيكو على موريس وكذا ما سيأتي به ميتز حول نهاية القياس، أمام سؤال رئيس هو: ما حدود القياس في الصورة؟
تكرر الشيء نفسه عند بارسيل فايونت لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار نموذج جماعة مو، سنجد تصورا منسجما مع أطاريحها المنهجية، فهي تربط الأيقونية بدرجة المشابهة، حيث ترى الجماعة أن المشابهة ترتبط بكون أن لكل شيء له معادل موضوعي؛ فإذا أخذنا الدائرة مثلا: فهي أيقونية لأن هناك دائرة أخرى تحيل إليها، هي أيقونية كذلك لأنها ترجع إلى قسم من الأشياء الدائرية لنوع ثقافي قار"الدائرة". لكن في تمثيل الفراشة باعتبارها دائرة سنلمس أن الصورة الأولى "فراشة" أيقونية، وكذلك الدائرة أيضا فهي أيقونية، لكن داخل الإنجاز البسيط، لايوجد مقام تداولي يعطي الأيقونية للرسم.
يمكن أن يقدم اعتراض مفاده أن الدائرة قد تحيل إلى رأس، وقد تحيل إلى شمس أو غير ذلك، إن الشكل الفضائي يمكن أن يكون أيقونيا إذا كان له معادل موضوعي له المحددات الفضائية عينها(جشطالت)، وإذا لم يوجد فلا.
لقد عبرت الجماعة عن الأيقونية بوصفها "مشكلا"، حيث تعرضت لأطروحات إيكو، فجعلته أهم من تعرض لانتقاد الأفكار الساذجة التي تحضر في تعريف العلامة الأيقونية، مرورا بمصطلحات مثل"التشابه" "التماثل" "التعليل"، وأخيرا تخلص الجماعة إلى أن المرجع الذي تحيل إليه العلامة الأيقونية المرتبط بمشكل "القياس" ليس مرجعا ماديا، بل إنه "مرجع ثقافي"، واقترحوا نموذجا ثلاثيا للعلامة الأيقونية.
يمكن أن تعرف العلامة الأيقونية باعتبارها منتجا لعلاقة ثلاثية بين ثلاثة عناصر؛ أصل هذا النسق هو دحض العلاقة الاعتباطية بين الدال والمدلول، فالعناصر الثلاثة هي: الدال الأيقوني والنوع والمرجع، ويمكن اعتبارالعنصرين الأخيرين يشكلان المدلول الأيقوني.
إن المرجع هو المسمى أوالمعين، وهو مجموعة داخل قسم من الأشياء (لا يكون بالضرورة واقعيا)، أما النوع فيتميز عن المرجع، فإذا كان هذا الأخير يحمل محددات فيزيقية، فإن النوع يحمل محددات مفهومية، إذ يعد قسما؛ فمرجع العلامة الأيقونية قط، مثالا، هو شيء خاص، لكن لايحيل إلا إلى شيء يمكن أن يشترك مع مقولة دائمة "الكون قط". النوع عبارة عن صورة ذهنية ليس له محددات فيزيقية، إذ يمكن أن يتعلق بمحددات فيزيقية للمرجع (بالنسبة للقط فهو ينام ويجلس ويمشي وله ذقن...)، أما الدال الأيقوني فهو مجموعة من المثيرات البصرية المنمذجة.
3- حدود القياس
يرى إيكو أن في تعريف بورس للأيقون، الذي استلهم منه القياس، فخ؛ حيث الأيقون علامة تحيل إلى مرجع، كما لو أن المرجع يوجد حقيقة، إنه الجهة المرآوية بتعبير كامبريش، "أي إعادة إنتاج الواقع البصري"، عكس الجهة الخارطية (التعبير يتم عبر ترسيمات).
نجد أيضا أن الأيقون قد يكون تمثيلا لشيء غير موجود أصلا، مثل التنين ووحيد القرن، غير أن بورس أيضا يحصي ضمن الأيقون الرسومات البيانية، والمعادلات الرياضية، والعلاقات المنطقية، وبعد ذلك يرى ضمنيا أن الأيقون صورة ذهنية.
نستنتج إذا أن الأيقون عند بورس لايجمع أشياء مدركة حسيا، ويوجد لها معادل موضوعي في الواقع، بل من خلال الوعي باعتباره صورة ذهنية. ومن هذه الرؤية انطلق إيكو للقول بأننا لانتواصل مع الأشياء بطريقة تلقائية، بل عبر وسيط إلزامي هو ما يسميه البنية الإدراكية أوالنموذج الادراكي، والقياس في نهاية التحليل لايوجد بين الصورة والواقع، بل بين الوعي أو البنية الإدراكية والصورة (انظر مثال الحمار الوحشي الذي يقدمه إيكو). إنه يشير إذا إلى قرابة خفية.
فهل هذه الحدود التي رسمناها للقياس استنادا إلى إيكو خصوصا، تعد البوادر الأولى لنهايته بالمعنى المتعارف عليه سالفا؟
4- نهاية القياس بداية للفعل السيميائي
هذه مصادرة يمكن تسجليها من السؤال الآتي، إذا سلمنا بأن الصورة تشبه الموضوع الذي تحيل إليه، حينما يتعلق الأمر ضرورة بالفوتوغرافيا... فمالذي يميز رؤية السيميائي عن رؤية الرجل العادي؟ بمعنى إذا كنت أمام صورة والصورة هي لـ زيد، وقلت إن الصورة هي لـ زيد، وكل من عرف زيدا سيقول الكلام نفسه، فماذا سيضيف السيميائي بالنظر إلى الرجل العادي انطلاقا من هذا المنظور القياسي؟
إذا كان هدف التحليل السيميائي ليس الوقوف عند ما يقدمه المعنى المباشر، وما تحيل إليه الأشياء بشكل تلقائي، فإن القياس بالمعنى البدئي، سيبقى حجر عثرة أمام السيرورة التدليلية. إن المنظور السميائي يفرض على الباحث التمييز بين عالمين للصورة، عالم مدرك، وعالم محقق، العالم المحقق هو ما يشترك فيه السيميائي والرجل العادي، والعالم المدرك، أي ما تحيل إليه التجربة الإدراكية، هو ما يجعل الفعل السيميائي واردا. يبرر ذلك هو أن كل واحد منا ينظر من زاوية مخصوصة إلى الصورة، أي كل له عالمه المسقط.
وحتى لا نبقى في هذا المستوى التجريدي نقول: إن ما نراه نحن متشابها قد يراه السميائي غير ذلك، إن الأمر يرتبط بنظرة العالم. يقول إيكو: نحن نعلم مثلا أن الساكرين يشبه السكر، لكن التحليل الكيميائي أوضح العكس تماما، حيث إن المادتين ليس لهما الخصائص المشتركة نفسها، فالسكر هو سكر ثنائي صيغته الكيميائية (C12 H22 O11)، بيد أن الساكرين مشتق من حمض سولفاميدوبينزويك سنقول إذن إن ماسميناه بالخصائص المشتركة لا يتعلق بالمكونات الكيمائية، بل بالأحرى بالتأثير المنتج من قبل المركبين على السنتتا الذوقية. إن كل واحد منهما حلو، كما أن الحلاوة ليست خاصة المكونين معا، ولكنها نتيجة وضعها على لساننا، والحلاوة الموجودة في الساكرين ليست هي الموجودة في السكر.
كما نجد أن رساما ما يعرف درجات خضرة اللون, ولكنا نرى اللون نفسه. من هنا يرى إيكو أن القياس ليس إلا شبكة من الترابطات التي تحددها التجربة الساذجة. ويمكن أن نخلص استنادا إلى هذه المعطيات إلى ما اطمأن إليه ميتز بقوله:" إن القياس البصري يخضع لتغيرات كمية وكيفية، فالتشابه يختلف من ثقافة إلى ثقافة أخرى، كما يختلف من فرد إلى فرد آخر".
ومهما حاولت النسخ، بتعبير إيكو، أن تحاكي النموذج، فإن هذه المحاكاة تكون أشبه بنملة تضاهي فيلا، أي ستظل دائما قاصرة مطلقا، ويقدم إيكو مثالا للتبسيط، يقول: لو أننا طلبنا من نجار أن يعيد صنع كرسي كالذي يراه أمامه، فإن هذا الكرسي الذي سيصنعه لن ولن يشبه السابق مهما بدا لنا كذلك.
دفعت هذه الملاحظات وغيرها كريستيان ميتز للقول بنهاية القياس وبداية الفعل السيميائي، الذي يقوم على التفكيك والتجزيء، وإعادة البناء، ولا يكترث إلى النسخ، بل إلى النماذج التي تعد ابتداء البؤرة الأولى لبناء النسخ وضمان بقائها، فما نراه أمامنا ليس إلا نسخا متحققة تحاول أن تحاكي نموذجا، وشتان بينهما، ولعل هذا ما يدفع إلى استبدال أشياء أخرى بالقياس تعد الكفيل بتجاوز قصوره.
5- من القياسية إلى الرقمية
تميز مارتين جولي بين القياسي والرقمي حيث تقول: "إن الصورة القياسية هي صورة تنتج من قبل إجراءات اللغات المتصلة،(صور فوتوغرافية، صورفيلمية، فيديوغرافية)، أما الصورة الرقمية فهي المتقطعة أوالرصينة )الصور المركبة(.
ويرى إيكو أن مايمكن أن نقوله للبرهنة على أن العلامة الأيقونية اتفاقية أنها لا تعيد إنتاج خصائص الشيء الممثل، بل تنتقي بصدد نسق ما بعض شروط التجربة، إنها تشكل النموذج القياسي، كما في التحسيب؛ فنحن نعلم مثلا أن الحاسوب الرقمي، أي الذي ينبثق عن إجراء ثنائي، ويجزئ الإرسالية إلى عناصر رصينة أو قياسية، أنه يعبر مثلا عن قيمة رقمية من خلال شدة تيار مؤسس لتوازن صارم بين مقدارين، لكن مهندسي التواصل يفضلون استعمال التعبير"نموذج قياسي" بدلا عن الحديث عن قياس ".
إن الحركة السيميائية تحاول من جهة أولى البرهنة على أن كل إرسالية تستند إلى اتفاق، لأننا عندما نعرف الاتفاق نفسر الإوالية، ومن جهة أخرى هي تبحث من أجل انتاج أواقتراح إوالية السنن الذي يقع تحت طائلة الرسالة، لأنها تنتج لكي تعرف. لقد عرفنا أن التفسيرات التقليدية للعلامة الأيقونية لا ترجع إلى طبيعته (لما يستعمل علامة) فقط لأنها تعتقد أنه طبيعي، وأنه يستند إلى سنن غير قابل للتحليل بمعنى أنه قياس اطلاقا، إن العلامة الأيقونية اتفاقية لأنها لاتستند إلى سنن قياسي، بل إلى سنن رقمي.
هكذا نرى أن الخطاب السابق المتعلق باتفاقية العلامات الأيقونية، سوف لن يكون له معنى إذا لم نبرهن أن العلامات الأيقونية هي رسائل معتمدة على أسنن رقمية، وكل الأسنن الأيقونية تعود إلى أسنن رقمية.
إن كل صورة يمكن أن ننتج رقميا بواسطة الحاسوب، حيث يحول الصورة إلى قطعة معدنية قياسية، والصورة في الحاسوب تصدر من خلال اشعاعات مهبطية، ويمكن في الأخير أن نختزل القياسية في الرقمية.
6- القياس والبيداغوجيا
يقدم فيليب شووي في مقالته (السيميائيات وبيداغوجيا الخطاب الإشهاري) ثلاثة أسس مهمة لاشتغال الصورة البيداغوجية في علاقتها بالطفل:
1- تقديم ميكانيزمات الخطابات (تنوع تجلياتها واستراتيجياتها).
2- تؤسس لاكتساب الأنسقة السميائية والتداولية والبلاغية.
3- لاتفترض في القارئ اكتساب معرفة سابقة.
من خلال النقطة الأولى، يفترض أن يتم التركيز على إواليات اشتغال الخطاب، حيث انطلاقا من هذا الصدد يتم اعتماد الصورة كأنها أيقونية %100، حيث إن الأهم في هذا هو التعلم والتبسيط، كما ترى جماعة مو، يجعل من الصورة أكثر تشابها، ترضي الحس السليم بتعبير إيكو.
إن المهم في الاكتساب ليس الصورة، وإنما اللغة، وبالتالي فالصورة تعد دعامة، حيث التواصل، كما يشيربارسيل فيانط، يتم من خلال تدعيم "النمذجة التواصلية" (مرسل ورسالة ومرسل إليه) داخل قيم يمتلكها المتلقي، حيث يتم انتقاء الصور الواردة، وإبعاد الصور غير الواردة.
كما أن الطفل عند تلقي الصورة لا يفترض فيه معرفة عميقة بكيفية اشتغالها، وإنما يتم من خلال كونه يرى أن الصورة تشبه شيئا ما في عالمه الخارجي؛ وهذا المعطى يفترض انتقاء الصور التي لها معادل موضوعي في العالم الخارجي الذي يرتبط به الطفل في تنشئته الاجتماعية.
إذا كانت وظيفة اللغة الأساس هي التواصل، وهذا التواصل يتضمن إبلاغا لرسالة ما، قد تفتقر في بعض الأحيان، إلى إواليات تمكنها من تحقيق وظيفتها، فإن التواصل داخل أقسامنا لا يتم من خلال اللغة وحسب، وإنما من خلال قنوات أخرى أهمها الصورة، وقد عبرت إليزا دوليتل عن امتعاضها من اللفظي الجاف فقالت: (كلمات، كلمات، إني أصبحت مريضة بالكلمات)
ولم يكن استعمال الصورة في التعليم شيئا جديدا أو فكرة مبتكرة، حيث نجد في الإغريق منذ 3000 سنة، أن الرياضيين الفيتاغوريين كانوا يرسمون صورا هندسية فوق الرمل ليوضحوا دروسهم من خلالها.
أثبت بحث ميداني في الولايات المتحدة الأمريكية أن الطفل الذي يقرأ حكاية مصورة كل شهر، سيقرأ ما يربو مرتين حجم المصطلحات المفهومة داخل الكتاب المدرسي.
وقد أجريت أيضا تجربة على نحو400 تلميذ: المجموعة الأولى من هؤلاء التلاميذ تسلموا نصا من حكاية مصورة، أما المجموعة الثانية فتسلموا النص نفسه لكن مطبوعا مكتوبا، بعد الاختيار، لوحظ أن النتيجة التي حصل عليها أطفال المجموعة الأولى تجاوزت 30./. متوسط الحاصل من قبل المجموعة الثانية".
يزكي هذا الطرح التجارب البياجية التي أثبتت أن الطفل في الاكتساب يستجيب للصور أكثر مما يستجيب للكلمات.
اقترح فيتجنشطاين تعليما توضيحيا يربط الكلمات بالأشياء حين اكتساب اللغة، حيث يعمل المعلم في تدريب الأطفال على النطق بالكلمة، ثم بعد ذلك يظهر صورة الشيء الذي تحيل إليه، يرتبط هذا بالسنوات الأولى للدراسة، مثلا في الأقسام الابتدائية الأولى، إن هذا التعليم بهذا الشكل يعد مرحلة مهمة لتدريب الأطفال على الاكتساب (علما أن تصور فيتجنشطاين للأيقون شبيه تماما بتصور بورس له).
يمكن القول إذا إن التعليم االتوضيحي، يؤسس ربطا تجميعيا بين الكلمات والصور التي تحيل عليها في العالم الخارجي، ويدل هذا على أنه عندما يسمع الطفل الكلمة تحضر في ذهنه صورة الشيء الذي تمثله، ويشبه تمثل الطفل لصورة ما من خلال الكلمة عبر التعليم البرهاني بنقر على لوحة مفاتيح الحاسوب للتمثل.
وإذا عرجنا نحو ميتز نجده يميز في الصورة والبيداغوجيا(التعليم)، بين جهتين مختلفتين: تعليم الصورة، والتعليم بواسطة الصورة، ومن الواضح أن هذا التمييز إجرائي، يمكن أن نجد جذورا مشتركة للفرعين معا، حيث تتحد الإواليات عندما نعلم بالصورة وعندما نعلم الصورة.
تتضمن دروس الصور دروس الكلمات والأشياء، حيث يمكن أن نستشف أن التعليم بالصورة هو أقرب من التعليم بالكلمات، لأن الكلمات لاتدل بشكل مباشر.
نتائج
يعد القياس في السيميائيات معضلة بين منظري هذا الحقل المعرفي، فإذا أرادت السيميائيات البصرية أن تنفلت من اعتبارها فقط إبدالا نظريا، فعليها تجاوز الإرهاصات الأولى للقياس، لأن الفعل السيميائي لا يقف عند المعطيات المباشرة بل يتعداها إلى خلق نماذج من خلالها يحدد رؤيته للتجربة الإنسانية باعتبارها علامات تجعل من نهاية القياس أمرا واردا.
[1]