الأحد ١٧ آذار (مارس) ٢٠١٩
بقلم سلوى أبو مدين

الهايكو

الهايكو هو شعر ياباني قديم، القصيدة فيه قصيرة جداً، وهو أكثر قدرة على اختزال الأفكار والمعاني الكبيرة، في كلمات قليلة.

الهايكو يختصر الحديقة في زهرة، والسماء في ريشة من جناح عصفور، والشمس في شعاع ضوء.

هو عالم ساحر، يعتمد على الصور التي يقدمها الشاعر من خلال ما يراه ويستمده من إلهام الطبيعة أو معاناة الإنسان. ومن أبرز من أسهموا في هذا الشعر أمثال ميشيما، وكاواباتا، وفوكازاوا، وأوي وتانيزاكي وباشو، إضافة إلى سانتيوكا. وتتألف قصيدة الهايكو من ثلاثة أبيات وتصل إلى خمسة.

* مساء ربيعي

الطيور تهجع

النجوم تشتعل

* تحت المطر

كأنها ملتوية

شجرة الأجاص المزهرة

* السنديانة العتيقة

تتأمل

أزهار شجرة الكرز

الهايكو ثمرة إفراط ونتاج قرون من الثقافة، بصورة متناهية فالصور الشعرية تخرج في سطور شعرية ثلاثة مثل برعم الوردة، فتصادف المعنى رائحة وأحياناً نكهة، يتراوح بين صليل الأجراس والعصافير الفارة من النافذة.

* مطر خريفي

الشارع ينتظر عابراً

* قمر تشريني

مزقت وجهه الغيوم

* زنبقة البوكا

أوراقها عنيدة

الريح تهب عبثاً

* على النافذة

غصن صفصافة يحي بلا كلل

* ديك يصيح

الغيوم تتمطى

الصباح خريفي

* العشب الصبور يتلقى

الأوراق الخريفية

يعد الشاعر (ما تسو باشو) من مجددي هذا الفن. وليس من فاصل في هذا الشعر بين الجزئي والكلي، بين الوضيع والرفيع، وبين المحسوس والمجرد، إذ إن الوجود الحقيقي للأشياء لا ينتهي عند حجمها المادي أو المحسوس بل يصبح جزءاً لا يتجزأ من روح العالم وموجة صغيرة لا تنفصل عن المحيط الكبير. وهو ما يمكن أن يساعدنا على فهم قصيدة صغيرة من نمط (في صوت المياه) الذي لا ينقطع حيث الكل متداخل في الكل.
وحيث تمارس الكائنات نوعاً من الحركة الدائبة التي يتربى في داخلها إيقاع العالم وسرُّ بقائه. وفي داخل السياق نفسه تقع قصيدة أخرى مثل:

* العظام صامتة الآن

عادت عبر البحر

أو في العشب الذي داسه الحصان

أزهار في أوج تفتحها).

الجسرُ المعلّق
يَلُفُّ على حَيَواتنا
اللباب المُعترشة

على المروحةِ
أَضَعُ الريح الآتية من جبل فُوجي
تلك هي ذِكرى إيدو

تُمَدَّّدُ
ساقُ مالكِ الحزين
بأن نضيف إليها ساق الديق البرّي

يَمُرُّ الربيع
تَضِجُّ الطيور
تَدْمَعُ عيون الأسماك

يا لها من متعة !
وادي الجنوب
يُحَنِّط الثلوج

على غُصن يابسٍ
حَطّتِ الغربان
مساءَ خريفٍ

سُكونُ مستنقعٍ قديمٍ
نَطَّت ضفدعةٌ
تَعَكَّرَ الماء

ضبابٌ ومطر
اخْتفى فُوجِي. لكنني الآن أمشي
جَذْلاناً

أعشابُ الصيف
محاربونَ بواسل
أَثرُ وَهْمٍ

أَيُّ هذا الخريف
لمَ عليَّ أن أشيخ؟
طائرٌ بين السحبِ

وأعتقد جازمة أن قصيدة الهايكو اليابانية، ستطرح أسئلة جدية وعميقة على شعرنا العربي وتدفعه ولو بالتدريج إلى التخفيف كثيراً من إنشائيته وزخرفيته وإطالاته المفرطة.

ترجمة القصائد : عبد النبي ذاكر


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى