الاثنين ٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٨

ترجمة جديدة لكتاب الموريسكيون في المغرب

عبدالله الصغير

كانت الضفة الجنوبية لشبه الجزيرة الإيبيرية محكومة تاريخيا بالتغيرات التي ظهرت في موقعها الجغرافي، لكن هذه الأحداث كانت مهمة جدا، وقاطعة لشبه الجزيرة كلها، حيث لا نستطيع أن نعرف جيدا تاريخ إسبانيا، دون أن نفهم بالتحديد ما يحدث في الضفة الأخرى من مضيق جبل طارق، والذي وضع الشكل النهائي لهذه الواجهات الجنوبية.

الموريسكيون في المغرب، هذا هو الموضوع الأساسي، والوحيد تقريبا في هذا الكتاب. إنه إسهام آخر في تفسير هذا اللغز الذي بقي من تاريخ هذا الشعب في المنفى.

وخير مثال على ذلك، المشكلة الموريسكية، أو بمعنى أصح المأساة الموريسكية، تلك المأساة التي يبدو أنها بدأت عقب سقوط الحكم الإسلامي في إسبانيا، وامتدت طوال القرن السادس عشر الميلادي، وكانت لها نهاياتها الظاهرية بقرارات الطرد، التي نفذت منذ عام 1609م. و حتى عام 1614م.

إنها نهاية ظاهرية، لأن المشكلة المأساوية لم تنته عندما عبر الموريسكي المضيق. ولم تنته بالنسبة للبعض، والبعض الآخر. لا بالنسبة للمنتصرين القدامى، ولا بالنسبة للأقلية المهمشة.

إن التاريخ الإسباني لم يقم بدراسة ما حدث عندما استقرت هذه الأٌقلية في دول شمال إفريقيا، إلا قليلا وبانحياز، ومجمل القول، إننا نجهل ماذا كان مصير الموريسكيين في المغرب، ممن هاجروا بكثرة وسرا، طوال القرن السادس عشر الميلادي، أو الذين وصلوا عندما حدث الطرد النهائي في القرن السابع عشر الميلادي.
حقا، إن هناك بعض العوامل المهمة جدا، ساهمت في هذا الجهل، من أهمها قلة المصادر، وثانيها اعتقاد مؤرخي أحد الأطراف، أو حتى الطرف المعارض، أن الموريسكي فقد تاريخه عندما غادر إسبانيا، حيث أنه الآن لا يشكل شعبا، ولا حتى أقلية مختلفة. فليس لديه كيان ولا حدث. وأحيانا تكون هناك اشارة صغيرة تشير إلى وجوده، فقد اختفى غارقا في مأساته الخاصة.

إن الذين أوجدوا حالة انعدام الأمان الرهيبة في أراضي، ومياه البحر الأبيض المتوسط الغربي، لم يكونوا موريسكيين، بل كانوا قراصنة من البربر. ولم يكن الموريسكيون هم الذين أوقفوا في أكثر من فرصة حاسمة، الهجوم البرتغالي على مملكة فاس، بل كانت القوات المغربية، والتي قلما ساعدها بعض الأندلسيين. وقد ينسى أنهم مؤسسو مدن في مغرب غارق في الفوضى عبر قرون. وهكذا، وبالرغم من هذا التغيير، يختفي تاريخ مشوق، وأليم، ولكنه لا يخلو من العظمة، فبطله هو شعب فقد جذوره المادية، ولكنه تعلق بجذور روحية أخرى كي يعيش ككيان مستقل.

منذ أعوام، وبالتحديد في عام 1974م، كتب غييرمو غوثالبيس بوسطو في إحدى دراساته شيئا عن الموريسكيين في الفترة الثانية من نفيهم الإجباري إلى المغرب، والذين أسسوا مدينة الرباط، وحركوا عجلة تاريخ هذا البلد المغربي طوال ما يقرب من نصف قرن.

هؤلاء الأورناتشيون (Hornacheros) والأندلسيون، أسسوا في جنوب البلاد، كما هو معروف جمهورية مستقلة في القرن السابع عشر الميلادي. لم يكن يعرف عنهم أي شيء، أو كان يعرف القليل جدا، عن المنفيين في شمال مملكة فاس، وبالأخص في ذلك الجزء الشمالي المغربي، الذي لعبت جغرافيته السياسية دورا حاسما جدا في التحول التاريخي للضفة المواجهة.

لقد أسهم المؤلف في التعريف بأولئك المنفيين، الذين توجهوا إلى هذا المكان الاستراتيجي في المرحلة الأولى بعد سقوط دولة الإسلام الإسبانية مباشرة، وقدم السيرة الذاتية للمنظري مؤسس مدينة تطوان. واليوم يحاول بهذه الدراسة التي يقدمها، أن يكمل رؤية المنفى الموريسكي لشمال المغرب، في مرحلته النهائية، مع ربطها بالمعلومات التي كانت لديه عن الفترة الأولى.

وهذا ليس كثيرا، لأن التوثيق ليس تاريخيا فقط ، ولكنه أراد أن يستفيد منه بسبب المعلومات العديدة التي يقدمها. فنحن مقتنعون بأنه هذه الدراسة ستساعد بدرجة كبيرة في معرفة تاريخ الموريسكيين في المنفى، وفي هذه الحالة بالتحديد، و في معرفة نفس التاريخ بالمغرب. إنها دولة قريبة جدا، ومع ذلك بعيدة جدا عن أذهاننا، وبالأخص عن تلك التي يحاول تقصي الماضي وتقديمه للأجيال الجديدة. هذا الموضوع هو جزء من دراسة أطول، ليس هذا هو الوقت للحديث عنها.

يلاحظ في هذا الكتاب أن الفصول العشرة أو الأبواب التي تكونه، نجدها تشير كلها تقريبا إلى مدينة تطوان. فمن جانب يرجع هذا إلى أن المخطوطات التي كانت بين أيدينا تشير إلى هذه المدينة، ومن جانب آخر، أنه كانت هناك الحاجة في شمال المغرب إلى دراسات أكثر للبحث في هذا المجال.

ففي تاريخ المغرب سنجد أجوبة للكثير من التساؤلات، والتي لا تزال مجهولة من تاريخ إسبانيا ذاته.

عبدالله الصغير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى