جَنينْ
كَتَمَتْ وجَعَ السِّنين بِعَضَّةٍ أدْمَتْ شَفَتيْها، وحَبَستْ دموعَها في سِجْنٍ ضاقَ بها إلى أن هَوَتْ مُنْسابةً على وَجْنَتَيْها الشّاحبتيْن. تَحَرَّك مَلاكُها الصغير في أحشائها مَرَّةً أخرى وكأنه يُؤنِّبُها على إبقائها له في ظُلْمةِ رَحِمِها كُلَّ هذا الوقْت. تَرْبِتُ على بَطْنها مُداعبةً عُنْفَ رَكلاتِه بِرقَّة، فيعود إلى رَكْلها من جديدٍ بطريقة أقسى وأعنف معلناً رَغْبةً جامحةً في الخروج إلى الحياة، ومُكَبِّرات الصَّوْتِ مازالت تُرَدِّدُ بالعَرَبيَّة المكسرة: ممنوع التجول.. إللّي بطلع من بيته ما يلوم إلاّ حاله..!!
تُعِدُّ العِدَّةَ وتفتحُ بابَ بيتها لتجدَ رُكامَ الأبنية المحيطةِ في استقبالها. هل تعود أم تمضي..؟ وكيف لها أن تمضي وسط هذا الدمار..؟!
تقفُ موليةً ظَهْرَها للبابِ كالمسافر الذي يَخْشَى توديعَ بيته. تُثَبِّتُ ساقَيْها في الأرض وتغرسهما أكثر وأكثر.. ترجو الله أن يعينها في محنتها التي اختار لها أن تكون وحيدة في مواجهتها. لم تكن إلا لحظات قصيرة تلك التي وقفتها في بابها حتى وكانت رصاصات جيش الإحتلال الإسرائيلي في استقبالها. أخطأتها الرصاصة الأولى لكن الرصاصة الثانية كانت لها بالمرصاد. رصاصة واحدة في عنقها قدرت لها أن تترك جنينها وحيداً يصارع الحياة يتيماً.