(حميدو ) والمدينة المفقودة
أمضى السيد ( حميدو ) سنواتٍ طويلةً يبحثُ عنِ البطولةِ المشرفةِ التي ترفعُ رأسهُ شامخاً بين الأعداءِ الخفيين الذين ينتظرون بفارغِ الصبرِ لحظةَ ضعفهِ ، لينقضوا عليه ، ويسلبوهُ حلمهُ بأرضهِ المختفيةِ عن العينِ ، تساءل مراراً : لماذا اغتصبوا منه أرضهُ ؟ ما الذنبَ الذي ارتكبه، ليستحقَ الشتاتِ والضياعِ بين البلادِ المختلفة؟!
بحثَ عنْ مدينتهِ المسلوبةِ طويلاً ، ونبشَ الأرضَ ظاهرها وباطنها.
ولم يجدْ لها ولا لشعبه أثراً ، وتشعبتِ الأقاويلُ حولَ اختفائها ، فمنها من ادعى أنها مدفونةٌ تحت الترابِ لا أحد بإمكانه الوصولَ إليها ،ولا حتى أجهزة الرصدِ.
ومنها من قالَ أنَّ شعبَهُ تنازلَ عنْ أرضِه ، وحذفها من خارطةِ الكرةِ الأرضيةِ ، ولكنه كانَ يدافعُ عنه بقوةٍ ، فما زال يذكرُ المعاركَ الباسلةَ التي اشتركَ فيها مع أبناءِ بلدهِ ، من يحاربُ بتلك الشجاعةِ لا يتخلى بسهولةٍ عن موقعهِ في الخارطةِ! ... ومن حينها قطعَ على نفسه عهداً أنْ ينحتَ حجرَ الأرضَ بحثاً عنها ، ليعيدَ مجدها من جديدٍ ، وسلَّحَ نفسهُ بالعلمِ والمعرفةِ ، وأتقنَ فنونَ ( الكونفو ) وتعلمَ معها الصبرَ والتصميمَ على الهدفِ، والقتالِ الشريفِ لاستردادِ ما أخذِ دونَ وجهِ حق.
كانتْ مهمةُ ( حميدو ) إنقاذِ أبطالِ الأفلامِ الذين سرقهم لصوصُ التصويرِ ، وتاجروا ببطولاتهم في السوقِ السوداءِ ، وإعادتهم إلى عُلبهم وأشرطتهم الملفوفةِ ... كان يفرحُ لرؤيةِ الابتسامة على ثغورِ الصغارِ، لعودةِ أبطالهم إلى شاشاتِ العرضِ.
أما الآن جاء دورهُ ، لدخولِ الفيلمِ الذي عُرضَ في طفولتهِ ، وسُرقتْ منه الأبطالُ والأرضُ .. ضربَ رأسه بيده كأنما غابَ عن فكره شيء وعاد....
ـ آه .. لقد تذكرَت الخارطةَ القديمة سأبحثُ عنها، لأجدَ مدينتي المفقودةَ .
وعلى ما يبدو صرَّح ( حميدو ) بصوتٍ عالٍ برغبته في دخولِ الفيلمِ ، وإنقاذهِ لأهلهِ ، فسبقهُ الأشخاصُ الذين كانوا يلاحقونه منذ خروجه من وطنهِ ، ليخفوا الخريطةَ عن عينيه ، ويفشلوا كلَّ محاولاته ،وجدَ نفسهُ في أماكنٍ مرَّ فيها من قبلٍ ، وعادتْ الذكرياتُ والدموعُ في عينيه ، ورأى في داخلهِ طفلاً ينمو من جديدٍ ، وسار بخطواتٍ حذره بينَ أشرطةِ الفيلمِ ، باحثاً عن الخريطةِ ، وفي خلالِ رحلتهِ صادفَ رفيقَ عمره (شكُّور ) الذي فقده منذ خروجه عن أرضه ، وتعاهدا على النضالِ حتى النصرِ، ودلَّ ( شكور ) صديقه على مكان الخريطةِ المحجوزةِ في المتحفِ ، وأخبره أنَّ اليومَ يُفتحُ المزادِ ، لبيعها ، أسرع ( حميدو ) بمجردِ سماعهِ كلامِ صديقه إلى المتحفِ ، وحصلَ عليها بمبلغٍ مرتفعٍ، كتبِ على ( الأفيشات ) بعد انتهاءِ الفيلمِ ( .....1 دولار ) وجرّة من الذهبِ ، واتبعا إشارات الخريطة ، ليستدلا على أرضهما المختفيةِ، وسارا في الصحراءِ أياماً طويلةً ، ثمَّ دخلا في سراديب تحت الأرضِ ، ليختصرَا المسافةَ ، وفي خلالِ سيرهما الطويلِ شعرَ (حميدو ) بخطواتٍ تسيرُ خلفهما ، فالتفت خلفه كالنسر ِالشامخِ ، فلم يبصرْ أحداً ، وظلَّ متيقظاً ليلاً نهاراً لأيِّ اعتداءٍ عليه ، واشتبك أكثر من مرة مع بعضِ قطّاع الطرقِ ، وتغلبَ عليهم بمهارته ، وسرعةِ حركاته ، وإنْ ضايقته تلك الاشتباكات فهي تؤخرهُ عن هدفهِ ، وأرضهِ ، ولوعةِ اشتياقهِ تزدادُ يوماً بعد يومٍ و...... فجأة وثب شخصٌ أمامهُ ، وتأهبَ ( حميدو ) للمبارزةِ ، لكن الرجلَ سقطَ بين يديهِ طالباً إنقاذه ُ من لصوصِ الأساطيرِ،لأنَّ لديه قدرةٌ على فكِّ طلاسم الخرائطِ القديمةِ ، أنقذهُ حميدو
بعدَ شباكٍ عنيفِ معَ اللصوصِ ، وقالَ له بصوتٍ عالٍ :
ـ أنا بحاجةٍ إليك يا حلاَّلِ العقدِ ، سترافقنا في رحلةِ البحثِ عن جذوري كان خطأُ ( حميدو) الوحيدُ تصريحه بنواياه ، ساهياً عن الآذانِ المتصنتة عليه ، وسارَ الجميعُ خلفَ ( غالي ) الذي حلَّ رموزَ الخريطةِ وبدأتْ رحلةُ الألفِ ميلٍ بخطوةٍ نحو الهدفِ المنشودَ ، وكانت رحلتهم شاقةً مليئةً بالمخاطرِ فحاربوا الحيواناتِ الخرافيةِ التي كانت محجوزةً لمئاتِ السنين في أقفاصها ، لكنََّ الأعداء المجهولين أطلقوا سراحها لتعرقلَ مسيرتهم نحوَ المدينةِ المفقودة . وخرجتْ لهم منَ الشقوقِ
شخصيةٌ غريبةٌ يختلطُ فيها شكلُ الإنسانِ والحيوانِ ، خافوا منه أو منها لكنها بررت لهم شكلها المخيفَ ، بأنها نتيجةَ تجاربَ إنسانِ القرنِ الجديدِ ، فأصبحت مسخاً مشوهاً ، أشفقَ ( حميدو ) على المسخ وقررَ أنْ يرافقهم في رحلتهم ، على الرغم من اعتراض ( غالي ) على وجوده ، فهو يعرفُ القصصَ الخرافيةَ وكذبها ، لكن ( حميدو ) لم يسمعْ مشورةَ ( غالي) مما أوقعهم في مشكلاتٍ كثيرةٍ .
وبعدَ جهدً جهيدٍ وصلوا لآخر نفقٍٍ في الخريطةٍ ، وهالهم ما شاهدوا فالمدينةُ مسورةٌ بالحديدِ من كلِّ الجهاتِ ، ولم يجدوا منفذاً ، للدخول فيها ، وكان شغلهم الشاغل كيفية الدخولِ ، ولم ينتبهوا لنظراتِ المسخِ الغريبةِ، أما ( حميدو )فاقترابه من أرضه ، وتفكيره بمفتاحِ الدخولِ أكلا فطنتهِ المعهودةِ ، وأخذ يفكر بكلَّ طريقةٍ حتى وجدَ المنفذَ الآلي وفتحه بخبرتهِ وذكائهِ ، وكانت المفاجأة الكبرى بانتظاره ، فشعبه منغلقٌ خلفَ أسوارٍ عاليةٍ لا يرون الشمسَ ، وكلهم فتيةٌ وصغارٌ في السنِّ لا يشيخون ، لاحظَ أنهم يشربون من كأسِ ماءٍ تمنحهم السنواتِ القليلةِ ، حتى لا يفكرون بحالهم، ويبقون على ماهم عليه ، صرخ ( حميدو ) فيهم عالياً:
ـ أفيقوا.. انتبهوا إلى ما يحصلُ حولكم ، أنتم ضحيةُ مؤامرةٍ ، لإخفائكم عن العالم ، اكسروا الكأس بإرادتكم ، وعودوا لأعماركم الحقيقية ، لتتغلبوا على عدوكم .
لكن كلام ( حميدو ) لم يؤثرْ بهم ، وحرسوا الكأس خوفاً من فقدانه .
أما المسخ فكان يخططُ مع أشكاله الهجومَ على المدينةِ ، والتهام حميدو
وأهلهُ ، فكمْ أفشلَ ( حميدو) خططهم ، وساعدَ على عودةِ أبطالِ الأفلامِ للقضاءِ عليهم ! وقرروا قتلَ أهل المدينةِ ، وسرقةِ الكأس ، وتجربتها على أنفسهم ، لتزيدَ من أعمارهم ، لأنهم كانوا لا يعيشون طويلاً ،
واتفقوا على الهجومِ في الليلِ وقبلَ أن يزولَ مفعولُ الكأس ، ويتخلصوا منهم قبلَ أنْ يكبروا ، ويستعدوا للمبارزةِ ، ونفذوا هجومهم بعد نومِ الجميعِ ، لينتصروا غدراً ، أفاق ( حميدو ) على الصراخِ وصوتِ الأسلحةِ ، ودافعَ مع صاحبيه بكلِّ قوةٍ ، لكنهم قلّة أمامَ كثرةٍ ، ليس أمام ( حميدو ) إلا كسرَ الكأس ، ليعود أهله أقوياءَ شجعان ، حاول الوصولَ إليه ، لكنَّ الوحوش التفتْ عليه ، وأخذَ يحاربها طوالَ الليلِ ، وعينه على الكأسِ ، فرأى بنتاً صغيرةً تتجه نحو الكأسِ، وتسحبه بكلِّ قوتها ، لتسقطها على الأرض ، والتفتَ الكلُّ إلى الصوتِ ، وقطعِ الزجاجِ المتناثرةِ تحت أقدامهم ، وأشرقَ الصباحُ ، وعادوا لأعمارهم الحقيقيةِ ، ودافعوا عن أ رضهم ، أما البنتُ الصغيرةُ كانت أمَّ حميدو
بطلةٌ أنجبتْ منقذَ الأبطالِ....... خرجَ ( حميدو) من الفيلمِ منتصراً على مغتصبي الأرضِ ، وقفَ أمامَ خارطةِ العالمِ ، وتنهدَ بارتياحٍ عندما وجد مدينتهُ عليها .