علي السّتراوي في حوار مع ديوان العرب
السّتراوي: "علينا كأدباء، وإعلاميّين أن نكون أوَل من يندّد بالظّلم الواقع على الشّعب الفلسطينيّ"
* موجز السّيرة الذّاتيّة للضّيف
– شاعر وكاتب وإعلاميّ من مواليد المنامة في البحرين.
– يرأس القسم الثّقافيّ في جريدة أخبار الخليج في مملكة البحرين.
* الإصدارات:
ديوان "المرافيء المتعبة "صدرَ عام 1995م عن دار الكنوز اللبنانية.
ديوان " فضاء " صادر عام
2001 عن المؤسّسة العربيّة.
ديوان "على راحة قلبي " 2008
عن دار الانتشار العربي.
ديوان "امرأة في ضيافة القلب "
2014 عن مجلّة الرافد/ الشّارقة
ديوان "فصول لسيرة واحدة "
صادر عام 2019
عن مؤسّسة الأيام للطّباعة والنّشر.
رواية " النديد " صادرة 2018
عن مؤسسة أفكار للطباعة والنشر/ البحرين.
ديوان " خاصرة الريح " 2022
صادر عن دائرة الثقافة والإعلام/ الشّارقة
ديوان "ذاكرة الماء" 2024
صادر عن دار ديوان العرب.
بالإضافة إلى العديد من المخطوطات المُعدّة للطبع.
وفيما يلي نصّ حواري معه:
- متى بدأتَ كتابة كلٍّ من الشّعر العامّيّ، والفصيح، وأيّهما تغويكَ جماليّته أكثر؟
– منذُ كنتُ في العاشرة من العمر، وأذكر كنتُ في المرحلة الرابعة من الدراسة الإبتدائية، وكان مقررا علينا حفظ بعض القصائد التي ترتبط بأحداث حصلت في الوطن العربي والإسلامي أو ما يرتبط بقضايا إنسانية واجتماعية، وكان أستاذ مادة اللغة العربية يلزمنا عبر مادة (المحادثة ) بإلقاء ما هو مقرر علينا حفظه من قصائد وأناشيد تتعلق بواقع أحداث أو قضايا إنسانية ، وذلك ضمن مقرر اللغة العربية .
في هذه المرحلة من العمر، كان لوالدي ووالدتي الدافع لي في حفظ ما هو مقرر علينا حفظه من قبل أستاذ اللغة العربية، حيث للوالدين ولاسيما الوالدة كبير الأثر في الالتزام بماهو مقرر علينا دراسته، وعبر كل قصيدة كتبت بالفصحى أو أنشودة ، يقابلها صورة باللهجة العامية كانت والدتي ووالدي يحفظانها، فمن هنا أحببت الأنشودة، أوالقصيدة العامية من خلال ما كان الوالدان يحفظانه من مواويل وزهيريات وقصائد دارجة، فالفضل لحبي واتجاهي نحو الكتابة باللهجة العامية راجع لأمي وأبي، وبعامية بسيطة يغلب عليها التصوير العاطفي والاجتماعي، يقابلها مقرر اللغة العربية من قصائد وأناشيد كتبت بالفصحى تعلمتها من خلال المدرسة وما هو مقررعلينا.
عبر هذا المنحنى التربوي أحببت الشعر، وكانت أول بداياتي الكتابة باللهجة الدارجة العامية التي أعطتني مساحة كبيرة في تقليد وتغيير بعض الأغاني وتقديمها (كأسكتش) ضاحك.
بهذه الصورة أحببت الشعر، ولكن لم تكن لي الجرأة في الكتابة باللغة الفصحى ، بل اللهجة الدارجة العامية هي أول خطوات الكتابة التي قادتني نحوالقصيدة.
ومع تقدمي في الدراسة وجدت الكتاب الذي أفادني وجعل مني قارئا نهماً للقصة والشعر والرواية.
وأذكر أن والدي كان يعطيني مصروف يومي بمقدار 50 فلس، فكنت أحرص على جمعها مكتفياً بشيء بسيط من الأكل، حباً في شراء كتاب كل أسبوع أو مجلة أدبية مثل مجلة الطليعة أو مجلة الآداب أو مجلة العربي، ويقابلها كل شهر اشتري كتاب لأحد الشعراء أو قصة قصيرة أو رواية.
فكان الكتاب هو المدرس الثاني بعد مدرس المدرسة وكنتُ أتباهى بما أمتلكه من كتب التي لازال بعضها موجود في مكتبتي.
وبالنسبة للشعر، ظللتُ أكتب القصيدة العامية حتى عمر السادسة عشرة، أي منذ العام 1973 م عندما كان عمري يقترب من العاشرة أو الحادية عشرة ، ولما اشتدّ عودي وقرأت واستمعت كثيراً لجمال اللغة العربية وفي عمر السادسة عشرة أو السابعة عشرة وبعد اطلاعي على أنواع القصيدة الفصحى والاقتراب من مدارسه، كتبتُ أول نص باللغة الفصحى ومن هنا بدأت علاقتي بالقصيدة الفصحى التي أخذتني نحو التعرف على أنواع الشعر وأساليبه، وكأي مبتدىء بدأت الكتابة بقصيدة التفعيلة المرتبطة بالبحور الموسيقى والقافية وتعرفتُ على الشعر الحر وشعر التفعيلة ، حتى مرحلة من العمر اقتربتُ فيها من عمر 21 ربيعاً، عندها تعرفت على قصيدة نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وأينس الحاج، وسميح القاسم ومحمود درويش، وقاسم حداد، وعلي خليفة من البحرين، من هنا كانت ذائقة الكتابة بالنسبة لي هي رهان، قادني لحب قصيدة النثر عبر إبداعات أحمد سعيد المعروف (بأدونيس)
- تُرجمت بعض قصائدك للّغة الإنكليزيّة، وبعض اللغات الأخرى، برأيك هل ترجمة القصص والرّوايات تتفوّق على ترجمة الشّعر؟
– ترجمة النص من اللغة العربية إلى أي لغة أجنبية ، تحتاج لمترجم (شاعر ) لأن الشاعرأقرب لروح النص، وذائقته الفنية تكون مرتبطة برباط النص الشعري أدبياً وبلاغياً‘ أما ترجمة القصة والروايات، فتحتاج لأديب متمكن وقاريء نهم للسرديات ، لأن أول ما تعرفت عليه من سرد كان على يد رواد السرد العربي أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس، ومحمد عبد الحليم عبد الله، وآخرين من رواد سرديات القصة والرواية.
وبالنسبة لترجمة للسرديات، كانت أكثر الروايات حباً بالنسبة لي هو ماترجمه رواد اللغة والسرد في الوطن العربي، وكانت روايات مكسيم غوركي وهمنجواي واميلا برنتي وجوزيه ساراماجو، كرواية "الطوف الحجري " ترجمة الدكتور طلعت شاهين، قادتني لحب الرواية المترجمة والقصة القصيرة، بخلاف الشعر فلم يشدني المترجم منه إلا بعض ما ندر، كرباعيات الخيام، حيث ترجمت على يد شعراء ضليعين في اللغة والإبداع.
وأرى أن الترجمات السردية قد فاقت الترجمات للنص الشعري، لأن حينما ينقل النص الشعري من لغته الأم إلى لغة أخرى يضعف، ويخفت بريقه الفني عكس السرديات، فالسرديات بالفعل تغلبت على ترجمة الشعر فنياً وابداعياً.
- تقول في حوار سابق:
"ومع تقدم التجربة وقفت خطواتي مع قصيدة النّثر التي رأيت فيها نفسي أكثر حرية"
كيف ترى انتشار قصيدة النّثر في البحرين، وما الّذي يميّزها عن غيرها من القصائد كونك تكتب جميع أنواع الشّعر؟
في البحرين تتلمذنا كشعراء على يد الشاعر المبدع قاسم حداد، وعلي يد عبد الله خليفة، وقاسم أكثر الشعراء ريادة في مفهوم قصيدة النثر التي برع فيها هو، والشاعرعلي الشرقاوي، شافاه الله وعافاه من وعكته الصحية .
عبر قاسم والشرقاوي أحببنا قصيدة النثر، وعبر علي خليفة أحببنا قصيدة التفعيلة والشعر الحر، وعبر حسن كمال، ومحمد حسن كمال الدين، وإبراهيم العريض، وأحمد محمد آل خليفة، وآخرين أحببنا قصيدة شعر التفعيلة، والبحرالموسيقي الواحد.
وفي البحرين (جيل المرحلة الثالثة والرابعة) من الشعراء أكثرهم يكتب قصيدة النثر.
وبالنسبة لي، عبرمروري ومعرفتي بمدارس الشعر والكتابة في كل مراحلها حتى قادتني نحو قصيدة النثر التي كتبتُ فيها واستقريت أخيراً على كتابها، كونها أبعدتني عن القيود وتركت لي حرية البوح والتعبير بشكل أوسع، بعيداً عن التقليد وأساور الشعر التي كما قال عنها نزار قباني، ونقاد عرب بما هو مفهوم أنها قوالب تشبه البناء الثابت دون رؤية للتطوير.
- حدّثنا عن المرأة البحرينيّة المبدعة، وما الأسماء الّتي فرضت وجودها في السّاحة الأدبيّة؟
في البحرين توجد الكثير من المبدعات ، منهم رائدات في الأدب بدأنَ الكتابة مبكراً منذ عشرينيات القرن الماضي، وكانت المرأة مواكبة لمراحل التطور العمراني والاقتصادي والسياسي للوطن.
وفي كل مرحلة من مراحل المرأة كان الصراع واضحا وسبق المنافسة خلق بيئة المرأة المثقفة الواعية عبر المدارس الأكاديمية الجامعية، فبرزت المرأة الشاعرة والناقدة والباحثة، والسياسية ضمن حراك فاعل ومدروس.
ومن الأسماء المهمة في السرد والنقد، فوزية رشيد، والدكتورة ضياء الكعبي ووالدكتورة أنيسة السعدون، والدكتورة بروين حبيب، والدكتورة أنيسة فخرو، والدكتورة مي السادة، والكثيرات من المبدعات قد لا يحضرني ذكرهم إلا أنهن جواد سبق الإبداع في وطني البحرين.
ومن الشاعرات اللواتي يكتبن الشعر النثري كثيرات منهن فوزية السندي، والدكتورة نبيلة زباري، وأخريات لهنَّ صدى وجولات ضمن حراك إبداعي متواصل.
- تقول د. ضياء الكعبي عن روايتك (النّديد):
"واستثمرَ الكاتب بلاغة المتخيّل الشعبي القرويّ من المواويل والأغاني الشّعبيّة وتمثيل القرية البحرينيّة البسيطة بعالمها الصّغير.."
هل استثمار الموروث الشّعبيّ القديم في الرّوايات، لأجل تقريب الرّواية من القرّاء، أم لإعادة إحياء التّراث؟
في كلتا الحالتين، توظيف التراث عملية يستند فيها الروائي إلى توظيف مراحل تاريخية وثقتها أبعاد المتخيل الشعبي، لا سيما المتخيل القروي الذي يحمل الكثير من الدلالات والأبعاد الفنية التي تضاف للرواية، هذا التوظيف أفاد الراوي في لملمة وقائع التاريخ المتمثل في البعد التراثي، وإدماجه بشكل حيوي وفاعل في عصر الحاسوب.
- هل الحركة النّقديّة البحرينيّة مواكبة بشكل جيّد للنّصوص الأدبيّة بمختلف أجناسها، ومَن أبرز النّقّاد الّذين كتبوا عن إبداعاتك؟
أصبتِ الجرح في كبد الحقيقة، الناقد لدينا في البحرين غائب عن المشهد الثقافي والإبداعي، إلا القلة القليلة من هم حريصون على قراءة المشهد الثقافي والأدبي والكتابة عنه، والبقية لا يطربهم مطرب الحي، إلا من كان مطرباً بعيداً عن جغرافية الوطن، لا يرون في الإبداع المحلي ما يجب الكتابة عنه.
ولكن يظل الناقد في وطني موجودا، وإن غلبه النعاس، لأن بعد مرحلة الدكتور الناقد والشاعر الدكتورعلوي الهاشمي، والدكتور الناقد عبد الله غلوم، صار النقد ضعيفا وقليلاً ما يواكب الإبداع المحلي للشعر.
- حبّذا لو تطلعنا على مضمون مجموعتك القصصيّة المُقبلة (أسفل الرّيح)، وهل من إصدارات في مجال قصص الأطفال؟
هي مجموعة قصصية، تناولتُ فيها الجانب الاجتماعي عبر قصة قصيرة غلب عليها التوظيف الفني، كاسراً بهذا البعد مفهوم كتابة القصة القصيرة الكلاسيكية.
وبالنسبة لكتابتي للأطفال فلدي مجموعة، لم تطبع باسم (العصفور وغصن الرمان) ، هي تجربة كتبتها منذ سنوات بعيدة، وبعدها أخذني الشعر الذي أرى فيه نفسي كتجربة متفردة لاتشبه الآخر.
- هل يتلقّى الأدباء البحرينيّون الدّعم الكافي بحيث تُنصف الأعمال المتميّزة، والمبدعون المتميّزون؟
على مستوى الجمعيات الثقافية كأسرة الأدباء، والكتاب وجمعية عبد الرحمن كانوا وجهات تصب في مجمعات مسرحية وتشكيلية وموسيقية، تقوم بفعاليات مستمرة تتلقى دعم من الدولة مكّنها من إقامة فعالياتها الثقافية .
لكن على مستوى الفردي يحتاج المبدعون في البحرين إلى دعم أكبر من قبل المؤسسات الثقافية، لأن أكثر المبدعين، والكتاب يطبعون كتبهم على حسابهم الخاص، وهذا مكلف إلا القلة القليلة ممن يتلقون دعم هذه المؤسسات.
- بعد مرور سنوات عديدة على الكتابة الإبداعيّة، والعمل الإعلاميّ، هل أنت راضٍ عمّا قدّمتَه فيهما، وما الّذي تتمنّى إضافته في حال عدم الرّضا الكامل؟
لا يوجد مبدع راضٍ عما قدمه، بل يطمح للكثير والأفضل، لكن الجد والاجتهاد رهان كل مبدع.
- ما هي أبرز مشاركاتك الأدبيّة محليًّا وعربيًّا؟
شاركت عبر سنوات تجربتي الشعرية في الكثير من الفعاليات، كأسرة الأدباء والكتاب، وعبر المحافل الثقافية الداخلية، وفي عامنا الجديد سأحيي أمسية شعرية في السابع من يناير الجاري 2025، في ملتقى كانو الثقافي، وللعلم أنا أمين سر سابق لأسرة الأدباء، وضمن مؤسسي مسرح الريف .
هذا على مستوى الإبداع الشعري، أما حول تجربتي في الإعلام، فلا زلتُ بعد مضي أكثر من ثلاثين عاماً، وأنا أحبر صفحات الجرائد بشذرات من تجربتي الإعلامية، ضمن المجال الثقافي، وأطمح للكثير.
ومن خلال عملي مع جريدتي الحالية (أخبار الخليج) ضمن رئاستي للقسم الثقافي وإدارة الملحق الثقافي أطل على شرفة الإعلام من خلالها عبر الإعلام العربي والعالمي.
- كيف عبّرتَ إبداعيًّا عن معاناة الشّعب الفلسطينيّ؟
يفرض الواقع الحالي لمأساة الشعب الفلسطيني أن يلتزم المبدع الكتابة المقاوِمة، وفضح الكيان الصهيوني البغيض، فالذبح وهدم البيوت، وقتل الأطفال يومياً، وتشريد النساء، تلك الحالات الموجعة تتطلب من كل غيور أن يكتب، ويحبّر عن واقع الأمة العربية، والإسلامية في واقعها المزري الحالي، وأن نكون كأدباء وإعلاميين، أول من يحمل مشعل الخير، ويندد بالظلم الحاصل على إخوتنا وأخواتنا وأبنائنا من الشعب الفلسطيني، سأختار مقطعا من قصيدة لي، وأخيراً أشكرك أستاذة ميادة وأتمنى أني وفقتُ في ما طلبتِ:
أنتركُ أرضنا، عرضنا للغزاة
وفينا نخوة لا تُضام
ولا يكسرها هول كل القساة
فأرض الميعاد أرضنا حياة
وجذع زيتونها في الثبات
فلا تغلقوا الباب دون سلال الثمر
ولا تستعجلوا بذرة من بذار السماء
لها صحوة لا تموت
فتحتَ كل دعاء ملاك حنون
على رأس أطفالك يرفرف طائر الحب
يا فلسطين
ويحنو بظل الحياة.