حوار مع الكاتبة د. سناء شعلان
قضية المرأة قديمة جديدة، تطلع علينا في كل يوم أقلام تنبري للدفاع عن قضية حقوق المرأة وتحررها، وهي أقلام ذكورية في اغلب الأحيان.يجدر بالإنسان في مثل هكذا موضوع أن يتساءل: من هم الذين يحولون دون حصول المرأة على حقوقها!؟ بل ما هي هذه الحقوق.؟! ولكي يتفاعل الموضوع بأكثر، ولابراز جوانب الخلل والعطب التي رافقت حياة المرأة تاريخياً. نوجه أسئلتنا المدونة أدناه إلى السادة الكتاب والشعراء والإعلاميين المحترمين الذين يتناولون موضوع المرأة بأقلامهم النيرة - واقعاً وطموحاً.
س (1) - ماذا تريد المرأة تحديداً.!؟
د. سناء شعلان: المرأة تريد أن تعامل على أنّها إنسان من الدّرجة الأولى، جنسه أنثى، على أن ترُاعى إنسانيتها وأنوثتها وحاجاتها ومداركها وقدراتها وظروفها ورغباتها، المرأة تريد باختصار أن تتبوّأ المكان الكريم الذي وهبه الله لها في محاذة الرجل ومعه، لا أن تكون جارية له، أو تابعة له،أو منقوصة الحقوق بسبب جنسها، ولا أن تكون عضواً قاصراً وسلبياً، لا تتحقّق إنسانيته إلاّ عبر عباءة الرّجل، المرأة تريد أن تستعيد دورها الإنساني والحضاري الطبيعي، لتكون صنو الرجل وشريكه الحقيقي والوحيد في قيادة الإنسانية نحو مدارج الحضارة والرّقي والسّلام.
س ( 2) -هل هناك من سلب حقاً من حقوق المرأة قهراً..؟
د. سناء شعلان: طبعاً هناك من سلب حقوق المرأة قهراً وغصباً وظلماً وبهتاناً،المرأة عبر التاريخ الإنساني الطّويل هي أكثر من تعرّض للاضطهاد والظّلم والقهر والكبت، وغدا من الصّعب أنّ نؤّرخ لتاريخ المرأة دون أن نسّطر تاريخاً مخزياً من ظلمها واضطهادها وتشيئها وتبخيسها وتقزيمها، ويبدو أنّ هذه الجريمة قد تكالبت عليها كثيراً من المعطيات والظّروف،حتى كانت المرأة بضعفها وخنوعها واستلابها وانهزامها عاملاً من عوامل اضطهادها، وإن لم تكن أبداً العامل المهم والحيوي، فالظروف الاقتصادية والأنظمة الاجتماعية والأشكال الدينية والمعطيات السياسية والجغرافية والحضارية كلّها ساهمت بشكلٍ أو بآخر في الهبوط بالمرأة دون مرتبة الرجل ومكانته، وعملت على حرمانها من الكثير من حقوقها بل من جلّها وكلّها في كثير من الأوقات العصيبة.
س (3) -ما هي رؤية المرأة المستقبلية في تنشئة الأجيال.؟
د. سناء شعلان: المرأة كيان له رؤيته ومداركه وحاجاته وآماله المتباينة والمختلفة وفق معطيات ظروفه وزمنه ومتغيرات حياته ووجوده وأولوياته؛ ولذلك فأولويات المرأة ونظراتها في تنشئة الأجيال تختلف وتتباين، ولكن على المرأة، وهي المعوّل الأوّل عليه في التربية وتوجيه دفّة الأهداف،أن تجعل من العدل والمساواة والحرّية والتحضّر والسّلام والعلم والارتقاء أهدافاً رئيسية ومركزية في خطتها الإنسانيّة في تربية الأجيال، وبخلاف ذلك،سيكون دورها سلبي، وستتعرقل أو تتشوه أو تحيد عن هدفها السّامي مسيرة الأجيال.
س (4) -هل تكتفي المرأة بحقوقها الإنسانية المتاحة بحسب الشريعة الإسلامية.؟
د. سناء شعلان: هذا السّؤال يشبه تماماً سؤال هل تكفي أشعّة الشّمس لبعث الدّفء في كوكب الأرض؟
والإجابة عن السّؤال الأوّل بدهية بقدر بدهية إجابة السّؤال الثاني، وكي تتحصّل هذه البدهية عند كلّ مشكّك عليه ابتداءً ً أن يتدبّر حقوق المرأة في الإسلام، ويتعرّف عليها عبر الإسلام نفسه لا عبر آراء المفترين كي يرى أيّة حقوق وأيّ رقيّ قد وهب الإسلام المرأة، الحقيقة يجب أن يكون السّؤال: هل ستتمكّن الإنسانية في يوم من أن تهب المرأة حقوقها كما وهبها الإسلام حقوقها؟
والجواب يبقى بالتأكيد رهين الوقائع والمعطيات، ويبقى الإسلام هو الأرض الرحبة والعادلة التي تعطي المرأة كلّ الحقوق التي عليها أن تطالب بها بكلّ قوة وشجاعة، لا أن تبحث عنها بغباء رعناء في أرض الغرباء وديانات الآخرين ودساتير الأعداء.
س (5) – إن هؤلاء الذين يطالبون بحقوق المرأة عليهم أن يجاهروا بالإعلان عن ماهية هذه الحقوق..؟
* د. سناء شعلان: الأهم من المجاهرة من الآخر، وأعني به الرّجل،على المرأة أوّلاً أن تحدّد مطالبها، وتنظّمها، ثم تضع آلية وتنتخب أدوات ونساءً ليقمن بدور الرّيادة والتمثيل وتقعيد الحقوق، ورسم خطط الوصو ل إليها بعيداً عن كلّ الأضواء الحارقة التي هي في حقيقتها ليست أكثر من شرك يضعه الرّجل من أجل استعباد المرأة بأشكال جديدة تحت أغطية التّحرر والفجور وإشباع الرّغبات بكلّ الطّرق البهيمي
ومن أهم أشكال اضطلاع المرأة بهذا الدّور أن تقوم باستبعاد الرّجل الرّجعي الذّكوري السّلطوي الذي بات يعتقد أنّه بذكائه ودهائه يستطيع أن يدجّن المرأة من جديد بسياسة العصا والجزرة عبر لبوس التحضّر الذي يلبسه ليخفي تحته أبويته السّلطوية التي تشتهي استعباد المرأة بكلّ الأشكال والصّور.
س ( 6) -إذا كان هناك من اضطهد المرأة فلاشك أنه الرجل. إذا كيف للذي اضطهدها " أصلا " أن يطالب لها بالتحرر والاستقلالية..؟
د. سناء شعلان: الاضطهاد للمرأة ليس تهمة جنسوية تشير بأصابع الاتهام إلى الرّجل في كلّ زمان ومكان، بل هي جريمة لطالما اقترفها الرّجل ليس بحكم جنسه بالضّرورة، بل بحكم الامتيازات التي أعطيت له مكافأة على ذكوته!!! ولذلك لا نعدم أنّ نجد الرّجل في كلّ زمان ومكان يقف إلى جانب المرأة، ويدعو إلى تحريرها، وردّ كافة حقوقها إليها، بقدر ما نجد في المقابل نساء مستلبات يساهمن بحمق عجيب في جريمة اضطهاد المرأة، وحرمانها من حقوقها، بل ومن إنسانيتها في كثير من الأحيان.
س (7) - أية حقوق ( بالمقابل) تقّر بها المرأة للرجل....؟
د. سناء شعلان: يبدو أنّ الرّجل على عكس ما يظّن النّاس لم يستوف وافر حقوقه كما يُعتقد، فلا يزال الرّجل في هذا العالم يعاني من الاضطهاد هو الآخر لأسباب عرقية وسياسية ودينية وجغرافية وتاريخية وأثينية كثيرة، يكاد المقام يضيق بذكرها.
والمرأة إن أدركت هذه الأزمة، وعليها أن تفعل، فهي بكلّ بساطة تقّر للرّجل، وهو شريكها وصنوها ورفيق إنسانيتها، بما تقرّ به لنفسها من حقوق، فكلاهما يستحقّ ويحتاج إلى الحرية والمساواة والسّعادة والفرص المتكافئة والسّلام والحبّ والتقدير.
س (8)- هل أن لحقوق المرأة وتحررها من صلة جوهرية بقضايا مثل:الأزياء والحفلات والسهرات والماكياج وغيرها..
د. سناء شعلان: هذه القضية شخصية للغاية، وذاتية، يجب أن لا تُقتحم أو تُطرق، مادامت حرّية المرأة في هذا الشأن لم تصبح نوعاً من التعهير، وهي يجب أن تنحّى عن النقاش بنفس القوّة التي يصمّم البعض من المشكوك في أهدافهم وإخلاصهم ونواياهم في طرحها، فمن المريب أن يصمّم البعض على أن يجعل هذه القضية هي مركز حريّة المرأة، وجوهر تفعيل إنسانيتها، علماً بأنّ هذه القضية شكلية تماماً، ولا تشكّل من بعيد أو قريب أداة للحرّية.
وللمرأة أن تحتار شكل عنايتها بإنسانيتها كامرأة دون أيّ تدخّل أو إملاء أو اقتراح، فالمرأة العظيمة عبر التاريخ لم تكن امرأة حفلات وصالونات ولاهثة وراء آخر صرعات الموضة، بل كانت امرأة متعلّمة سامية الأخلاق، عظيمة الإرادة والأهداف والشكيمة.
س (9)- من عجب العجائب أن المرأة لا تطالب بحق من حقوقها ولكن الذي يطالب لها بالتحرر والاستقلالية هو الرجل وأي رجل أنه: رجلاً لا يريد لها إلا أن تتخلى عن أجمل ما حباها الله من الطيبات.
د. سناء شعلان: العجب الحقيقي هو أن يعدّ هذا النّوع من الرّجل هو مطالب بحقوق المرأة، بل هو صورة كلاسيكية تراثية مشوهة لا تختلف عن صورة الرّجل المتحّضر المزعوم الذي يخفي خلف قناع تحرّره المزعوم رجلاً سلطوياً حداثياً يريد أن يخدع المرأة من جديد، بإعطاء اسم وشكل جديد لعبوديتها، فيعطيها حريّة الجسد ليعهّرها، ويعطيها حرّية الخيار ليضيّعها، ويعطيها حرّية العمل والمساواة ليستغلّها ويخدّمها. هذان الصنفان من الرّجال هما وجهان قاتمان لعملة واحدة تكرّس عبودية المرأة.
الرّجل المرشّح للوقوف إلى المرأة في حربها الإنسانية العادلة هو رجل يؤمن بإنسانتيه التي لا تكتمل دون اكتمال إنسانية المرأة، ويجعل من موروثه الديني والحضاري والفكري مرجعية داعمة ومشكّلة لأدواته في سبيل حربه المقدّسة إلى جانب المرأة في مأزقها الإنساني الخطير.
س (10) - لا ريب أن المرأة حصلت على حقوقها الاجتماعية – الوظيفية- وما يتعلق بإبداء الآراء والأفكار, ولقد حصلت أيضا على حقوقها التعليمية سواء في التدريس أو الإدارة أو المناصب الوزارية أو حق الترشيح في الانتخابات سواء أكانت في البلدية أو البرلمانية أو الرئاسية,وهي في أمان في كنف القانون والشريعة...بعد كل هذا ماذا تريد المرأة من الرجل....!؟
د. سناء شعلان: أعتقد أنّ هذا الحكم يحتاج إلى إعادة نظر، فإن كان المقصود به أنّ المرأة قد نالت بعضاً من حقوقها بعد كفاح مرير وحرمان طويل، فهذا صحيح، وإن كان المقصود به أنّ المرأة قد أثبت أهليتها وقدرتها في المهمات التي أُنتزعت انتزاعاً مهمة الاضطلاع بها، فهذا صحيح أيضاً، أمّا إن كان المقصود هو أنّ المرأة قد نالت غاية ما تريد وتتمنّى، وقد آن لها أن تركن إلى السكون، فهذا غير صحيح،فالمرأة في المجمل في هذا العالم لا تزال منقوصة الحقوق بشكل أو آخر، ولا تزال حتى في عقر معاقل الحرية المزعومة تتعرّض لأبشع أنواع الاستغلال وأقذرها، لذلك يبدو أنّ الحرب والرحلة لا تزالان طويلتين أمام المرأة.ومن المبكّر للغاية أن نحكم على هذه التجربة الاستثنائية.
س ( 11) - هل فكرت المرأة ما أصاب الناس في العالم من الإمراض, والويلات ,وغير ذلك من أسبابٍ إلا من تلك الحرية العمياء التي تتشبث بها المرأة أو من يردون لها ان تفعل ذلك.؟؟
د. سناء شعلان: لماذا لا نقول إنّ الكثير من ويلات العالم وتحطّم بنيانه ما هي إلاّ بسبب الرّجل الشيطان السّلطوي الذي استبدل أسر المرأة واستعبادها بآخر، لا يقلّ عن الأوّل قسوة وانتهاكاً، بل فاقه في كثير من الشرور؟ والمرأة هنا دون غيرها المعوّل عليها في أن ترفض هذه الأشكال من التسليع والتبخيس والتشيء والتعهير، الذي هبطتْ بها لتكون لحماً فاسداً أو جسداً عارياً يوضع على السّلع الاستهلاكية الرّخيصة الكاسدة لترويجها.
س (12) - هل المرأة التي تسقط بإرادتها ورغباتها في حبائل الرجل تبقي لنفسها, شيئاً من عزة النفس..؟
د. سناء شعلان: لا زال الرّجل يحاكم المرأة بقانون القبيلة والخطيئة التي هي
صفة ذلّ وخزي للمرأة، وصفة رجولة وفحولة للرجل!!! أما آن الأوان أن تسمّى الأشياء بأسمائها الحقيقية: مثل الضحية، الخديعة، الاستغلال، العقاب؟؟؟ وأن تكال الأشياء بنفس المكيال؟
يبدو أنّ الوقت لا زال بعيداً عن هذه الأفكار الطوبائيّة، ومادام الوضع كذلك، فعلى المرأة أن تستيقظ من غفلتها، وتعمل على بناء ذاتها ووعيها، وترفض بقوة وحزم أن تلعب دور الضحية؛ لما في ذلك الدّور من مهانة ووضاعة لا تليق أبداً بها ولا بإنسانيتها ولا بدورها الحضاري الخطير.
س ( 13)- قضية تعدد الزوجات في الإسلام والتي باتت مدعاة نقداً وتحامل كبيرين هل فكروا هؤلاء بشروط تعدد الزوجات في الإسلام ولعل من ابرز شروطها العدل والمساواة. فان كان قضية قد استوفت العدالة فأي ضيرا في هذا..إلا أن الإسلام يرفض الزنا بكل إشكالها وأنواعها حفاظا على الفرد وصحة الإنسان وتماسك الأسرة ضمن المجتمع.بالمقارنة لو عدنا إلى قانون الزوجات في الغرب نرى إنه لا يحق للفرد الا زوجة واحدة فقط.. ولكن يجاز له باقتران بأكثر من واحدة تحت مسمى ( بوي فريند وكيرل فريند ) أي (صديقات الزوج وأصدقاء الزوجة ) فهؤلاء لهم في كل يوم ان يغيروا بين هذا وذاك..؟!
د. سناء شعلان: يكون مغفلاً مرثياً لحاله من يعتقد للحظة واحدة بأنّ الغرب يهاجم تعدّد الزوجات في الإسلام من أجل حرّية المرأة، ولو كان الأمر كذلك، لقدّم لها البديل الإنساني العادل بدل الحرمان غير الإنساني أو السّقوط في غياهب الخطيئة والّزنا والضّياع وأولاد الحرام واللقطاء، ولاستطاع أن يقمع تلك الحركات التي تصدح يوماً بعد آخر في الغرب نفسه،بل وفي بعض الطوائف المسيحية المتشدّدة مطالبة بتشريع تعدّد الزوجات لما تقضيه الظروف.
تعدّد الزوجات حاجة، وحل لمشكلة، وليست نمطاً من أنماط اللهو والمتعة، بدليل ربط مشروعيته بالعدل والمساواة، وهو الحلّ الوحيد لمشاكل كثيرة، الغرب نفسه عجز عن إيجاد الحلّ لها، ولم يستطع أن يقدّم لها حلول سوى الّزنا والحرمان.
أمّا الإسلام فكان جرئياً وحازماً في وضع حلّ لهذه المشكلة، لا الرفاهية كما يعتقد الساذجون، بدليل أنّ المسلم في الغالب يكتفي بزوجة واحدة، إلاّ من يضطره ظرف ما إلى الزّواج بأخرى.
الغرب بكلّ بساطة ووضوح يحاول أنّ ينفذ إلينا من ثغور مزعومة،ولو كان المسلمون رجالاً ونساء مسلحين بالعلم المطلوب والوعي الصحيح والتفقّه بدينهم لهان عليهم أن يردوا على هذه الدعاوي المريضة، ولسهل عليهم أن لا يرفعوها من أرضها، وأن يرسلوها إلى المكان الذي تستحقه، وهو مزبلة التاريخ!!!
[1]