الاثنين ٨ تموز (يوليو) ٢٠١٩
بقلم حسن عبادي

عودة من الماضي

"إبداع، رابطة الفنّانين التشكيليّين العرب، جمعيّة غير ربحيّة، تأسّست نتيجة الظروف الخاصّة في الوسط العربيّ في البلاد، وتجاوبًا مع الحاجة لتأطير الفنّانين ضمن إطار واحد كون الموضوع رافدًا من روافد المجتمع العربيّ الحضاريّ" ومقرّها كفر ياسيف الجليليّة.

سنحت لي الفرصة لأشارك، برفقة الفنّان جميل عمريّة، يوم الجمعة 14 حزيران 2019، حفل افتتاح معرض "العودة إلى الماضي" في صالة إبداع، للفنّان العكيّ منير قزموز. ضمّ المعرض أعمال قديمة وحديثة للفنّان، وكان موضوعها عكا، بماضيها وحاضرها.

ولد منير في عكا، تعلّم التصميم الغرافي وله أعمال فنيّة في مجال الرسم، التصميم الغرافي والتصوير الفوتوغرافي. شارك في معارض فرديّة وجماعيّة للرسم والتصوير والغرافيكا، ومنها معرض "أسماء تصميم غرافي"، معرض "غروب تصوير فوتوغرافي" وغيرها.

موضوع الهويّة القوميّة، الثقافيّة والدينيّة حاضر في صورِ المعرض، يعود بنا إلى الماضي لنرى الحاضر من خلال عدسته ونعِي أنّ لنا ماضٍ فلا بدّ من مستقبل على دربه. استعمل منير تقنيّة استثنائية في أعماله، قريبة من فنّ "الكولاج"، جمع صورًا من الأرشيف البريطاني، الصهيوني وصور خاصّة عبر التاريخ ودمجها بصور حديثة بكاميرته لذات المواقع، ذهب إلى نفس المكان ليصوّر الصورة من جديد لتحوي كلّ منها مزيجًا من عبق الماضي والتاريخ مع حاضر عكّا لنسرح لمستقبلها من خلال العدسة والصورة، فأطّر كلّ صورة "جديدة" ملوّنة بجوانب من الصورة القديمة بالأبيض والأسود!

ظلّت تلك الصور راسخة قبل عمليّة المحو والسطو على معالم عكا وتاريخها فينتقل الفنّان عبر الزمن ليستفزّنا لمتابعة الزمكانيّة في صور الماضي، مراقبتها واستنطاقها لقراءة التاريخ واللحظة التي صُوّرت فيها ليحوّل تلك الصور القديمة بأسلوبه الخاصّ إلى فنّ يحمل رؤية ورؤيا معاصرة، يستحضر الغائب بابتكار فنيّ لبق. نجح منير بتقمّص الذاكرة التي تخرج من صورة تعكس الماضي ليحوّلها إلى حاضر آملًا بمستقبل أجمل وأبهى حين يبثّ فيها الروح والحياة ممّا يُثير الحنين والنوستالجيا ليجمّل واقع عكا وحاضرها المؤلم.

استخدم منير تقنيّة فنيّة، واضعًا بصماته مثبّتًا فكرته على تلك الصور التي جمعها من الأرشيفات بعد معالجتها الفنيّة بعدسة كاميرته واستنطاقها، تبدو الصور عتيقة بالية بينما أطرافها جديدة ملوّنة وكأنّي به يُعيد رسم لوحة من أفكاره موشوِشة للماضي بما آلت إليه عكا ببحرها وسوقها وسورها... وناسها، ليتحاور ويتجادل حاضرها وماضيها لخلق "واقع" جديد حريصًا على الحفاظ على قديمه، يحوّل تلك الصور القديمة من أرشيف باهت إلى حكاية فنيّة ناطقة.

دمج منير في "لوحاته" الفوتوغرافيّة بين ماضي وحاضر عكا، تقمّص شخصية المصوّرين الذين وثقوا المدينة، معالمها وأهلها، صيّاديها ومينائها... و"جزّارها" قبل الاحتلال وبعده، بدمج فنيّ مهنيّ للصور بتصميم فوتوغرافي يُعيدنا إلى ماضي مدينة عكا العريق لنحلم بمستقبل آت..
أضمّ صوتي لصوت صديقي د. منير توما الذي أنشد في حفل الافتتاح:

"الفنُّ يبدأ من عكا وأهلها
عشقوا الجمالَ وجسّدوهُ وجادوا
حضرَ المنيرُ بفنّه متسربلًا
بكرامِ قومٍ زيّنوها وسادوا"

لفت انتباهي مرافقة افتتاح المعرض "كتالوج" راق مهنيّ التصميم بثلاث لغات: العربيّة، العبريّة والإنجليزيّة، يشمل أعمال الفنّان المُحتفى به.

حبّذا لو ينهض فنّانونا ويحذوا حذو منير ويعيدونا إلى ماضي صفد، طبريّا، عسقلان، يافا، حيفا...إلى ماضي فلسطين، رغم عمليّات السلب والنهب والتشويه، لنعيش مستقبلًا أفضل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى