الاثنين ٢٤ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

قراءة نقدية في ديوان «وسادة الليلك»

عن الشاعرة: إنعام سليمان – غزة، فلسطين

مدخل: حين تكتب الغزّية ضوءها على وسادة الليلك

في «وسادة الليلك»، تفتح الشاعرة إنعام سليمان، القادمة من قلب غزة، نافذة واسعة على العالم عبر اللغة.
إنها لا تكتب عن الحرب فقط، بل تكتب عن الحياة التي تُصرّ على أن تزهر رغم الرماد.

هذا العمل ليس ديوانًا فحسب، بل رحلة في المعنى والوجع والأنوثة، حيث تمتزج التجربة الفلسطينية بالبوح الإنساني، ويتحوّل الشعر إلى وسيلة خلاص من الخراب المحيط.

منذ السطر الأول، نُدرك أننا أمام شاعرة ترى العالم من خلال مرآة الحبر، وتطرّز وجدانها كمن تطرّز شالًا من ضوء الصباح:

«امرأة تطرّز شال الأحلام من ضوء الصباح… وحين يأتي الليل يمنح قلبها وسادة الليلك.»

1. المعمار الجمالي للنص

يبني نص إنعام سليمان جماله على كثافة الصورة وعمق الإيحاء.

إنها لغة تُشبه زجاجًا ملونًا، كلما لامسه الضوء انبعثت منه أطياف جديدة من المعنى.

فالمجاز عندها ليس تزيينًا بل طريقة في التفكير، وسيلة للتعبير عن عالمٍ يتقاطع فيه الحسيّ بالروحي، والأنثوي بالكوني.

«يسيل حبرها على جسد المعنى، ويتشكل قلبها بين نقطة حبر وومضة…»
في هذا المشهد الشعري، يتحول الفعل الكتابي إلى تجربة جسدية وروحية في آنٍ واحد.

2. أنوثة اللغة وجرأة البوح

في «وسادة الليلك»، تتحرر الأنوثة من الصورة النمطية، لتغدو كيانًا مفكرًا ومتمرّدًا ومتصوفًا.
إنعام سليمان لا تكتب عن المرأة — بل تكتب المرأة ذاتها؛ بكل تشظيها، وبكل قوتها الهشّة أمام الغياب.
تقول:

«أنا عبقرية النسيان، دلني على قصيدة تشير إلي ولو بغمضة عين.»
هنا تتجلّى الذات الأنثوية التي تُدرك عمق جرحها، لكنها ترفض أن تكون ضحية له، فتستحيل الكتابة عندها فعلاً من أفعال البقاء.

3. البحر والذاكرة والمجاز الفلسطيني

يظهر البحر في الديوان بوصفه المرآة الكبرى للذات الفلسطينية.
إنه ليس بحرًا جغرافيًا فحسب، بل بحر المعنى والوجع، البحر الذي يعرف سرّ المدن المعلقة بين الحصار والأمل.

«قال البحر: عندما تحزن المليكة، تنكسر اللغة.»
هذا البحر الغزّي المسكون بأسماء الغائبين، يتحول إلى كائن ناطق، وإلى شاهد على انكسارات اللغة والروح معًا.

حين تقول:

«لا تحدقي في غزة، غزة تدفع ثمن خيانات مسبقة…»
فهي تُنزِل الشعر من عليائه الرمزي ليصير شهادة وجود، واحتجاجًا صامتًا ضد القهر والخذلان.

4. التصوف كجغرافيا داخل النص

يتخذ ديوان «وسادة الليلك» منحاه الصوفي منذ بدايته، حيث تصبح الكتابة طريقًا إلى الفناء في الآخر، وإلى النجاة من الذات.

«فيك عرفتني، وإلي عدت إلي.»
هذه الدائرة اللغوية ليست مجرد بناء بلاغي، بل تجربة وجدانية تشبه الفناء الصوفي.
إنعام سليمان تكتب الحب كما يكتب المتصوف صلاته — بوعيٍ كامل بأن الاتحاد بالمحبوب هو خلاص من العالم المادي.

5. الحرب كمرآة للأنوثة

الحرب عند إنعام سليمان ليست حدثًا سياسيًا، بل جسدًا مجروحًا في الذاكرة.
إنها تُعيد تعريف البطولة والنجاة من زاوية المرأة التي تحب وتحزن وتكتب لتبقى.
في مقاطعها عن الأمهات، البنات، والأيتام، نجد خطابًا إنسانيًا يُجاوز حدود الجغرافيا الفلسطينية إلى أفق إنساني شامل.
الحرب في قصائدها ليست نهاية؛ بل لحظة ولادةٍ جديدة من رحم الألم.

6. الزمن والمجاز والولادة المستمرة

يتعامل النص مع الزمن بوصفه كائنًا يدور داخل القصيدة.
فلا بداية ولا نهاية واضحة؛ بل حركة مستمرة بين الحاضر والماضي والمستقبل، كأن القصيدة نفسها تنزف وقتها الخاص.
الكتابة هنا نوع من الولادة — لا تُنهي الألم، لكنها تمنحه شكلاً من الجمال.

7. خاتمة: وسادة ليليكية لعالم يتألم

«وسادة الليلك» هو أكثر من ديوان شعري؛ إنه بيان وجودي لأنثى من غزة تؤمن بأن الجمال مقاومة، وأن اللغة يمكن أن تكون وطنًا بديلًا حين تغيب الأوطان.
إنعام سليمان تكتب كي تبقى، وتُحوّل جرحها الشخصي إلى نشيد إنساني يصلح أن يُترجم للعالم كله.

إن «وسادة الليلك» عمل لا يخص الشرق وحده، بل يخص الإنسانية برمتها،
لأنه يُعيد تعريف الشعر كفعل حب في زمن الخراب،

وكصرخة أنثى تقول للعالم:

«ما زلت أكتب كي لا أموت.»


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى