لبنانيون في المهجر
يزخر التاريخ بعدد من اللبنانين الذين هاجروا إلى دول عديدة وبرغم تواجدهم في تلك الدول لكن وطنهم لبنان لم يغب عنهم وكان بالنسبة إليهم مثل الدم الذي يسري في عروقهم وأيضا أسسوا جماعات وروابط وجماعيات ومجلات أدبية ومن اللبنانين الذين عاشوا في الولايات المتحدة الأمريكية نذكر على سبيل المثال : جبران خليل جبران وأمين الريحاني وميخائيل نعيمة ونعمة الله الحاج وإيليا أبو ماضي ورشيد أيوب وأمين مشرق الذي انتقل إلى الإكوادور ومن الذين هاجروا إلى البرازيل نذكر: إلياس فرحات وميشيل نعمان معلوف وفوزي وشفيق المعلوف وعقل وشكر الله الجر وتوفيق قربان وإسكندر كرباج ورشيد سليم الخوري ويوسف أسعد غانم وفيليب لطف الله ومريانا دعبول فاخوري.
يعد الشاعر والكاتب والرسام اللبناني جبران خليل جبران من أدباء وشعراء المهجر ويعتبر من رموز أدب المهجر ونهضة الأدب العربي الحديث وقد ولد يوم 6 يناير عام 1883 في بلدة بشرى اللبنانية ونشأ فقيرًا في ظروف صعبة كانت والدته كاميلا في الثلاثين من عمره عندما وُلد وكان والده خليل هو زوجها الثالث ولم يتلق التعليم الرسمي خلال شبابه وهاجر صبيًا مع عائلته إلى الولايات المتحدة ليدرس الأدب وليبدأ مسيرة أدبية مفعمة بالكتابة باللغتين العربية والإنجليزية وامتاز أسلوبه بالرومانسية وكان جبران عضوًا في رابطة القلم في نيويورك المعروفة حينها بِشُعراء المهجر وقد قدم جبران خليل جبران للمكتبة العديد من المؤلفات وترجم منها الكثير إلى لغات أجنبية متعددة وقد تمنى أن يدفن في وطنه لبنان ويوم 10 أبريل عام 1931 توفى في نيويورك بسبب مرض السل وتليف الكبد وفي عام 1932 نقلَ رُفاته إلى لبنان وقد تغنت الفنانة اللبنانية فيروز من أشعار جبران خليل جبران وألحان الأخوين عاصي ومنصور الرحباني قصيدة أعطنى الناي وغني ونذكر منها
اعطنى الناى وغنى فالغنى سر الوجود
وأنين الناى يبقى بعد أن يفنى الوجود
هل اتخذتَ الغابَ مثلى منزلا دونَ القصور
فتتبعتَ السواقى وتسلقتَ الصخور؟
هل تحممتَ بعطر وتنشفتَ بنور
وشرِبتَ الفجر خمراُ فى كؤوسٍ من أثير؟
هل جلست العصر مثلى بين جفنات العنب
والعناقيد تدلت كثريات الذهب؟
هل فرشت العشب ليلا وتلحفت الفضى
زاهداً فى ما سيأتى ناسيا ما قد مضى؟
اعطنى الناى وغنى فـالغنى عدل القلوب
و انين الناى يبقا بعد ان تفنى الذنوب
اعطنى الناى وغنى وانسى داء ودواء
انما الناس سطورٌ كُتِبت لكن بماء
أذكر في طفولتي عندما سمعت اسم جبران خليل جبران لأول مرة شكل نغمة جميلة في أذني فقلت ببراءة الطفولة عندما أكبر سوف أكتب وأنشر باسمي الثلاثي.
أما المفكر والأديب ميخائيل نعيمة فهو من مواليد 17 أكتوبر عام 1889 في بسكنتا القرية الواقعة في سفح جبل صنين بلبنان وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية ويعد أحد رواد الجيل الذهبي الذي قاد نهضة فكرية وثقافية في الشام وفي الفكر والأدب العربي وقاد إلى التجديد وأفردت له المكتبة العربية مكاناً كبيراً لما كتبه وما كُتب حوله فهو شاعر ومسرحيّ وناقد وكاتب مقالات ومتأمّل في الحياة والنفس الإنسانية وصف بالمتأمل وبالناسك وقد ترك خلفه آثاراً بالعربية والإنجليزية والروسية وقد توفى يوم 24 فبراير عام 1988 ومن أشعاره نذكر قوله:
دموع العين قد جمدت
وريح الفكر قد خمدت
فلم ياقلب، لم ياقلب
فيك النار في لهب
وكنت أظنها قد خمدت؟
أما الشاعر إيليا أبو ماضي يعد من أهم شعراء المهجر وأحد مؤسسي الرابطة القلمية وهو من مواليد عام 1890 في إحدى القرى اللبنانية ونشأ في عائلة بسيطة الحال لذلك لم يستطع أن يدرس في قريته سوى الدروس الابتدائية البسيطة فدخل مدرسة المحيدثة القائمة في جوار الكنيسة وعندما اشتد به الفقر في لبنان رحل إيليا إلى مصر عام 1900 حيث قصد الإسكندرية بهدف التجارة مع عمه الذي كان يمتهن تجارة التبغ والتقى بأنطون الجميل الذي كان قد أنشأ مع أمين تقي الدين مجلة الزهور فاُعجب بذكائه وعصاميته إعجاباً شديداً ودعاه إلى الكتابة بالمجلة فنشر أولى قصائده بالمجلة وتوالى نشر أعماله إلى أن جمع بواكير شعره في ديوان أطلق عليه اسم تذكار الماضي وقد صدر في عام 1911م عن المطبعة المصرية وفي عام 1912 هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية واستقر أولا في سينسيناتي بولاية أوهايو حيث أقام فيها مدة أربع سنوات عمل فيها بالتجارة مع أخيها لبكر مراد ثم رحل إلى نيويورك وفي بروكلين شارك في تأسيس الرابطة القلمية في الولايات المتحدة الأمريكية مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وفي عام 1929 أصدر مجلة السميرالتي تعد مصدراً أولياً لأدب إيليا أبي ماضي كما تعد مصدراً أساسياً من مصادر الأدب المهجري حيث نشر فيها معظم أدباء المهجر إنتاجهم الأدبي شعراً ونثراً ويعد إيليا أبو ماضي من الشعراء المهجريين الذين تفرغوا للأدب والصحافة وقد اشتهر بفلسفته التي تطغى عليها نزعة التفاؤل وحب الحياة والحنين إلى الوطن ويلاحظ غلبة الاتجاه الإنساني على سائر أشعاره وفي عام 1948 زار إيليا أبو ماضي لبنان بعد انقطاع طويل بدعوة من الحكومة اللبنانية لحضور مهرجان الأونسكو ليمثل مع الصحافي حبيب مسعود صاحب مجلة العصبة في البرازيل صحافة المهجر وكان موضع تكريم وحفاوة فقد سارع اللبنانيون للاحتفاء به وقد منحته الحكومة اللبنانية وسامي الأرز ووسام الاستحقاق كذلك أقيمت له في دمشق حفلات تكريم ومنحه هاشم الأتاسي رئيس الجمهورية السورية وسام الاستحقاق الممتاز في 1949
يوم 23 نوفمبر عام 1957 توفى الشاعر إيليا أبو ماضي إثر سكتة قلبية مفاجئة ومن اشعاره نذكر:
كُنتَ مَلكاً أَو كُنتَ عَبداً ذَليلا
لا خُلودٌ تَحتَ السَماءِ لِحَيٍّ
فَلِماذا تُراوِدُ المُستَحيلا
كُلُّ نَجمٍ إِلى الأُفولِ وَلَكِن
آفَةُ النَجمِ أَن يَخافَ الأُفولا
غايَةُ الوَردِ في الرِياضِ ذُبولٌ
كُن حَكيماً وَاِسبِق إِلَيهِ الذُبولا
وَإِذا ما وَجَدتَ في الأَرضِ ظِلّاً
فَتَفَيَّء بِهِ إِلى أَن يَحولا
وَتَوَقَّع إِذا السَماءُ اِكفَهَرَّت
مَطَراً في السُهولِ يُحيِ السُهولا
قُل لِقَومٍ يَستَنزِفونَ المَآقي
هَل شُفيتُم مَعَ البُكاءِ غَليلا
ما أَتَينا إِلى الحَياةِ لِنَشقى
فَأَريحوا أَهلا العُقولِ العُقولا
كُلُّ مَن يَجمَعُ الهُمومَ عَلَيه
أَخَذَتهُ الهُمومُ أَخذاً وَبيلا
وقوله:
أَيُّهَذا الشاكي وَما بِكَ داءٌ
كُن جَميلاً تَرَ الوُجودَ جَميلا
وقوله:
إِنَّ نَفساً لَم يُشرِقِ الحُبُّ فيها
هِى نَفسٌ لَم تَدرِ ما مَعناها
أَنا بِالحُبِّ قَد وَصَلتُ إِلى نَفسي
وَبِالحُبِّ قَد عَرَفتُ اللَهَ
أما رشيد سليم الخوري المعروف بالشاعر القروي وشاعر العروبة من مواليد عام 1887 في قرية البربارة بلبنان وهاجر إلى البرازيل عام 1913 برفقة أخيه قيصر وتولّى رئاسة تحرير مجلة الرابطة لمدة ثلاث سنوات ثم رئاسة العصبة الأندلسية عام 1958م فكان رئيسها الثاني بعد ميشال معلوف وقد أحبه العرب حيث عبر بشعره عن الوطن والعروبة وفي عام 1984 توفى رشيد سليم الخوري ومن أشعاره نذكر قوله:
لا يُنهِض الشرقَ إلا حبُّنا الأخوي
فإن ذكرتم رسول الله تكرمة
فبلّغوه سلام الشاعر القروي
وقوله:
عدوي ليسَ هذا الشهدُ شهدي
ولا المنُّ الذي استحليْتَ مني
فلي أمٌ حَنُونٌ أرضعتني
لبانَ الحُبِّ من صَدْرٍ أحنِّ
علي بسمَاتِها فتحتُ عيني
ومن لَثماتِها رويتُ سِنِّي
كما كانتْ تُناغيني أُناغي
وما كانتْ تُغَنيني أُغَني
سَقاني حُبُّها فوقَ احتياجي
ففاضَ على الوَرى ما فاضَ عني
أذكر أيضا أن المرأة اللبنانية كان لها حضور قوي في المهجر فمن ينسى الفنانة فايزة أحمد التي حضرت لمصر وعاشت فيها وحققت شهرتها الكبيرة وعندما توفيت أوصت أن يتوارى جثمانها في ثرى مصر الحبيبة وليس هذا فحسب بل كان للمرأة اللبنانية حضور قوي في الأدب المهجري وفي وجدان أدباء وشعراء المهجر وفي قائمات أديبات المهجر اللبنانيات والمثقفات اللواتي ساهمن من حيث الإنتاج الأدبي أو الصحافة أو الأنشطة الثقافية وتأسيس الجرائد والمجلات نجد الأديبة سلمى بنت جبران الصائغ وهى من مواليد 1889 في بيروت بلبنان وهاجرت إلى البرازيل وكتبت المقالات الأدبية وترجمت من الفرنسية والبرتغالية للعربية بعض المؤلفات وفي 27 سبتمبر عام 1953 توفيت وأذكر أيضا مريانا دعبول فاخوري المولودة عام 1901 في قضاء البترون بلبنان وهاجرت للبرازيل وتعد من أبرز الصحفيات اللبنانيات في المهجر فهى مؤسسة ورئيسة تحرير مجلة المراحل المهجرية ذائعة الصيت والواسعة الانتشار من البرازيل كمنافستها مجلة الشرق.