الأحد ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٥
بقلم مصطفى معروفي

لينين وقراءة التراث

كنا إلى وقت قريب لا نكاد نقرأ مقالا ثقافيا ـ كذا ـ في جريدة من الجرائد دون أن يكون فيه استشهاد من مقال أو كلام لأحد المثقفين وخاصة من أولئك المحسوبين على اليسار وبالأخص الاستشهاد بلينين باعتباره مثقفا عضويا ـ حسب مفهوم المفكر الإيطالي غرامشي للمثقف ـ وقائدا يساريا تقدميا لا مراء في ذلك، أما المحسوبون على اليمين أو من لهم توجهات أو نزعة يمينية فلا يعبأ بهم، حتى ولو كان كلامه يزكيه الواقع ويعضده, ولا شك أن الذي عايش الواقع الثقافي في مرحلة السبعينات مثلا لاحظ أن الفعل الثقافي كان أحيانا للأن يوضع في سرير بروكست حتى يكون على المقاس المطلوب، والدافع لذلك هو لا يكون دائما بالضرورة ثقافيا.

كان لينين حاضرا وبقوة في هذه الفترة، فحتى يبرهن الكاتب على أنه تقدمي أو لنقل أنه مثقف عصري لا بد له من أن ينقل عن لينين ما يسند كلامه ورأيه، لكي يظهر عند المتلقي بأنه غير رجعي أو ليظهر بأنه مثقف ابن عصره، وإلا ربما اتهم بالرجعية، وهي تهمة لا ينفع في غسلها عن الشخص حتى صابون تازة كما يقال في المغرب.

ما كان يشمئز منه لينين ويتذمر بل كان يكرهه هو الأدب المحلى بالسكر أو أدب الشعارات، فقد يرى فيه الزيف ماثلا، والشعارات هي ما كان البعض يتباهى به ويجعله من المكونات الثقافية لديه.

ثم كان هناك من المثقفين ـ ليس كل المثقفين بالطبع ـ وأشباه المثقفين من لا يطيق حتى النظر، مجرد النظر، في التراث باعتباره من مخلفات القديم والتخلف الفكري، والغريب أن البعض من هؤلاء كان يرى نفسه ماركسيا لينينيا، مع أن لينين كان يرى فيه وفي من هم على شاكلته "خونة"، فهم يبررون تعبهم من التراث باعتباره لم يعد صالحا، وليست لهم أدنى رغبة في إصلاحه.

لقد كان الأحرى بهؤلاء قبل أن يتخذوا موقفهم المشين والخائن من التراث، كان الأحرى بهم أن يتأملوا لينين أو يعيدوا قراءته قراءة متبصرة ناجعة ليستخلصوا منها "ما العمل" ليبقى التراث حيا وعاملا مساعدا على التقدم واستشراف المستقبل.
والناظر المتفحص لهؤلاء الذين يدعون التقدمية وهم في الحقيقة غير تقدميين والتقدمية منهم براء بحسب رأي لينين نفسه فيهم، أقول أن المتفحص لهم يجدهم غير متواضعين في كتاباتهم وتنظيراتهم، مع أن لينين قال"إني بالطبع ماركسي متواضع في الفلسلفة"وهو ما كتبه يوما إلى صديقه الحميم صاحب رواية "الأم" ماكسيم غوركي.

إن التقدمية ـ لا كما يفهمها المدعون لها ـ لا تكون بالقفز على قراءة التراث ولا بالتحامل عليه والتبخيس من قيمته، بل في قراءته قراءة واعيه، واعتباره معطى ثقافيا إنسانيا لا بد من التوقف عنده، فنحن عندما نقرأ مثلا معلقة امرئ القيس أو معلقة طرفة بن العبد نجد فيهما من التقدمية والحداثة ما لا نجده عند بعض صعاليكنا في العصر الحديث.​


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى