الأحد ٥ نيسان (أبريل) ٢٠٢٠

ما بين برهوم والبلاشفة (2)

زاهد عِزَّت حَرَش

تِباعًا لما كتبتُ في المقال الأوّل "ما بين برهوم والبلاشفة (1)"، هأنذا أدخل في التّجربة الثّانية إلى فضاء كتابٍ لرجل قلَّ مثيلٌ له بين الرّجال. عاش حياته متشبّثًا بمواقفه ومبادئه حتّى الرّمق الأخير، لم ينحنِ أمام مظالم الأعداء والحياة ولم يساوم. هو وطنيّ قوميّ ومناضل ماركسيّ اشتراكيّ بُلشُفي وإنسان عصاميّ، حلمه سلام البشريّة جمعاء، وأولى أولويّاته تحرير وطنه من الغاصبين، في مواجهة مستمرّة لهم بلا كلل ولا هوادة. هو شاعر وصوت صارخ في البشريّة، مقتنع حد الإشباع بأنّ "وللحريةِ الحمـراءِ بـابٌ بكل يدٍ مضرَّجـَةٍ يُـدقُّ – أحمد شوقي".

هو داود سمعان تركي داود
داوود تركي، المعروف أيضا بكنية أبو عائدة (1927 - 8 مارس 2009)، كان شاعرًا فلسطينيًّا عربيًّا يعيش في حيفا. وكان زعيم جماعة يساريّة عربيّة يهوديّة معادية للصّهيونيّة، وقد أدين بتهمة الخيانة وأمضى 17 عامًا في السّجن الإسرائيليّ.

"ولد داوود تركي في عام 1927 لأسرة مسيحيّة فلسطينيّة من قرية المغار الجليليّة، بين الناصرة وبحيرة طبريّا. نشأ وعاش في مدينة حيفا. اسم والده هو سمعان داود، الذي توفي بسبب إطلاق النّار عليه من قبل قوات الاحتلال البريطانيّ في حيفا إثر الانتفاضة عام 1936-1939، وأمّه صديقة خوري هي أيضًا من المغار في الجليل. وكان جدّه تركي ينتمي إلى عشيرة داوود من جماعة المغار المسيحيّة الفلسطينيّة التّقليديّة. في عام 1948 عندما قامت إسرائيل بقوة السّلاح على وطنه، فرّت أسرته المباشرة من حيفا إلى شمال فلسطين، لتصل إلى قرية بيت جنّ، الّتي وفّرت لهم الحماية وساعدتهم على منعهم من أن يصبحوا لاجئين. وكان متزوّجًا من خازنة داوود وله ثلاث بنات: عايدة، جورجيت ونضال".(منقول)

"كان قوميًّا عربيًّا وماركسيًّا وعضوًا مؤسّسًا في فرع الحزب الشّيوعي الفلسطينيّ في حيفا، خلال فترة الانتداب البريطانيّ على فلسطين، وحارب الاحتلال البريطانيّ في وطنه. وبعد قيام إسرائيل، انضمّ إلى الحزب الشّيوعيّ الإسرائيليّ ماكي. وتمّ فصلهُ من الحزب الشّيوعيّ الإسرائيليّ في العام 1963، لوجهة نظره المؤيّدة للصّين، ثمّ عاد إلى صفوف الحزب الشّيوعيّ الإسرائيليّ بعد أن تركه أعضاؤه المؤيّدون للصّهيونيّة، وأصبح يعرف باسم "ركاح"، وهو الحزب الرّئيسيّ في الائتلاف السّياسيّ اليساريّ الّذي يُدعى حداش"الجبهة الديمقراطية للسّلام والمساواة"

"اعتقل في كانون الأوّل/ديسمبر 1972 وحكم عليه بالسجن لمدّة 17 عامًا في آذار/مارس 1973 بتهمة الخيانة. وأُفرج عنه في 20 أيار/مايو 1985 في إطار اتّفاق تبادل الأسرى بين إسرائيل والجبهة الشّعبيّة لتحرير فلسطين. بعد إطلاق سراحه، نشر مجموعة من القصائد التي كتبها بينما كان وراء القضبان تسمّى "ريح الجهاد"، فضلًا عن مذكّراته "ثائر من الشّرق العربيّ". توفّي داود تركي عن عمر 82 عام، في 8 من أذار/مارس 2009 ميلاديّة."(منقول)

الكتاب الثّاني
"رياح الجهاد" للشّاعر داود تركي – صقر فلسطين (حيفا 2006)

هو ديوان من الشّعر الموزون والمقفّى، بدايتهُ المقدّمة الأولى الممهورة باسم جورج كرزم، وممّا جاء فيها اقتبس الفقرة التالية: "كنتُ أنا وأبو عايدة من بين 1150 سجينًا فلسطينيًّا وعربيًّا، أُطلق سراحهم في عملية تبادل الأسرى في 20 أيار 1985، بين الجبهة الشّعبية – القيادة العامّة وإسرائيل، وقد اختار كلانا العودة إلى بيوتنا في حيفا. ويقول أبو عايدة بهذا الخصوص: "لم أندم على شيء، لأنّ النّدم في نظري كان أسوأ من السّجن، وحاول التّلفزيون المرّة تلو الأخرى أن يحصل على تصريح ندم منّي. لم يكن هناك شيء أندم عليه، إنّني فخور بما قمت به ولو كنتُ في صحّة جيّدة لعاودتُ الكرّة مرّة ثانية". إذًا هذا هو صقر فلسطين يقاوم ولا يساوم، ويحمل في كيانه إرادة وتصميم لا يتزعزعان، وفي قصيدة بعنوان "سنعود يا حيفا" يقول شاعرنا الأبيّ "سنعود يا حيفا وأن وقَفَت في وجهنا الأشرارُ والسَّفَلُ". وتليها المقدّمة الثّانية الممهورة بتوقيع المعلّم الشّيوعيّ الرّفيق اسكندر عمل، يعرض فيها نماذج من شعر أبي عايدة ويعلّق عليها، منوّهًا لما جاء فيها من مصداقيّة صادقة قولًا وفعلًا. ويختتم مقالته بما يلي: "أبا عايدة، أشدّ على يديك فأنت الشّيخ الشَّاب ابن الثّمانين (ربيعاً ز.ح) بهامتك المرفوعة دومًا، رمز النّضال، وشعرك يبعث في النّفُوس الأمل...".

هنا يحضرني ما قاله الشّاعر الشّاميّ نزار قبّاني غزلًا بمحبوبته، فأستميحه عذرًا لتبديل كلماته لتتوافق وديوان "رياح الجهاد" فأقول: "في هذا الكتاب الذي لا يشبه الكتبا.. كل واردة فيه قد أصبحت أدبا". حقًّا، فهذا الزّاخر بتعابيره بعزيمة المقاوم الثّابت على مبادئه. وأنتَ تُبحر في أبياته لا يمكنك أن تمرّ عليها مرّ الكرام، لأنّه سيعتريك شغفٌ بأن تحفظ أشعاره عن ظهر قلب، لتردّدها على مسامع الآخرين.

يضمّ الدّيوان في صفحاته سبعة وعشرين قصيدة، وأقلّ قصيدة تحتوي على 21 بيتًا من الشّعر، وأكثرها يتراوح ما بين 33 و 47 بيتًا منه، أي أنّ القصائد متعوب عليها، ولم تأتي هكذا بوحي من السّماء. إلّا أنّ قصيدة "بغداد" تكرّرت في الدّيوان مرّتين، الأولى في الصّفحة رقم 77 والثّانية في الصّفحة رقم 117 آخر الكتاب، يبدو أنّه خطأ المصمّم.

فيما يلي سأقتبس بعض الأبيات من بعض القصائد الّتي استهوتني لعمق معانيها، وصدق مناجاتها، وقوّة دعوتها للنّضال والمقاومة.

ففي قصيدة "مطران العروبة" والّتي تحتوي على أربعين بيتا، يناجي بها الشّاعر المطران كبوتشي، وتزخر أبياتها بالعزّة والكرامة الوطنيّة، فيقول في مطلعها:

"هتفَ الكفاحُ وشعبهُ الشَّدَّادُ
هيّا على المحتل يا أمجادُ
والثورةُ الغرّاءُ أجَّجَ نارَها
حَقٌ تَنكَّبَ عَزمَهُ آسادُ"
ويمضي فيقول أيضًا:
هذا الْكَبوشِيُّ اسْتَوَتْهُ عِزَّةٌ
ما بَّزها بعُلْوِّها أطوادُ"
مَطْرانُ قُدْسِ العُربِ جَلَّ وفاؤُهُ
والبّذلُ وانعَدَمَتْ لَهُ أندادُ
....
مَطْرانُنا العربيُّ مُخْلِصُ غايَةٍ
يَرِدُ الخلاصَ بنَهْجِها الأحفادُ
راعٍ كَقُسٍّ في الوفاءِ ليَعْرُبٍ
وبمِثْلِهِ رَقِيَ الزَّمانَ إيادُ"

وهنا يحضرني قول للفيلسوف الشّيوعي الأوّل كارل ماركس، حول هموم النّاس والدّفاع عنهم، إذ يقول "إذا أردت أن تكون تافهًاً، فما عليك إلا أن تدير ظهرك لهموم الآخرين." وشاعرنا ومطرانه قدوة في الدّفاع عن النّاس وهمومهم، وسيفًا مسلّطًا على رقاب الظّالمين من أي صوب كانوا.

وفي القصيدة الّتي يحمل الدّيوان عنوانها "ريح الجهاد" يحاور الشّاعر فيها الشّيخ الثّائر عزّ الدّين القسّام، وهو "عالم مسلم، داعية، مجاهد وقائد. ولد في بلدة جَبَلة من أعمال اللّاذقية سنة 1883م، بعد إخفاق الثّورة فرَّ الشّيخ القسّام عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتّخذ مسجد الاستقلال في الحيّ القديم بحيفا مقرًّا له، حيث استوطن فقراء الفلاحين الحيّ بعد أن نزحوا من قراهم. تسارعت وتيرة الأحداث في فلسطين عام 1935، وشدّدت السّلطات البريطانية الرّقابة على تحرّكات الشّيخ القسّام في حيفا، فقرّر الانتقال إلى الرّيف حيث يعرفه أهلها منذ أن كان مأذونًا شرعيًّا وخطيبًا يجوب القرى، ويحرّض ضدّ الانتداب البريطانيّ. فأقام في منطقة جنين ليبدأ عمليّاته المسلّحة من هناك. اكتشفت القوّات البريطانيّة مكان اختباء عزّ الدّين القسّام في قرية البارد يوم 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، لكنّه استطاع الهرب هو و15 فردًا من أتباعه إلى قرية الشّيخ زايد، ولحقت به القوّات البريطانيّة في 19 من الشّهر نفسه، فطوّقتهم وقطعت الاتّصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنّه رفض واشتبك مع تلك القوّات، وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلًا، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدّة ستّ ساعات، سقط فيها الشيخ عزّ الدّين القسّام وبعض رفاقه شهداء، يوم 20 من ذات الشّهر.". (منقول) ولا يزال قبره في قرية بلد الشّيخ المعروفة باسم نيشر حتّى اليوم.

وقد جاء في القصيدة:

"ريحُ الجِهادِ أثارَها القَسَّامُ
وتماوَجَتْ لعيونِكَ الأعلامُ
لفحَتْ خيالَكَ والفؤادَ بحرِّها
وحَمِيَّةٍ قد بثَّها الهمَّامُ"

وأيضًا:
"طوبى لِمَنْ فقدَتْ بساحاتِ الإبا
بطلاً لهُ هامُ الشُموسِ مُقامُ"

وبعد:
"مجدُ الشَّهيدِ كتائبٌ تَرِدُ المُنى
ولعِزَّةٍ في الثائرينَ وِسامُ"

هذا هو صوت الحقّ في التّعاضد والتّضامن الثّوريّ الخلّاق، في مواجهة الظّلم وغطرسة المحتلّ، صوت النّضال هو صدى لصوت الرّصاص في المعارك ضدّ الغزاة والمستعمرين.

ونأتي الآن إلى قصيدة "صوت الشّعب"، وصوت الشّعب، هي إذاعة لبنانيّة تبثّ برامجها من بيروت. أسّسها الحزب الشّيوعيّ اللّبنانيّ كإذاعة حزبيّة وتجاريّة.(منقول)
أختارُ لكم من القصيدة هذه الأبيات:

"عربيةٌ، لبنانُ أنجَبَها
سِحراً لديهِ اللُّبُّ ينأسِرُ
بيروتُ أُختٌ شرَّفَتْ حيفا
ودمَشقُ بالأُختينِ تَفتَخِرُ"
و.. "صوتٌ، وصوتُ الشَّعبِ مصدرُهُ
باقٍ بهِ الأُوطانُ تَزدَهِرُ
لا بُدَّ مِنْ زَمنٍ بهِ غَدُنا
يأتي وهذا الظلمُ يَندثِرُ"
وآخرها.. "عَهدي بهم للسِّلْمِ ألوِيَةٌ
وَبواسِلٌ للظلمِ ما صَغُرُوا"

هكذا هو، كلّ ما له علاقة بالوطن اليعروبيّ، في أيّ مكان وفي كلّ مكان له صوت واحد، هو صوت الحقّ والعدل والإنسان. ولا يغفل شاعرنا عن كلّ ما يلتقي به في مسارب وأهواء هذا الوطن، فيطلق عنان قريحته الشّعريّة ليذود عن كل ما هو وطنيّ واشتراكيّ وإنسانيّ.

ونترك قصيدة يحاور الشّاعر بها نفسه، تحت عنوان "عِتاب النَّفس"، ويتساءل لِمَ هو اختار الصِّعاب في حين كان يمكنه سلوك درب مكلّلة بالدّلال والهناء، فتعصى نفسه الأبيّة أن يُذلّ أو يهان، أو أن يصمت على ظلم أخوته في العروبة والإنسانيّة والوطن، وبها يعادي الإمبرياليّة والصّهيونيّة، واعتداءاتها على الشّرق العربيّ. حتّى يخلص في أواخرها إلى أنّ حساب الشّعوب قادم لا محالة، وأنّ السّلام العادل لا بدّ أن يشرق على جميع البشر. وهنا يحضرني قول للكاتب السّوري العريق محمد الماغوط، حيث يقول "لا تنحن لأحد مهما كان الأمر ضروريًّا، فقد لا تواتيك الفرصة لتنتصب مرّة أخرى!" وشاعرنا لم ينحنِ أبداً وبقي صامدًا كجلمود صوّان الكرمل الأبيّ.

ولحيفا في وجدان الشّاعر وكيانه معزّة وخصوصيّة متميّزة، فيخصّها بقصيدتين في هذا الدّيوان، واحدة بعنوان "سنعود يا حيفا" (ص23) وهي مؤلّفة من اثنين وأربعين بيتًا من الشّعر، والثّانية بعنوان "لحيفا عزَّتي" (ص90)، وهي مؤلّفة من اثنين وثلاثين بيتًا، وفي القصيدتين يحاكي الشّاعر حيفا بكلّ جوارحه، فيقول في القصيدة الأولى ومطلعها:

"سنعودُ يا حيفا وتَحتَفِلُ
بجُموعِنا الوديانُ والجَبلُ
وتضمُنَّا الأحضانُ شافيةً
شوقاً بهِ الانفاسُ تَشتَعِلُ"

ويناجي بها المساجد والكنائس والحارات، معدّدًا مواقعها وفتنة أجوائها وطيب أنفاسها، وينتقل في القصيدة الثّانية الّتي حملت عنوانًا "لحيفا عِزَّتي" فيقول فيها:

"بقيتَ أصُدُّ عن حيفا العذابا
وأجتازُ المتاعبَ والصِّعابا
وأحمي حُسنَّها مِنْ كيدِ باغٍ
وأحتملُ التَّشرُّدَ والعِقابا"
وأيضاً.. إذا ما الموتُ صادفني بدربٍ
يَلفُّ لهيبَتي الذَّيل انسحابا
و.. أنا باقٍ لحيفا لستُ أخشى
بحبِّ حبيبتي النَّارَ اقتِرابا"

هل هناك أروع من هكذا ثبات ويقين، وأيّ كلام يضاف لهذا الكلام ما هو إلّا هباء!. فقول الشاعر يُعبّر عن تاريخه ونضاله ومصداقيّة صموده في كل ما واجههُ ولقيهُ، جراء البعد عن بيته ووطنه وقبوعه في السجن لسبعة عشر عامًا.. لم يندم ولم ينثنِ، وأعلن أنه لولا الحالة الّتي وصل إليها، أي بعد أن بترا ساقيه بسبب المرض، أنّه لو كان بصحة جيدة لعاد وأكمل طريقه وكفاحه ضد الاحتلال وموبقاته.

وفي قصيدة "حَيِّ الأسير" ومطلعها:

"حيِّ الأسيرَ مآثِراً وكِفاحا
وانثُر نَداهُ على الوُجودِ جَناحا
وانْثُر على فخرِ العُروبَةِ والورى
فخراً تنكِّبَ للكِفاحِ سِلاحا...
ذاكَ الجبينُ مِنَ الوَفا نسجَ الإبا
ومن النَّدى والصِّدقِ حاكَ صباحا
نفسُ الأسيرِ إذا خَبتْ فضِرامُها
نارٌ تُبيدُ الغاصِبَ التِّمْساحا"

ويختمها:

للنَّصرِ نَمضي في ظِلالِ شهادَةٍ
نَسَجَتْ لنا فجرَ الخلاصِ وِشاحا"

وهو العَليم بأحوال السّجناء خلف القضبان، فهو واحد منهم، رافقهم وعايشهم في الأنين والصّراع، مع ثقل مرور الوقت والوهن. لكنّه يشدّ من عزمه وعزمهم في تأكيده على الأهداف السّامية الّتي دافعوا عنها، فدفعوا ثمن اصرارهم لأجل تحقيقها.

لا يمكن إيفاء هذا الإنسان حقّهُ في مقالة عابرة، ولا حتّى هذا الدّيوان الشّعريّ المقاوم. فالأمر يحتاج إلى دراسة عميقة تتناول كافّة مراحلها الوجدانيّة. وهنا أوّد أن أذكر عناوين باقي القصائد تباعًا، ربما تساهم في بعث الرّغبة بالبحث عن الدّيوان والإبحار في رحابه.

القصائد: "شرطيُّ هذا الكون" موجّهة ضدّ الإمبرياليّة والصّهيونيّة. و"رَفْرِفْ لِواءكَ" تحية ليوم الأوّل من أيّار، عيد العمّال الأحرار. و"حَيِّ العُروبَةَ" يناصر فيها شعوب العالم العربيّ ومواجهتهم لاعتداءات أمريكا وإسرائيل. و"هيّا إلى غدنا" يواجه بها الإجرام والقتل من عهد هابيل، متعجّبًا كيف لا يمنع الله الحروب، ويحثّ بها البشر على المضيّ إلى غدٍ مشرِقٍ عزيز. و"حُيِّيت منديلا" رسالة حبّ وتضامن مع الزّعيم الثّوريّ نلسون منديلا، ومذكّرًا من يحاول النّسيان بمسيرة هذا المناضل البطل. وقصيدة "طفل الانتفاضة" يناجي بها أطفال الحجارة -أطفال فلسطين- مخاطبًا من خلالها أعداء الثّورة وفلاسفة الخنوع. و"وفد خليطٌ" يعارض من خلالها اتّفاقيّات السّلام الموقّعة بين الكيان الصّهيوني والعرب، وخاصّة اتّفاقية أوسلو والوفد الّذي ساهم في إنجازها. و"حيِّ النِّضالَ" يحثّ فيها العزم على النّضال والثّورة مستشهدًا برسالة الثّائر العالميّ تشي جيفارا. و"كفى يا يراعي" يفضح فيها ضعاف النّفوس وسقوطهم تحت وطء رغباتهم المعيشيّة، وعن ظلم الظّالمين يُسائل الله حول صبره وصمته عنهم. و"إيهٍ دمَشْقُ" يناغي بها دمشق ويحاكي نسائمها بالودّ والمحبّة والشّوق إليها. و"لينا" هي قصيدة حياة يُنشدها الشّاعر إلى الشّهيدة لينا النّابلسيّ، شهيدة فلسطين. و"أنا للأمانة مَنْبَتٌ" هنا يعتزّ الشّاعر بمسيرته النّضاليّة ويوجّه اللّوم لمن خنعوا من الشّعراء والأدباء، إذ أنّهم تنازلوا عن كبريائهم وكرامتهم بخيانتهم للكلمة، متنقلاً بين عمّان وبيروت. و"كَرِّم شَهيدكَ" يروي فيها ما حلّ بالشّعب الفلسطينيّ، ويوبّخ الّذين رضخوا لأهوائهم رغبة برغد العيش، معدّدًا مناقب الشّهداء ومآثرهم. و"نصيحةُ مارِقٍ" وهي عبارة عن جدل ونقاش بينه وبين من يردعه عن طريق النّضال والثّورة، فينهال الشّاعر على "النّاصح والنّصيحة" باللّعن والشّتم على ذلّه ونذالته. و"يُذَكِّرُني الصَّباحُ" يعبّر بها عن حنينه وشوقه للحبّ والحياة، وربّما كان مردّ ذلك لما شاهده عبر شاشة تلفاز محطّة "دبي"، فبعث في روحه الشّجون لحبّ لم يفصح عنه. و "هيّا إلأى يافا" وأعتقد أنّه وقع خطأ مطبعيّ هنا وأنّه يقصد "هيّا إلى يافا"، متوجّهًا فيها للدّفاع عن يافا مذكّرًا بموقع يدّعى "كَرمُ الدَّلَقْ" رافضًا تهويد المدينة وتوحيدها مع مدينة تل أبيب، ويمتدّ منها إلى حيفا فالنّاصرة فعكّا فالجليل فالمثلّث والنّقب، يحثّ القوم للدّفاع عن وجودهم في وطن الآباء والأجداد. و"أنا للجبالِ الشُّمِ" صرخة عاشق من سفوح الكرمل الأشمّ، يطوف بها عابرًا الحدود، يشُد أواصر عروبته من بيروت إلى دمشق الشّام الّتي هام بها أيّ هيام. و"بَغْدادُ" متغنّيًا بتاريخ بغداد ومجدها بوصفها "قصيدة الشُّعراءِ والأدبِ" و"فيروزُ دومي" يبوح بها عن حبّه لفيروز وصوتها الشّجيّ، بوداعة العشّاق والأطفال، براءةَ من بلغ السبعين وما زال فتيًّا. و"يا أختَ أحمدَ" قصيدة رثاء للشّهيد البطل أحمد شكري مناع، يهديها إلى أخت الشّهيد أمينة، يعدّد فيها مناقب الشّهيد وبطولته. و"يا أختَ هيَّا" يحثّ المرأة فيها على أخذ دورها في النّشأة والنّضال، مبيّنًا دناءة العملاء ومعبّرًا عن أسفه لسقوط التّجربة الاشتراكيّة بميزتها الأمميّة، لاعنًا أعداء الشعوب على كافّة مشاربهم. و"أنا الشّعب" يصف فيها دعوة جماعة "سلام الشجعان"، "بعرسٌ يَضُمُّ الخائنينَ ويَجمعُ". أمّا قصيدة "رَحيلكَ يا رَفيقي" وهي بمثابة لوحة حزينة يرثي بها الرّفيق الشّاعر الوطنيّ توفيق زيَّاد مردّدًا مناقبه وسيرته، ذاكرًا مسيرة الرّفاق الأشاوس والغوالي. و غزليّة بعنوان "سمراء دومي" مطلعها سمراءُ يا محبوبَةَ العُمُرِ. ويختمها: "وتوشَّحي حُبَّا يُلازِمُنا حتَى المماتِ وآخرِ العُمر". يناجي بها رفيقة عمره معبّرًا عن الحبّ والوفاء الّذي جمع بينهما.

وينتهي الدّيوان بقصائد "يا رافضَ التَّجنيد" و"زَغْرَدَ الَّرشاشُ" و"لأبي العلاءِ" و"حيُّوا معي لُبْنانا" و"شَيْخُ الشيُّوخ" و ختامهُ "أنا يَعْرُبيُ النَّفس"، أي أنّ هذا الديوان ضمّ ما يربو على ستّة الآف بيت من الشّعر، نضالًا وطنيًا مقاومةً وثورة. يستحقّ أن يكون دستورًا لكلّ المناضلين الشّرفاء، يواجهون به الظّلم والطّغيان على مساحة هذا العالم.

لا بدّ أن أختم مقالتي بما قاله الشّاعر والرّوائيّ الدّمشقيّ محمّد الماغوط: "أحاولُ أن أكون شاعراً في القصيدة وخارجها، لأنّ الشّعر موقفٌ من الحياة، وإحساسٌ ينسابُ في سلوكنا.". وهكذا هو شاعرنا صقر فلسطين.

زاهد عِزَّت حَرَش

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى