مـاذا وقــع؟؟
مهما حاول المرء أن يكبح ما يختلج دواخله، ويستكين لصمت العاصفة، ليس خوفا من الرقيب، أومن أعين العَـسس! بل ما الفائدة من الكلام؟ وما النتيجة من الكتابة؟ لكن زوابع العاصفة وهمهماتها، تحرك سواكنك لتبوح عبْـرالمُـنـْكـَتب، هكذا لأن طبيعة كينونتك مُنكتِـبة لتـَكتـُب ما يحتاجه المُنكتب، هذا ليس قدرا بالمعني الديني. ولكن طبيعة التركيب البيوكميائي الذي تسرب إليك في مختبرات التجارب، ودروب القول الذي انغمرت فيه، سبب الكتابة! رغم أن المرء يحاول أن يتقمص دور الصوفي وأن يعتكف في شقته، بعيدا عن ضجيج الساحات وهول ومشاهدة الأزقة والشوارع والأسواق؛ لكن اقتناء الحاجيات الضرورية، تفرض عليك وعلى غيرك: النزول للشوارع والحواري لمعايشة حركتيها وحركية أناسها وملامسة مكوناتها الحية والجامدة؛ وما تحمله من صور ومشاهد ولقطات بعضها معْـتاد وبعضها يكون مفاجئا وغير متوقع وصادم، وأبعد من احتياجك للمواد الغذائية وما يدخل في حكمها. سيكون احتياجك لبعض الوثائق والأوراق الإدارية سواء لشخصك أو لأبنائك، أو لبعض معارفك، تستلزم عليك الخروج! وهكذا وفي الخروج تواجه هذا وذاك طواعية أو قسرا أو عرضا، ومحاولة التفاعل والتعامل مع ذاك وذانك سلما واستسلاما حتى!... إلا و يحضر سؤال إلحاحي:
ماذا وقع لبنيتنا الإجتماعية؟ بنية أصيبت بالتصدع ولربما ستصاب بالانهيار عما قريب؟ طبقا لما تصادفه من سلوك ومسلكيات وممارسات ومعاملات شاذة وسافلة في عدة مواقع ومحطات: ذاك جارك في العمارة؛ لا يرد عليك التحية الصباحية، ويمر متبخترا؛ نافخا ريشه! ما السبب؟ لا أحد يدري؟ حتى حارس العمارة، الذي يتوفر على الصندوق الأسود لساكنة العمارة، لا يدري؟ تلج البنك الذي تتعامل معه، لأسباب خاصة: تجد اللامبالاة؛ وعَـدم الاهتمام بالزبائن المنتشرة انتظارا لأداء خدماتها البنكية من لدن موظفي وموظفات، فتِـلك يا سلام ! تتكلم في الهاتف الشخصي؛ مع أختها أو جارتها أو زوجها! والآخر يحرك كرسيه ويتحدث مع زميله، أومع إحدى المتدربات الجالسات قربه، وبذلك يوهم الزبناء أنه في عملية مالية جد معقدة عبر الحاسوب وآخر خارج المؤسسة لا يدري أحد أين هـو؟ ولماذا خرج من المؤسسة؟ ومرة صادفت إحْـداهن تاركة مكتبها؛ وخرجتْ تتفاوض مع وسيط لبيع السيارات، وعشرات المواطنين ينتظرون؛ إنه الاستهتار بالزبائن وبالعمل؟ نهينا عن الآعطاب التي يصاب بها يوميا الشباك الأتوماتيكي؛ وشكواك أو خصامك أو صراخك يتدحرج مع هبوب السخرية ضدك (!) ونهينا عن خشونة بعض بائعي الخضر والفواكه والأسماك في الأسواق؛ واستعمال ألفاظ بذيئة ودنيئة تجاه بعض الزبائن، تدعوهم إما للانسحاب الفوري أو للعِـراك وتبادل الشتائم في الحين؛ فالأغلب الأعم! منفعل ومتوتر على أتفه الأشياء؛ ولم تعُـد الابتسامة أو حتى الضحكة الماكرة؟ تعلو محيا العباد؛ تحاول مرة أن تـُكسرتجَهـُّم البعض؛ بفرفشة مسرحية أو ألفاظ سوريالية، مثل: كم هذا التفاح أيها المواطن؟ وهو في الأصل بدنجان أوشفرجل؛ يفاجئك بردة فعل صادمة؛ محشوة بالغلظة وجفاء السريرة (لا تضحك معي ولا تحاول أن تسخر مني؛ فأنا أحسن منك).
فماذا وقع لنا يا عباد الله؟
خشونة وغلظة واستهتار واللامبالاة... حتى الشرطي الذي يحتك يوميا بالعباد والبشر، حينما يوقف إحدى السيارات لسبب ما، لا ترى ابتسامة تعلو محياه، لماذا؟ ابتسامة تساهم في التواصل والتفاعل رغم الخطأ الذي ارتكبه سائق (ما) وتلك الممرضة وذاك الممرض؛ الذي يعَـد ملاك الرحمة، لم يعد كذلك أمام مرضاه، لماذا؟ تلك شرذمة من التلامذة ترمي محافظها في قارعة الطريق؛ وتبدأ بالتراشق بما أتي في أيديهم، ناهينا عن الفوضى في الأقسام والساحات؟ موظف ينهر سيدة مُسنة، لعَـدم إدلائها بالبطاقة الوطنية، وآخر ليعْـفي نَـفـْسه من صداع الرأس؛ يرميك لمكتب آخر، مكتب تجده فارغا إلا من مكاتب وكراسي؛ تنتظر جالسها!! أين الإحساس بالمسؤولية؟ أين الضمير المهني الذي كانوا يطبخون رؤوسنا به في معاهد التكوين؟ ومدرجات البحوث؟ هَـل جفت القلوب وتجمدت عروقها؛ لنصبح أصناما تتحرك بلا عقل؟ هل نعيش سوريالية جديدة في زمن العولمة الطافحة بالتقلبات المريبة؟
فماذا وقع لنا أيها الناس؟
أبناء يرمون آباءهم أو أمهاتهم للشارع أو إلى الملاجئ رغم ضعف خدماتها؛ واتساخ مرافقها، وبعض الآباء والأعمام يغتصبن بناتهن وبنات بناتهن، ويشردن أزواجهن! ويقتلون المحبة والمودة بعض الفقهاء وجنيرالات العلم الساقط يسومون طالبتهن جنسيا! هل لازال الكبت سيد الأحداث؟ ذاك يقتل والدته من أجل دريهمات؛ وهذا يقتل أباه من أجل شقة عرضها مترين ومرحاض مشترك! شباب ينتحر بشكل عشوائي، رميا من أعالي السطوح والحبال المعلقة في الأشجار! فئة تغامر بأرواحها ورميا بأجسادها في قعر البحار؛ بحْـثا عن الفردوس المفقود، تهاجر بلا ضوابط ولا قوانين؟ ناهينا عن استفحال ظاهرة التسول والاستجداء بشكل مريب، بشكل خطير بين المقاهي وأبواب المساجد وفي الطرقات العامة، وحتى في الفايس بوك والمسنجر؟ جثث أدمية، بئيسة، تفترش الرصيف ليلا، تتغطى بأغطية مهترئة وبالية، كلنا نمر أمامها، ولا إحساسا يتحرك فيك، شعور بأدمية الآخر! لا نكذب على أنفسنا وعلى بعضنا البعض؛ الكل أمسى يردد في دواخله ويغني (ومن بعَـدي الطوفان) وهذا الذي لا نعرفه؛ ولكنه بشر مثلنا يمارس وشاية كاذبة ضد أخيه أو خاله، ليقتل فيه روح الدم والقرابة! ويستفحل الحقد بين ذريتهم! يوميا نسمع ونقرأ عن تزوير مستندات ووثائق بالجملة، واختلاسات أموال عامة بالكثرة، ولم يأخذوا المزورون ولا اللصوص ولا السماسرة العبرة ممن نال العقاب قبلهم! هل أصبحنا وحوشا بشرية ضارية، تـُسفك الدم والعِـرض والأصول بلا رقيب! أم نعيش عبثية قصدية في القيم والأخلاق والمبادئ وانحطاط النسل البشري؟
ماذا وقع لنا بالضبط؟....... ماذا وقع لنا تحْــديدا؟