الاثنين ٢٣ آذار (مارس) ٢٠٢٠

المرأة الفلسطينية في سوريا

لانا بدوان

ظلّت المرأة الفلسطينية، في سوريا، وعموم الشتات، وبسبب النكبة وتداعياتها، خاصة في السنوات الأولى منها، تحمل إلى جانب الرجل تبعات الواقع الصعب الذي عاشه فلسطينيي الشتات، إلاّ أن دورها السياسي بقي في الظل، بسبب تبعيتها للرجل وكونها تعيش في مجتمع أبوي كحال المجتمعات العربية الشقيقة، وخاصة منها المتداخلة مع المجتمع الفلسطيني في سوريا والأردن ولبنان.

إن واقع التهجير والإقتلاع الوطني والقومي الذي تعرض له الشعب الفلسطيني منذ 1948، انعكس على الواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسر والعائلات الفلسطينية في الشتات وحتى داخل الوطن المحتل، وبالتالي على واقع المرأة الفلسطينية. وواقعها الاجتماعي والحياتي، وقد ارتبطت التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية للأسر الفلسطينية في الخارج ارتبطت بأوضاع الدول التي لجأت إليها، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية والعائلية، ودور المرأة، وحقوقها السياسية، وحقها في التعليم، والأمن من العنف الأسري، والمساواة أمام القانون، خاصة أن المجتمع الفلسطيني في سوريا مجتمع فتي تتسع قاعدته العمرية الصغيرة باضطراد مع مرور الزمن بفعل عامل الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية، وظاهرة النمو الأسي حيث تزداد أعداد أفراد المجتمع الفلسطيني في سوريا بمعدل شبه ثابت في وحدة الزمن (في المتوسط 3.5% سنوياً) ، ونتائجه في زيادة عملية الإنجاب والنمو الطبيعي لنسبة السكان ، فنسبة 43,2 % منه دون سن الخامسة عشرة ، ونسبة 62 % منه دون سن السادسة عشرة ، لذا يتمتع اللاجئون في سوريا بكونهم مجتمع فتي تكبر فيه قاعدة الهرم السكاني الممثلة بالأطفال والشباب ما قبل السابعة عشرة . ففي التوزع العمري وفق أهرامات العمر يطغى طور الشباب، ويليه طور الإنتاج، وطور مابعد الإنتاج، مما ترتب عليه تراجع نسبة القوة البشرية العاملة، وازدياد أعباء الأسرة، واثقال كاهل المرأة الفلسطينية، ودخولها على مسارات العمل والإعالة تجاه متطلبات الحياة اليومية الصحية والاجتماعية والتعليمية.

من جانبٍ أخر، كان لارتفاع نسب التعليم عند المرأة الفلسطينية في سوريا، ودخول المرأة سوق الإنتاج والعمل، وفق وتيرة متزايدة، الأثر الكبير في التراجع المحدود لمعدلات الخصوبة للمرأة الواحدة الفلسطينية في سوريا للعام الواحد، مع الإشارة لعدم وجود هجرة غير طبيعية في النمو السكاني بين لاجىء فلسطين المسجلين في سوريا (عدد الذكور 104 لكل 100 أنثى) أي أن نسبة الذكور تبلغ 51 % داخل مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا وهي نسبة اعتيادية وطبيعية جداً في المجتمعات المستقرة.

وعليه، إن مساهمة المرأة الفلسطينية اللاجئة في سوريا في النشاط الاقتصادي، ازدادت، وارتفعت وتيرة هذه المساهمة عبر السنوات التالية من نكبة العام 1948، فقد بلغت عام 1998 نحو 23,5 %، واستحوذ قطاع الخدمات على 59,5 % منهن، والصناعة التحويلية 26,5 %، وباقي النسبة توزعت على القطاعات الاقتصادية المتبقية، ولوحظ أن 70% يعملن بصورة دائمة نظراً لأن الغالبية يعملن في القطاع العام للدولة وعموم مؤسساتها.

إن دخول المرأة الفلسطينية الى سوق العمل، وتزايد وتيرة اندماجها بالعمل، أضعف تدريجياً من حضور السلطة الأبوية على الأسرة، ما أثّر على واقع المرأة الاجتماعي بسبب مشاركتها في العمل وفي تحمل أعباء الأسرة. إن هذه التحوّلات الاجتماعية عكست أثرها بطبيعة الحال على واقع المرأة الفلسطينية. والذي لا يمكن تجاهله، هو أن ظروف المرأة تباينت تبعاً لمكان وحالة اللجوء. فلم يُخفى عن الجميع الظروف الصحية والاجتماعية، أو الاقتصادية الصعبة التي عانت وتعاني منها النساء الفلسطينيات في المخيمات في سوريا، في ظل المحنة القاسية التي مازالت تضرب البلاد، والتي خلّفت وراءها المزيد من النساء الفقيرات والمعيلات لأسرهن، في ظل اتساع ظاهرة التهجير الداخلي والخارجي، وتراجع المداخيل، وشح الموارد، وانتشار البطالة والعوز والفاقة.

إن الواقع العام للمرأة الفلسطينية في سوريا، قبل المحنة القاسية التي تعرض لها مجتمع لاجىء فلسطين في سوريا، في مسارات الأزمة الداخلية في البلاد، كان مُبشّراً، ومن دالاته كان تراجع ظاهرة تعدد الزوجات، وانحسار متزايد لظاهرة زواج الأقارب، وتراجع نسب الطلاق (السيف المسلط على المرأة)، وهو مايدُلُ على مدى الواقع الإيجابي (النسبي) الذي وصلت اليه أوضاع المرأة الفلسطينية في سوريا في سنوات ماقبل الأزمة السورية. كما في تراجع ظاهرة العنف ضد المرأة، وهي الظاهرة الموجودة في شكلٍ أو آخر، وبتفاوتٍ بين مخيم فلسطيني، ومخيم فلسطيني أخر في سوريا.

كما أن المرأة الفلسطينية في سوريا، محمية بحدود نسبية بفعل القوانين العام التي ساوت بين المرأة والرجل، وارتفاع نسب التعليم بين الفلسطينيات في سوريا، وخاصة في مجالات التعليم العالي في الجامعات، كالطب البشري والهندسات، والآداب، ودخولها المضطرد لسوق العمل المهني التخصصي، والعالي. إلاّ أن تداعيات الأزمة الداخلية في سورية مازالت تجرجر بنفسها على عموم البلد، وقد اصابت الفلسطينيين، وخاصة المرأة التي وجدت نفسها تحت واقعٍ مرير، فبرزت ظاهرة الهجرة الخارجية للنخب الفلسطينية، النسوية المتعلمة، وزاد من منسوبها وجود عدد كبير من الحالات التي فقدت المعيل، أو العديد من ابنائها، والتي وقعت تحت وطأت التهجير الداخلي في البداية، ودمار البيوت، كما هو الحال في مخيم اليرموك، ومخيم حندرات شمال مدينة حلب، ومخيم درعا ... وهو ماجعل من واقع المرأة الفلسطينية في سوريا في غاية الصعوبة قياساً بالسنوات الطويلة التي سبقت المحنة السورية.

لانا بدوان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى