الأربعاء ١٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
دراسة معتقدات
بقلم فائقة نكيسا

أمیة بن أبي الصلت الدینیة

الملخص

یعد أمیة بن أبي الصلت من الشعراء المخضرمین البارزین بحیث أن دراسة أفکاره تکتسب أهمیة خاصة و ذﻟﻚ لأن الشعراء المخضرمین أنشدوا أشعارهم في برهتین من الزمن أي العصر الجاهلي الثاني و العصر الإسلامي. من هنا تبرز أهمیة دراسة أشعار هؤلاء الشعراء لأن بدراسة أشعارهم یمکننا أن نعرف کیف استطاع الشاعر أن یجمع في أشعاره ثقافتین و فنین شعریین و أن یصول و یجول في تلكما الحقلین.

و نعلم أن أمیة عرف بثقافته الدینیة الواسعة. وکان متأثرا بالکتب المقدسة کالتوراة و الانجیل قبل ظهور الاسلام و بالقرآن الکریم بعده.إذن من أهم المواضیع هو البحث عن الجانب الدیني في شعره ومدی تأثره بالکتب السماویة المقدسة، خاصة القرآن الکریم.

الکلمات الرئیسیة: أمیة بن أبي الصلت، شعر المخضرمین، التوحد، الاسلام، القرآن الکریم.

المقدمة

للوقوف علی آراء أمیة و علی معتقداته الدینیة یجب الرجوع إلی أشعاره ماینسب إلیه من کلام. ففي هذا التراث الذي تغلب علیه النزعة الدینیة والحکمیة، تتمثل آراء ذﻟﻚ الشاعر الجاهلي الذي أدرﻚ أوائل المبعث، و هي آراء قریبة من الإسلام، و بعضها یکاد یکون قولاً اسلامیاً في لفظه و في معناه مسبوکاً في شعره وفي هذا الشعر قصص الرسل والأنبیاء: آدم و نوح و قصة طوفانه و قصة ذي القرنین و بلقیس و حکایة الهدهد و قصة ابراهیم و تقدیم ابنه للذبح وداوود و فرعون و موسی و ابن عاد و عیسی و أمه مریم و کیفیة حملها به، فوصف ذﻟﻚ بانیاً علی نحو ما جاء في القرآن الکریم عن تکون عیسی، مضیفاً إلی ذﻟﻚ زیادات في حدیث مریم مع الملائکة و جواب الملائکة لها. ( جواد علي، 1907م، ج5 : 383)

یهدف هذا المقال إلقاء الضوء علی المصادر التی ألهم الشاعرَ في آرائه و أثّر علی علمه و یناقَش في ظل المقال الافکار و العقائد الخاصة بالشاعر. و الغرض یتطلب أن نتناول تأثُر الشاعر من الآراء و النزعات الفکریة الرائجة في مکة و خارج جزیرة العرب قبل الاسلام. و في الخطوة التالیة نجیب عن السؤال هذا: کیف حظی هذا الشاعر الحنفي بغنی الثقافة الاسلامیة بعد ظهور الإسلام و إشراق المعارف القرآنیة ؟

حیاته

"اسم أبي الصلت عبد الله بن أبي ربیعة بن عوف بن عقدة بن عنزة بن قسيّ، و هو ثقیف بن منبّه بن بکر بن هوازن. وأم أمیة بن أبي الصلت رقیة بنت عبد الشمس بن عبد مناف". [1]
"و له أخت یقال لها الفارعة و هي التي روت للرسول (ص) أخبار أمیة و أنشدته من شعره". [2]

نشأته و ثقافته

" و قیل انّ أمیة أول من کتب باﺴﻤﻙ اللهمَّ بمکة، حتی جاء الإسلام، فکتب باسم الله الرحمن الرحیم". [3]
دینه
"کان أمیة بن أبي الصلت قد نظر في الکتب و قرأها و لبس المسوح تعبدا و کان ممن ذکر ابراهیم وإسماعیل والحنیفیة و حرم الخمر و نبذ الأوثان و کان محققا و التمس الدین و هو القائل:

کُلُّ دینٍ یومَ القیامةِ عند اﻠﻟ ﻪ إلا دینَ الحنیفةِ زورُ

و أمیة مثل سائر المتألهین الآخرین من طبقة الحنفاء سافر إلی الشام، و اتصل بأهلها، و آوی إلی الأدیرة و رجال الدین یسأل منهم عمّا یهمه من مشکلات دینیة. و عما کان یجول في خاطره من عبادة قومه و حقیقة العالم. و کان تاجراً، یذهب مع التجار في قوافلهم إلی ﺘﻠﻚ الدیار التي کانت في أیدي الروم. ثم إنه کان علی ما یظهر من الروایات التي وردت في ترجمته و سیرته قارئاً کاتباً، قرأ الکتب، و وقف علیها، و منها و من اتصاله برجال الدین و بأهل الکتاب تکونت عنده فکرته عن الدین، و شکّه في عبادة قومه و فیما کانوا علیه من عقائد وعبادات. و قد بدا هذا التأثیر في الکلمات و المصطلحات الأعجمیة و الغریبة المستعملة في شعره و في الأمثلة و القصص المنتزع من الکتابین، العهد القدیم و العهد الجدید ومن موارد أخری عدیدة من الموارد الشائعة المستعملة عند أهل الکتاب". [4]

موقفه من الإسلام

کان أمیة یتوقع أن یکون نبیّاً و یقول الإصفهاني في هذا المجال: " إنه قرأ في الکتب أنّ نبیاً یبعث من العرب، فکان یرجو أن یکونه. قال فلما بعث النبيّ (ص) قیل له: هذا الذي کنت تستریث و تقول فیه، فحسده عدوّ الله و قال: إنما کنت أرجو أن أکونه، فأنزل الله فیه عزّوجلّ: " و اتلُ علیهِم نبأ الذي اتیناهُ فانسلخَ منها". سورة أعراف/ 175 [5]

"جاء في روایة أنه لقی رسول الله (ص) و تلا علیه آیات من القرآن: کان قد قرأ الکتب القدیمة، و علم أن الله تعالی مرسل رسولاً، فرجا أن یکون هو ذﻠﻚ الرسول، فاتفق أنه خرج إلی بحرین، و تنبأ رسول الله (ص) فأقام هناﻚ ثماني سنین، ثم قدم، فلقي رسول الله (ص)، في جماعة من أصحابه، فدعاه إلی الإسلام، و قرأ علیه سورة یس، حتی إذا فرغ منها، وثب أمیة یجرّ رجلیه، فتبعه قریش، تقول: ماذا تقول: یا أمیة؟ فقال: أشهد أنه الحق. قالوا: فهل نتبعه؟ قال حتی أنظر في أمره. فخرج إلی الشام، و قدم بعد وقعة بدر یرید أن یسلم، فلما أخبر بها، ترﻚ الإسلام". [6]

" و مما یؤکد أنه أوﺸﻚ أن یسلم، قول الرسول(ص): و کاد أمیة بن أبي الصلت أن یسلم أو فلقد کاد یسلم في شعره". [7]
"و صح عنه أنه رثی قتلی بدر من المشرکین بقصیدة نال فیها من رسول الله (ص) و أصحابه ببیتین فقط لم تذکرهما المصادر". ] ابن هشام، 1971م، ج3: 357[

"و في خبر یذکره صاحب الأغاني " أن أمیة بن أبي الصلت حینما بعث محمد(ص) أخذ ابنتیه و هرب إلی الیمن". ] الإصفهاني، 1929م، ج4: 132[

"و هذا یدل علی أنه کان یدعي النبوة أو یرشح نفسه لهذه المکانة، فلما بعث النبي (ص) شقّ ذﻠﻚ علیه، فهرب إلی الیمن. و یؤکد هذا انه کان یعذر نفسه عن الإیمان بأنه لایؤمن بنبي من غیر ثقیف و کان یقول کیف اؤمن بحمد و کنت أحدث نسیات ثقیف بأني أنا الذي أکون". [8]

"هذا ما حدثتنا به المصادر المتقدمة عن موقف أمیة من الإسلام، و هو موقف متأرجح بین الکفر و الإیمان، موقف أغلب الشعراء، فهو ان کان قد رثی قتلی قریش بقصیدة نال فیها من الرسول (ص) و أصحابه، فقد مدح النبي (ص) بقصیدة أخری. و کان ابتعاده عن الإیمان حسدا و مکابرة و لا غیر.
أما ما ذکره بعض المحدثین، کمشیل سلیم کمید، من أنه حارب الإسلام و وقف في وجهه و کان من ألد أعدائه، ففي ذﻠﻚ مغالاة". [9]

إذن هو مات کافراً و لم یؤمن حسداً لأنه کان یطمع في النبوة و یرجو أن یکون هو النبيّ المبعوث.

وفاته

"تشیر المصادر القدیمة إلی أنه أدرﻙ وقعة بدر و رثی من مات فیها من الکفار. و مات کافراً أیام حصار الطائف". ] ن. م. 68[
الجانب الدیني في شعره
"شعره الدیني یشتمل علی:
• ما یتعلق بالتوحید.
• ما یتعلق بالکون و السماء و النجوم و الشمس و القمر و المظاهر الکونیة الأخری.
• ذکر الآخرة و الجنة و النار.
• القصص الدینیة.

• أما ما یتعلق منه بالتوحید، فهو الشعر الذي یذکر فیه الإله و یحمده و یمجده و یرجع إلیه الأمور، ویبدو متأثرا بالحنیفیة التي هجرت عبادة الأوثان و أمنت بالله ربا.

نسمع له من ذلک قوله:
الحمدُ لله الذي لم یتَّخذ ولدا و قدَّر خلقه تقدیرا
وعنا له وجهي و خَلقي کلُّه في الخاشعین لوجهه مشکورا

في هذه القصیدة تظهر أثر الحنیفیة واضحا و أخذت الفاظها من القرآن الکریم". [10]
"و قد وردت إشارات أخری للحنیفیة في قصیدته التي یقول فیها:

الحمد لله مُسانا و مُصبحنا بالخیرِ صبَّحنا ربّي و مسانا

وهذه القصیدة، قالوا:سمعها الرسول(ص)فقال:کاد أمیة أن یسلم.]الإصفهاني، 1929م، ج4: 99[
• "أما القسم الثاني و هو الذي یتحدث فیه عن السماء و القمر و النجوم و العرش و الملائکة، و قد بدا متأثرا أیضا بالکتب المقدسة، التوراة و الإنجیل. و یظهر تأثره فیها بالألفاظ التي جاءت في شعره،ﻙ "الساهور" التي تعني القمرأو غلافه في السریانیة و کما هي عند أهل الکتاب". ]الدینوري، 1966م، ج1: 460[
" و أن لغة هذه الأبیات و معانیها لایمکن أن تصدر إلا عن شاعر مثل أمیة، عرف بثقافته الدینیة الواسعة بالقیاس إلی مانجده في أشعار العرب الجاهلیین، ثم هي بعیدة عن محاکاة القرآن". [11]
• "أما القسم الثالث من شعره، فهو الذي یتحدث عن الجنة و النار و القیامة. و الذي یقرأ هذ القسم یحس برکاکة الأسلوب و کلفة محاکاة القرآن حرفا بحرف و بشکل لم نجده حتی عند الشعراء المسلمین کحسان بن ثابت وکعب بن ماﻟﻚ و غیرهما، الأمر الذي یدعونا إلی اﻟﺷﻚ في صحة نسبه إلی أمیة، رغم أننا نوافق صاحب کتاب البدء والتاریخ في قوله: " إن العرب کانت في جاهلیتها تؤمن بالجزاء و من نظر في الکتب کان مقرا بالجنة و النار" [12]

"لأنه معروف بتألههه الشعري، و من هنا وجد المتدینون الفرصة لکي ینسبوا إلیه ما یشبه ذﻟﻚ، لاحتیاجهم في کثیر من الأحیان إلی الشاهد لتفسیر لفظة قرآنیة أو لأمور دینیة أخری. کما ان امیة من الشعراء الذین عرفوا بغرابة لغتهم الشعریة. و هذا أیضا مما شجع المختصین باللغة علی أن ینسبوا إلیه الأبیات التي تتضمن بعض الکلمات الغریبة.
أو لعلّهم هم أنفسهم یضعونها شواهد لغویة ثم ینسبونها إلیه للعلة نفسها. هذا إضافة من مزاحمة الشعراء لأمیة علی هذا الإسم، فاختلط لذﻟﻚ شعره مع شعر اوﻟﺌﻚ، امثال أمیة الهذلي.

و مع ذﻟﻚ فنحن لاﻨﻤﻟﻚ الدلیل القاطع، و تبقی المسألة في شعر أمیة کلها ظنا. علی أننا بعد أن أفردنا ﺗﻠﻚ المجموعة الکبیرة من شعره بماینسب إلیه و إلی غیره، یمکننا الإطمئنان إلی بقیة شعره، اللهم الا شعره الا شعره الدیني المطابق تمام المطابقة للقرآن ففي ذﻠﻚ یبقی اﻠﺸﻚ ". [13]

دراسة آراء أمیة و معتقداته الدینیة

في أکثر ما نسب إلی هذا الشاعر من آراء و معتقدات دینیة و وصف لیوم القیامة و الجنة، تشابه کبیر و تطابق في الرأي جملة و تفصیلاً لما ورد عنها في القرآن الکریم. بل نجد في شعر أمیة استخداماً لألفاظ و تراکیب واردة في کتاب الله و في الحدیث النبوي.
یطرح الدکتور جواد علي حول هذه الموضوعات أسئلة : فکیف وقع ذﻟﻚ؟ و کیف حدث هذا التشابه؟ هل حدث ذﻟﻚ علی سبیل الإتفاق أو أن أمیة أخذ مادته من القرآن الکریم أو کان العکس؟ أن القرآن الکریم هو الذي أخذ من شعر أمیة فظهرت الأفکار والألفاظ التي استعملها أمیة في آیات الله و سوره؟ أو اعتماد الإثنین علی مورد أقدم،هو الکتابان المقدسان:

التوراة و الإنجیل، و ما لها من شروح و تفاسیر؟ أو أن کل شيء من هذا الذي نذکره و نفترضه افتراضاً لم یقع؟ و أن ما وقع و نشاهده سببه أن هذا الشعر وضع علی لسان أمیة في الإسلام، و أن واضعیه حاکوا في ذﻟﻚ، ما جاء في القرآن الکریم فحدث لهذا السبب هذا التشابه.

أما الإحتمال الأول: و هو فرض أخذ أمیة من القرآن، فهو احتمال إن قلنا بجوازه و وقوعه، وجب حصر هذا الجواز في مدة معینة، و في فترة محدودة تبتدئ بمبعث الرسول و تنتهي في السنة التاسعة من الهجرة، و هي سنة وفاة أمیة بن أبي الصلت. أما ما قبل المبعث فلایمکن بالطبع أن یکون أمیة قداقتبس من القرآن، لأنه لم یکن منزلاً یومئذ.
و أما بعد السنة التاسعة، فلایمکن أن یکون قداقتبس منه أیضاً، لانه لم یکن حیّاً، فلم یشهد بقیة الوحی. ولن یکون هذا الفرض مقبولاً معقولاً في هذه الحالة، إلا إذا أثبتنا بصورة جازمة أن شعر أمیة الموافق لمبادئ الإسلام قد نظم في هذه المدة المذکورة، أی بین المبعث و السنة التاسعة من الهجرة، و إلا سقط الفرض.

ثم إن أحدا من الرواة لم یذکر أن أمیة کان ینتحل معاني القرآن الکریم و ینسبها إلی نفسه. و لو کان قد فعل، لما سکت المسلمون عن ذﻟﻚ، و لکان الرسول نفسه أول الفاضحین له. ] رج: جواد علي، 1907م، ج5: 383-393[
قام طه حسین بدراسة الانتحال و أسبابه في الشعر الجاهلي و الأسباب التي تذکر للنحل هي العوامل السیاسیة و الدینیة و عامل القصاص و الشعوبیین و الرواة. و قال في العامل الدیني: " و العامل الدیني، هو رغبة المسلمین في وضع شعر علی لسان الجاهلیین یصور انتشار أفکار دین ابراهیم (ع) في الجزیرة العربیة، نحو ما رووه عن أمیة بن أبي الصلت. و رغبة المسیحیین و الیهود في أن یکون لهم شعر في الجاهلیة فوضعوه علی لسان عدي بن زید و السمؤال بن عادیا و غیرهما ممن اعتبروا من شعراء النصاری و الیهود". ] آذرشب، 1375ه.ش [

الاحتمال الثاني: هو أخذ القرآن من أمیة. و هو افتراض لیس من الممکن تصوره، فعلی قائله إثبات أن شعر أمیة في هذا الباب هو أقدم عهدا من القرآن، و ﺗﻟﻚ قضیة لایمکن إثباتها أبدا. ثم إن قریشا و من لف لفها ممن عارض الرسول لو کانوا یعلمون ذﻟﻚ و یعرفونه، لما سکتوا عنه، کما قالوا له: إﻨﻚ تتعلم من غلام نصراني کان مقیما بمکة، و إلیه أشیر في القرآن الکریم بقوله: " و لَقَد نَعلَمُ أنَّهم یَقُولون، إنَّما یُعلِّمُه بشرٌ، لِسان الذي یُلحِدونَ إلیه أعجميٌّ و هذا لسانٌ عربيٌ مبینٌ" سورة النحل/103

و لقد أشار المفسرون إلی اسم الغلام ثم إن أمیة نفسه لو کان یعلم ذﻟﻚ أو یظن أن محمدا إنما أخذ منه، لما سکت عنه و هو خصم له، منافس عنید، أراد أن تکون النبوة له، و ممن ذهب إلی هذا الافتراض من المستشرقین" کلیمان هوار" الفرنسي و بور "power".
الاحتمال الثالث: و أعني به رأی من ی
رجع التشابه بین شعر أمیة و ما ورد من مثل معانیه في القرآن الکریم إلی أخذ الإثنین من التوراة و الإنجیل و تفاسیرهما...و لو کان الرسول و أمیة أخذا من منهل واحد، لما سکتت قریش عن القول به، و لما سکت أمیة نفسه و هو الغاضب الحاقد علی الرسول و عن الجهر به. و کیف یعقل سکوته عن هذا، و هو أمر مهم جدا بالنسبة إلیه. و سیف یحارب به الإسلام.

ثمّ إن المقابلة بین نصین لمعرفة صلة أحدهما بالآخر، و أخذ أحدهما من الآخر، تستوجب التأکید من صحة نسبة هذا الشعر إلی أمیة. ففي هذا الشعر مقدار لایمکن أن ﻴﺷﻚ في وضعه و صنعه و مقدار نص العلماء علی أنه لغیره، و هم إنما ذکروه في شعر أمیة.
و الحق إن العصبیة تلعب بعقول بعض المستشرقین، و متی لعبت العصبیة بعقل انسان أبعدته عن فقه أبسط قواعد النقد، و ممن قال باحتمال أخذ القرآن الکریم و أمیة من مورد مشترﻚ واحد" فردرش شولتیس" ناشر دیوان أمیة.
یقول الدکتور جواد علي سبب التشابه بین القرآن و الشعر المنسوب إلی أمیة " أما أنا، فأظن أن مرد هذا التشابه والاتفاق الصنعة و الافتعال. لقد کان أمیة شاعرا، ما في ذﻟﻚ ﺸﻙ، و قد کان ثائرا علی قومه، ناقما علیهم، لتعبدهم للأوثان. و قد کان علی شيء من التوحید و المعرفة بالیهودیة و النصرانیة، و لکنني لا أظن أنه کان واقفا علی کل التفاصیل المذکورة في القرآن الکریم و في الحدیث عن العرش و الکرسيّ و عن الله و ملائکته و عن القیامة و الجنة و النار و الحساب والثواب والعقاب و نحو ذﻟﻙ. إن هذا الذي أذکره هو شيء اسلاميّ خالص، تفاصیله لا عند الیهود و لا النصاری، و لا عند الأحناف، فورده في شعر أمیة و بالکلمات و التعابیر الإسلامیة، هو عمل جماعة فعلته في عهد الإسلام". [14]

و بعد هذا أوافق عبد الغفور الحدیثي في رأیه أنه " شعرأمیة الدیني یمکن تقسیمه قسمین، قسم یظهر علیه أثر الحنیفیة و الکتب المقدسة کالتوراة و الإنجیل، و قسم یظهر علیه أثر القرآن.
أما القسم الأول فأنا أمیل إلی أن یکون له، کما یظهر من لغته و اسلوبه و معانیه، و أما الثاني، فأنا أمیل إلی أن یکون منحولا علیه و هذا واضح أیضا من رکاکة لغته و ضعف صیاغته و اسلوبه المستمد من القرآن". [15]

و في ادامة بحثه یقول:" أما المعاني التي جاءت مستمدة من القرآن، فإني أرجح أن بعضها مما جاء مثله في کلام العرب و قبل نزول القرآن، کما نجد ذﻟﻙ عند الشعراء الجاهلیین و هو لا یعدو ألفاظا عربیة کانت معروفة عند الجاهلیین وجاءت مثلها في القرآن الکریم و مما جاء في شعر أمیة منها قوله:

کیفَ الجحودُ و إنما خلق الفتی من طین صلصالٍ له فخَّارُ
قال الله تعالی " خلق الإنسان من صلصالٍ کالفخّار" سورة الرحمن/14.
و قال أمیة:
ربِّ کُلاً حتَمتَه وارد النَّا رِ کاتباً حتمتَه مقضیّا
قال الله تعالی: " حتما مقضیا"سورة مریم/71.
و قال أمیة:

ﻤﻠﻙ علی العرشِ السَّماءِ مهیمنٌ تعنو لِعزَّته الوجوهٌ و تسجدُ
قل الله تعالی:" وَ عَنَت الوجوهُ للحيِّ القیّومِ" سورة طه/111.
و الأمثلة علی ذﻠﻙ في شعر أمیة کثیرة.

أما المعاني التي تبدو أنها مستمدة من القرآن الکریم بشکل واضح فاني أرجح أنها منحولة، منها قوله:
فذا عسلٌ و ذا لبنٌ و خمرٌ و قمحٌ في منابتِه صریمٌ
مأخوذة من قوله تعالی" مثلُ الجنَّةِ التي وُعِدَ المتَّقونَ فیها أنهارٌ من ماءٍغیر آسن و أنهارٌ من لبنٍ لم یتغیَّر طعمه و أنهارٌ من خمر لذة للشاربین و أنهار من عسلٍ مصفّی و لهم فیها من کلِّ الثمراتِ و مغفرة من ربِّهم" سورة محمد/15.
و قوله:
و تفاحٌ و رمانٌ و تینٌ و ماءٌ باردٌ عذبٌ سلیمٌ
مأخوذ من قوله تعالی" و فیها فاکهة و نخلٌ و رمان" سورة الرحمن/68.
و قوله:
علیهم ثیابٌ سندس و جیاد ریط وَ دیباج یُری فیا قتومُ
و حلوا مِن أساورَ مِن لجینٍ و مِن ذهبٍ و عسجدُه کریمُ
مأخوذ من قوله" علیهم ثیاب سندس خضر و استبرق و حلوا أساور من فضة و سقاهم ربٌّهم شراباً طهوراً". سورة الدهر/21

هذا في شعره الدیني، أما في شعره غیر الدیني، فنجد معانیه مستمدة من بیئته الاجتماعیة کما تحدثنا عنه سابقاً".] ن.م : 138-140[
نتائج خلص إلیها هذا المقال
و تبین لنا خلال هذه الدراسة أنه غلبت علی شعر أمیة المعاني الدینیة و لهذا قال الأصمعي:" ذهب أمیة بن أبي الصلت في شعره عامة بذکر الآخرة." [16]
بعد هذا یمکن أن نقسم شعره الدیني إلی قسمین: قسم یظهر علیه أثر الحنیفیة و الکتب المقدسة کالتوراة و الإنجیل، وقسم یظهر علیه أثر القرآن.
أما القسم الأول فنحن نمیل إلی أن یکون له، کما یظهر من لغته و اسلوبه و معانیه، و أما المعاني التي جاءت مستمدة من القرآن، نرجح أن بعضها مما جاء مثله في کلام العرب و قبل نزول القرآن؛ کما نجد ذلك عند الشعراء الجاهلیین؛ له. و المعاني التي تبدو أنها مستمدة من القرآن الکریم بشکل واضح فأنا نمیل إلی أن یکون منحولا علیه. وهذا واضح أیضا من رکاکة لغته و ضعف صیاغته و أسلوبه المستمد من القرآن.
و في النهایة أرجو القبول من أصحاب العقول و أهل الفنّ و الأدب.

المصادر

  1. القرآن الکریم.
  2. آذرشب، محمدعلی. 1375ه.ش. الأدب العربي و تاریخه حتی نهایة العصر الأموي. چاپ اول. تهران: سمت.
  3. ابن هشام، عبدالملك. 1971م. السیرة النبویة. تحقیق مصطفی السقا و آخرین. الطبعة الثالثة.ج 3و4. بیروت: دار إحیاء التراث.
  4. الإصفهاني، أبوالفرج. 1929م. الأغاني. ج 4و5. دارالکتب المصریة.
  5. الجبیلي، سجیع جمیل. 1988م .دیوان أمیة بن أبي الصلت. لبنان: بیروت.
  6. جواد، علي. 1907م. تاریخ العرب قبل الإسلام. ج5. دار العلم للملایین.
  7. الحدیثي، بهجة عبدالغفور. 1975م. أمیة بن أبي الصلت حیاته و شعره. بغداد: دارالحریة .
  8. الدینوري، ابن قتیبة. 1966م. الشعر و الشعراء. تحقیق أحمد محمد شاکر. 2ج. قاهرة. مصر: دارالمعارف.
  9. ابن کثیر، عماد الدین.1932م. البدایة و النهایة. الطبعة الأولی. مصر: مطبعة السعادة.
  10. الکاتب سیف الدین و أحمد عصام. لا.ت. شرح دیوان أمیة بن أبي الصلت. بیروت: دار مکتبة الحیاة.
  11. المقدسي، مطهر بن طاهر. 1903. البدء و التاریخ. ج 1و2. باریس: کلمان هوار.

[1رج: الإصفهاني، 1929م، ج4: 127-140

[2الحدیثي، 1975م: 48

[3الإصفهاني، 1929م، ج4: 126

[4جواد علي، 1907م، ج 5: 379

[5الإصفهاني، 1929م، ج 4: 129

[6جواد علي، 1907م، ج5: 381

[7الحدیثي، 1975م: 67

[8ابن کثیر، 1932م، ج2: 223-224

[9الحدیثي، 1975م: 67-68

[10ن.م: 98

[11الحدیثي، 1975م: 102

[12المقدسي، 1903م، ج1: 102[. و لهذا ترانا لاننفي کل ماجاء من شعره الدیني و لکننا نری أن بعضه منحول علیه، نحله المسلمون بعد الإسلام و نسبوه إلی أمیة". ]الحدیثي، 1975م: 102

[13ن.م : 124

[14جواد علي، 1907م، ج5: 389

[15الحدیثي، 1975م: 127

[16الإصفهاني، 1929م، ج4: 125


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى