الجمعة ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم عبد الباسط محمد خلف

أوراق من رام الله ذات خريف

الطريق إلى الهدف كحلم!

جاهدت الحافلة العمومية كثيراً، لأجل الوصول إلى رام الله. المسافرون الذين لا "يحترفون" النوم في الأماكن العامة، صاروا يقدمون توصيفاً مختلفاً لحالهم، أحدهم قال: ودعت أطفالي وزوجتي، فلا أعرف متى سأعود، لدرجة أصبحت اشعر فيها وكأنني أطير إلى أوروبا!
أم علي، المصابة بمرض يرفض الهدنة، تستند على كتف ولدها، وتحاول إقفال عينيها، وتتمنى أن لا ترجع الحافلة من أطراف حوارة، كما حدث بالأمس، وهو الأمر الذي يعني لها تأجيل وضع حد لوجعها المتصاعد…
تختلط الأصوات في الحافلة المكتظة، ويحاول آخرون مزج السخرية بالمرارة، فيقول عادل: قلت لجارنا، سأهاتفكم حينما نصل إلى( العبدلي)، في إشارة للمجمع الرئيس في الأردن ، الذي يقصده المسافرون من الأردن إلى الضفة الغربية .

يصل المغادرون إلى وجهتم، وتقرأ من وجوههم وكأن حلماً كبيراً تحقق لهم، ولا تخفي هدى الطالبة في جامعة بير زيت أن الواقع الفلسطيني اليوم يشبه قطعة جبن سويسري مليئة بالثقوب.

نرويجيات الحرب العالمية الثانية في المدينة..

للارش رامبيرغ، الفنان النرويجي القادم لرام الله، حكاية مختلفة، فهو الذي يقدم رؤية أخرى للفن المعاصر، ويعيد قراءة التاريخ.
يعرض رامبيرغ أمام مجموعة من الفنانين الفلسطينيين جاءوا للتدرب في إطار مشروع ورشة الفن المعاصر الثانية ضمن خطة تأسيس أكاديمية دولية للفن، الكثير من النماذج.

يعيد لارش الحياة لملف النرويجيات اللواتي وقعن في حب الجنود الألمان الذين قدموا لغزو بلادهن إبان الحرب الكونية الثانية، العام 1945.
يوثق بفن حديث، تجربة هؤلاء، اللواتي اعتقلن وأجبرن على الإقامة في معسكرات ، وسلبت جوازات سفرهن وأصبحن بلا هوية نرويجية إلى يومنا هذا.

وضع صورة وثيقة سفر كتب نرويجية كتب عليها بالألمانية( خيانة)، في المتحف الوطني الألماني، ووثق بالصوت والصورة معاناة مواطناته.
تقدم إحداهن شهادة متلفزة تعيد الحياة لوجعها القديم، تتوقف عند محاور مؤثرة كاختطاف أطفالهن ووضعهم في مصحات عقلية ودور للأيتام، وحلق شعورهن وتركة بقعة صغيرة في رؤوسهن على هيئة الصليب المعقوف، ونقلهن من النرويج لألمانيا في قطارات شحن.

ينهي رامبيرغ عمله الوثائقي-الفني بنقل أمنية لمواطنة نرويجية أحبت جندياً ألمانياً: أتمنى أن أدفن في النرويج. الأمر الذي لا تسمحه به القوانين في أوسلو

نقاش ساخن على شرف شتاء مبكر

هبطت مقدمة الشتاء المبكر على خريف رام الله الباردة، وتصاعدت حرارة المتحدثات و المتحدثين في ورشة العمل، التي نظمها مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، حول "دور الإعلام في تناول ظاهرة قتل النساء وقانون العقوبات".

لم تعرف مديرة المركز مها أبودية شماس، و المحامية شذى عودة التي صارت كدينمو لمنتدى الإعلاميين والإعلاميات لنصرة قضايا المرأة، و الأخصائية الاجتماعية ومديرة برنامج القدرات، سعاد أبو دية، والمحامية حليمة أبو صلب من دائرة الضغط والمناصرة، والإعلامية ناهد أبو طعيمة من تلفزيون القدس التربوي وسواهن، متى سنضع حداً لظاهرة القتل التي تطارد الفلسطينيات، أو نكف عن الاستماع لتقارير وأخبار وشائعات وحقائق عن الاعتداءات الجنسية.

تسعى ثلاث دراسات تتناول" الإطار الاجتماعي العام لظاهرة قتل النساء والاعتداءات" و" الحال القانوني للتعامل مع ظاهرة العنف الموجه ضد النساء" و "الرؤية النقدية لدور وسائل الإعلام"، لتقديم طوق نجاة للفلسطينيات الضعيفات والمعنفات، ويتمنى الحاضرون أن نكف عن الصمت الذي يطارد حواء من مصادر القانون والمجتمع والإعلام.
على مائدة الإفطار في فندق"سيتي إن بلس" تعيد أبو صلب التاريخ للوراء لتذكر بقصة إحدى الضحايا التي تعرضت لنيران ظالمة، بعد أن أفقدها شقيقها عذريتها، وتبريره: أن شاهد ساقيها مكشوفتين بعد أن شاهد فيلماً مثيراً أشعل نار شهوته الوقحة.

مفاجأة اسمها الصدق!

في شارع ركب غرق الفتى الأسمر في توزيع ملصقات دعائية لمؤسسة حديثة العهد في رام الله، تقرأ كغيرك مضمون الرسالة القصيرة، فتعرف أن أصحاب الشركة حديثة العهد قرروا طرح سلسلة مفاجآت لزبائنهم.
المفاجأتان الأولى والثانية تتصل بتخفيضات في الأسعار، ومزايا تسويقية لمن يحمل الإعلان، أما الثالثة فكانت( الصدق والأمانة والجودة).
يعلق عوض القادم من شمال طولكرم: كم دهشت وأن أقرأ الإعلان، ولست أدري كيف تحول الصدق ومترادفاته إلى مفاجأة تستثمر في الترويج التجاري.

بيت أمي!!

تصاب بنوع من الذهول، وأنت تقرأ إعلاناً تجارياً أختار أصحابه تسميته بـ"بيت أمي".

ويتضاعف الشعور بالاستغراب عندما تعلم أن الماركة الجديدة ستقترن بمطعم، سيقدم أصناف المشاوي والفلافل وما تفرع عنه وقائمة أخرى من المنتجات.

تسأل نفسك ورفاقك وأعضاء منتدى الانترنت الحواري عن السبب الذي يدفعنا لرسم علاقتنا بأمهاتنا عبر ما يقدمنه لنا من طعام وشراب.
تضيف أسئلة أخرى: أيهما أهم الحنان الدافئ والعاطفة التي لا تقاس ولمسة أمهاتنا، أم ما يصنعنه من ألوان طعام؟!
لعل الأمر كله مرتبط بثقافة عرجاء تمنح الأم والزوجة والمرأة الشرقية توصيفاً يحتم عليها إنفاق ساعات طويلة في طهي الأطعمة وجلي الأطباق وتلبية رغبات تتضاعف في مواسم رمضان وسواها.
نحتاج لتعميم حروف من شعر محمود درويش، مع تعديل طفيف: "أحن إلى لمسة أمي أولاً…."

"قطايف"…

في قلب رام الله، يعمد أحد التجار إلى تقديم القطايف لزبائنه في الهواء الطلق، الوعاء الكبير المصنوع من النحاس، والذي يضم العجينة المائلة للصفار مكشوفاً، ويسمح للمارة وللهواء الملوث ولعوادم السيارات ولكل شيء بالدخول إليه.
يمكننا أن نسمى ذلك انفتاحا، وحربا على الحواجز والجدران!!

"مكتوب"

انحازت عفاف عمر، فلسطينية اللاجئة التي تسكن مخيم الجلزون، وتمارس فنون الجرافيك، إلى قضية تشردها وعائلتها وشعبنا، بالفن المعاصر أيضاً.

نفذت عفاف، التي تضيف إلى إخراج "صوت النساء" لمسات فنية، عملاً من ورق أطلقته عليه اسم "مكتوب" ليكون نتاجها بعد المشاركة في ورشة الفن المعاصر الثانية لمشروع إنشاء أكاديمية في رام الله.
في قاعة "الحلاج" كان بوسع الزوار مشاهدة رسالة كبيرة بيضاء، وفي أعماقها عدة مشاهدة فوتوغرافية وأحلام قادمة من المخيم الذي يتوق لنسيم البحر الغائب.
الرسالة لم تصل...

شفافية عرجاء…

أسرع عدلي بعد أن شاهد إعلاناً لمؤسسة ما، لإرسال سيرته الذاتية، واستعد للمقابلة التي أخبر أنه أحد مرشحيها.

غادر الخريج الذي لم يجد عملاً رسمياً منذ فترة طويلة، وأضطر للقبول بأعمال جزئية متعددة إلى الامتحان.

في المقابلة الشفافة، كان مدير المؤسسة ومرافق له، يحاولان التعرف على أفضل المتقدمين، ويجرون امتحانات تحريرية وشفهية… شعر عدلي، بأن الرياح تحالفت معه هذه المرة، وراح ينتظر قرار التعيين الذي لم يأت.
يقول: عرفت أخيراً أن الذي قابلني وأجرى لي امتحانا هو ذاته الذي نال الوظيفة‍ !!!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى