إبداعات نسائية تشكيلية فلسطينية
الحديث عن تجارب المرأة في الفن التشكيلي الفلسطيني لا يعني البحث عن حركة تشكيلية نسائية لها خصائصها التي تميزها عن أعمال الفنانين الفلسطينيين ، وكل محاولة نقدية للفصل بين «فن» المرأة ،و «فن» الرجل ـ ان جاز لنا التعبير لا بد أن تقود الى الفشل، فقد اثبتت تجارب المرأة في الفن الفلسطيني المعاصر، وعبر أكثر من ثلاثين عاما انها لا تقل فاعلية واهمية وحضورا عن تجارب الرجل، وثمة ابداعات تشكيلية للمرأة الفلسطينية توزعت على مختلف المراحل التي مر بها الفن الفلسطيني المعاصر، وساهمت في تأسيس وتطوير هذا الفن، وجاءت متفقة في هواجسها وجمالياتها وأشكالها التعبيرية لابدعات «الرجل» ومن هذا المنطلق لا يكون الحديث عن «حركة تشكيلية نسائية» بل عن تجارب فنية أنجزتها «المرأة» ضمن مسار الفن الفلسطيني المعاصر.
ولعل عملية البحث عن نماذج تمثل مختلف المراحل والاتجاهات الفنية ستقودنا في النتيجة الى استشفاف الدور الذي لعبته المرأة في بناء الشخصية الفنية الفلسطينية المتميزة ، والتي ليست بمعزل عن الواقع الفلسطيني بامتداده الحضاري ومشكلاته وقضاياه المعاصرة.
الفنانة تمام الأكحل
هي أول فنانة فلسطينية تقيم معرضا شخصيا بعد عام النكبة، فقد شهدت القاهرة في العام 1954 معرضها الاول، أي بعد معرض الفنان اسماعيل شموط بسنوات معدودة ، وهي أول فنانة فلسطينية تتخرج من اكاديميات الفنون التشكيلية «خريجة كلية الفنون الجميلة في القاهرة العام 1957م». وهي بلا مبالغة الرائدة الحقيقية للفن الفلسطيني المعاصر «كرمت في الاسبوع التشكيلي العربي كرائدة من رواد الفن الفلسطيني» والفنانة التي ملكت استمرارية الانجاز عبر مشاركتها في عشرات المعارض الجماعية الفلسطينية واقامتها لأكثر من ثلاثين معرضا شخصيا في المدن العربية والأجنبية «القاهرة ـ القدس ـ عمان ـ دمشق ـ بيروت ـ الكويت ـ الجزا! ئر ـ صوفيا ـ بلغراد ـ بكين ـ لندن .. الخ»
وإذا كان «اسماعيل شموط» يمثل البداية التسجيلية للفن الفلسطيني «مطلع الخمسينات» فان تجربة «تمام الاكحل» تعتبر التجربة الرائدة بالمعنى الدقيق للريادة، فهي أول تجربة فنية تتجاوزفي ابداعاتها الصيغ التسجيلية في تعبيرها عن القضية الفلسطينية ، وهكذا فتحت الباب على مصراعيه للدخول في مرحلة جديدة متطورة. ساهمت في تكوينها، وكان لها دورها الفعال في التطور اللاحق في الستينات وفي التجارب التي جاءت بعدها، وحين نتحدث عن «تمام الأكحل» فاننا نعني أيضا تجربة رائدة على صعيد استلهام التراث الفلسطيني وبشكل خاص الجانب الفولكلوري، فأعمالها في هذا المجال تعتبر من البدايات الأولى التي مثلت فيما بعد اتجاها من الاتجاهات التراثية في الفن الفلسطيني المعاصر. فماذا عن هذه التجربة الرائدة؟ كيف تطورت في تعبيرها عن الحياة الفلسطينية ؟ وماذا عن خصوصياتها التشكيلية المستمدة من جماليات الفولكلور الفلسطيني الأصيل؟
ان عودة الى أعمالها التي انجزتها في النصف الثاني من الخمسينات تكشف عن فنانة متمكنة من ادواتها التعبيرية وتتمتع بخبرة أكاديمية واسعة تمثل الخلفية المتماسكة التي انطلقت منها في بحثها الفني وصياغتها الواقع الفلسطيني صياغة ابداعية متميزة، وقد طرحت في تلك المرحلة «الخمسينات» وكغيرها من الرواد واقع النكبة عبر موضوعات واقعية تمثل الحياة اليومية للتشرد «المأساة ـالخيام ـ الغربة ـ الحنين الى الوطن ـ .. الخ» وبصيغة تسجيلية متطورة وتختلف عن تسجيلية الرواد من حيث تحررها «النسبي» من مظاهر الواقع الفيزيائي ومحاولاتها استشفاف ابعاده الواقعية «المادية» و«النفسية».. ثم كان التطور باتجاه واقعي جديد تحقق كانجاز تشكيلي عبر وشائج تعبيرية ورمزية وتجريدية اغنت واقعيتها وحررتها من المفاهيم الكلاسيكية والأطر التسجيلية الجاهزة. ولعل الحديث عن ! نماذج من لوحاتها تمثل مختلف المراحل التي مرت بها يعطينا صورت واضحة عن ابداعاتها ويجيب عن التساؤل الذي طرحناه حول دورها كرائدة عاشت متغيرات القضية الفلسطينية من النكبة الى الثورة وتناولتها بالتعبير الفني. ففي لوحة تحت عنوان «مخيم مارالياس» تأخذ الواقعية شكلا أقرب الى الانطباعية من حيث الاهتمام باللون كأساس للتعبير ومن حيث الرؤية تسجيل مظاهر المخيم. ولعل مقارنة هذه اللوحة بسلسلة لوحات حول المخيم «المخيم رقم (1) ـ المخيم رقم (2) ـ المخيم رقم (3)… الخ» أنجزتها في مرحلة لاحقة تكشف لنا مدى التطور الذي مرت به تجربتها على صعيد اسلوب التعبير والرؤية والمحتوى الفلسطيني ، ففي هذه المجموعة نراها وقد تحررت من الصيغ التسجيلية ، وذلك حين عالجت الموضوع «المخيم» من منظور مادي اتخذ من التحليل الهندسي والعضوي وسيلة للنفاذ الى عمق المأساة . وحين تناولت جماليات الفولكلور الفلسطيني استخدمته استخداما تعبيريا ، فصورت الى جانب الخيام النساء بالزي الشعبي الفلسطيني ، وتطورت في معالجتها المسألة الفولكلورية عبر مجموعة من الأعمال التي تمثل العادات والتقاليد الشعبية الفلسطينية كما في سلسلة لوحات تمث! ل العرس الشعبي الفلسطيني . ثم دخلت تفاصيل الحياة الفلسطينية كما في لوحة سأنتقم. ففي هذه اللوحة انطلقت من اللقطة القريبة كما في السينما حيث عكست عبر وجه المرأة الفلسطينية «بورتريه » المأساة والاصرار على التحدي والمواجهة، وهذا ما نراه «اللقطة القريبة» في لوحة أخرى تحت عنوان «قالوا لي غدا سأعود» ، وإذا انتقلنا الى لوحاتها حول الثورة الفلسطينية مجموعة لوحات بعنوان «فدائيون» نجد الواقعية محققة بعلاقات تعبيرية واسطورية تعكس الفعل البطولي وتكشف عن الارتباط العميق بين المقاتل والارض، فقد دمجت الإنسان بالأرض التي يقاتل في سبيلها، وهكذا نتبين اهمية هذه التجربة الرائدة في تعبيرها المتطور عن الحياة الفلسطينية بمختلف جمالياتها واحداثها وقضاياها.
الفنانة جمانة الحسيني
ان ما أثرناه حول مسألة «الريادة» في تجربة الفنانة تمام الأكحل ينسحب الى حد كبير على تجربة الفنانة جمانة الحسيني التي مثلت الاتجاه الشاعري في الفن الفلسطيني المعاصر خير تمثيل.. ومن وجهة نظر نقدية نعتبرها الرائدة الاولى لهذا الاتجاه الذي بدأته في الخمسينات واستمرت حافظة له الى مطلع الثمانينات وعبر موضوعات محددة انفردت بها وعالجتها في عشرات اللوحات «مجموعة لوحات بعنوان القدس ـ مجموعة لوحات ـ قرية فلسطينية ـ مجموعة لوحات ـ يافا ـ أريحا..» بحيث يمكن أن نقول بكل بساطة: ان «جمانة» هي فنانة المدن والقرى الفلسطينية ..فنانة العمارة الفلسطينية المتميزة بطابعها المعماري الأصيل الذي! يعود الى آلاف السنين. «الفنانة التي هاجرت من فلسطين ولم تغادرها ـ على حد تعبير أحد النقاد».
لقد عملت منذ البداية على تصوير المدن والقرى بأسلوب غنائي شاعري يكشف عن عشقها للمنزل والحي والقرية والمدينة وقد اعطت لهذا الموضوع طابعا قدسيا بدأ مع تصويرها «القدس»وامتد ليشمل مختلف المدن والقرى الفلسطينية ، وفي تصويرها العمارة الفلسطينية عبر المدن والقرى والأحياء الشعبية، لم تقف عند حدود هذا الموضوع الذي يعتبر هاجسا أساسيا في تجربتها، بل عملت على ربطه بمختلف الموضوعات الفلسطينية ، فحين أرادت التعبير عن النكبة والحنين الى الوطن وحتمية العودة، استخدمت العمارة والطيور والفراشات وهي تعيش رحلة العودة ، فهجرة الفلسطيني لن تدوم ولا بد من العودة، تماما ، كالطيور العائدة الى منبتها، وهذا ما نراه في موضوعاتها حول الثورة، حيث استخدمت الحصان على خلفية من المدن والقرى..وهكذا تحولت عناصرها الى رموزها مضامينها المتميزة «العمارة كرمز! لفلسطين ـ الطوير كرمز للشعب ـ الحصان كرمز للثورة». كل ذلك بتحقيق شاعري غنائي يكشف عن رقة الأحاسيس والعواطف والانفعالات ..وذلك على نقيض الاتجاهات التعبيرية التي ذهبت بالانفعالات الى أقصى مداها من حيث شدة التعبير والمبالغة الانفعالية في ترجمة الموضوعات الفلسطينية ولذلك كله اعتبرها «الحلاج» فنانة الرقة الفلسطينية . وهكذا أسرتنا برقة عوالمها وشفافية عناصرها ومتعة محتواها، المحتوى الذي صاغته عن طريق غير مباشر مؤكدة على جمالية متميزة ، هي جمالية الفن لاجمالية الواقع، وبذلك جعلت المتلقي يعش الوطن الذي صورته ، يعشق فلسطين.
الفنانة منى السعودي
تتوزع أهمية تجربة الفنانة منى السعودي على أكثر من جانب ، فهي التجربة النحتية الوحيدة في الفن الفلسطيني المعاصر التي استمرت في معالجة هذه التقنية الشاقة «نحت بالحجر» بعيدا عن صناعة الطين والقوالب ، وقد مثلت الاتجاه التعبيري في الفن الفلسطيني تمثيلا متميزاً من حيث تشذيب الانفعالات وجمالية التحوير «تحوير عناصر الواقع» ، ذلك ان الكثير من أصحاب هذه الاتجاه «التعبيرية» قد وصلوا عبر اعتمادهم «التحوير» كمنطلق للترجمة الانفعال الى «التشويه» الذي ينفر المتلقي ويقطع الصلة بين الفنان والناس. واذا كانت «جمانة الحسيني» فنانة المدن والقرى الفلسطينية فان «منى السعودي» تعتبر فنانة الأرض الفلسطينية ، «الأرض» التي عجنتها بعجينة الانسان، وقد استطاعت في معالجتها الطويلة والمستمرة لهذا الموضوع، «الأرض»أن تربطه بموضوعات أخرى مست! قاة من الواقع الفلسطيني بمختلف أحداثه وقضاياه ، وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر منحوتاتها «الأرض ـ أمومة الأرض ـ يوم الأرض ـ وردة الحجر ـ خصب الأرض ـ شروق ـ ولادة ـ الفجر.. الخ» ودمجت الكتل الانسانية بمساحات الأرض مستخدمة أنواعا مختلفة من الحجر وذلك بما يساهم في التأكيد على الفكرة «مرمر ـ حجر أصفر ـ حجر أبيض ـ رخام وردي ـ رخام أسود» وعلى صعيد آخر تنطلق «منى» من الدراسات الخطية كدراسات أولية لانجاز العمل النحتي ، وتستخدم في بعض الحالات الكتابة العربية كما في عملها «يوم الأرض» ففي هذا العمل كتبت ما يلي : «أنا الأرض والأرض انت في شهر آذار قالت لنا الأرض اسرارها، اسمي التراب امتداد لروحي ، أسمي يدي رصيف الجروح ، أسمي الحصى أجنحة، أسمي ضلوعي شجر…» وحول تطور موضوع «الأرض» في تجربتها قالت في لقائنا معها: «كل فنان يكون لديه موضوع رئيسي يعالجه باستمرار ، وكل ما حوله يأتي منه أو يتفرع عنه وبالنسبة لي ، بالفعل ، أعالج موضوع الأرض كموضوع رئي! سي في تجربتي ومثل هذا الموضوع يتطلب حياة بكاملها. الأرض في اعمالي تحمل معاني الانسانية من الاقتلاع الى النفي ، الى البحث عن هذه الأرض ، وفي تعبير عن فلسطين لا أعتمد شكل التعبير السياسي المباشر . أو الرموز المباشرة ، فثمة حقيقة تكمن في الوحدة بين الإنسان والارض وهي ما أسعى الى تحقيقها، وقد اقترب في بعض الاعمال الى نوع من العشق فأقوم بأنسنة الأرض»
وهكذا تكشف لنا هذه التجارب الرائدة عن مدى مساهمة «المرأة» في بناء حركة تشكيلية فلسطينية معاصرة، ومتميزة في ارتباطها بالقضية.
الفنانة ليلى الشوا:
تعتبر تجربة الفنانة ليلى الشوا «تصوير بتقنيات متنوعة » من التجارب المتميزة التي ظهرت في الستينات، فقد مثلت اتجاها من الاتجاهات التراثية في تصويرها الواقع الفلسطيني ،وانفردت في تأكيدها على الجانب الفولكلوري وصياغته بأسلوب شاعري يكشف عن رهافة ورقة العواطف الدفينة ، وينم عن حس متطور يتلاءم مع جمالية العصر.
لقد خرقت الصيغة التسجيلية التي كانت سائدة في الخمسينات ومطلع الستينات ، فلم «تصور المظهر الدقيق للواقع» لكنها اعادت تكوين عناصره التعبيرية والجمالية الفولكلوري في قالب تصويري جديد اعطى لعالمها الفني نكهة خاصة ، فكل عنصر من عناصر الموضوع «وجه ـ نافذة ـ زخرفة ـ جدار شجرة.. الخ» يتحد ببقية العناصر ليشكل نسيجا انسانيا اكثر عمقاً من مظهره الفيزيائي ودلالته الطبيعية ،وبذلك عجنت «ليلى » الزخرفة والجدار والنافذة والشجرة بالعجينة الانسانية الفلسطينية بكل خصوصيتها ، وهكذا دمجت الواقع بالحلم بالذكرى ،بالذات في توحدها بالاشياء .. بالجماليات الفلسطينية.
الفنانة سمية صبيح:
تعود بدايات «سمية» الفنية الى اواخر الستينات، أي الى مرحلة تعبيرية في الفن الفلسطيني المعاصر، ورغم انتشار «التعبيرية» في النصف الثاني من الستينات وبتأثير من الواقع الفلسطيني الجديد «الثورة» فان «سمية» قد بدأت بداية مختلفة وتطورت لتمثل الاتجاه الزخر في الذي تم عبر عناصر تراثية فلسطينية محددة.
في تلك المرحلة تناولت بالتعبير الفني المرأة الفلسطينية مؤكدة على الازياء الشعبية الاصيلة والمتميزة بألوانها وتكويناتها وزخارفها، الا انها لم تتجاوز القيمة التسجيلية في تصويرها الازياء والزخارف ، فقدمت المرأة في حالاتها الانسانية المتنوعة، وحافظت على المظهر في صياغة الثوب بحيث اصبحنا نرى في اللوحة الواحدة عدة اساليب للتعبير، وعدة قيم، وهكذا عاشت هاجس «التعبير» و«التزيين» الى ان وصلت الى مرحلة «اعمالها في مطلع الثمانينات»تجاوزت فيها ما هو «تسجيلي» و«تزييني» في تعبيرها الجمالي . كيف؟ لقد اخذت الزخرفة من الثوب الفلسطيني واعادت تصويرها على مساحات اللوحة بمختلف عناصرها وهكذا تحولت ! الأرض الى مجموعة من الزخارف «الهندسية» و «النباتية» الفلسطينية، او لنقل صاغت «سمية» الأرض والمنازل والاشجار والحيوانات صياغة زخرفية لتشكل مع مجموعة من الفنانين اتجاها زخرفياً في الفن الفلسطيني المعاصر. وحين نقول اتجاهاً زخرفياً، فلا نعني «التزيين» بل نعني «التعبير» ذلك ان القيم التي يمكن ان يضعها الفنان في الزخرفة ليست ـ دائما ـ «تزيينية» والمسألة تتعلق بقدرة الفنان على شحن الزخارف بالشحنة التعبيرية.
الفنانة سامية الحلبي:
إذا كانت تجربة «سمية صبيح» تمثل الاتجاه الزخر في الفن الفلسطيني المعاصر ، فان تجربة الفنانة سامية الحلبي والتي تعود الى النصف الثاني من الستينات تمثل الاتجاه الواقعي الجديد خير تمثيل، وقد ارتبطت تجربتها بالاحداث اليومية للحياة الفلسطينية ، فكل لوحة من لوحاتها هي صورة ابداعية لحدث أو قصة في مسيرة شعبنا الفلسطيني فلا لوحة بدون موضوع ، وموضوع واقعي تم انجازه بتحريض من الاحداث الفلسطينية ، وهكذا تمثل تجربتها على صعيد الموضوع تاريخاً للحياة الفلسطينية بكل متغيراتها. ترى ماذا عن اشكالها التعبيرية اتجاهها الواقعي المتطور؟ حين عملت «سامية» على رصد الاحداث عبر موضوعات فلسطينية محددة، ا! ستعارت من الاحداث الواقعية عناصرها التعبيرية وعالجتها معالجة جديدة بعيداً عن آنية التعبير والمظاهر التسجيلية للموضوع، والشيء الهام هو استخدامها العناصر الواقعية للموضوع استخداماً تعبيرياً وتكوينها عبر علاقات رمزية ، مما اعطى لمضامينها القدرة على الاستمرارية في الحياة ، تماما كما في لوحتها «الشهيد» والتي قدمت من خلالها رؤيتها وبتأثير من الفلسفة الشعبية قدسية الشهادة واستمرارية العطاء والتضحية من أجل فلسطين وهكذا ساهمت في مسيرة الفن الفلسطيني عبر موضوعاته الاساسية والاتجاه الواقعي الجديد الذي انتشر على نطاق واسع في السبعينات.
الفنانة هند حجازي:
الحديث عن تجربة الفنانة الشابة هند حجازي «تصوير زيتي» التي تمثل واحدة من التجارب الشابة المتميزة التي ظهرت في السبعينات يقودنا الى التعبيرية في ابرز صورها واكثرها تألقاً.. ذلك ان هذا الاتجاه الفني «التعبيرية» الذي ظهر في الستينات قد اثار الكثير من الجدال حول ما يتعلق بطرق تحقيق الانفعالات ، فقد ظل هذا الاتجاه الى فترة متأخرة يطل علينا عبر عمليات التحوير والتشويه التي تقود الى بشاعة منفرة وهي اشكالية تنسحب على الاتجاهات التعبيرية للفن في الوطن العربي والاستثناءات محددة.. ومن هنا تأتي اهمية تجربة هذه الفنانة الشابة التي انطلقت من «التعبيرية» دون ان تقع في منزلق «البشاعة»، بل حافظت على ذلك الاسر الجمالي الذي يمثل في النتيجة مدخلا لمختلف المضامين بما في ذلك اكثرها مأساوية وقد لعب اللون دوراً هاما في ترجمة انفعالاتها الى ج! انب القيم التعبيرية التي حققتها كانجاز من خلال تبسيط عناصر الواقع وتحوير مظاهرة بما يخدم مهمة الكشف والتحريض وتمثل الثورة الفلسطينية محور موضوعاتها، فقد استخدمت العديد من الرموز «المرأة مثلا» للتعبير عن الاحداث التي مرت بها الثورة وهكذا اعطت لاتجاهها التعبيري بعدا رمزياً متميزاً.
الفنانة نازك عمار:
في السبعينات تظهر الفنانة الشابة نازك عمار لتتابع رحلة النحت الفلسطيني المعاصر.. التقنية التي اصبحت نادرة على الساحة التشكيلية الفلسطينية، فحين جاء عام التخصص في كلية الفنون الجميلة بدمشق اختارت «نازك» قسم النحت لمتابعة دراستها التشكيلية ، وفي عام التخرج تناولت «يوم الارض» في عدة منحوتات قدمتها كمشروع للتخرج ، ومنذ ذلك العام الى يومنا هذا انجزت العديد من المنحوتات «نحت بارز ـ نحت حجري» حول يوم الأرض ، ثم بيروت ومجازر صبرا وشاتيلا وتعتبر تجربتها النحتية التي توزعت على اكثر من اسلوب للتعبير من ابرز التجارب النحتية الشابة واكثرها فاعلية.. ذلك ان التنوع في المعالجات النحتية وصيغ ال! تعبير قد خدم محتواها النضالي «موضوعاتها عن يوم الأرض» واغناه باشكال تعبيرية مختلفة «واقعية ـتعبيرية ـ رمزية ـ شاعرية» فقد عالجت الموضوع الواحد من عدة جوانب مستخدمة العنصر الواقعي استخداماً تعبيريا ورمزيا في آن واحد ففي منحوتة «يوم الأرض»(1) تمثال نصفي تناولت المرأة كرمز للشعب وهي ترفع رأسها بشموخ وكبرياء وتتحدى ، وفي عمل آخر يوم الأرض(2) نحت بارز ، استخدمت الحصان والرجل والمرأة في حركات تعبيرية تماما كالمسرح الايمائي للتعبير عن الانتفاضة فبرزت هذه العناصر بكل صلابة وهي تواجه بنادق ومدافع سلطات الاحتلال وفي عمل ثالث «يوم الأرض»(3) نحت حجري صاغت الانتصار عبر شخوصها التي وقفت متشبثة بالارض وهي ترفع أيديها عالياً مشيرة الى حتمية النصر، لذلك كله قلنا: ان التنوع في الرموز والعناصر الواقعية والتعبيرية وصيغ التعبير قد حقق الغنى لمحتواها النضالي. ترى هل اعطينا الموضوع حقه من الدراسة؟ هل احطنا بانجازات المرأة التشكيلية؟ وبدورها في بناء حركة فنية فلسطينية متميزة؟ لا ندعي الاحاطة لاننا اردنا ما هو متميز ومتطور عبر نماذج مثلت مختلف المراحل التي مر بها الفن الفلسطيني المعاصر وساهمت في صيا! غة اتجاهاته وملامحه الخاصة.
صوت فلسطين ـ موقع "نداء القدس"