إتقان الكتابة بالعربية - الجزء الثالث
21- حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما
مّما جاء في (المعجم الوسيط): «حَسَبُ الشيءِ: قَدْرُه وعددُه. يقال: الأجرُ بحَسَبِ العمل.»
وجاء في (أساس البلاغة): «الأجرُ على حَسَبِ المصيبة.»
وجاء في (محيط المحيط): «حَسَبَ ما ذُكر: أي على قدْرِه وعلى وَفْقِه.»
وجاء أيضاً: «ليكن عملك بحَسَبِ ذلك: أي على وفاقه وعدده.»
ويقال على الصواب: على حَسَبِ ما يقتضيه المقام.
كما يقال: على قدْر الحاجة، وبحَسَب الضرورة.
– ويُغْفِل كثيرٌ من الأدباء حرفي الجر (على) و (الباء)، فيقولون: الأجر حَسَبَ العمل.
– وقد لاحظتُ في الكتابات العلمية المعاصرة، أن (حسب) كثيراً ما تُستعمل في غير محلّها المناسب، وأن من الأصْوَب أن يوضع بدلاً منها، ما يلائم السياق مما يلي:
تَبَعاً لـِ، طِبْقاً لـِ، وَفْقاً لـِ، بمقتضى، بمُوْجب، بناءً على، استناداً إلى، عملاً بـ، انطلاقاً من، الخ…
22- بينما
جاء في (المعجم الوسيط): «بينما: تكون ظرف زمان بمعنى المفاجأة، ولها صدر الكلام.»
إذن، (بينما) لها الصدارة في الجملة، أي يجب أن تكون في بدء الكلام.
– يقال: بينما زيدٌ جالس، دخل عليه عمرو.
– ولا يقال: أحسنَ إليك زيد بينما أنت أسأت إليه.
– وإنما يقال: أحسنَ إليك زيد، على حين/ في حين أسأت أنت إليه (أو: أمّا أنت فأَسأْت إليه).
23- نَفِدَ يَنْفَدُ - نَفَذَ يَنْفُذُ
جاء في (المعجم الوسيط): «نفِدَ الشيءُ يَنْفَدُ نَفَداً ونَفاداً: فَنِيَ وذهب.» وفي التنْزيل العزيز: «قل لو كان البحرُ مِداداً لكلمات ربي لنَفِدَ البحرُ قبل أن تَنْفَدَ كلماتُ ربي».
وجاء في (المعجم الوسيط): «نَفَذَ الأمرُ يَنْفُذُ نُفُوذاً ونَفاذاً: مضى. يقال: نَفَذَ الكِتابُ إلى فلانٍ: وصل إليه؛ وهذا الطريق ينفُذُ إلى مكان كذا: يصل بالمارّ فيه إلى مكان كذا؛ ونفَذَ فيه ومنه: خرج منه إلى الجهة الأخرى.»
فهل يجوز - بعد هذا - الخلط بين الفعلين؟!
24- حافَة حافات
تُلفظ كلمة (حَافَة) بالتخفيف، أي بفاءٍ غير مشدَّدة، وتُجمع على (حافَات)، كما تُجمع ساعة، ودارة، وطاقة، على: ساعات، ودارات، وطاقات. ولا يجوز جمعُها على حوافّ، كما تجمع حاسّة على حواسّ، لأن هذه تلفظ بالتشديد، مثل مادّة (موادّ)، خاصّة (خواصّ)، دابّة (دوابّ)، عامّة (عوامّ)...
وتُجمع (حافَة) جمع تكسير على: حَيْف، وحِيَف.
25– السَّوِيَّة، والمستوي، والمستوى
جاء في (المعجم الوسيط): «السَّويُّ: المستوي؛ المعتدل لا إفراط فيه ولا تفريط؛ العاديّ لا شذوذ فيه؛ الوسط.» يقال: فلانٌ إنسانٌ سَوِيّ (وهم أسْوِياء). وفلانةُ إنسانةٌ سَوِيّة. وامرأةٌ سَوِيّة: أي تامّة الخَلْق والعقل.
وجاء في (الوسيط): «السَّويّة: الاستواء والاعتدال؛ العدْل والنَّصَفَة» (أي الإنصاف).
يقال: هما على سويةٍ في هذا الأمر: أي على استواء، أي هما مستويان فيه: متماثلان! وقسمتُ الشيءَ بينهما بالسّويّة: أي بالعدل. وأرضٌ سويّةٌ: إذا كانت مستوية. وجاء فيه: «السطح المستوي: هو الذي إذا أخذتَ فيه أيَّ نقطتين، كان المستقيم الواصل بينهما منطبقاً عليه.» فهو إذن كسطح الماء الراكد. ويجمع على: مستوِيات.
يقال: هذا سطحٌ مُسْتَوٍ. رسمتُ سطحاً مُسْتوِياً. كتبتُ على سطحٍ مستوٍ.
وجاء في الطبعة الثالثة من (المعجم الوسيط): «المُسْتوى: الدرجة والمكانة التي استوى عليها الشيءُ.»
ومن معاني فِعْل «استوى: استقر وثبت.» ويُجمع المستَوى على مُسْتوَيات. فالصواب أن يقال: يجب رفع مستوى الطلاب (لا: سوية الطلاب!).
حساب مُستوَيات الطاقة في الذَّرَّة (لا: سويات الطاقة؛ وهذا خطأٌ وقعتُ فيه قديماً!).
هذا مستوىً رفيعٌ، بلغ مستوَىً رفيعاً، انطلق من مستوىً منخفضٍ!
26- بواسطة، بوساطة
إذا أراد الكاتب إبراز وسيلة إيقاع الفعل، عَدَّاه بـ (باء الاستعانة):
– الداخلة على الأداة أو الآلة التي أوقعت الفعل، نحو: كتبت بالقلم؛ سافرت بالسيارة؛ حفرت بالمِعْوَل.
– الداخلة على مصدر فعلٍ آخر، نحو: نجحتُ بفضل الله؛ أنجزت العمل بعَون الله؛ حدث الصلحُ بيني وبينهم بتَوَسُّط فلان؛ سقيتُ الأرض بوساطة النواعير.
– جاء في (المعجم الوسيط) وفي غيره: «وَسَطَ الشيءَ يَسِطُهُ وَسْطاً وسِطَةً [ووُسُوطاً]: صار في وَسَطه. يقال: وَسَطَ القومَ والمكانَ فهو واسط (وهي واسطة). ووَسَطَ القومَ وفيهم وساطةً [أي وَسَطَ الرجلُ قومَهُ وفي قومِهِ]: توسَّطَ بينهم بالحقّ والعدل.»
– فالوساطة مصدر، وكذلك التَوَسُّط. والواسِطَ هو المتوسِّط.
– وجاء في (المعجم الوسيط): «واسطة القلادة: الجوهر الذي في وسطها.»
– وجاء في (أمالي المرتضى): «ذكر فلانٌ أن أباه كان الواسطة بينهما.»
والواسطة في الأصل صفة. لكنها انقطعت أحياناً في الاستعمال عن موصوفها، فغَلَبَت عليها الاسمية، وأُنزلت مَنْزلة الأسماء بتقدير (أداة واسطة)، واستعملها النحاة بهذا المعنى.
فالأصل في «واسطة القلادة»: «الجوهرة أو الدُّرة الواسطة للقلادة» أي: المتوسّطة.
والتقدير فيما جاء في (الأمالي): «أي كان أبوه الوسيط أو الأداة الواسطة بينهما، وهذا مجاز.»
– يقول ابنُ مالك في ألفيَّته:
التابعُ المقصود بالحُكم بلا واسطةٍ هو المسمى بَدَلاْ
– ويقول ابن الخشّاب: لأن المتعدي إذا استوفى معموله الذي يتعدى إليه بنفسه، لم يتعدَّ إلى غيره إلا بواسطة.
– واستعمل أبو البقاء الكفويّ في (كُلّيّاته) كلمة (بواسطة) كثيراً. وأبو البقاء مَنْ تَعْلم تبسّطاً في العربية واستبحاراً وسَعَةَ اطلاع. من ذلك قوله في الجزء الخامس ص 235: الفعل المنفي لا يتعدى إلى المفعول المقصود وقوع الفعل عليه إلا بواسطة الاستثناء.
وفي ص 244: النصب على الاستثناء إنما هو بسبب التشبيه بالمفعول لا بالأصالة، وبواسطة (إلا)، وأما إعراب البدل فهو بالأصالة وبغير واسطة.
وقال الإمام ابنُ قُدامة (في مختصر منهاج القاصدين، ص 280): أخبرهم الله تعالى بكلامٍ سمعوه بواسطة رسوله.
– وقد أورد (المعجم الوسيط) تعريف (الواسطة) كما وضعه مجْمع القاهرة فقال: «الواسطة: ما يُتَوصَّل به إلى الشيء.»
والخلاصة: إذا أمكن الاكتفاء بباء الاستعانة لأداء المعنى بوضوح، فهذا هو الأفضل! وإذا دعت الحاجة إلى إبراز الأداة أو الوسيلة التي حدث وقوع الفعل بها، استُعملت الواسطة أو الوساطة.