احتجاجات ختم عربي
كل خيبة تمس الوطن العربي تتحول الى وجع شخصي يخص الفرد وحده وفي نفس الوقت يتفاعل هذا الوجع العروبي في ديناميكية المجتمع ويتولد بالتالي شعور استياء جماعي وبصفتي جزء لا يتجزأ عن هذا المجتمع الكبير أذكر أضراري الأولى والمباشرة بظاهرة الوجع وقتها كنت صغيرة وجدت أسرتي متكومة حول شاشة التلفزيون ترقب بارتباك وألم عظيم موكب جثمان الرئيس الراحل "هواري بومدين" هذا الرجل الذي لم يقطفه الاحتلال وقطفه الاستقلال ؟.
الجميع بكى وبكيت مثل الجميع ليس لأني وعيت حجم الخسارة أنذاك بقدر ما شعرت أن بطني الصغير جائع جدا وأن أمي وبسبب فاجعة الفقدان نسيت أن تقدم الأكلة المفضلة (الكسكسي)لصغيرتها.
مرت الأعوام والجزائر تكبر وتتلفظ مع كل ازدهار أوجاعا جديدة كنت على مشارف قصر الثقافة بمدينة عنابة جوهرة بحرية المزاج والجاذبية كان قلبي مزهوا بحضور مؤتمر للرئيس الراحل"محمد بوضياف" الذي كان بحق حمامة سلام رفرفت على آمال أفئدتنا الجزائرية الفجيعة ولكن أسلاك الشر والغدر أحرقتها وسقط الرجل العظيم شهيد الديموقراطية في الجزائر ومن يومها ارتدت عنابة ثوب الحداد.
سنة أخرى مضت وقلب الجزائر يزداد هشاشة ومرضا ليأتي القدر يتوج هذا السقم الجزائري بهدية فقدان ...حينها أدركت ما قالته الروائية الجزائرية "أحلام مستغانمي":"حينما تفقد حبيبا تكتب قصيدة وحينما تفقد وطنا تكتب رواية" لكن الذي فقدت أكبرمن الوطن والرواية والحبيب والقصيدة توقفت دموعي وأصيبت بداء الصمت تكونت ألغاما تتفجر في زوايا الروح وأنا أودع والدي رحمه الله الى مثواه الأخير لم تتساقط الدموع رذاذ فقط هوى وسقى عطش الوجه لنظرات رجل سخر نفسه للوطن دون مقابل ايمانا منه أن الوطن جدير بالتضحيات فوقع شهيد العطاء.
أصبت بعده بورم الانتماء والعروبة واتسعت جداول الدموع الصامته التي تتفجر عيونها كطلقة رصاص كاتم للصوت بتوقيت الفجائع العربية نمى الورم العربي اذن واقتلعت الحدودالجغرافية المفتعلة من قلوبنا وانتشر الحب الانساني وأخدت دروس المقاومة الأولى من خلال صداقات عذبة من جيل الأزمة أمثالي خارج جغرافية الوطن وداخل بوتقة الوعي الحر والتكوين البناء صداقات على ضفاف فلسطين تزخر بطاقات هائلة من الاعتزاز والانتماء والوطنية مدت طاقاتى الحائرة ببعض من الثبات حتى لا اتوقف عن حب جغرافية الوطن لكن لمقصلة الفراق حكمة ومجيئه نافورة وباء وحدث أن فقدت احدى زهرات فلسطين والدتها وهي تكاد تنتشي بقطرات فرح عابر لما حصدت قليلا فوزا ما باكورة كفاحها الكبير رحلت والدتها فجأة وانهارت معنويات صديقتى الفلسطينية أيضا ذهبت تاركة وراءها آثار الفرح الساخر يعبث بخصلات ارقها ودمها وحلمها ذهبت لتعانق حضنا حرمت منه طيلة سنة ولما قاربت من لقياه تحول الحضن سرابا وسقطت أم صديقتي شهيدة الانتظار المستحيل .
وحدها الغربة تغتالنا مرارا مرة لفقداننا الوطن ومرة لفقداننا الأحبة ومرة لفقداننا الحلم الذي نجىء لأجله حتى نفقد ذواتنا. ولأن قنديل الوعي ناقوس يتوهج دوما في ذاكرة الشعور الانساني قررت بأن أزور فلسطين قصد المؤازرة والمواساة وفي هذه المواساة اعتذار سري لكل شهداء وشهيدات هذه الأرض المنتفضة تفاجئت أن الطريق الى فلسطين معبد بالنوايا الحسنة فحسب حينما تباغتك شروط نارية سببها ختم اسرائيلي صغير يوضع على جواز مبادئنا وجسد عروبتنا المثقل بالأورام.
ختم اسرائيلي اذن له مفعول السحر يمنع التطبيع الانساني مع فلسطينيي الداخل ويحرم تأثيث أوصالنا العربية المبتورة هناك. فيا ختم اسرائيل أتمنى لك الزوال والاضمحلال والهوان ومعه ختم أمريكا وياختم العروبة أفق من الانتظار ولو قليلا وتوقف عن الانقراض وحضور جنائزنا المتكررة وتلاوة الشعارات الورقية فحسب...