المصور مصطفى حسونة في حوار مع ديوان العرب
يحمل عدسة الكاميرا الخاصة به لأنها عين الحدث، عصاه السحرية التي تلتقط ما تساقط من قنابل صواريخ، أجساد وجثث، تلتقط ما لم يره العالم، لتُعَرِّي وجه الحقيقة دون قناع.
مصطفى حسونة المصور الفلسطيني المحترف الذي فاز بالعديد من الجوائز العالمية بذكائه الاحترافي الفوتوغرافي والذي يعمل مصوراً صحفياً لوكالة أنباء الأناضول التركية، صاحب صورة "أيقونة الحرية" التي التقطها للشاب الفلسطيني عائد أبو عمرو المتظاهر الفلسطيني وهو عاري الصدر ويحمل مقلاعاً بيد وعلم بلاده باليد الأخرى خلال مسيرة العودة، والتي فازت بالمركز الأول للصور الفوتوغرافية في العديد من المحافل الدولية، الصحفي الفنان في أخذ اللقطات الفريدة من كل الزوايا.
كان لنا معه الحوار التالي:
1- لطفا، حدثني عن المصور مصطفى حسونة؟
مصطفى حسونة العمر ٤٤ عام فلسطيني الجنسية، درست بجامعة الأزهر في غزة صحافة وإعلام، التصوير هواية طورتها من خلال عملي الصحفي، عملت مخرجا صحفيا لمدة ١٢ عاما وبعدها عملت مصورا صحفيا موظفا لصالح وكالة الاناضول التركية، حصلت في عام ٢٠١٥ و عام ٢٠١٨ تصنيف أفضل مصوري العالم لمصوري الوكالات حسب تصنيف الجارديان حاصل على worldpressphoto 2024 وحاصل على ٢٦ جائزة عالمية منها جائزة مالطا جائزة px3 وجائزة sony award جائزة Leica award وجائزة ALL About Photo جائزة International Photo Award جائزة WAR وجائزة Siena جائزة Kolga والعديد من الجوائز العالمية.
2- كونك فلسطينيا مقيما في تركيا، هل هذا يعني أن بعد المسافة الزمانية والمكانية لا يثنيك على أن تكون فلسطين حاضرة فيك زمانا ومكانا مهما كلفك الأمر لتُعري على جرحها وآلامها للعالم وتكون صوتها الصادح بعدسة الكاميرا الخاصة بك؟
فلسطين هي الأم بالنسبة لي ولأي صحفي فلسطيني، حياتنا ليست أغلى من غيرنا لدفعها لأجل نقل الحقيقة وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي بأي ثمن، غطيت ٥ حروب شنتها إسرائيل على قطاع غزة في ١٤ عاما الأخيرة لكن حرب الإبادة ٢٠٢٣ على قطاع غزة كانت الأشد والأصعب حيث قتلت إسرائيل كل شيء، لم يقتصر الموت على البشر، بل دمرت حياتنا بيوتنا مديتنا أي شيء يتحرك تقتله إسرائيل بأشكال مختلفة بطرق لم يسمع عنها البشر بأشد أنواع الأسلحة فتكا، ولكن، رغم هذا استطاع الصحفي الفلسطيني أن يقف في وجه الموت وتحدي آلة القتل ونقل الصورة بكل الوسائل ليفضح جرائم الاحتلال وليرى العالم مدى وحشية المحتل الإسرائيلي، غطيت لمدة ٥٧ يوما قبل أن أغادر القطاع عن طريق إجلاء رعاية تركية في قطاع غزة.
3- معنى أن تكون مصورا في قطاع غزة تنقل الأحداث بعدسة الكاميرا يشكل تحديا كبيرا، ربما تكون فيه محاولة النجاة أكثر من المخاطرة، حدثني عن تجربتك الشخصية خلال تواجدك بالمنطقة ؟
عن التجربة الشخصية في تغطية الأحداث تجربة في غاية الصعوبة والتحدي، خلال تغطية حرب الإبادة المستمرة واجهت أصعب الأوقات التي يمكن أن يتخيلها الإنسان العادي ليس الصحفي فقط، منذ اليوم الأول طلب جيش الاحتلال إخلاء المنطقة التي يوجد فيها منزلي وجميع عائلتي، تركنا بيوتنا على أساس أننا سوف نعود في أقرب وقت، ولكن للأسف، قصفت بيوتنا بشكل عنيف جدا، تم مسحه ومسح الحي السكني الذي أسكنه بشكل كامل تدمر كاملا، بداخله كل شيء أملكه تخيلي هذه الشعور ملابسي أدواتي سيارتي ذكرياتي كل شيء مرة واحدة، في أول يوم بدأت معاناة النزوح من بيت لبيت، أحيانا بيوت أناس لا نعرفهم، أشكال المعاناة مختلفة عن أي معاناة ممكن أن يدركها عقلي من قبل لدرجة أن المياه كانت أكبر معاناة والطعام والخوف على العائلة وتوفير حاجيات الأسرة، المعاناة خلال العمل مثل انقطاع الانترنت ووقود السيارات ووسائل النقل، القصف في كل مكان جيش الاحتلال كان يقصف مربعات سكنية بالكامل يقتل مئات الأفراد في ضربة واحدة، يعني أنه لا يوجد أي مكان أمان، لا تشعر أبدا بالأمان في أي مكان حتى المستشفيات قصفت، لذلك كان العمل جدا صعب ورغم هذا استمر الصحفي الفلسطيني العمل لأنه يعتبر الأمر واجب.
4- ما هو الدافع الذي يجعلك تصر على التواجد على أرض الميدان في غزة، مدركا المخاطر التي تواجهها ثمنا لذلك من أجل أن تنقل الصورة الحية للعالم؟
دوافع العمل هي الانتماء للأرض وأن هؤلاء الناس الذين يُقتلون هم أهلي، هذا الدافع الأهم، بالإضافة إلى أن إسرائيل تحتل أرضي وهذا واجبي أن أوضح للعالم مدى وحشية المحتل.
5- خلال الفترة الزمنية التي قضيتها مصورا في غزة، حدثنا عن أكثر المواقف التي لا تنساها وعن لقطات لم تستطع عين الكاميرا نقلها للعالم وظلت حاضرة دوما في مخيلتك؟
عن المواقف الصعبة في كل صورة قصة، يكفي أن تتخيل أن أحد المصابين هؤلاء ابنك، هذا وحده يجعلك تموت أمام كل صورة لكل طفل يموت أمامك، يقتلك وداع أهله له، ويقتلك طفل مصاب، وجهه أسود من حين وحين آخر أحمر دم لا تفرق من عايش ومن ميت منهم، يقتلك أصوات أطفال أو نساء تصرخ تحت منازلهم المدمرة ولا يستطيع أحد أن ينقذهم أبدا إلى أن يختفي الصوت، في أحد المواقف، طفلة نصف جسدها تحت الركام ترفض أن يخرجها الناس لإنقاذها إلى أن يتم إخراج جسد جدتها التي تمسك يدها وهي تحتها مباشرة، تقول لا أريد أن أخرج قبلها إلا وهي معي لا أريد أن أعيش بدونها، مليون موقف يمر عليك في يومك، تخيل معاناة النساء التي تحتاج إلى قضاء حاجاتها الخاصة وهي تبحث عن بيت أو أي مكان خاص وتفشل في كل مرة، أوجه المعاناة لا يمكن وصفها، فالقطط في الشوارع كانت تعاني فما بالك بالإنسان؟
6- فازت صورتك والتي اشتهرت باسم "أيقونة المقاومة الشعبية" للشاب عائد أبو عمرو بالمركز الأول كأفضل صورة صحفية لعام 2019 لرابطة وكالات البحر المتوسط والتي انعقدت بالجزائر، هل كنت تظن أن التقاطك هذه الصورة سيجعلها تفوز بالعديد من الجوائز وأنها الصورة الأكثر تأثيرا في العالم؟
بخصوص صورة الأيقونة المصور الصحفي أحيانا يبحث عن صورة في تفكيره، لذلك يستعد لالتقاط صورة ما من خلال مثلا الوقوف في المكان المناسب من خلال دراسة المكان وين المتظاهرين يوقفوا ووين أنت توقف يعني بمعنى عليك أن تكون قادرا على معرفة كيف تحصل على صور في حالات أنت تدرسها سابقا.
7- هل تعتقد أن صورة "أيقونة المقاومة الشعبية" كان لها تأثير على ما يجري في غزة وفلسطين؟
باعتقادي صورة الأيقونة بالنسبة لي كان لها سبب كبير في نقل معاناة الشعب الفلسطيني حيث حققت انتشارا لم يسبق لصورة من غزة أن نشرت في وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشكل خصوصا أن الشاب عائد كان يواجه الاحتلال بحجر لم يمتلك سلاحا وكان صدره عاريا وهي حقيقة الصورة التي كان لا يريد العالم أن يراها.
8ـ لقد تم اختيارك من "ذا جارديان" ضمن قائمة أفضل 10 مصورين أثرت أعمالهم على الصعيد العالمي خلال عام 2018، ما هي الرسالة التي توجهها من خلال عملك للعالم؟
الرسالة للعالم هي فقط أن يرى حقيقة معاناة الشعب الفلسطيني، فإن لم تحرككم الآن هذه الدماء التي أريقت في الشوارع وفي مخيمات النزوح التي تحرسها وتحميها الأمم المتحدة فمتى سوف تتحرك، أصبح الجميع يعلم من هي إسرائيل ووجهها الحقيقي أصبح دون قناع.
9- ما هي طموحات وآمال مصطفى حسونة في العمل الصحفي كمصور؟
آمالي وطموحاتي تختصر في أن تعود الحياة إلى فلسطين وهي محررة من الاحتلال، لا شيء أغلى من ذلك حتى حياتي ليس لها قيمة مقابل إنهاء معاناة أهلي ووطني فلسطين.