حوار مع الفنان الفلسطيني الأردني عماد أبو اشتية
هو ابن الأردن ولادة ومَنْشَأً، فلسطيني الجذور والقلب والروح، إنه الرسام والفنان التشكيلي المبدع عماد أبو اشتية الذي يُطَوِّع ريشته بفنية الساحر المتقن لفن متميز يوحي بالجمال المبهر الذي يمزج بين الألوان الزاهية الجذابة والوقار، هذا الفن الذي يبرزه ويُطَرِّزُه برمزية المرأة في معظم لوحاته، هذه الرمزية الفاتنة المليئة بالوجدانيات التي تسافر بذهن الـمُشَاهِد في التراث الفلسطيني وتُعَرِّفُه حيثياته.
الفنان عماد أبو اشتية رمز من رموز الفنانين الفلسطينيين والمعروفة بأدبائها وشعرائها وفنانيها ورساميها، والذي صنع لنفسه بصمة خاصة تميزه عن بقية الفنانين التشكيليين من خلال لوحاته المتفردة بالبهاء المتألقة بالفُرَادة والروعة المعبرة عن الواقع بنظرة فنية ثاقبة تحمل عمقا إنسانية هادفا وآسِراً.
كل هذا التناغم الفني الباهر في لوحاته شدني لأُجْري معه الحوار التالي لأقتحم عالمه حتى يغوص معي القارئ في عوالمه وألوانه ولوحاته.
1- حدثنا قليلا عن نفسك، كيف تُعرِّفُ نفسك للقارئ؟
عماد أبو اشتية. مولود عام 1965 في عمان – الأردن، لأبوين فلسطينيين الأصل.. نشأت في مخيم سوف، ثم في جرش درست الابتدائية فيها، ثم انتقلنا إلى مخيم البقعة فدرست الثانوية هناك ثم عدت إلى عمان.
2- متى ومن اكتشف موهبة الرسم لديك؟ وما هي أول رسوماتك؟
موهبة الرسم بدأت بسن التاسعة بمشاهدة أسد مرسوم على حائط أحد البيوت فقمت بإعادة رسمه على دفتري فكانت هذه الرسمة هي البداية.
3- هل درست الرسم، وهل لعبت الموهبة دورا كبيرا في تشكيل ما هو عليه الآن الفنان عماد أبو اشتية أم هي الهواية؟
الرسم هواية تطورت مع الممارسة لدرجة أني بعده قمت بتدريس الرسم في مرسم الجامعة الأردنية ثم للعديد من الشغوفين بالرسم.
4- من حدد مسار ريشتك، الأم، الموهبة، الشغف، المحيط، الإرادة، فلسطين؟
مسار الفن بدأ بشغفي برسم الوجوه بتعابيرها المختلفة ثم تحول للقضية الفلسطينية في الثامنة عشرة من عمري بحكم البيئة المحيطة والثقافة السائدة في ذلك الوقت.
5- من ملهمك الأول ف ي الرسم؟ وهل واجهتك صعوبات في بداية مشوارك الفني وكيف تخطيتها؟
الملهم الأول لي في المرحلة المتقدمة هو الوجه الإنساني بكل تعابيره، لذلك لا تكاد لوحة لي تخلو من وجوده ولا أذكر أني واجهت صعوبة في طريقي بهذا المجال لأني كنت أجد المتعة فيما أصنع .. ولأني لم أكن أطلب مقابل لذلك.
6- إلى أي مدرسة تنتمي، السريالية أم الواقعية، أم التجريدية أم الكلاسيكية؟
المدرسة السريالية كانت المدرسة الأولى التي اعتنقتها بعد مشاهدتي لأعمال دالي، فالسريالية تحوي أبعادا ورموزا غاية في العمق.
7- إن طُلِب منك رسم فلسطين في لوحة منفردة كيف ستكون؟
رسمت الكثير عن فلسطين وما زلت أرسم ولا يمكن للوحة ما أن تؤطر فلسطين بعمل واحد.
8- من يَرسَم مَنْ، أنت أم فلسطين؟
أنا أرسم فلسطين لأنها هي ألواني وفرشاتي وإطاري.
9- الصمود لا يكون بالصاروخ والبندقية وحدها، فهل كانت ريشتك صوت صمودك ومقاومتك من أجل قضيتك، القضية الفلسطينية؟
لا بد لكل موهوب أن يقاوم بما يمتلك من أدوات، الفنان، الموسيقي، الشاعر، ... فالموهبة هي سلاح المقاومة.
10- هل ألهمتك غزة في الظروف الراهنة وأخرجت أفضل ما فيك من إبداع؟
غزة هي الغصة في القلب.. ربما أني رسمت الكثير لغزة في العام 2014 وكان للأعمال صدى كبير على المستوى المحلي والدولي.. ولكن في ما يحصل الآن لغزة فأنا مُقِلٌّ بالرسم عنها لأن حجم الألم الذي أحسه تجاه الأحداث كبير..
11- في أغلب لوحاتك تظهر المرأة بثوبها الفلسطيني، هل هذه الرمزية هي دلالة على فلسطين بكل أطيافها وتجلياتها ورؤاها في كل الحالات؟ وهل هو تجسيد للأمل في عودة فلسطين والعودة لفلسطين؟
فلسطين في معظم أعمالي تتمثل بامرأة بثوبها التراثي الضارب في التاريخ فكل تطريزة لها معنى وكل لون له دلالة والأثواب هي الهوية الفلسطينية التي أحاول توثيقها في الآونة الأخيرة في أعمالي.
12- كيف تختار مواضيع لوحاتك الفنية؟
اختيار أعمالي ينقسم إلى قسمين:
جمالي: ويتمثل بالثوب الفلسطيني ومشاهد السهول والبيوت والبيئة الفلسطينية.
رمزي: ويتمثل في الفكرة المطروحة في أمل قادم لا محالة.
13- اختارت دولة الأوروغواي أحد أعمالك طابعا بريديا لبلدها، كيف كان وقع هذا الاختيار عليك، وهل كنت تظن يوما أن أعمالك ستسافر بدون جواز أغلب الدول العربية والغربية؟
اختيار عمل لي كطابع بريدي كان له وقع جميل أحسست حينها بأن الرسالة المتضمنة في أعمالي قد أتت أُكْلها .. وهو شرف لي.
14- أيهما تفضل الرسم الرقمي أم الرسم الكلاسيكي؟ وما هي الخامات المستعملة في لوحاتك، وعلى ماذا تعتمد في أعمالك الزيتية أم المائية أم الباستيل؟ وما هي المواد التي تفضل الرسم عليها ولماذا؟
الرسم الرقمي والزيتي يسيران بنفس الاتجاه ففي النهاية هما نِتاجُ فِكر الفنان وصُنْع يديه.. إلا أني أُفضل الرسم الزيتي على الكانفس لأني أتفاعل مع اللون والقماش والفرشاة أكثر من الرسم الرقمي.
15- هل تتدخل الذاتية في لوحات الفنان؟
بالتأكيد .. فالمشاعر والأحاسيس هي من ذات الفنان ونفسه وهي تؤثر وتتأثر بالعمل الفني.
16- هل مزقت يوما لوحة فنية رسمتها، ولماذا؟
أمزق اللوحة أو أتلفها فقط إن وَجَدْتُ فيها نقصا ما .. أو حينما تتطور الفكرة إلى أعمق مما هي عليه.
17- عملت محاضرا بالجامعة الأردنية في مرسم عمادة شؤون الطلية بين (1990- 2015)، حدثنا عن هذه التجربة وهل مهنة التدريس كانت قيمة مضافة لفنك؟
عملت في مرسم الجامعة ثماني سنوات تطوعا وهي تجربة جميلة استفدت منها وأفدت الكثيرين وبالتأكيد هذه التجربة تستدعي الكثير من الجهد والتطور في إضافة قيمة نوعية للمدرب.
18- كيف ترى المشهد الثقافي التشكيلي في فلسطين والأردن؟
تعج الساحة الفنية في الأردن وفلسطين بالفنانين والفنانات ولكن للأسف ليس هناك نضوج ثقافي فني لدى الكثيرين .. فهو كم وليس نوع ..
19- ما الذي يثير شجون الفنان ويحرك مشاعره ليبرز كل هذا الزخم من خلال لوحاته؟
إحساس الفنان بمحيطه وبيئته ومجتمعه هو ما يحرك مشاعره وهذا فقط ما ينطبق على الفنان الأصيل.. ويبرز ذلك في زخم أعماله فعلى قدر ما يتأثر بما يحيط به تكون أعماله أكثر زخما.
20- ما هي أفضل أوقاتك للرسم، وهل لديك طقوس معينة قبل رسم لوحاتك؟ وكيف يأتيك إلهام الرسم وكيف يكون؟
الإلهام يأتي أولا إذا حضرت الفكرة والموضوع، والفكرة ليس لها زمن معين ربما تأتي من خبر ما في التلفزيون أو في بيت شعر من قصيدة أو حادثة ما أو كلمة أو حكمة ما... بعد بروز الفكرة يأتي التحضير للاسكتش الأولي. بالنسبة لي كل الأوقات مناسبة في الليل والنهار في الضجيج والهدوء لا ضير عندي لأني أعيش مع اللوحة ولا أنتبه لكل الطقوس.
21- هل لوحاتك ترسم نفسها، أم أنها تبرز مكامن الفنان عماد أبو اشتية وأعماقه؟
كما أسلفت.. لوحتي تأتي بعد التأثر بشيء ما.. لذلك دائما ما أقول إن الفنان إذا لم يتأثر بما يرسم لن يؤثر بالمشاهد.. فسطح اللوحة هو مرآة الفنان.
22- هل الموهبة والقدرة على الرسم كفيلة بأن تعطينا فنانا تشكيليا بارعا ومبدعا؟
لا يوجد فنان مبدع إنما يوجد عمل فني إبداعي، فمن الممكن أن يرسم الفنان ألف عمل ولكن فقط من الممكن أن تجد له عملين أو ثلاثة أعمال إبداعية له.. والاحترافية في الرسم لا تخلق فنانا أصيلا وإنما في معظم الأحيان فنانا حرفيا.
23- ما هي اللوحة الفنية التي تستوطن خيالك منذ زمن ولم تستطع الريشة أن تطاوعك على رسمها بعد؟
هي اللوحة التي لم أرسمها بعد، ولا أعلم ما هي وما موضوعها وما سيكون عليه .. لكني آمل أن أتوصل إليها.
24- شاركت بمعرض في نادي مخيم البقعة في عمان سنة 1983 ما القيمة المضافة التي أتى بها هذا المعرض وهل نظمت معارض موازية للوحاتك الفنية؟
كان ذلك في التاسعة عشرة من عمري وكانت لحظات جميلة ومشاعر فياضة نظرا للحضور الكبير في ذلك النادي الثقافي الذي كان يزخر بالشعراء والكتاب والمثقفين من أبناء المخيم.
[@526- فزت بالجائزة الفنية في الرسم سنة 1982 في محافظة البلقاء، وحصلت على الدكتوراه الفخرية عن الفن الإنساني من مركز الأبحاث البرازيلي عام 2018 كيف ترى هذا الفوز وهذا التكريم؟
حين كرمت حمدت الله بأن ما أقوم به هو ثمرة تعب وأفكار متتالية أوصلت رسالتي لمحيطي والعالم.
26- هل تعتقد أن النقد الفني التشكيلي استطاع سبر أغوار التجربة الفنية للفنان عماد أبو اشتية أم لا توجد قاعدة حقيقية للنقد التشكيلي العربي؟
أنا لا أعتقد بأن هناك ناقد أو نقد موضوعي في عالمنا العربي، لذلك لا أكترث فيما يخص النقد.. وربما يستغرب البعض بأني أعتمد على نقد أعمالي من خلال الأطفال في محيطي من الأصدقاء والأقارب، فحين أرى الدهشة في عيونهم وتعابير وجوههم حينها أثق بأن عملي ناجح.. والعكس صحيح.
27- هل عالمنا العربي يُقَدِّر الفن والفنانين التشكيليين ويدعمهم؟ وهل هذا الفن له جمهور واسع كالشعر والكتابة أم يقتصر على جمهور معين؟
بالنسبة للمجتمعات العربية فهي تقدر الفن وتتذوقه ولكن بالنسبة للحكومات التي من الواجب عليها أن ترعى هذا المجال بكل جدية فهي بعيدة كل البعد عن هذا المجال.. وكل المعارض التي تقام هي عبارة عن مجهودات فردية أو من خلال جمعيات ومؤسسات .. وما يحزن هو الحضور القليل في المعارض والذي لا يرقى للمستوى المطلوب.
28- إن تم اختيارك سفيرا فلسطينيا بلوحاتك الفنية، كيف سيخدم هذا الاختيار فلسطين والعالم العربي، وكيف سيصوغ الفنان عماد هذا الاختيار؟
أعمال الفنان هي سفيره للعالم وخصوصا حين تكون أعماله ذات مضمون وفكر ناضج.
29- هل ترى أن غزو الذكاء الاصطناعي لعالمنا سيكون له دور في اندثار الفن التشكيلي؟ وهل هذا الذكاء الاصطناعي حدد مسار بعض لوحاتك الفنية؟ حدثنا عن ذلك؟
الذكاء الاصطناعي عالم جديد وجميل لمن يحسن استخدامه لأنه أصبح أداة طَيِّعَة في يد غير الفنانين والذين يملكون الإحساس الفني، فأصبح بإمكانهم صناعة أعمال جميلة .. وبالتأكيد أيضا لن يؤثر الذكاء الاصطناعي على الفن التقليدي لأن هذا الفن له عشاقه.
30- السوشيال ميديا بوجهة نظرك كان لها دور فعال في إبراز أعمالك الفنية؟
بالتأكيد فلولا منصات التواصل الاجتماعي لما وصلت أصواتنا وفننا للعالم.. فهي جعلت المكان والزمان بيد كل من لديه موهبة للوصول إلى مكان أبعد مما كان يتوقع.
31- ما هي رسالتك بالريشة والألوان لكل من يتابعك ويقرؤك؟
ليس لي من رسائل سوى أعمالي فهي موجهة للجميع.
32-كلمة أخيرة الفنان المبدع عماد أبو اشتية
كلمة أوجهها لنفسي ولغيري من الفنانين: إن لم تتأثر بما تعمل فلن تؤثر بمن يشاهد عملك، فاحرص على الصدق في مشاعرك حين ترسم.