الثلاثاء ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٢٤
بقلم صالح سليمان عبد العظيم

الأرملة والنساء

كان المنزل غارقًا في الصمت. صمت ثقيل خانق لا يكسره سوى خطوات الأقدام الخفيفة والهمهمات الباكية التي يُطلقها الحاضرون. كانت أصوات الاستعدادات الخافتة تنتشر عبر الغرف. تختلط مع همسات الحزن الخافتة. كأن الجدران نفسها امتصت ثقل الحزن وحبست أنفاسها، لتشهد على الحزن العميق الذي ملأ كل زاوية من زوايا المنزل المشبع بموت صاحبه.

جلست ليلى بجانب جسد زوجها المُسجى. تتدفق دموعها في شهقات عميقة مرتجفة وهي تندبه. رحل حب حياتها. شعرت بفراغ مفتوح بداخلها بدا أنه لن يُغلق أبدًا.

وصل الأهل والأصدقاء لتجهيزه للدفن. اجتمعت النساء لدعم ليلى. أمسكن بيديها برفق. مسحن دموعها برقة وحزن بليد. بعد الدفن، عادت إلى المنزل منهكة وخاوية. تجمعت النساء حولها. عزينها بكلماتهن وقصصهن وذكرياتهن عن زوجها الراحل.

قالت إحداهن وهي تتنهد بابتسامة حزينة: "آه، زوجك، كان مستمعًا جيدًا. كان يتصل بي أحيانًا. فقط للاطمئنان!! كنا ننتهي بالحديث لساعات طويلة. كم كان مهذبًا ورقيقًا. ثرثارًا من الطراز الحميم جدا".

رفعت ليلى رأسها مندهشة. لم تكن تعرف قط أنه يتصل بهذه المرأة. تحدثت سيدة أخرى، وأومأت برأسها بتعاطف. "نعم، كان لديه قلب طيب. ما زلت أتذكر كيف كان يبوح لي بأسراره عندما يكون قلقًا مضطربًا."

فكرت ليلى. بدت منزعجة ومتذمرة. وقالت: بشأن ماذا؟ عن أية أسرار كان يتحدث؟ هل كان لديه أسرار لا أعرفها؟

بينما استمرت النساء في الحديث، كان لكل واحدة قصتها الخاصة. الاتصالات الخاصة جدًا. المكالمات المشتركة في وقت متأخر من الليل. المحادثات الطويلة. النكات الخاصة الصغيرة. تحدثن وكأن كل واحدة منهن عرفت جانبًا مختلفًا منه. كأنه عاش العديد من الحيوات الأخرى دون علم ليلى.

مع كل قصة، بدأ حزنها يتغير. جفت الدموع التي كانت تنهمر من عينيها بسهولة. تاركة وراءها غضبًا متصاعدًا. زفيرًا متقدًا. تحولت الكلمات المريحة إلى طعم لاذع. كل منها بدت طعنة نافذة في قلبها.

توقف البكاء. ضغطت قبضتيها بحدة. شعرت بغضب لم تعرفه من قبل. استياء حار يحرق آخر أثر لحزنها. نظرت حولها إلى النساء، اللائي ظللن غير مدركات لاضطرابها الداخلي، ولا زلن يتذكرن ارتباطهن بزوجها.

تسللت ابتسامة مريرة على وجهها. في ذهنها، لم يعد الرجل المحب الذي فقدته. كان غريبًا تركها ليس فقط وحيدة، بل ومهانة. لقد احتفظ بقطع من نفسه مخفية عنها، ولم يشاركها بها إلا مع الآخرين. الآن رحل. تاركًا لها ذكرى ملتوية وغامضة ستحملها معها إلى الأبد.

بينما استمرت النساء في الحديث، جلست ليلى في صمت. تحول حزنها إلى غضب شديد. لعنته في سرها ببرود وحقد دفين!!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى