الأرناؤوط يفكك الصورة النمطية عن الدولة العثمانية
كتاب "تفكيك الصورة النمطية عن الدولة العثمانية.. مؤسسة "الدفشرمة" نموذجاً" إعداد وتقديم: محمد م. الأرناؤوط، وشارك في الكتاب كل من: أشرف كوفاتشوفيتيش- ألكسندر ماتكوفسكي- علاء الدين هوسيتش- محمد م. الأرناؤوط.
ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 130 صفحة من القطع المتوسط، ويضم مقدمة وأربعة فصول يعد كل فصل منها دراسة لأحد المؤلفين.
يقول محمد م. الأرناؤوط في مقدمة الكتاب: "تُعتبر "الدفشرمة" من القضايا الرئيسة التي تشغل المهتمين بالتاريخ العثماني، إذ إنها من المؤسسات الأساسية للدولة العثمانية، ولذلك يصبح من الصعب تفهُّم الدولة العثمانية على حقيقتها مع التشوُّش الحالي الذي يحيط بهذه المؤسسة (الدفشرمة)".
الشام" إلى "الدفشرمة" باعتبارها "على غير مثال في التاريخ"، ويُوضِّح أن أفرادها كانوا يُجمعون "من أولاد المسيحيين من العثمانيين كالبوشناق والروم والصرب والبلغار والألبان. بحسب اللزوم، وبموجب قانون التجنيد المعروف عندهم بقانون الـ"دوشرمة"، وذلك من أهل "الروم إيلي" ومن سكان الأناضول على قلة، ويُعفى من ذلك الأرمن وسكان جزيرتي ساقز ورودوس، ويأخذونهم من أهلهم في سن العاشرة إلى الخامسة عشرة، ويربونهم تربية إسلامية، ثم يجعلونهم في الثكنات في الآستانة"».
ويقول "ألكسندر ماتكوفسكي" في الفصل المعنون "مساهمة في قضية الدفشرمة": "بدأت الدفشرمة في عهد السلطان مراد الأول (761-791هـ/ 1360-1389م)، حين برزت في الإمبراطورية العثمانية الآخذة في التوسُّع الحاجةُ إلى مزيد من القوات العسكرية، ولذلك ظهرت حينئذٍ الفكرة الداعية إلى الاستفادة من الأولاد المسيحيين الذين يقعون في الأسر خلال الحرب، الذين يمكن لهم بعد اعتناقهم الإسلامَ وتربيتهم من جديد المشاركة في المعارك. وهكذا لأجل هذا الهدف تشكَّلَ في عهد مراد الأول ما يسمى "أوجاق العجم" (أعجميِّي أوجاق)، الذي كان تابعاً "لأوجاق الإنكشارية"، إذ كان الأولاد يقضون وقتهم في تعلُّم القراءة والكتابة والفقه الإسلامي والتدريب العسكري.
ويتضمن الكتاب عدداً من الوثائق المهمة بشأن تاريخ الدفشرمة وبعض الأحكام والمراسلات الخاصة بالتحاق المواطنين بالدفشرمة.
ويقول أشرف كوفاتشيفتش عن إحدى تلك الوثائق: "إن هذه الوثيقة التي تُمثِّل دليلاً حول تطوُّر الأحكام المتعلقة بـ"الدفشرمة"، على الأقل فيما يتعلق ببلادنا، تؤكد في الوقت نفسه ما ذهب إليه البرفسور "ب، جورجيف" B.Djurdjev من أن "بعض المصادر من القرن السادس عشر تشير إلى أنه في بعض المناطق كان يعتبر من التكريم اختيار الشاب خلال جمع ضريبة الدم". وما أورده "ست. ستانويفتش" St. Stojanović من أنَّ "الراتب الجيد كان يجذب الشبان المسيحيين لكي ينضموا برغبتهم إلى الإنكشارية". ومن هذا أيضاً، ما يسوقه "أ. ماتكوفسكي" من الباحث "يرتشك" Jirecek، الذي تابَعَ ما كتبه الرحالة عن بلغاريا، من أن "بعض الآباء لم يُبدوا أية مقاومة لتجنيد أولادهم في "الدفشرمة"، بل كانوا هم يقدمون أولادهم بكل رغبتهم".
ويقول علاء الدين هوسيتش في الفصل المعنون «البوسنة في السياق الإقليمي لتجنيد "الدفشرمة"»: "مع الوصول إلى إستانبول تبدأ حياة جديد للمجندين في ظروفٍ جديدة، ومع آفاقٍ جديدة لهم. فبعد السفر الطويل من مواطنهم، يُعطى المجندون "3 أيام استراحة" كانت تجري فيها مطابقة المعطيات المتعلقة بالشبان بما هو موجود في "الدفتر". وإذا جرى التحقُّق من وجود مخالفة قانونية، أي ممَّن دخل بين المجندين دون أن يجري اختيارهم، فيُفصل هؤلاء عن المجندين، ويُرسلون للعمل في المخازن أو مستودعات الأسلحة. وخلال هذه الأيام الثلاثة للاستراحة يتعلَّم غير المسلمين الشهادة وينطقون بها، وبذلك يكونون قد اعتنقوا الإسلام. خلال ذلك الوقت يُعايَنُ المجندون بوجود طبيب تحت إشراف قائد الإنكشارية، وذلك للتحقُّق من صحة وصلاحية المرشحين لفرزهم لاحقاً حسب الخيارات. وفي غضون ذلك يخضع غير المسلمين لإجراء الطهور من قبل جرَّاح متخصِّص في ذلك، وكان كل ذلك يجري تحت المراقبة والمتابعة المباشرة لآغا البلاط".
ومن الجدير ذكره أن د.محمد موفاكو الأرناؤوط مؤرخ كوسوفي سوري ناشط منذ ثمانينيات القرن العشرين. صدرت له مجموعة كبيرة من المؤلفات الشخصية التي تناولت تاريخ ألبانيا والبلقان عموما، وتاريخ سورية والبلاد العربية، والتفاعل الحضاري بين المنطقتين. وصدرت له كذلك مجموعة كبيرة من الكتب المحققة والمحررة والترجمات.