الأحد ١١ تموز (يوليو) ٢٠١٠
بقلم علي مسعاد

الحياة جميلة، يا صاحبي..

«اهتم بنفسك جيدا والتزم في مواعيدك مع الأصدقاء» بهذه الكلمات، ودعني صديقي محمد..ظلت ترن في أذني، لمدة طويلة...أعرف جيدا، أنه يعني بالأصدقاء، خالد، محمد وآخرون، كلهم، بالنسبة لي، مضيعة للوقت إن جلست معهم..يشتكون لمحمد، بحكم علاقتي به..هو لا يعرف أنني تغيرت كثيرا عن السابق...وأن كل أفكاري وطموحاتي..وتنازلت على عدة مبادئ

كنت أؤمن بها، لأن ما قيمة أن تكون صريحا في مجتمع كاذب؟ا وأن تكون مستقيما في مجتمع منحرف؟ا وجدت نفسي أحارب طواحين الهواء..مثلي مثل "دون كيشوت "..دي لا مانشا، بطل رواية "سرفانتيس..مرت ثمانية وعشرون من عمري..دون أن أحقق أدنى طموحاتي..بسبب أن لي مبادئ خاصة..لا أحب أحدا أن يخدشني فيها "تواضع شيئا ما..وتنازل عن مواقفك.لكي تعيش"، هكذا، قالت لي نادية: فإلى، متى ستظل، هكذا؟ا..سؤال لا أجد له جوابا...أو حتى القدرة على تأمل هذا الوضع الذي أعيشه..الشارع المغربي يعج بالمتناقضات...أغلب الناس يمارسون الجنس ويشربون البيرة ويقيمون الصلاة..أستغرب اا كيف يفكر، هؤلاء؟ا

فتجد لديهم تفسيرا غريبا لما يقومون به..أجدني مدافعا عن رأيي وحيدا بدون سند..أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر..وأن من فكر في الزنا لا يمكن أن يفكر في ذات الوقت في الصلاة..أو تناول الخمر أو المخدرات...الفتيات أصبحن يفضلن أصحاب السيارات..يفضلن ممارسة الجنس، بهذه "الغرفة المتنقلة".كما يقول لي حميد..على أن يربطن علاقة صداقة أو حب..ازدادت الظواهر الاجتماعية كثافة وبروزا أغلبها بسبب الفقر والحاجة...فالتفكير لديهن أصبح ماديا وبامتياز..فحتى بعض الأسر أصبحن يدفعن ببناتهن لممارسة الدعارة..أو أي شكل من أشكال التسول..لكن في نهاية المطاف..أن يعدن وفي جيبهن بعض الدراهم...والأوراق النقدية من العيار الثقيل..عبر امتداد شارع النخيل..تجد أن أغلبهن غير متزوجات فاتهن قطار الزواج..ذهبت عنهن نضارة الجمال والجاذبية..مستعدات للمبيت معك..بدراهم معدودات.

المهم، أن تعزم على دعوتها..إلى الذهاب معك..حتى إلى الجحيم..لا اعتراض لديهن أو امتناع عن فكرة المغامرة معك...للوصول إلى هذه الغاية...في أعماق نفسي...أرفض أن ينهار كل شيء، حتى الحشمة والوقار.

لكنه الفقر، بشتى تجلياته، أمس حين دخلت إلى الغرفة وجدت إحداهن مع ولدها..استغربت الأمر...خجلت...لكنها لم تخجل مني..الأمر بالنسبة إليها جد عادي...أن تدخل الغرفة..تمارس الجنس..تتقاضى ثمن ذلك...وتذهب إلى حال سبيلها.. منطق لا قيمة فيه إلا للدرهم..ولتمت المشاعر الإنسانية والأخلاق..لا سبيل إلى ذلك في مجتمع الفقر، المحسوبية والمصلحة الآنية..حيث التفاهة تسري كالدم في عروق الناس..حين دعاني حميد..لشرب البيرة..رفضت من أعماقي...وجدت الأمر تافها..أن أشرب الخمر وأدخن السجائر في وقت أحس فيه بالزمن يقطف من عمرنا أحلى أوراقه...زمن القدرة على العطاء والاستمرارية في مشوار الحياة بشكل متحضر وراق... عبر سيرتي اللحظية..أصرخ معبرا عن تذمري من هذه الحياة..العابثة والماجنة..حتى سعيد، حين دعاني إلى شرب كؤوس من الويسكي..قلت له من الأفضل أن نرتاد مكانا للأكل، فأنا جائع...عوض الجلوس في حانة لشرب الخمر..لم أعد املك الرغبة في مضيعة مزيد من الوقت..فالذي ضاع من عمرنا يكفي..فالموت يلاحقنا في كل خطوة...وكل دقيقة..حتى في النوم..هاجس الموت يؤرقني..يحيلني جثة متقدة من القلق والشك والاضطراب الداخلي..لم أعد أجد القدرة الكاملة على الثقة في ما يجري من أمور..لم تعد الحياة هي الحياة...الرغبة في النوم لم تعد تأتيني...حتى الرغبة في الأكل...كل الرغبات الإنسانية ماتت بداخلي..حتى الرغبة في ممارسة الجنس..لم تعد للحياة طعم...بلا لذة أنام..وبلا رغبة أزاول مهامي اليومية...حتى المكالمات الهاتفية، لم اعد أستقبلها كالعادة...أغلب الأوقات غير موجود في المنزل..سعيدة، حين التقيتها..ضحكنا، كثيرا، التجاعيد رسمت على وجهها خطوطا لا يغفلها أحد..طردت من العمل..وهي في طور البحث عن آخر..بدورها وجدت نفسها قاب قوسين أو أدنى..من هذه الحياة..أعطت الشيء الكثير..لتجد نفسها عاطلة بدون عمل...وبدون رجل يحميها غدر الزمن..ولا طموح أسري لديها...سوى أن تعيش، هكذا، حتى الموت.  


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى