الخميس ٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٥
بقلم رانيا مرجية

الدواعش… حين يتحول الدين إلى أداة موت

مدخل: السؤال عن الجرح المفتوح

كلما أُعيد طرح كلمة داعش على السمع، يهبّ في داخلي شعور مزدوج: الاشمئزاز من فظاعة ما ارتكبوه، والحزن على صورة الدين التي شُوّهت بأيديهم. فـ”الدواعش” ليسوا مجرد تنظيم مسلّح ظهر في بقعة جغرافية محددة، بل هم تجلٍّ لمرضٍ أعمق: حين يُختطف الإيمان من رحم الرحمة، ويُحوَّل إلى آلة قتل، وحين يصبح النص المقدّس قناعًا يُغطّي وجوه العنف والكراهية.

الإرهاب كفكرة قبل أن يكون تنظيمًا

داعش لم تكن حادثًا طارئًا فقط، بل هي نتيجة تراكمات طويلة: فقر، قمع سياسي، تهميش اجتماعي، وإغلاق باب الاجتهاد. من رحم هذه التربة الموبوءة خرجت فكرة متطرفة تستند إلى قراءة انتقائية للنصوص، وتحرفها لتصير دينًا للموت. داعش ليست “إسلامًا”، كما أرادوا تصويرها، بل خروج كامل على روح الإسلام التي بُنيت على كلمة “السلام”.

الدواعش والمرأة: الجسد كغنيمة

من أكثر ما فضح حقيقة هذا الفكر هو موقفهم من المرأة. فقد حوّلوها إلى سلعة، “سبيًا”، أو أداة لإشباع الغرائز تحت غطاء ديني مزيف. في هذا السلوك يتجلى الانحطاط: فمن يعجز عن رؤية المرأة إنسانة كاملة، يعجز عن رؤية الإنسان عمومًا. داعش قتلت المرأة مرتين: مرة حين اختزلتها في الجسد، ومرة حين حرمتها من إنسانيتها.

اغتيال الطفولة والحياة

لا يمكن أن ننسى صور الأطفال الذين جُنّدوا، وغُسلت أدمغتهم، ودُفعوا ليحملوا السلاح بدل الأقلام. داعش لم تقتل الأحياء فقط، بل قتلت مستقبل أجيال كاملة. المدارس التي أُحرقت، المكتبات التي هُدمت، التماثيل والآثار التي حُطّمت، كلها شواهد على عداء هذا الفكر للحياة، للفن، وللجمال.

الإعلام والرهبة: الوجه الآخر للسلاح

داعش عرفت كيف تستخدم الإعلام كسلاح موازٍ للبندقية. مقاطع الذبح والحرق لم تكن رسائل إلى الضحايا بقدر ما كانت رسائل إلى العالم: نحن نملك القدرة على الرعب. وهنا تكمن خطورة التنظيم: لم يكن جيشًا تقليديًا، بل مسرحًا للرعب العالمي.

الدواعش بين الأمس واليوم

رغم هزيمة داعش عسكريًا في أكثر من موقع، فإن الفكر الذي أنجبها لم يُهزم بعد. فالأرضية التي تُنتج “داعش” ما زالت موجودة: البطالة، القهر، الطائفية، غياب العدالة الاجتماعية. ما لم تُعالَج هذه الجذور، سيولد “داعش” جديد بأسماء مختلفة.

خاتمة: مقاومة بالفكر قبل البندقية

مواجهة داعش ليست معركة عسكرية فقط، بل معركة فكرية وإنسانية بالدرجة الأولى. علينا أن نستعيد الدين من أيدي المتطرفين، وأن نعيد للإنسان حقه في الحياة والكرامة. داعش ليست قدرًا، بل جرحًا في جسد الأمة، شفاءه يبدأ من مواجهة ذواتنا: كيف نسمح للظلام أن يتلبّسنا باسم الله؟

إن الكتابة عن “داعش” ليست استذكارًا للموت فقط، بل صرخة للحياة، لئلا يتكرر المشهد


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى