السينما..دور تنويري في مواجهة أفكار الانغلاق والعنصرية والتطرف
تشهد الفترة بين 2 و6 يونيو 2004، تنظيم الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام، بمشاركة ما يزيد عن 50 فيلما ستمثل أكثر من 20 دولة عربية وغربية، وحضور عدد كبير من المخرجين والممثلين والكتاب والنقاد والصحفيين، سيساهم وجودهم خلال المهرجان في إثراء عدد كبير من الفعاليات الفنية والثقافية التي برمجت على هامشه.
ويأتي انعقاد الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي، كتتويج لعمل دؤوب لهيئته الإدارية والتنظيمية، التي عملت طيلة الأشهر الماضية بصبر وتضحية وتفان كي تستمر هذه التظاهرة السينمائية العربية في الوجود والإشعاع خارج العالم العربي، على الرغم من العراقيل الكثيرة التي برزت على الساحتين الغربية والدولية في الفترة الأخيرة، وبما هدد بشكل جدي العمل الثقافي العربي المهاجر، وحد بشكل واضح من مصادر دعمه المادي والمعنوي، هولنديا و عربيا ودوليا.
وقد حرصت إدارة مهرجان الفيلم العربي وهي تعد للدورة الرابعة، على الجمع بين مقاربتين أساسيتين، إحداهما ثابتة ميزت سيرة المهرجان منذ انطلاقته سنة 2001، تتمثل في الحرص على ضمان جودة العمل واحترافيته وشفافيته، سواء تعلق الأمر باختيار الأفلام أو أعضاء لجنة التحكيم، أو اتصل بدعوة الضيوف الذين سيقومون بإثراء فعاليات المهرجان. أما المقاربة الثانية فمتحولة، تندرج ضمن إطار مساعي المنظمين إلى أن يضطلع المهرجان بوظيفة تنويرية وتثقيفية واجتماعية، على نحو يجعله أداة فعالة في يد أبناء الجالية العربية في هولندا، للمساهمة في النهوض بواقعهم ومكانتهم ضمن المجتمع الهولندي، وكذلك لخدمة قضايا أمتهم القومية، ومواجهة أفكار التطرف والانغلاق والعنصرية، التي تشكل تحديات حقيقية جعلت من الوجود العربي والإسلامي في الغرب، في السنوات الثلاثة الأخيرة محل تساؤلات وشكوك ودعوات عدائية تتطلع إلى إنهائه.
إن الإيمان العميق القوى المتجذر في أعماق القائمين على المهرجان، بقيمة اللقطة السينمائية في خدمة القيم الإنسانية النبيلة المشتركة، لا يزال يشكل الدافع الرئيس الذي يهون وعورة الطريق ومشقة المسؤولية ومعاناة الشخصية الرسالية، كما سيظل مصدر الاعتقاد بأن "الفيلم الجميل" أقوى الأسلحة وأكثرها شراسة في الفتك بمشاعر الحقد والكراهية وبث المحبة وإشاعة الصفاء في النفوس المرهقة، وبأن السير في طريق السينما هو هروب محمود يصب في مصلحة المعركة..تلك التي يقول كثيرون أنه لا مفر منها.
مسابقات وجوائز
ستشتمل الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي كسابقاتها، أربع مسابقات، الأولى للأفلام الروائية الطويلة، والثانية للروائية القصيرة، والثالثة للوثائقية الطويلة، والرابعة للوثائقية القصيرة. وقد خصصت لكل مسابقة جائزتان لأفضل فيلمين، حيث ستحصل الأفلام الأولى في كل مسابقة على جائزة الصقر الذهبي، فيما ستحصل الأفلام الثانية على جائزة الصقر الفضي.
ويشترط في كافة الأفلام المشاركة في المسابقة أن تكون من انتاج سنتي 2003 و2004، كما يشترط أن تكون معنونة بإحدى اللغتين الأنجليزية أو الهولندية، غير أنه لا يشترط – على غرار ما هو معروف لدى بعض المهرجانات الدولية- عدم سبق اشتراكها في مسابقات أخرى آنفة.
وقد رشحت اللجنة الفنية للمهرجان عددا من الأفلام الهامة للمشاركة في مسابقة الروائي الطويل، التي تعتبر أهم مسابقات المهرجان، من بينها: سهر الليالي لهاني خليفة وبحب السيما لأسامة فوزي وحب البنات لخالد الحجر، من مصر، وطائرة الورق لرندة الشهال من لبنان، والأمير لمحمد الزرن ورقصة الريح للطيب الوحيشي من تونس، وألف شهر وشهر لفوزي بن سعيدي من المغرب، واغتيال الشمس لعبد الكريم بهلول من الجزائر، وما يطلبه المستمعون لعبد اللطيف عبد الحميد من سوريا، مثلما يتوقع أن يدرج من سوريا أيضا فيلما محمد ملص ونضال الدبس الجديدين، في حال جرى الانتهاء من إعدادهما في وقت مناسب.
عرب وأوربيون في لجان التحكيم
وقد وقع اختيار منظمي الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام، على شخصيات فنية وسينمائية معروفة، تنتمي لبلدان واتجاهات فنية وأجيال عمرية متعددة، وذلك لشغل مقاعد في لجنتي التحكيم، الأولى ستكون خاصة بالأفلام الروائية بشقيها الطويل والقصير، والثانية ستتخصص في الأفلام الوثائقية، بجناحيها أيضا، الطويل والقصير.
فبالنسبة للجنة تحكيم الروائي، اسندت الرئاسة للمخرج المصري خيري بشارة، فيما اختير للعضوية كل من: المخرج التونسي رضا الباهي، الذي فاز فيلمه "صندوق عجب، خلال دورة المهرجان الماضية بجائزة الصقر الذهبي، والممثل السوري بسام الكوسا، بالإضافة إلى كبير النقاد السينمائيين الهولنديين " رونالد أوركهاوزن" والباحثة السينمائية الهولندية " يوريندا سيجال".
أما فيما يخص لجنة تحكيم الوثائقي، فقد اختير لها المخرج العراقي قاسم عبد رئيسا، وكل من المخرج الفلسطيني محمود مساد والمخرجة الألمانية المقيمة في إيطاليا "مونيكا ماورر"، التي عرفت بأفلامها الوثائقية حول القضية الفلسطينية.
احتفاء بخيري بشارة وطارق التلمساني
وفي برنامج التكريم لهذا العام، اختار منظمو مهرجان روتردام للفيلم العربي، الاحتفاء بالعلاقة المهنية الحميمية التي ربطت لسنوات طويلة المخرج المصري القدير خيري بشارة بمدير التصوير المتميز طارق التلمساني، وبما خدم بشكل رائع السينما المصرية والعربية الجديدة، وساهم على نحو لا يقبل التشكيك، في ظهور مجموعة من الأعمال السينمائية المحترمة، ضمن خط فني جمع باقتدار بين الفكرة الجادة والتقنية العالية.
ويعتقد القائمون على المهرجان، بأن تكريم بشارة والتلمساني هو تكريم لخط السينما الجادة والإنسانية، الحاملة لهموم الإنسان العربي من جهة، والقادرة على تحقيق قدر محترم من الانتشار، على السينمائيين مهما كان التزامهم وجديتهم مراعاته، من جهة ثانية.
وقد اختيرت ثلاثة أفلام في برنامج تكريم الرجلين، هي الطوق والإسورة، ويوم حلو..يوم مر، وأمريكا شيكا بيكا، وهي الأفلام التي اشترك في عملها الفنانان، ولقيت تنويها كبيرا من لدن النقاد المصريين خاصة، والعرب بشكل عام.
أفلام ضد الإرهاب وأخرى ضد التابوهات
ومن البرامج الخاصة التي تتضمنها الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي، والتي يعتقد أنها ستكون مواكبة للواقع العربي والدولي، وللقضايا المطروحة بإلحاح على هذا الصعيد، برنامج "أفلام ضد الإرهاب"، التي ستشمل عرض ثلاثة أفلام هي : طيور الظلام لشريف عرفة من مصر، ورشيدة ليامينة شويخ والصحفيون لكريم طرايدية من الجزائر.
فيما سيشتمل برنامج "أفلام ضد التابو" الأفلام التالية: ذيل السمكة لسمير سيف والأبواب المغلقة لعاطف حتاتة من مصر، ولحظة ظلام لنبيل عيوش وفي بيت أبي لفاطمة الوزاني الجبلي من المغرب، ومجنونة لأكرم زعتري من لبنان. وتعالج هذه الأفلام في مجملها قضايا التابوهات أو الممنوعات الثلاثة المعروفة في الثقافة العربية، وهي " الدين" و"السياسة" و"الجنس".
و من ضمن البرامج الخاصة التي ستميز الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام، برنامج "القضايا العربية بعيون غربية"، الذي ستعرض من خلاله مجموعة من الأفلام الجديدة التي صنعها خلال السنوات الأخيرة مخرجون غربيون، تطرقوا إلى قضايا عربية ساخنة في مقدمتها القضيتان الفلسطينية والعراقية.
ندوات ونقاشات
وعلى غرار الدورات الماضية، فقد أدرج منظمو الدورة الرابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام، ضمن برنامج الدورة عددا من اللقاءات والندوات وحلقات النقاش وورشات العمل، لعل من أهمها ندوة " التابوهات في السينما العربية" التي سيشرف على إدارتها الناقد والسيناريست المعروف رفيق الصبان، و " قيم الحرية في الدراما العربية"، التي دعي لرئاستها الدكتور مدكور ثابت رئيس هيئة الرقابة في مصر.
يذكر أنه قد جرى منذ الدورة الماضية اختيار الكاتب والسيناريست المصري البارز محفوظ عبد الرحمن رئيسا شرفيا، فيما يضطلع الناشط والشاعر الفلسطيني محمد أبوليل برئاسة المهرجان الفعلية، و يشغل الكاتب والصحفي التونسي الدكتور خالد شوكات منصب مدير المهرجان، فيما يشغل انتشال التميمي الناقد العراقي الأصل موقع المدير الفني.
وتضم الهيئة التنظيمية والإدارية للمهرجان مجموعة كبيرة من الناشطين الشباب من أصل عربي، ينتمون إلى عدد كبير من البلدان العربية، غالبيتهم من طلبة الجامعات والمدارس العليا الهولندية، ويتولون مسؤوليات في عدد كبير من المؤسسات والجمعيات الثقافية والاجتماعية.
ويعتبر مهرجان الفيلم العربي في روتردام، أهم نشاط ثقافي عربي في صفوف الجالية العربية في هولندا، مثلما يعد التظاهرة الفنية السنوية الوحيدة الخاصة بالسينما العربية في العالم، حيث توجد تظاهرة أخرى للسينما العربية تنتظم كل سنتين على غرار بينالي السينما العربية في معهد العالم العربي بباريس، إلى جانب تظاهرات أخرى عديدة غير منتظمة.
وستتميز الدورة الرابعة لمهرجان روتردام للفيلم العربي، بانتقال بعض عروض الأفلام التي يتضمنها برنامج الدورة، إلى أربعة مدن هولندية أخرى هي أمستردام ولاهاي وخرونينجن وماستريخت، بما يشكل فرصة أكبر للفيلم العربي للوصول إلى أكبر قدر من المهتمين ومحبي السينما.
ashraf2828@hotmail.com