الكتابة والأثر
نظم مختبر السرديات والخطابات الثقافية، ومختبر الدراسات المغربية الأمريكية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء لقاءً ثقافيا مفتوحا في موضوع: "سرديات مترحلة :حوار الأدب والترجمة" استضافا خلاله كل من الكاتب عبد القادر الجموسي و الكاتب محمد عضيمة ، وقد نسق أشغال اللقاء الأستاذ توفيق جعفري، والذي شدد على أهمية الموضوع وسياق الشراكة والرغبة في تطوير البحث العلمي، وهي الكلمة التي أكد عليها كل من إبراهيم فدادي( عميد الكلية) وعبد العزيز بودلال مدير مختبر الدراسات المغربية الأمريكية وشعيب حليفي عن مختبر السرديات في الجلسة الافتتاحية.
بعد ذلك قدم عبد القادر الجموسي (شاعر ومترجم وروائي وديبلوماسي) ورقته التي تحدث فيها عن تجربته الإبداعية المترحلة في بلدان كثيرة، والتي لها سند أساسي يتجلى في تجربته المرتبطة بظروف العمل التي تحتم عليه السفر عبر أمكنة وثقافات متعددة وخاصة منها اليابان وأستراليا وهولندا ثم أمريكا، حيث استطاعت هذه الرحلات أن تساعده في اكتشاف العديد من السرديات الخاصة أو الشخصية، مبرزا أن هذه السرديات تفاعل معها بل وأثرت فيه تأثيرا واضحا في إبداعاته وكتاباته كما أيقظت لديه إحساسا بالامتلاء والنشوة والانتماء إلى الإنسانية في أسمى تجلياتها.
وعاد الجموسي لربط تجربته إلى الحديث عن السرديات والتي ارتبطت بظهور الإنسان ونشأة الأمم والحضارات والتي تشكلت مع الرحلات الفردية والجماعية، كما ظهرت سرديات الأسطورة مع جلجامش والملاحم والأوديسا، وصولا إلى سرديات التاريخ مع هيرودوت الذي جمع سردية أمته الإغريقية، وسرديات الآخر ، وأخيرا السرديات الكبرى التي جاءت مع الدولة الحديثة، وأنتجت السردية الاستشراقية التي قام إدوارد سعيد بتفكيك خطاباتها والكشف عن جوانب بنيتها العميقة.وإلى جانب تلك السرديات، طور الباحثون في السرد أطروحات حول سرديات العالم المتجاورة والمتناحرة على حد سواء، كما قدموا تصورات عن رحلات السرديات وتطورها وتفرق استعاراتها بين عدة ميادين بحثية، منها سردية أدبية من خلال البرنامج الشكلاني في مرحلة الستينيات، وسرديات سنوات السبعينيات، ثم سرديات العلوم الإنسانية من علوم التربية وعلم النفس في سنوات الثمانينات التي اتخذت نبرة تحولية، وسردية ثقافية في مجالات مختلفة مثل السياسة، وقد وضح الكاتب أيضا أننا اليوم نشهد بروز حالة من السرديات المتشظية وجنوح نحو السرديات الهامشية، سرديات المهاجرين والمهجّرين واللاجئين، نزولا إلى السرديات الذاتية، تسجيلية وتخييلية، وهذا ما يفضي إلى الحديث عن سردية الشخصية وهي مزيج لحياة مترحلة وكتابة حياة المبدع المترحلة، وهو ما دفع عبد القادر الجموسي إلى التأمل في نظرة استرجاعية لما أنجزه كتابة، وقد شكلت تجربة الترحل موقعا مهما في كتاباته. كما أكد على علاقته مع السرديات ومداخلها الأساسية:الوطنية والموروث الشعبي والأرض وأصالة الإنسان المغربي؛ حيث جاء كتابه الأول "عودة جلجامش" كمحاولة لإعادة كتابة رحلة ملك أوروك بحثا عن معنى الوجود لتحقيق الخلود، إلى جانب دراسته الأسلوبية لجدارية محمود درويش الموسومة "بالتجلي الشعري في الجدارية" التي تحاول تقمص رحلة الشاعر في الداخل، كما جاءت روايته الموسومة ب: كيف نحلم بلندن" رحلة تظافر فيها التسجيلي و التخييلي لتقدم ما يشبه صك إدانة لسردية عقل مهووس بالشرق، كما بين أهمية التجربة الأسترالية التي مثلها ديوانه الشعري "أرض الكنغر، إلى جانب التجربة اليابانية والتي تجلت في الكتاب الحواري (الذهاب نحو الأقصى) والتي أفرزت الندوة الدولية لشعر الهايكو. وفي الأخير تحدث حول تجربته الأمريكية وأهميتها أيضا في منجزه الإبداعي والنقدي وتجلى ذلك في ترجمته"التغريبة العجيبة لكابيثا دي فاكا،هانييل لونغ’’.
ورقة الكاتب محمد عضيمة (شاعر ومترجم وأكاديمي سوري، أستاذ بجامعة طوكيو) فقد قدّم تجربته الأدبية من خلاله سفرياته أيضا منذ مرحلة الجامعة، ثم بعد حصوله على الدكتوراه ببحث في التصوف عن النفري بجامعة السربون بفرنسا، لينتقل إلى جامعة طوكيو التي درس فيها اللغة العربية للأجانب عوض تدريس الأدب، وقد بين أهمية هذه التجربة الشعرية اليابانية وخاصة شعر (الهايكو والتانكا والرينكا) وما تزخر به من بساطة وعمق. وقد حاول الكاتب الإجابة عن مجموعة من الأسئلة، وخاصة لماذا يكتب الياباني الشعر وهو الذي يملك كل شيء؟ ثم بين أن الشعر هو مفتاح اكتشاف الثقافة اليابانية وأي ثقافة أخرى، ثم قارن أيضا بين حركة الشعر الياباني القديم وحركة الشعر العربي الحديث، وذلك بغية اكتشاف لماذا ظهرت الحركة الشعرية الحديثة باليابان، فهل هي ثورة على ثقافة شعر الهايكو؟
واختتم هذا اللقاء بحوار بين الكاتبين والحضور وطلبة الدكتوراه في المختبرين، بأسئلة حول الكتابة والثقافة والترجمة