الاثنين ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم راندا رأفت

المصري القديم عشق الجمال وصنعه

في منتصف عام 1916 هبت على مناطق غرب مدينة طيبة (الأقصر حاليا) عاصفة ممطرة عنيفة، من تلك العواصف التي تهب فجأة على هذه المناطق الصحراوية، وتتسبب في سيول جارفة، قد تؤدي إلى اللحاق اضرار مدمرة إذا مرت في طريقهاعلى القرى السكنية، هذه الظاهرة معروفة تماما لدى أهالي القرى المجاورة.
وما أن هدأت العاصفة وخارت قواها، حتى بدأ هالي القرى المجاورة ينتشرون في المناطق والبقاع ليروا ما كشفت عنه السيول والفيضانات، في تلك المرة وصل مجموعة من أهالي قرية القرنة (قرية واقعة غرب طيبة) إلى سفح منطقة صخرية عالية تتالف من صخور شديدة الانحدار، وهناك عثروا على كنز أثري كبير نادر يعود إلى حوالي 3 آلاف عام قبل الميلاد.

لقد عثرروا على مقبرة دفنت فيها 3 ملكات كن زوجات الملك تحتمس الثالث (1840 ق.م)، كانت المقبرة كاملة المحتويات، من الأثاث الجنائزي، والمصوغات، وأدوات الزينة التي كانت تتحلى بها الملكات الثلاث، والمجوهرات المصنوعة من الذهب والفضة، بالاضافة إلى مجموعة من الأواني الفضية والذهبية والنحاسية الخاصة بكل ملكة.

ونظرا لأن التوابيت الثلاثة قدد تأثروا بالرطوبة مع مرور الزمن؛ فقد كان من السهل على الأهالي أن يصلوا إلى غنيمتهم، دون صعوبات حفر وتنقيب.

وبطبيعة الحال فقد باع الأهالي كل ماعثروا عليه من مفردات هذا الكنز لمجموعة من تجار الأثار الذين سربوها بدورهم إلى أوربا وأمريكا، وتوجد أكبر كمية من تلك المفردات معروضة في متحف الميتروبوليتان بنيويورك.

وقبل هذا التاريخ وعلى مدار العصور قد تعرضت مقابر الملوك والنبلاء لعمليات السلب والنهب على يد اللصوص.

وإذا نظرنا إلى قيمة الثروات الهائلة التي تم العثور عليها في مقبرة توت عنخ آمون فقط (اكتشفت عام 1923م)، فقد كانت كميات هائلة من المجوهرات والمشغولات ذهبية وفضية، رغم أنه من أفقر ملوك الأسرة الثامنة عشر، وأقلهم شأنا، غير أنه مات ولم يبلغ العشرين من عمره، فلك أن تتخيل كميات الكنوز التي تم العثور عليها في مقابر الملوك الأعلى شأنا، والتي كانت تزيد عن حجم مقبرة توت عنخ أمون خمسين ضعفا على الأقل ؛ لأدركنا ما كان يدفع اللصوص لسرقة الأثار، ولأدركنا أن ممياوات الملوك التي وصلت إلينا وموجودة الآن في المتحف المصري، وصلت الينا بعد أن جردت وسلبت منها معظم ما كانت تتحلى به من مجوهرات.

لعل الفرق الواضح بين اللصوص القدماء وأهالي قرية القرنة، أن اللصوص كان يصهرون ما يحصلون عليه من مجوهرات فضاعت إلى الأبد، أما أهالي قرية القرنة فقد باعوا المجوهرات وهي على حالها، حتى وقعت في يد من أدرك قيمتها كأثار، ثم توالت بعد ذلك عمليات البحث والتنقيب عن الأثار المصرية،

والملاحظ ان عمليات الكشف كلها تمت بالمصادفة دون دراسات أو عمليات حفر بأسلوب علمي، ومن الملاحظات التي تذكر أن كثير من الروايات العالمية عن مصر كانت تروي قصة الحصول على كنوز في أرض مصر.

وما تم اكتشافة من مجوهرات يتسم باشكال وطرز متعددة ومختلفة، مما يعني أنها تعود لعصور مختلفة، وأغلبها يعود للعصور الوسطى والحديثة، ومن خلال دراسة طرق الصناعة والتشكيل اتضح الذوق العام الذي ساد في صناعة المجوهرات والمصوغات التي في كل من هذيقن العصرين، أما المجوهرات التي تنتمي إلى عصر الدولة القديمة فهي نادرة جدا، تعكس ذوقا جنائزيا، في حين أن قطع المجوهرات المنتمية إلي عصور متاخرة من التاريخ الفرعوني، فنجد أنها متاثرة بالذوق الفارسي في الصناعة والتصميم، وكان هذا الذوق سائدا في الطبقات الحاكمة والأثرياء، وما وصل إلينا من هذه التحف يبين لنا مدى الدقة والذوق الرفيع للحرفيين الذين انتجوا تلك التحف بمثل هذا المستوى من الابداع والروعة.

وكانت الطريقة التي يستخدمونها في تلوين حليهم ومصوغاتهم تتشابه أو أقرب ما تكون إلى طريقة الزخرفة أو النقش على الزجاج الملون التي سادت في العصور الوسطى، وكانوا يختارون المواد التي يجوهرون بها حليهم بناء على لونها ومدى لمعانها وبريقها.

استخدم المصريون القدماء المجوهرات لعدة أغراض:
 مجوهرات لتزين الأحياء: ولم يكن استخدامها قاصرا على النساء فقط بل استخدمها الرجال أيضا، بمختلف أنواع الحلي من الخواتم والأساور والخلاخيل والياقات المزخرفة والعقود والقلائد والأقراط والتيجان.

 مجوهرات لتزيين الموتى: كان تزيين الموتى من الأمور الشاقة في مصر القديمة، كل شخص يموت مهما كان مركزة الاجتماعي كان لابد أن يتزين جثمانه قبل الدفن بقطع من الحلي والمجوهرات المناسبة لطبقته ومدى ثرائه، حتى بالنسبة للفقراء، لا يخلو الأمر من تزيين عند الموت بقطعة من الخيط لضمت بها بعض الخرزات الملونة، تلف على الرقبة أو على الذراعين. لعل أهم الشواهد على ذلك هو الكم الهائل من الخرز الذي تحتويه أكوام الرمال بجبانة سقارة، فهناك عدد لا يحصى من الخرز من كافة الأشكال والألوان اختلطت بالرمال؛ نتيجة عمليات التفتيش في الجبانات الواسعة على مدى العصور التاريخية المختلفة قديما وحديثا، ويقوم بعض الأهالي حاليا بتجمع الآلاف من حبات الخرز ويلضمونها على شكل عقود ويبيعونها للسياح.

 ومجوهرات لتزيين الألهة: كان هناك مجوهرات تصنع خصيصا لتماثيل الألهة، كانت تحفظ بالمقصورات داخل الحرم المقدس أو قدس الأقداس لك معبد، وكان من طقوس الخدمة اليومية التي يقوم بها الكهنة تقتضي قيامهم بتغيير الأردية والحلي التي يبلبسها تماثيل الألهة، أو تغيير الحلي والمجموهرات وتنظيفها، وكانت مخازن أي معبد تحتوي على كميات هائلة من الحلي والمجوهرات، نستطيع أن ندرك ضخامتها من خلال ما وصل الينا من قوائم الجرد أو قوائم الهبات التي كانت تقدم للمعابد (وبطبيعة الحال فقد تعرضت المعابد على مدار التاريخ لعميات السطو فلم يبق بها شيء)، وعلى الجدار الجنوبي للحجرة الملحقة والمجاورة لقدس الاقداس في معبد الكرنك نرى مناظر منحوتة لمجموعة من الهبات والعطايا التي منحها الملك تحتمس الثالث لخدمة الآلهة بالمعبد وتتضمن العديد من المشغولات الذهبية ذات الدقة والبراعة في الصنع.

  مجوهرات تستخدم كتمائم وتعاويذ: كانت بعض المجوهرات التي يتزين بها الناس تهدف إلى حمايتهم من بعض القوى الشريرة _حسب معتقداتهم_ وكانت التمائم تصنع من الأحجار الكريمة أو شه الكريمة مثل الذهب والفضة أو العقيق الأحمر (الذي يرمز إلى لون الدم الحي) أو الفيروز( الذي يرمز إلى الخضرة اليانعة والربيع) أو الازورد (الذي يرمز إلى زرقة السماء المقدسة)، وغالبا ما كانت التمائم تمثل رموز أو خطوط لها دلالات سحرية بزعم دفع الشر أو جلب الخير.
 
كان الرجال والنساء يستعملون الحلي المختلفة المصنوعة من المعادن الثمينة، وقد عثر في مقابر الأسرة المالكة بالقرب من هرم امنمحات الثالث (بدهشور الفيوم) من الأسرة الثانية عشر على تحف فنية تعد من أهم ما عثر عليه حتى الآن في تاريخ الفن القديم؛ من حيث دقة الصنع وحسن الذوق، ففي غرفة دفن الأميرة (تاروت) وجدت أساور من الذهب وخرز من الحجر الصلب وطوق من الذهب، وفي مقبرة الأميرة (آنا) عثر على خنجر من الذهب ومقبضة من الذهب المرصع وأساور من ذهب، وعلى الجسم وجدت زخرفة مؤلفة من قطع من الحجر وخرز من الذهب، أما مقبرة الأميرة (ختمت) فقد عثر فيها على تاجين إحدهما من الذهب الخالص المرصع بحجر الكرنالين، وهذا التاج من أبدع القطع التي تم العثور عليها حيث وصل فيها الصانع المصري إلى أعلى قدرة على محاكاة الطبيعة.

وكان الرجال والنساء على حد سواء يلبسون القلائد التي تغطي الصدر وتتدلى من أسفل العنق، وتصنع القلائد في معظم الأحيان من الخرز الملون كما كانوا يلبسون سلاسل ذهبية، ويزينون معاصمهم بالأساور ويضعون الأساور حول رسغي القدمين أيضا.

وكانت الخواتم من قطع المجوهرات الأساسية، فكانت الخواتم التي ينتجونها بالغة الدقة كما يتضح ذلك من خاتم توت عنخ آمون، وكانت اليد اليسرى تحمل من الخواتم أكثر من اليد اليمنى، ولم يهملوا حتى الابهام من التحلي بتلك الخواتم، كما تم العثور على أقراط من مختلف الأشكال والألوان

وبوجه عام باختلاف الغرض من استخدام الحلي، فقد كانت وسيلة من وسائل للتفاخر وللدلالة على مدى الثراء والمركز الاجتماعى الذي يتمتع به صاحبها.

كان الذهب هو المعدن النفيس الأول الذي استخدم بصفة اساسية في صناعة المجوهرات في مصر القديمة، أحب المصريون الذهب أكثر من غيره المعادن النفيسة؛ حيث سهولة تجهيزه، بالاضافة إلي عدم قابليته للتاكل والتلف، ولا يفقد بريقة ولمعانة بكثرة الاستعمال، كما أن اللون الأصفر الدافيء يبدو كما لو أنه يعكس الأشعة اللامعة التي تخرج من قرص الشمس.

وقد تميزت مصر عن سائر دول العالم القديم بوجود مساحات شاسعة داخل حدودها تكثر فيها المناجم التي يستخرج منها الذهب النفيس، ويقول خبراء المعادن المحدثون بعد أن اجروا الكثير من البحوث والدراسات عن الثروات المعدنية بالاراضي المصرية: إن المصريون القدماء كانوا مستكشفين وباحثين ومنقبين عن الذهب من الطراز الأول، وأنهم توصلوا إلى استغلال جميع مناجم الذهب الموجودة بالأراضي المصرية، وتدل الشواهد التاريخية أن قدماء المصريين قد ارهقوا هذة المناجم إلى درجة كبيرة، جعلت كلا من الملك سيتي الأول والملك رمسيس الثاني من ملوك الأسرة ال19 يضطرا إلى الأمر بفتح مناجم جديدة أكثر عمقا في المناطق البعيدة بالصحراء الشرقية.

وقد تم العثور على خريطة يرجع تاريخها إلى ذلك العصر، تبين مواقع بعض مناجم الذهب بوادي الحمامات في الصحراء الشرقية (وهذة الخريطة مرسومة على ورق البردي يرجع تاريخها إلى عصر الرعامسة)

ويتميز الذهب المصري في مصر القديمة بتنوع اللوانة التي تشمل الأصفر الراق(الذهب النقي) والأصفر الشاحب أو المعتم ( لاحتواءه على نسبة كبيرة من الفضة تحولت إلى كلوريد الفضة) والبني المائل للحمرة (لاحتوائه على كل من النحاس والحديد تأكسدت ) والأحمر الأرجواني ( بسبب تلوثه ببعض المواد العضوية).

وبعد الذهب استخدموا المصريون القدماء في حليهم معدني الالكتروم والفضة، لكن يظل الذهب هو المعدن النفيس الأول.

وحيث كان المصريون القدماء مولوعون بالطبيعة وجمالها فقد بالغوا في ولعهم بالزهور والنباتات، ولم يعشقوها لجمالها فقط؛ بل لاعتقادهم أن بها مزايا عديدة ورمزية، فمثلا التلويح بالأغصان يدل على السعادة، ويدل على ذلك منظر في أحد معابد طيبة تظهر فيه مجموعة من النساء تبدو عليهن الفرحة وهن يتجولن بالدفوف ملوحات بأغصان السنط تحية للملك.

وقد لعبت باقات الورد والزهور دورا رئيسيا في تقديم القرابين للالهة، وكانت أكاليل الزهر تستخدم في الحفلات الجنائزية، ونظرا لأن الزهور عمرها قصير كان يفضلون الأكاليل الصناعية على شكل الزهور، وقد عثر على أطواق زهرية على المومياوات أو كسيت بها التماثيل، وكان تابوت توت عنخ آمون محلى بمجموعة من نباتا الزينة عند دفنه سنة 1338 ق م.

وكانت الزهور تستخدم للعديد من الأغراض منها تزيين الجسم مثلها مثل قطع الحلى، ولتجميل الشعر (وخاصة بزهرة اللوتس)، وكانت تلضم على شكل عقود لتزيين الرقية أو الصدر، كان مصمموا الحلي يستلهمون أشكال الزهور واللوانها في تصميم الحلي.

وكان للنباتات والزهور منافع عديدة آخرى غير مالها من دور في التزيين، فكانت تستخدم للتخلص من بعض الحشرات المنزلية، كما خرج منها أنواع العطور واللبان (العلك)، وصنع منها أدوات المطبخ من سلال ومناخل وصنع منها الألوان والملابس، وغيرها

وفي حوالي سنة (1400 ق.م) دفنت 3 نساء من بلاط تحتمس الثالث في تجهيزات ملكية فاخرة، ومن ضمنها مستحضرات تجميل، احتوت حجرتان منهما على دهان (مرهم) مطهر مصنوع من الزيت والجير المصفي، وتوجد بردية طبية بها وصفات لعمل مراهم تفيد في تدليك الجسم (مسحوق كالسيت، نطرون أحمر، ملح الوجه البحري، عسل نحل، يهرس المزيج ويعجن جيدا ثم يدلك به الجسم) ومن الوصفات التي أقروا فعاليتها في علاج تجاعيد الوجه (صمغ اللبان، شمع، زيت اليسار).

وقد تم العثور في المقابر على دهانات تستخدم لتصفيف الشعر مصنوعة من شمع العسل والراتنج يشبه ما يستعمل في الوقت الحاضر، وكان لديهم دهانات تستعمل لعلاج أمراض الشعر مثل الصلع والشيب، ومن أنواع الدهانات التي كانت تستعمل لعلاج الشيب دماء الثيران أو العجول السوداء المغلية في الزيت، كما استخدموا قرون الغزال حيث كان يصنع منها مرهما يخلط بالزيت لمنع الشعر الأبيض من الظهور، وكانت أكثر الطرق فعاليه في هذا الصدد المرهم المصنوع من ثمر العرعر ونباتين آخرين (مجهولين حتى الآن لنا)، حيث كان الخليط يطحن ويضاف إليه الزيت ويقلب حتى يصبح كالعجينة.

فقد وكان اهتمامهم بمظهر الشعر يفوق الوصف، وقد ارتدى الرجال والنساء معا الشعور المستعارة المصنوعة من الشعر الآدمي في احتفالاتهم، ورغم ذلك لم يهملوا شعورهم الطبيبعة والعناية بنظافتها ومظهرها وصحتها، وقد استعملوا بعض النباتات لتلوين الشعر، استعملت الاصباغ المستخرجة من قشر الرومان والقرطم لصبغ الشعر باللون الأصفر والوردي وحتى اللون الأخضر (ظهرت به باروكة احدى أميرات الدولة الحديثة)، أما اللون البني القريب من لون الشعر المصري فقد استخرجوه من نبات الميموزا، كما عرفوا تثبيت الالوان باستعمال مواد مستخرجة من شجر السنط ومسحوق الشبه، وقد استخدموا نبات العرعر لما له من خواص فائقة على تثبت الألوان، كما أنه ينبه فروة الرأس للحث على نمو الشعر.

واهتمو بإطالة شعر المرأة فاستعملو لذلك زيت الخروع (وذلك في بردية ايزيس الوصفة رقم251 الموجودة بالمتحف المصري)، وذكرت وصفة آخرى لإطالة الشعر في نفس البردية، وصفة رقم 465 (دهن سبع، دهن فرس البحر، دهن تمساح، دهن ثعبان، دهن وعل، يمزج معا ويدهن به الرأس الأصلع)، وفي البردية وصفة آخرى (رقم 472) لانماء الشعر (صنوبر وحب العزيز وخس وخلة وزيت وعسل ويدهن بها الرأس، كانت الامشاط من أهم أدوات التزيين، وكان هناك نوعا من الأمشاط تستعمل في مكافحة حشرات الرأس، وكذلك استعملت المرايا كضرورة من لوازم المرأة اثناء عملية التجميل، وكانت تصنع من الذهب أو الفضة.

أما العيون المصرية اللوزية الشكل، فكانت تجمل يتزجيج تحت الجفون بالكحل الأسود، أو بإضافة إطار أسود حول العينين لجعلهما تبدوان واسعتين، كان الكحل يصنع من الجالينا galena وهي خامة معدنية أساسها كبريتور الرصاص، تستخرج من مناطق قريبة من أسوان في الوجه القبلي لمصر، أو يصنع من مادة الملاخيت الأخضر malachite التي تجلب من المناطق الصحراوية بسينا، كان يحفظ الكحل في كتل معبأة في أكياس كتانية أو جلدية، ويسحق جيدا حتى يصبح بودرة، ثم ينقل في أوان فخارية أنبوبية الشكل، تسخرج منها المادة عند الاستعمال باستخدام مراود خشبية، وكان يوضع في العيون باستخدام نفس المراود، واكتشف المصريون أن الكحل يقوي النظر أيضا؛ لعل هذا يفسر كثرة المكاحل التي تم العثور عليها في المقابر المصرية، وتعدد أنواعها، وتباين المواد المصنوعة منها كالحجر والخشب والخزف، ولم يقتصر استعمال الكحل على النساء فقط، بل والرجال أيضا.

وقد استخدموا بعض أنواع المراهم لوقاية العين أو لمقاومة أمراض العيون، اخترعوا وصفات عديدة لعلاج نمو الأهداب، وكان علاج العينين بالقطرة التي تستخدم في صنعها ملح معدني، كما استخدموا مسحوق الكرفس وبذرة الكتان في تحضير غسول للعين.
ومع ذلك اعتقد المصريون القدماء أن أي دواء للعين لا يمكن أن يقارن بالوقوع في الحب، فالحب هو الذي ينبه العينين وينشطهما فيصبحا لامعين، ففي قصيدة غزلية لإحداى الشاعرات من مصر القديمة تقول فيها: "حبي مثل كحل العيون.. فعندما اراك فان عيناي تشعا بريقا".

وكان طلاء الأظافر أيضا معروفا لدى قدماء المصريين، وكانوا يستعملون في ذلك الحناء، وكانت الشفاة تطلى باللون الأحمر المصنوع من الشحوم أو بعض انواع النباتات. وقد استخدمت لطلاء الشفاة فرشاة خاصة، وقد حرص خبراء التجميل مؤخرا على استخدام تلك الكيفية؛ لما لها من أثر كبير في تعديل شكل الشفاة وابراز جمالها.

كذلك استخدم اللون الأحمر لتلوين الخدين، وكان الأحمر يتكون من المعرة الحمراء والدهن مع قليل من صمغ الراتنج، وهذه الوصفة من الوصفات القديمة التي يرجع تاريخها إلى 4 ألاف سنة ق.م، وقد استعملوا نوع من أملاح الحديد لتلوين الخدين باللون الأحمر، تم العثور على الكثير من بقاياها على اللواح في المقابر.

كما تم العثور على عدة وصفات لإزالة تجاعيد الوجه، وولإزالة البقع من الجلد والوجه أو لإضفاء الملمس الناعم على الوجه. ففي وصفة رقم 714 في (بردية ايزيس) لتحسين الجلد: عسل، نطرون أحمر، ملح بحري، يصحن معا ويدهن به الجسم، كانت المستحضرات المستعملة للوجه والجسم عطرية، لايزال بعضها حافظا لرائحته حتى الآن.

اكتشفت المرأة المصرية أسرار ومواطن الجمال وأسرار التجميل قبل أن تعرفه بنات حواء حول العالم، فاقت خبراء التجميل في العالم بكل ما توصل اليه العلم الحديث، فقد اكتشفت صناعة البودرة من حجر التالك، وتعلمت كيف تصحنه وتجمع ذراته المتطايرة لتحصل على أنعم وأرق ذرات التالك، فلا تختلف النتيجة عن أحدث ما توصلت له التكنولوجيا الحديثة، وصبغت اقراص وقوالب من معاجين البودرة بعد خلط التالك بدهن النعام وعسل النحل، وقد اكتشفوا غذاء ملكات النحل، وكانت تستعملة الملكة حتشبسوت ضمن مستحضرات تجميلها.

واشتهرت مصر في العالم القديم بصناعة العطور والروائح فكان لمصر مناخ مناسب لصناعتها، وحين لم يكن الكحول قد اكتشف بعد، (إذ لم يعرف إلا في القرن الرابع قبل الميلاد) استخرجوا العطور من النباتات أو الزهور أو عروق الأخشاب العبيرية وغمرها في الزيت، بذلك استخلصوا الزيوت العطرية ومزجوها حسب الطلب بالزيوت الأخرى، وكانت الخامات توضع في قطعة من القماش لتعصر عصرا تاما لاستخراج عبيرها، ثم تغلى المواد العبيرية في الزيت والماء بالتبادل، ثم يتم التخلص من الزيت.

اشتهرت مدينة (مندس) إحدى مدن الدلتا بجودة عطورها، والتي كانت تصدرها إلى روما، وكان أهم ماتنتجه المدينة يستخرج من زيوت الهليج والمر والراتنج، وكان إضافة الزيوت العطرية للعطور يتم في تسلسل صارم بحيث يكون أقوى العطور هو آخرها في الإضافة، فعل سبيل المثال إضافة رطل من المر إلى مكيال بنت pint (1/8جالون) زيت ثم ثلث أوقية من القرفة في مرحلة متاخرة تجعل رائحة القرفة هي التي تسود. والسر في جودة العطور المصرية، هو البراعة في الاختيار وتحديد لحظة إضافة كل مكون من مكوناتها ودرجة الحرارة المناسبة لذلك، وكانت عطور مندس فائقة الجودة إذ تحتفظ باللوانها الطبيعية، وإذا دهن الجلد بها فان تاثيرها يستمر لفترة طويلة، وصالحة للتخرين لفترة طويلة، بل أن قدمها يزيدها جودة.

وكانت العطور المركزة التي يستمر تاثيرها طويلا هي التي تفضلها النساء، ومن المراهم العطرية التي كانت لها شهرة شديدة في ذلك الوقت مرهم عطر السوسن، كان هذا المرهم مهدأ ومدفئا ومن العطور النسائية وتحضيرة شاق.

عشقت المرأة المصرية العطور بل أسرفت في استعمالها لدرجة خلطها بمياة الاستحمام والغسيل بعد الطعام، حتى مياة الشرب تفننت في تعطيرها، (وهذا التقليد مازال موجودا المعروف الآن بماء الورد أو ماء الزهر).

كان الشعب المصري شعبا سعيدا، احب الحياة كما لم يحبها شعب من شعوب الأرض، احب الجمال وكل ما هو جميل، دفعه ذلك الحب إلى التشبث بالحياة ومحاولة استئنافها حتى بعد الخروج منها، فحملها معه إلى الآخرة في صورة نقش على القبور والمعابد، واستمتع بالجمال أثناء وجودة في الحياة.

فقد حرص كبار الموظفين والشخصيات البارزة في جميع أنحاء مصر على محاكاة القصور الملكية في بناء منازلهم الخاصة، من حيث فخامتها وتوفيرها للرفاهية، وكانوا يبنون منازل فسيحة، يحوطها سورا فسيحا مرتفع له باب حجري يؤدي إلى غرفة رب البيت، مع وجود أبواب صغيرة تؤدي إلى حدائق المنزل ويستعملها عامة الناس، كان باب المدخل الرئيسي يبنى من الحجر الكبير مزخرف برسوم على شكل زعف النخل، أما حدائق المنازل فكانت تقسم إلى مربعات ومستطيلات تزرع بالأشجار وتظلل بالكروم والزهور ونباتات الزينة التي كانوا يعتنون بعها عناية خاصة، وكان أصحاب المنازل يحرصون على تناول طعامهم من هذه الحدائق، وكانت كل حديقة تحتوى غالبا على بركة ماء مربعة أو مستطيلة الشكل تبني بالحجارة وتطفو على سطحها بعض النباتات وتسبح فيه مجموعة من البط والأوز، وتؤدى درجات من السلم إلى هذة البركة حيث أعد قارب لنزهة أصحاب المنزل في تلك البركة.

أما منازل الطبقة الوسطى فتتكون عادة من عدة طوابق، تخصص غرفة في الطابق الثاني لرب البيت، وكانوا يحرصون على ألا تكون منازلهم متلاصقة؛ حتى يمكنهم زراعة بعض الأشجار في فناء المنزل.

ولم يخل أثاث المنزل من لمسة الجمال التي أصر المصري القديم على وضعها في كل شيء في حياته، فيتألف الأثاث في قاعة الاستقبال في القصور الملكية ومساكن الأغنياء في أغلب الأحيان من مختلف الأشكال من المقاعد، بعضها بسيط في الصنع، وبعضها شديد الفخامة وخاصة تلك الخاصة بالملوك، فكانت تصنع الكراسي من الذهب المطروق المرصع بالأحجار الكريمة في نقوش على هيئة عقاب أو أبو الهول يحمية ثعبان الكوبرا.

وكانت أرضيات القاعات تفرش بالحصير، يوضع عليها الكثير من الوسائد، توضع أفقيا خلف ظهور الجالسين على المقاعد وتحت أقدامهم، وكانت قاعة الطعام منفصلة عن قاعة الاستقبال.

وعثر في بيوت المصريين على حمامات، ولم يكن المصري يستحم في حوض مملوء بالماء كما كان يفعل الاغريق أو الرومان، إنما كان يصب الماء من أعلى فوق الرأس، كما كانت الحمامات تزود من أسفلها بمجريات ينساب منها الماء المستعمل في الاستحمام.

عنى المصريون القدماء عناية فائقة بالنظافة، اهتموا بنظافة ابدانهم وملابسهم ومساكنهم، كانوا يغتسلون عدة مرات في اليوم في الصباح عند الاستيقاط، وقبل تناول الوجبات الأساسية أو بعد الفراغ منها، أدوات الاغتسال تتكون من طست وأبريق ذو صنبور يوضع عادة تحت المائدة، أما مياة المضمضة فكانت تعقم بنوع من الملح مع معجون جاف يحتوي على مادة التنظيف وازالة الشحوم كالرماد أو الصلصال، كما اهتموا بتعطير أفواههم بمضغ الكندر والينسون.

وكانوا شديدي العناية بمظهرهم وحسن هندامهم ولم يقتصرر الاهتمام بالنظافة على الاغتسال عدة مرات في اليوم، ولكن فرض عليهم حلق الراس واللحية لابعاد الحشرات والطفيليات عن أجسادهم، واستخدموا لازالة رائحة العرق من الجسم عن طريق حك الجسم بحبيبات الخروب المدشوش أو بوضع بعض حبات اللبان والعصيد عند ملتقى الاطراف. أو يدلكون أجسامهم بعطر مصنوع من زيت النفط والبخور الذي يخلط بحبوب ومادة عطرية.

واعتنوا أيضا بالعمل على وقاية منازلهم من الحشرات أو الفئران أو الزواحف السامة، وتحتوى بردية أيزيس الطبية على بعض الوصفات النافعة في هذا الشأن، كما أن رائحة البخور التي كانوا يحرصون على وجودها كانت مفيدة في تنقية هواء الغرف.

كما عنوا عناية فائقة بالملابس، بمكن ملاحظة أن شكل الملابس تغير من عصر إلى آخر من العصور المصرية القديمة ففي عصر الدولة القديمة كان الفستان الطويل الذي يشبه المعطف، وكان الرداء ضيقا جدا يحمل رسوما نادرة، وفي بعض الاحيان ترتدي الحمالات، كما اعتادت النساء ارتداء معطفا أبيض فوق الرداء العادي يلتف حول الجسم مصنوعا من الكتان الشفاف، ثم طرا تغييرا كبير في العصور الوسطى والعصور الحديثة، وكانوا يراعون أن يتناسب الشعر وغطاء الرأس مع الملابس، وهذه اللمحة يراعيها مصممي الأزياء حاليا.

أما ملابس الرجال، فظهرت أغلب مناظر وتماثيل الرجال عراة الصدر والساقين، يرتددون أردية كتانية قد تكون قصيرة تمتد من تحت السرة إلى منتصف الفخذ فوق الركبة، وكان الأثرياء يتزينون بالقلائد العريضة والصدريات ذات الزخارف والصفوف المتعددة والمناديل الطويلة.

وقد تم اكتشاف بعض أنواع القفازات منذ عهد الأسرة الثامنة عشر، فعثر على كثير من القفازات الكتابية الطويلة المحلاة بخطوط زرقاء، ففي مقبرة توت عنخ أمون عثر على الكثير من هذه القفازات وهي معروضة في المتحف المصري الآن.

وكانت النعال المصرية على عدة أشكال، فنعال النساء من الطبقة الراقية كانت مجدولة ملتوية الطرف الأمامي مصنوعة من سعف النخيل أو من سيقان البردي أو من سيور الجلد.

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى