الخميس ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
بقلم
الملح .... وبقايا الأحلام
العيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم يزل كالملح فوق شفاهها ماء العناء :كل الفصول تشابهتفي حرها ونسيمها ..في صحوها ...في غيمها ...في ريحها ... في برقها ... في رعدها ...في البرد يقذفني كعصفور شريد في الهواء.كل الفصول توحدت ضدي أنا .. صارت شتاء.العيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم يزل كالشوك فوق سريرها دمع العناء :ولست أحضن صدر أم في السرير.ولا أنام على وسائد من حرير .ليس عندي غرفة مسكونة بالعطر والفرش الجميلة والدمى ..لا لست كالأطفال تحملني الرؤى , عند المساء إذا غفوت , إلى البساتين الفسيحة والحقول.في الليل أخبو نجمة مرعوبة مع أخوتي في قلب خيمتنا الوحيدة في العراء.العيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم يزل كالملح فوق شفاهها طعم الفناءما زلت أذكر وجه أمي (وردة) كانت أريجا هائما ...مازال يملأ خاطري منها الشذا .....لكنها ..راحت بعيدا .. سافرت ...مسلولة .. محمومة ..بين الشجيرات الصغيرة أغمضت أجفانها ..ورجعت وحدي في الطريق ودمعة تنساب من عيني كي تروي الربا ...فتفتحت زهرا نديا يستنير به الفضاءالعيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم تزل عطشى وتحلم بالرواءوليس عندي في الحياة سوى أماني الصغيرة ..أن يكون لي الغذاء.شيئان غير الملح والخبز المقدد كاللحاء ...و(قلة) مبتورة الأشداق يسكنها البعوض .. وليس فيها بعض ماء.منها أعب فما ارتويت. كم اشتهيت؟وكم حلمت بما اشتهيت ؟ وطال حلمي في الهوان والاشتهاء.العيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم تزل عريانة ترجو رداءلا لست أملك في الحياة سوى أماني الصغيرة ...يا أبي ؟ هل لي ببعض من كساء ...كل البنات ببلدتي يزهون فرحا بالفساتين الجديدة .غير أني ما فرحت و لست ألبس غير جلدي.أي أبي !فأنظر : عظامي تشتكي أوجاعها وتبين من تحت الرداء؟العيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم تزل قنينة ملآى بأنسام النقاء..لا ليس لي من أصدقاء.بيني وبين الملح آصرة حميمة.فأبي يبيع الملح والأصباغ في الأنحاء .يصحو مع الفجر الشفيق يطوف يحمله الحمار.والملح يحمله ثقيلا , في جوال , كالحجاروبعود يحمل بعض خبز جف من طول التجول والسفر .لا ليس عندي في الحياة سوى المرارة والشقاءالعيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم يزل كالملح يقبع فوقها هم ثقيل ..وفتحت عيني طفلة ...فإذا الحمار ببيتنا ... والملح .. والخبز المقدد كاللحاء ..وقلة مبتورة الأشداق يسكتها الذباب.. وجرة لا تحتوي إلا الهواء.لا .. ليس غير الملح يملأ بيتنا ...فأبي على ظهر الحمار بهمة يمسي و يغدو جاهدا ..في الليل حينا أو إذا انتصف النهار ..يأتي به من تاجر الملح الكبير زكائبا ...ويطوف بالأنحاء يحمل همه ليبيعه ...لكنه كسدت تجارته كثيرا .. واستدانوالناس لا تبتاع ملحا كل حين .. فالملح يكفي من مرارته القليل ....العيد جاءولم تزل تبكي رجاءولم تزل تجتاح زهرة قلبها ريح السمومو العيد جاء فجاءة ....مادا تراه بفاعل فينا أبي ؟ وبليلة العيد الكبير .. ...؟ودمع أطفال له يشتد في أحشائه مثل السعيرفيشد دابته العجوز .. وينثني في الدرب يقصد دارة الرجل الكبير ...(تاجر الملح الكبير ) .. ... ليستدين ...عساه يمنحه قليلا من دراهمه ... عسى ... وهو الذي يختال بالمال الكثير.وعساه يهدينا ثوابا بالذي يعرفه عنا من أمانة الضمير.ويؤجل الدين الكبير .. وأن نسدد بعد حين .يرجوه بالدين الحنيف .. وحاجة الجمع الضعيف ...وبالشفاعة .. والضراعة ... والمروءة .. والوفاء... وبالحنو على الفقير .... ( ياليته ما راح يشكو للكبير) .. لالا تخافي يا رجاء ..لا لن يغضب الرجل الكبير....عسى أبي ..في الظهر , يأتينا سعيدا عند خيمتنا الوحيدة , أو إذا حل المساءوالليل جاءولم تزل تبكي رجاءولم يزل كالملح فوق عيونها دمع الرجاءعسى أبي .....في الفجر , يأتينا سعيدا بالطعام وبالكساء.( ياليته ما راح يشكو للكبير)فالدرب نحو قصور مالكنا الكبير ا ذ ا شكوت من الضنى ... درب عسير .ها أنا في الليل أخبو قطة محمومة ...مع أخوتي في قلب خيمتنا الوحيدة في العراء.أندس في كوم العظام إذ ارتمى كالملح فوق شفاهنا حرف النداء ..أمي .أبي ...أمي أبي ... أمي أبي ...وأروح اركض في الربافإذا أنا في جوف غيمتنا الجميلة في السماء وأخوتيهذا أبي كالطيف يمشي جنب أمي باسما ....ويجيئ يركض نحونا فرحا وتركض أمنا ...ويضمنا ... وتضمنا ...فأريح خدي فوق صفحة خده ....وأريح قلبي فوق صفحة صدرها ... فإذا بنا في غرفة مسكونة بالعطر والفرش الجميلة والدمى ..وإذا الموائد عامرة .وإذا الخواتم والهدايا ..والفساتين الجميلة من حريرباهرة.وإذا بقلتي الصغيرة من ذهب.بالمسك والريحان شهدا تنسكب.والهم من قلبي ذهب .وإذا بصوتي عندليب رائع وإذا بوجهي كالقمر.ينهال دمعي فرحة فوق الهضاب وينهمر.فتفتحت كل الربا زهرا يراقصه الضياء .... .مكان خيمتنا الوحيدة في العراء.فالعيد جاء .
مشاركة منتدى
5 كانون الأول (ديسمبر) 2005, 03:31
قصيدة رائعة جدا من شاعر قوى وحساس
الحلم البعيد