الثلاثاء ٣ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٧
بقلم سهيل عيساوى

الموت في قصص الأطفال

موضوع الموت من المواضيع القليلة الشائكة التي يتجنب كتاب أدب الأطفال المحليين التطرق اليها، لحساسيتها وخصوصيتها وصعوبة الولوج في تعرجاتها لأسباب أدبية وفنية ودينية واجتماعية، إضافة ان دور النشر قد تستصعب تسويق هذا الموضوع، القارئ والأهل عادة يبحثون عن قصص تتحدث عن الحياة والأمل والمستقيل والسعادة وانتصار الخير على الشر والخيال، والنهايات السعيدة،من اجل رفع معنويات الطفل والمساهمة في بناء شخصيته، لكن هل يجب ان يتهرب أدب الأطفال من طرح المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الطفل بشكل خاص أو المجتمع بشكل عام؟ هل يجب التحايل على الطفل في طرح موضوع الموت؟ والسؤال الأعمق كيف يمكن أن يطرح هذا الموضوع؟ ويصل الى أطفالنا بأسلوب جميل وصادق.

في اعتقادي أن الموت جزء من الحياة، ومن الطبيعي أ يطرح الموضوع بجسارة، لأن الطفل يعرف ان قريبه قد مات او جاره أو صديقه أو ابن بلده او أي انسان اخر، كذلك في ظل الحروب الأهلية والإقليمية والطائفية المنتشرة في الشرق الأوسط، والقنوات الفضائية ترصد لنا فصول الموت ببساطة وبلاهة وبرودة، وقصف وموت الأطفال بنيران الحرب الشرسة، وتحت الأنقاض، والموت جوعا، وغرقا في عمق البحار،بلا قبر او جنازة او وداع، وخاصة ان العالم أصبح قرية واحدة صغيرة، والأطفال على اطلاع تام بكل ما يحدث في العالم الواقعي والعالم الافتراضي.

في هذه المقالة سوف نناقش قصة الكاتب والإعلامي نادر أبو تامر"أجنحة الملائكة"الصادرة عن دار الهدى للطباعة والنشر كريم 2001، بدون تسجيل سنة الإصدار! عدد الصفحات 24 (وهي غير مرقمة)، رسومات الفنان أيمن خطيب، تتحدث القصة عن طفلة اسمها شوشو، فقدت شقيقها واسمه عفيف، عفيف كان يحب كرة القدم، كان ليديه دمى جميلة، كانت شوشو دائما تنظر الى أعلى ولا تركز اثناء اللعب، صديقها رامي الذي يحب كرة القدم، كان يظن ان شوشو تحدق في السماء لأنها تحب الطائرات، شقيها عفيف مرض ثم نقل الى المستشفى لكنه سرعان ما فارق الحياة، اخته الصغيرة لم تفهم لماذا يتجمهر الناس في بيتهم، ولم تجد عفيف في غرفته،سألت ابيها أين ذهب عفيف؟ لكنه صمت طويلا مع أنه يحب الحديث مع جاره، عانقها وقال لها"لقد أتى الينا الملاك هذا الأسبوع، وأعطى جناحيه لعفيف. أخوك مات". ثم همس في اذنها"ذهب الى السماء يا بابا"ومنذ ذلك الحين وهي تراقب الطائرات والسماء لعل عفيف أخيها يمر من فوق البيت !.

قصة ابي لم يمت، للكاتبة ميسون أسدي، رسومات، وفاء عبود، اصدار أ.دار الهدى، 2017، تقع القصة في 26 صفحة من الحجم الكبير.

تتحدث القصة عن طفلة اسمها أحلام، كانت في الصف الثاني عندما غرق والدها في بركة ماء كبيرة تكونت بفعل المطر، تعود أطفال القرية السباحة بها، سببت لهم الامراض العديدة، بينما كان عمها توفيق وكان فتى شقيا، يسبح مع رفاقه كاد يغرق، اتفق ان مر والدها قرب البركة وسمع الصراخ، بالرغم من ان يده كانت مكسورة، وملفوفة بالجبس، قفز وأنقذ عمها توفيق، لكنه غرق لأن يده علقت بين صخرتين. كل المحيطين بالطفلة أحلام اعلموها ان والدها سافر، فكانت تتوقع عودته لكنه لم يأت، ذلت يوم أخبرها عمها توفيق بأن والدها لن يعود لأنه مات، أحلام كانت تعتقد أن الأشرار وحدهم يموتون كما حدثتها المعلمة، وأخبرها عمها بان والدها سوف يبقى معهم بإمكانها استحضار طيفه والحديث اليه وهي تحدد الإشارة ليستمع اليها مثل فرك الاذن، وفعلا جربت أحلام هذه الطريقة وقالت له"أبي اشتقت اليك أنا وأمي وعمي توفيق يسلم عليك"ثم أرسلت لأبيها قبلة بالهواء، عادت أحلام مسرعة الى البيت وأبلغت والدتها أن ابيها لم يمت، وأن عمها توفيق جعلها تتحدث اليه، وعن وجود إشارة متفق عليها، وفي نهاية القصة تحدثنا الطفلة أن أهل القرية طمروا البركة كي لا تتسبب بوفاة اخرين وتم انشاء حديقة العاب للأطفال مكانها.
 العنوان: عنوان القصة عند الأديب نادر أبو تامر"أجنحة الملائكة"العنوان غير مباشر يترك للقارئ والطفل المجال الواسع للتخمين، وان وكان هنالك ترميز لمحتوى القصة، حيث استعمل كلمة"الملائكة"، وهي كلمة ترمز الى الطهارة والموت والرسالة، وهي كلمة ذات دلالات دينية. بينما استعملت الأديبة ميسون أسدي"أبي لم يمت"وهي جملة تقريرية تشار الى الموت، وان كان المقصود انكار وقعوه بالنسبة للطفلة ولو بشكل مطلق.

 سبب الموت: في قصة نادر أبو تامر، سبب موت الطفل عفيف هو المرض، لا نعرف نوعه هل هو مرض مزمن ام مرض عضال، لكنه نقل على أثره للمستشفى لم يلبث طويلا حتى فارق الحياة.

اما سبب الموت في قصة ميسون أسدي، هو الغرق في بركة تجمعت بها مياه الأمطار ونتيجة الإهمال وعدم وجود برك للسباحة في القرى العربية لجا الأطفال والفتيان للسباحة في هذه البركة الراكدة التي نشرت الأمراض. والد أحلام فارق الحياة على الفور رغم محاولات اسعافه المتأخرة.

شخصية المتوفى: في قصة نادر أبو تامر، المتوفى هو طفل صغير اسمه عفيف، أما في قصة ميسون اسدي، الشخصية هي والد الطفلة أحلام، الذي ترك خلفه طفلة في الصف الثاني، وزوجة شابة واخ اسمه توفيق.

التعرف على عالم المتوفى: في قصة نادر أبو تامر عرفنا بعض المعلومات عن الطفل توفيق، له أخت اسمها شوشو ووالدين، كان يحب لعبة كرة القدم، لديه دمى جميلة كان مرحا رغم مرضه، يتقاسم الغرفة مع أخته، بينما في قصة ميسون اسدي بقي عالم المتوفى غامضا، لا نعرف عنه الا أن يده كانت مكسورة وملفوفة بالجبس، يحب ان يساعد لا نعرف اذا كان قفز للماء لأن الذي يكاد يغرق شقيقه ام لأنه يحب المساعدة؟ له زوجة وطفلة اسمها أحلام..

مدة لإبلاغ الطفل عن حقيقة الموت: في قصة نادر أبو تامر استغرق الامر مدة أسبوع حيث قام الوالد بإبلاغ ابنته الصغيرة شوشو ان اخيها عفيف مات، وان كان ابلغها بان ملاكا زار البيت ومنحه جناحيه ليطير الى السماء. وفي قصة ميسون أسدي استغرق الأمر وقتا طويلا لا نعرف بالضبط لكن استعمالها عبارة"لم يعد عمي توفيق شقيا. اصبح هادئا وحيدا".تفيد انه مر مر وقت لس باليسير

تقنية التواصل مع الميت: في قصة نادر أبو تامر، شوشو تراقب السماء دوما والطائرات المحلقة عاليا، على امل ان يمر عفيف من فوق بيتهم، لكن المحاولات لم تنجح،بينما في قصة ميسون اسدي، كانت التقنية استحضار طيف الوالد المتوفى، من خلال إشارة وهي فرك اذن الابنة أحلام، عندها تقول له ما تشاء وتطلب منه ما تريد وعمها ووالدتها تحضر جميع الطلبات !، ترسل له القبلات الحارة.

تقبل الموت من قبل الصغار والكبار: من الطبيعي ان يرفض العقل الواعي في البداية خبر وفاة اي شخص قريب لنا، منعا للصدمة وفقدان العقل والاتزان، لكن في النهاية فالموت حقيقة وجزء من استمرارية الحياة، في قصة نادر أبو تامر الطفلة شوشو تتقبل الموت وتقبل تفسير والدها لاختفاء وموت شقيقها عفيف، لكنها تظل ترقبه وتشتاق اليه. وفي قصة ميسون اسدي الطفلة أحلام تتقبل موت والدها وتعايش معه وبل تستغله نقل رسائل وحصول على هدايا وطلبات.

اثر الموت على المحيطين: في قصة نادر أبو تامر، عرفنا ان الناس تشارك في المواساة من خلال توافد الناس بكثرة على بيت الفقيد، والوالد كان يصمت طويلا وقلل كلامه المعتاد، لكننا صورة الحزن لم تنقل لنا كاملة، كذلك لا ذكر لحالة الأم أو حتى صمتها، في قصة ميسون اسدي، عرفنا ان العم توفيق اصبح متزنا وحزينا، لكن لم يكن تطرق لوضع الزوجة من خلال القصة، وكيف واجهت الطفلة اليتم، او حتى في حزن الطفلة أحلام التي فقدت والدها، في البداية غضبت لأن الوالد لم يعد يزورها في المدرسة او يصحبها في مشاويره، في القصتين هنالك تجاهل لمشاعر الحزن على فقدان فرد من العائلة، ربما قصد كل الأديبين عدم شحن القصة بموجة من الحزن.

غلاف القصة: في قصة نادر أبو تامر"أجنحة الملائكة"رسم الفنان أيمن خطيب لوحة لطفلة حزينة تنحدر من مقلتها دمعة حارة سخية، وهي تمسك بيديها لعبتها، صورة الغلاف توحي بحزن، بينما في قصة ميسون اسدي"أبي لم يمت"أيضا رسمت الفنانة وفاء عبود، لوحة لطفلة تجلس على كرسي، تمسك بيد لعبتها الصغيرة، وتداعب شعرها باليد الأخرى، لكنها تبتسم ابتسامة عريضة، وخدودها حمر، صورة الغلاف لا توحي ان الطفلة فقدت والدها، لا تعرف ان كان الفنانة بإيعاز من الأديبة ميسون اسدي، قصدت تلك المفارقة!.

دلالات الموت ومراسم الدفن: في قصة نادر أبو تامر هنالك إشارة واحدة وهي تجمهر عدد كبير من لناس في بيت والد الطفل عفيف الذي فارق الحياة، لكن لا إشارة للدفن او الجنازة او الصلاة على الميت، وفي قصة ميسون اسدي هنالك قفز عن الموضوع"ولم ادر بعدها الى أين حملوا أبي"ص 7، بعدها تنقلنا الكاتبة الى فصل اخر كانه منفصل أو منقطع عن مشهد الأول الذي ينتهي بغرق وموت والد الطفلة.

النهاية: في قصة نادر أبو تامر النهاية مفتوحة فالطفلة شوشو تترقب السماء على أمل أن يمر شقيها من فوق بيتهم، أما في قصة ميسون أسدي النهاية تبدو سعيدة، الطفلة احلام تنجح في التواصل مع طيف والدها وهي فرحة بهذا الحلم والانجاز العظيم الذي يبدد حزنها ويساعدها فهم وتبسيط فقدان الوالد، إضافة ان أهل القرية فطنوا الى البركة التي تسبب الامراض والغرق، فقاموا بطمرها وأقاموا حديقة عامة للأطفال، أي تم تحويل الأمر السلبي الى أمر إيجابي ولصالح الاطفال.

مصدر القصتين: مصدر القصتين هو واقعي، قصة اجنحة الملائكة، مصدرها مستوحاه من فقدان ابن صديق الكاتب، فكتبها بعد ان دار بخلده عدة أسئلة حول الموت، (هذا ما صرح به الاديب نادر أبو تامر في احدى مقابلاته الصحفية) اما قصة ابي لم يمت للأديبة ميسون اسدي، أيضا قصة حقيقية وقعت مع عمها (وفق ما صرحت به).

ملاحظات عامة حول القصتين:

في قصة الأديب نادر أبو تامر أجنحة الملائكة تفتقد القصة الى تسجيل سنة الإصدار وترقيم الصفحات، (وان كنا نعلم انه كتبها عام 2007، وصدرت عام 2008 وفق تتبع خبر صدورها عبر وسائل الاعلام).

في قصة ميسون اسدي ورد في غلاف القصة"حكاية ميسون اسدي"

ما الفرق بين الحصة والحكاية؟ كتب الباحث والناقد المغربي محمد داني حول الموضوع ما يلي: القصة تكتب للطفل وتوجه اليه، وتراعي قدراته العقلية وعمره الزمني ومراحل نموه، وميوله وميوله ومواقفه واتجاهه، تعتمد الحدث والشخصيات والحبكة، واللغة الخاتمة""يقوم بها شخصيات بشرية أو غير بشرية، تدور في اطار وزمان ومكان محددين"أما الحكاية"فهي تقوم على الحدث والشخصيات وزمان مطلق ومكان غير محدد، بسيطة في أحداثها وأفعالها، وتعتمد على الحكي والقص التقليدي" (المصدر: محمد داني، أدب الأطفال دراسة في قصص الأطفال لسهيل عيساوي، 2015). من هنا يتضح انها قصة وليس حكاية.

خلاصة: تطرق كل من الأدبين نادر أبو تامر وميسون أسدي، لموضوع الموت، من خلال قصص الأطفال، أمر في غاية الأهمية بسبب واقعية الموضوع وضرورة طرحه بأسلوب أدبي جذاب، ورسومات تعبر عن الحدث بدقة وتنقل المشاعر بصدق، وان كنت اعتقد أن القصتين بحاجة الى ضخ المزيد من مشاعر الحزن لتعكس الموقف الحقيقي لمرارة الفراق ولوعة الموت وانعكاسها على الأطفال، التفريغ من الغضب والحزن، أمر صحي وطبيعي من أجل استمرار الحياة وتقبل الموت كجزء من حياتنا وواقعنا، من اجل النهوض مجددا بعد نفض الغبار وازاحة جليد الحزن العميق المتراكم فوق حجيرات القلب الجريح. كما نشيد بلغة الكاتبين السلسة والملائمة للأطفال، والتمهيد للموضوع بشكل جيد، وطرح الموضوع بجسارة ومهارة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى