الجمعة ٣١ آذار (مارس) ٢٠٢٣
بقلم زياد شليوط

الموظف المستقيم

استوى الموظف على مقعده الجلدي، نفش جسده المتكور وكأنه ديك ينفش ريشه أو ملك يجلس على عرشه ويحرص ألا يتسع لأحد غيره. دخل المواطن المسكين طالبا إنهاء مشكلته التي طالت ومازالت عالقة منذ سنوات، ومتداولة ما بين دائرة الجباية في السلطة المحلية وشركة الجباية المستأجرة خدماتها من قبل السلطة المحلية، ويمكن القول المتسلطة باجراءاتها.

رغم أن المواطن المذكور سبق وأحضر كل المستندات والوثائق المطلوبة منه، ومع أنه يحرص على أن يحضر في كل مراجعة المزيد من الأوراق بناء على طلب الموظف المتجبر، خاصة أنه يعامله بجفاء وروتينية قاتلة:

عليك في المرة القادمة أن تحضر لي شهادة وفاة والدك، ورخصة البناء ونسخة عن وصية المرحوم.. مفهوم؟!
مفهوم.. حاضر! يجيب المواطن وهو خائب الرجاء، لأنه سمع مثل هذه الطلبات عشرات المرات وأحضرها بناء على أوامر الموظف الذي يصرخ فيه في كل مرة يحضر فيها:

يا أخي.. يا أخي.. قلت لك ألف مرة أن تحضر لي المستندات المطلوبة!

لقد أحضرتها لك.. أحضرتها وسلمتك إياها. يقول المواطن المسكين مغلوبا على أمره.

يعني أنا أضعتها؟ هذا ما تقصده، ناقص تقول لي كذاب ومهمل، وأنت فقط المجتهد والمواظب ها؟ يصرخ الموظف بالمواطن وهو محتل مقعده وقد ضاق بجسمه المنتفخ.

لا.. العفو.. العفو يا حضرة.. القصد..

لا قصد ولا غيره. قاطعه الموظف وأردف: تفضل إجلس مكاني وعلّمني الشغل!

العفو.. لم أقصد!

لم تقصد هه.. كان ينقصني أن تقصد.. تريد أن تتهمني أني أضعت أوراقك؟ تريد أن تطعن في عملي وخدمتي. وواصل الموظف شتيم المُحَيّا(1) تقريعه للمواطن:

هكذا أنتم أيها المواطنون لا تقدرون على الرئيس فتفرغوا أحقادكم علينا نحن الموظفين البسطاء..

ونظر المواطن إلى الطاولة أمام الموظف وقد شاهد عليها الأوراق مبعثرة، وقد أخذ كومة من الأوراق بين يديه يقلب بها باحثا عن مستند أو ورقة ما، وتساءل في سره: أما زال هناك موظفون يعملون بهذه الوسائل البدائية، ألا توجد لديه إضبارة لترتيب الأوراق، ألا يستعمل الحاسوب لتخزين المستندات والملفات؟ هل فعلا يريدني أن أجلس مكانه؟ وهل أصابني مس حتى أوافق على ذلك أو أصدقه؟

واستفاق على صوت الموظف حامض الوجه(2) وهو يأمره مزمجرا:

تفضل.. لم أعد أجد الوثيقة المطلوبة، لقد أثرت أعصابي.. اذهب الآن ولا تعد إليّ إلا وأنت تحمل كل الأوراق المطلوبة، لقد ضاعت الأوراق.. وضيّعت أفكاري واتزاني.. من سيعيد إلي هدوء أعصابي الآن؟ ها .. أخبرني..
ضاعت.. ضاعت. قال المواطن المغلوب على أمره وهو خارج من غرفة الموظف المنفوش، وتابع بصوت منخفض: لقد ضاعت أوطان من قبل نتيجة بطولات ملوك أمثالك، فليس غريبا أن تضيع بعض الأوراق في عهدك؟!

اشارات:

كريه الوجه

منقبض الوجه


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى