السبت ١٢ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٠
بقلم علي بدوان

اليرموك وشجرة الكينا

في صورة حارتنا بمخيم اليرموك، حارة الفدائية (شارع الشهيد على الخربوش) وإمتدادها (شارع الشهيد مفلح السالم)، وقرب بنايتنا المدمرة، كانت شجرة الكينا، التي تشبه زيتون فلسطين، وقد تقصفت أغصانها الضخمة، التي كانت تغطي مساحة واسعة من سماء الحارة، وتحمي بظلها الناس في فترات القيظ والحر الشديد، وتعطي المزيد من الأوكسجين للبشر عبر عملية التركيب الضوئي المعروفة في علم النبات.
شجرة الكينا، هي الشجرة التي زرعها عمي عبد الكريم رحمه الله قبل خمسين سنة تقريباً، بقيت منتصبة تأبى السقوط، وتقاوم كل عوامل الفناء، بما في ذلك مقاومتها لقذائف الهاون التي سقطت حولها، والحمم النارية التي دمرت حارة الفدائية حتى تخوم ساحة الريجي في مداخل مخيم اليرموك من جهة شارع اليرموك وشارع راما (شارع الناصرة).

شجرة الكينا، هي واحدة من عدة مئات من أشجار (الكينا) التي غرسها وزرعها وأهتم بها أهالي مخيم اليرموك وبلدية اليرموك على إمتداد الشوارع الرئيسية والفرعية، طوال السنوات الماضية من عمر مخيم اليرموك، ومن عمر التغريبة الفلسطينية.

في هذه الحارة، حارة الفدائية (شارعي علي الخربوش ومفلح السالم)، أول حارات مخيم اليرموك، ولدت، وبين جنباتها قضيت عمري، وتحت تلك الشجرة التي كانت تغطي الحارة سهرنا، زرعها عمي عبد الكريم الذي خرج من حيفا وعمره نحو خمسين عاماً، يتفيء بظلها، ويشرد على كرسيه تحت أوراقها المتدلية، في مراجعة سرد الذاكرة الفلسطينية لوطنٍ مازال هو الحلم النهائي والوطن النهائي لكل لاجىء فلسطيني، فبقي تحت ظلها يحلم بحيفا وشارع الناصرة ووادي النسناس وساحة الجرينة، وساحة الحليصة، وبسكة الحديد التي كان يعمل بها (فورمان). كما ظل يحلم بلم الشمل مع أشقائه وأبناء أعمامه في حيفا وعلى أرض طولكرم ونابلس وقضائهما في الضفة الغربية.

شجرة الكينا في حارتنا، تكاد تكون قد إمتلأت بالأوجاع والحروق، ولكنها بقيت حتى الآن منتصبة حتى استشهدت، وباتت وكأنها حطبة لا أكثر ولا أقل، فقد عانت هوج التقلبات في مربع اليرموك الأول الذي غدا منكوباً، ومدمراً على رؤوس أصحابه وأهله الطيبين الذين كانوا على الدوام مضرب المثل في القيم الوطنية.

لقد ظهرت شجرة الكينا إياها، الشجرة المضرجة بآلامها، الشجرة التي تقاربت مع الإستشهاد لتصبح الشجرة الشهيدة، في الصورة الضخمة التي تم عرضها في أكبر ساحات العالم قبل عدة أشهر، في العمل المشكور الذي قامت به وكالة الأونروا لإظهار أوضاع لاجئي فلسطين في سوريا وهم يعيشون في قلب المحنة الآليمة.

لقد آن الآوان، لإنهاء محنة مخيم اليرموك، ولعنة التغريبة الثانية التي كانت أشدُ وقعاً على لاجئي فلسطين من نكبة العام العام 1948.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى