الخميس ١٨ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

بقايا أمنيات

رحمة الحداد

(أصداء بعيدة)

لا شيء يغريني بالحياة
لا الوجوه ولا الزهور
لا السحاب ولا الرياح
لا الحب ولا المشاعر
يقول عقعق يقف على النيل..
وأنا لا شيء يستهويني
يقول حمام الفرات
لا بقايا أشتمّ منها رائحة أمي
ولا شظايا لأطفالي
لا جرائد تدوّن عذابنا
ولا خرائط ترسم وجودنا
أريد أن أبكي،
ويصمت..
يقول هدهد على ضفّة الأردن
أرى موتا قريبا مني
فأبتسم وأقترب منتظرا دوري
فيسبقني من تركتهم في وكري
إلى الجنّة
أنا لا شيء يحييني
لا الحياة عندنا ولا المياه
ولا السلام ولا الهواء
ولا الأمان ولا الآمال
أريد أن أموت..

(صوت الأرض)
يصرخ صقر من سيّدة الأرض
صداي يا عالم
صداي يصل
صوتي يصل وإن كان صدى
أنا، أنا كلّ شيء يحلو لي
فعلى هذه الأرض جنّة الأرض
حتى التراب والهواء والرياح والأشجار والأطفال والأطيار
تروق لي..
نحن هنا نموت
لكننا لا نموت
بل نعيش، هناك على وقع النجوم
بعيدا جدا عن الحروب
مركب صغير يدور ويدور في البحر الكبير
نذهب إليه سهاما لا نعود
على أرضنا من نحب
على أرضنا ربيع يأتينا من تراب
ونسمة تحمل فراشات الصباح
ولحن بين طيّات السحاب..
في أرضنا يا سادة
رائحة موت تؤنسنا
وبسمة اختفاء تلهمنا
فاخرسوا، نحن كل شيء نحب
فهنا نمل يسعى
وهناك قلب عاشق مجنون
وخلف ستائر الذكرى
أطفالنا وشموسنا وأقصانا
تريثوا يا رفقتي قليلا
نحن سنضحك أخيرا
سنرفع للنّصر راية
سننقش معنى البشش في أقاصي السّماء
لا شيء يعجزنا..

(طفل وصبية)
وككل يوم ينهض ذلك الطّفل الصغير
يحلم بصبيحة يوم نيروزيّ جميل
وككل يوم يخيب أمله فيحبس عبرات
تكاد بملوحتها أن تسفّ بقايا الأرض القتيل
تشرق شمس تنتمي لصباح ضبابيّ
وتلوح أشّعتها من بعيد
ومع اقترابها يتضاعف الألم
فيختنق الطفل الصغير
يرى منزلا ويرى أحلام مقاتل نبيل
تتلاشى وتصبح حديثا في مهبّ الأعاصير
ويرى وردة بين الصّخور شقت لها طريقا
فيمهي نفسه بالنّصر القريب
ويرى دمية فيذكر وعده القديم
يرى يدا أو بعض يد فيقترب
فيرى إسوارة من الزمن البعيد
يرى فتاة الحي والقلب تذهب
ويرى عجزه وقلّة حيلته فيدمع
يرى حبّا في الطفولة يختفي
وتحتل مكانه كوابيس العصر الحديث
يكبر الطفل متعلّقا بثآر كنعانية فانية
وقصيدا سموريّا الذي يتغنّى بالصباح
يتوعّد أنه لن ينحني أمام الفئران
ويكبر عقل الطفل مسافات وأجيالا
لا شيء يعجبه سوى هتافات الحريّة
وشعارات النصر وصواريخ الأمان
ومن قامته القصيرة يصرخ :
سآتيك يا عزيزتي سارة بالأمل
بقلب لم يعرف سوى الوقوع بالألم
ويكبر الفلسطيني الشريد
يصير صقرا للأرض البهيّة وبين مقلتيه
مشهد موج يلطم الصّخور
ورجل يرتّب الفوضى
وامرأة يئست من وعود العودة
وطفل مازال يبني قصور الأحلام
يشيد بآخر الآمال
مدينة من حلوى وسكر وزهور
فراشة، ونسمة، وغيوم...
والعديد العديد خلف السّطور..

(الطفل يصير صقرا)
يرى الصقر الصّواريخ الجويّة
فتتبادر بذهنه صور دمويّة
وأخبار الصباح تسرد أحداث القضيّة
بفؤاد شعب وأحلام جنديّة
تتلاطم أمواج شرقيّة
فتأتي صبيّة بهيأة فتاة حوريّة
تسأل عن الصقر
أين هو من تلك الأحداث الضبابيّة
تنتظر أن تؤدي التحيّة
بما تبقى من أحلام الرعية
تجمع ما استطاعت من آخر الكتابات القلميّة
تذكر الأم والأب وبقايا الماضي
وترميها في بئر الحريّة
ترصف أشلاءها على سفينة خشبيّة
يأتي الصقر بهيّا
تلوّح له بكل ما في القلب من جهد
ثم تدفن الأمل في أكواز السوداويّة
يراها الصقر فيقول: آه يا أبيّة
أين كنت فقلبي صار مقبرة للهويّة
يا غجريّة
يا أم كل منسي ومنسيّة
لم تسمع الحورية فقد أبحرت في سراب الغيبيّة
وبقي التراب يروي ما يروي من آمال بنيّة
تشدو الصخور بشعريّات حبريّة
وعصفوران تحت ركام الظلام
يريان أوهاما زمرديّة
وامرأة كسرت أوانيها الخزفيّة
انهض يا قمر "للحلم بقيّة"
جبهتك بيضاء جليّة
وجباههم سوداء خفيّة
أنتم رواد العربيّة
أنت صقر الأرض
مهما قتّلت ففجر النصر أصبح مرئيّا
عادت سارة الحوريّة
لتشهد ليلة العرس الحقيقيّة
بأحلام وآمال ثريّة
صرخت: من هم رجال البلديّة
أنتم لهم بل أنتم الأبديّة
التقى الحابل بالنابل
ورأى الصقر حوريّة
عروس هي في تلك الليلة الحميّة
وصرخا ها نحن نربح يا قدس
هاك البشرى وهاك الهديّة..
(أمواج الصّمت وسجن الحريّة)
وأنا..
أنا هنا وحدي ضائعة
ضائعة في ملكوت وحدي
أسأل من أنا
وهل كتابتي تنجيني من وطأة الخذلان
لا شيء يعجبني سوى فلسطين
هناك،
شراع صغير يغرق ويغرق في طوفان كبير..
نقطة بياض تأكل ما تأكل من بحور السواد..
تراب لا يعرف سوى روي الأمنيات..
قلب جميل في كوكب غريب..
وطفل صغير مازال يلعب بالأحجيات..
رضيع لطيف يلهو مع ملاك بعيد..
ورجل مازال يحصد مقتطفات الأغنيات،
ويبثها في صدر فلسطينيّ جديد..
وأم ثكلى تدفن القتلى
وتقول أنا كيوم أسود آت..
قتلتم لي أملا في الحياة،
سآتيكم بألف أمل لا يعرف لليأس مكانا..
وعصافير لا تعرف للحبّ حواجز..
فيأتي وحش غريب
يرفس ويركل قصور الأحلام،
وهل يموت الحلم!
ويوم جميل تشرق شمس تبتسم
وقمر يضحك ملئ شدقيه..
معلنين بداية عصر جديد...

رحمة الحداد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى