الخميس ١٠ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم صباح الشرقي

تجار الوهم والتجارة الخادعة

يشهد العالم مؤخرا ما يجوز أن نطلق عليه بثورة عالم جراحة التجميل، لاسيما بعد دخول تقنيات الكمبيوتر الحديثة لاختيار أنماط الجمال على أشكاله وألوانه، إذ أصبح للشخص أى كان إمكانية اختيار الشكل المناسب لمظهره مسبقا عبر الصور النموذجية التي تقدم له، كذلك إدخال تقنية مشارط الليزر وإنتاج إبر وخيوط رقيقة جداً لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة.

لقد انتعشت واتسعت رقعة مشروع الوهم التجاري مثله مثل جل المشروعات المشابهة التي تعتمد أساسا على بيع الوهم والتضليل، لأنها ببساطة لا تقوم على إحداث تغيير جوهري على البنية الفيزيولوجية للكائنات الحية، بل نستطيع القول أنها مجرد تخدير للعقول وصراع الموضة المتلاحق الذي لم تسلم من تأثيره حتى الأجساد البشرية، بكل ما تحمله من معاني متميزة عن باقي الخلائق.

حيث نجد انتشارها بشدة كظاهرة مستوردة في وسطنا العربي، فتنوعت وتعددت وتطورت لاحقا إلى مراحل خطيرة حيث طرأ عليها تغير ملفت بشكل ملحوظ، فتحولت إلى مراكز للتضليل والنصب على المواطنين تحت شعار تحسين المظهر وتجديد الشباب، دون الانتباه بطبيعة الحال للأضرار والمضاعفات التي تنشأ عنها والتي سنتطرق لها لاحقا.

يهمنا في هذا المقام رأي الدين والشريعة حول الموضوع حيث نلخص ما أجمع علية الفقهاء بأن عمليات التجميل تنقسم إلى نوعان الأول: الجائز منها ويتمثل في إصلاح العيوب الخلقية مثل التشوهات الناجمة عن حوادث، أو حروق أو كسور مثل جبر العظام وإصلاح عيب حادث أو مرض أو قص إصبع زائد، وكذلك عيوب خلقية ولد عليها الإنسان كالتصاق الأجنة أو اليدين أو الأرجل، ... الخ ، فإذا كان العيب يشوه ملامح صاحبه أو جسده الذي يؤثر سلبا على نفسيته ويجعلها تصاب بأمراض خطيرة مثل الحزن الدائم (الكآبة) والتي بسببها قد يعاني من مشاكل متعددة تنعكس على مجريات حياته اليومية، وبالتالي على أسرته بمعنى أن الضرر واضح وبين ولا لبس فيه، فيجوز عندها أجراؤها من اجل سعادته وراحته النفسية.

أما إذا كانت تلك العملية مثل تجميل الأنف والعيون والشفاف وشد التجاعيد، ورفع الجبهة، شد البطن، تكبير أو تصغير الثديين، حقن الأرداف، شفط الدهون، شد الوجه، نفخ الشفتين أو الوجنتين، انكماش الجلد أو تجميل أي جزء من الجسم ... الخ، فكلها مرفوضة ومحرمة شرعا لأنها تغير في خلق الله وقد جاء في الآيات الكريمة:

قال الله تعالى في سورة النساء الآية 119(ولأضلنهم ولأمنينهم ولأمرنهم فليبتكن ءاذان الأنعام ولأمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا).

ولم يقتصر التحريم على الإنسان فحسب، لقد حرم كذلك التغيير في خلقه حتى بالنسبة للحيوان وهذا ما تأكده السورة الكريمة من قصد ( أذان الأنعام)

وعن رسول الله "ص" قوله ( لعن الله النامصة والمتنمصة والواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه سمع رسول الله "ص" يلعن المتنمصات والمتفلجات للحسن اللاتي يغيرن في خلق الله ) رواه البخاري ومسلم.

وعليه فتغيير خلق الله عن سابق قصد حرام، وهو عز وجل الخالق، خلق الإنسان في أحسن تقويم فلا أحسن من خلقه، فأي خطوة يخطوها الإنسان في علم الله وانه لن يصيبها إلا ما كتب الله عليها. فمثل تلك العمليات تحد من إرادته عز وجل، والمفروض في الإنسان أن يحمد الله على أي شكل خلق عليه لأننا مسيرون في خلقنا، بل يجب على الأطباء الشرفاء المؤمنون رفض مثل هذه العمليات ولكن طمع الدنيا أعمى القلوب، مع علمنا المسبق بأن تقدير الجمال والبحث عن الكماليات، غريزة فطر عليها الإنسان مند أن خلق، تغنى به، وقال فيه شعرا ونثرا بل أصبح علما أطنب فيه الباحثون والعلماء، لكن الحالة العصبية لكثير من الناس أصيبت هذه الأيام بنوع من الانهيار لأبسط واهون الأسباب، دون النظر إلى العواقب الوخيمة أو الآثار السلبية والأضرار التي تحدث جراء تلك العمليات بل إن إقبال الناس المتزايد عليها شجع في تضاعف نسبة وأعداد المصحات أو المراكز التخصصية التي تفصل وتشكل في خلق الله دون رقيب أو حسيب ولمزيد من الفهم لأخطار مثل تلك العمليات نلخصها كالآتي:

 عملية حقن الدهون: تستمر فعاليته لمدة سنة أو سنتين ويختفي تاركا وراءه تجاعيد جد بشعة.

 خطر التخدير الذي يؤدي غالبا إلى الهلاك أو الموت ألسريري (الغيبوبة ).

 شفط الدهون: وما يسببه من مضاعفات قد تؤدي إلى نزيف واضطرا بات في الدورة الدموية والاحتياج غالبا إلى نقل دم.
 الآثار السلبية على نفسية الشخص عند عدم الحصول على النتائج المطلوبة وما تتركه من تداعيات سلبية على مجمل حياته، إذ ليس هناك عملية يمكن ضمان نتائجها 100/100.

 نفخ الصدر بمادة السيليكون الذي بات ممنوعا لأنه قد ينفجر منتقلا إلى الرئة أو الكلى، كذلك يمنع على صاحبته ركوب الطائرة أو التعرض لنوع خاص من الذبذبات، فعملية تكبير الثدي يمكن أن تحدث صلابة فيه بنسبة 10% الأمر الذي ينتج عنه تكاثر الأنسجة الخلوية حول مادة السيليكون وتلفها، مشكلة بالتالي ندبة صلبه تمنع حركة الثديين، كذلك يمكن أن يحدث نزيفاً داخل الثدي بسبب تمزق بعض الشرايين الدموية نتيجة المادة الصناعية المستخدمة، وفي هذه الحالة قد تحتاج المرأة إلى إعادة عملية ربط الشرايين النازفة وتفريغ الثدي من الدم النازف، وقد تصبح هناك حساسية في حلمة الثدي مما تعيق عمليات الرضاعة الطبيعية للمواليد، كما قد تمزق المحفظة السيليكونية داخله محدثة الالتصاق النسيجي والالتهابات.

 تزايد نسبة الفشل لعمليات التجميل فوفقاً لمسح أجري في لوس أنجلس فإن واحدة من كل عشر عمليات تحسين للوجنتين وواحدة من كل 15 عملية تعديل ذقن تم عكسها بإزالة المادة المزروعة وإعادة أصحابها إلى شكلهم ما قبل العملية.

 حدوث التهابات بعد إجراء عمليات تجميل الأنف، أو نزف شديد خلال الأيام العشرة الأولى، وقد يصاب المريض بضيق في التنفس وصعوبة في استنشاق الهواء من الأنف بعد العملية.

 حدوث نزف من الشرايين المروضة بعد عمليات شد الوجهة، الأمر الذي يستدعي إجراء تصريف خارجي للدم، كما قد يتأثر العصب ألوجهي، وهذا يؤدي إلى شلل في عضلات الوجه، وحدوث الخدر وعدم الحس، ومن أخطارها في بعض الأحيان موت الخلايا الجلدية نتيجة تأذي الشرايين الدموية أو سحب الجلد بشكل عنيف، وإذا ما شفيت فقد تخلف ندبة جلدية مكان المنطقة الميتة.

إلا أن هذه الظاهرة لا تقتصر على النساء فحسب بل اخترقت عالم الرجال كذلك، إذ أصبحت تشكل نسبة 20 في المائه من الرجال الذين يتوافدون على المصحات ويقبلون على تلك العمليات الجراحية وذلك ما أكده الدكتور صلاح الدين السلاوي أخصائي تجميل في تصريح له لصحيفة الصحراء المغربية.

أكد أن عدد كبير من الرجال يحرصون على إجراء عملياتهم التجميلية في سرية تامة و لا يخبرون حتى المقربين منهم، وتعد عمليات شفط الدهون من البطن، وزراعة الشعر، وتجميل الأنف، وشد الوجه، وتجديد البشرة، وإزالة التجاعيد الخاصة بالعيون وأماكن أخرى، كذلك عمليات تجميل على مناطق حميمية من الجسد مثلا المؤخرة، بشفط الشحوم المترهلة أو الزيادة في حجمها أو تحسين هيكلتها، والمثير هو عملية تقويم الثدي للرجل التي اعتبرها الدكتور غريبة وخاصة جدا، إذ لا تتعدى كلفتها 700 أو 800 دولار من أهم أنواع عمليات التجميل التي يقبل عليها الرجال.

أما رأي الدكتور عماد الدين الخالي استشاري الجراحة التجميلية في إحدى المصحات الخاصة بمدينة الرياض فأكد على وجود نوعين من عمليات التجميل يقبل عليها الرجل كثيرا وهى الخاصة بالبشر الذكرى للرجال.

إن المهرولين لهذا النوع من عمليات التجميل طمعا في كسب إضافات جمالية على أجسادهم، إنما هم في الغالب يصنفون بالمرضى النفسيين، لهذا يتوجب علاجهم أولا من تلك الأوهام والوساوس بغرس الإيمان في قلوبهم، وبلوغ الرضا من الله تعالى فيما قسمه من خلق الجمال والصورة، فالمظاهر ليست هي الوسيلة لبلوغ الأهداف والغايات النبيلة، وإنما يدرك ذلك بتوفيق وطاعة الله تعالى ثم بالتزام شرعه والتقيد بالآداب ومكارم الأخلاق، وعلى الأطباء إسدال النصح لكل من يطلب ذلك من هؤلاء المرضى بتوعيتهم وإرشادهم من باب حرمته شرعا، وربما لو جاءت النصيحة على لسانهم لكانت أوقع وأفضل في نفوس الناس وهكذا يكونوا قد أدوا قسم المهنة على أصوله قولا وعملا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى