
تم حصارنا بشكل محبوك جدا
فلسطين وبالرغم مما تعانيه من مشاكل وعدم استقرار في كل النواحي وما يقوم به العدو الصهيوني من ذل وهوان بحق شعبها المغلوب على أمره، إلا أنها وفوق كل هذا أنجبت لنا الأفذاذ في العديد من المجالات في مجال الشعر والأدب، فكان من بينهم محمود درويش وغسان كنفاني وإميل حبيبي وغيرهم ممن لا تتسع هذه المساحة لذكرهم.
وسط ذلك بزغ نجم في سماء الشعر والأدب كان لزاماً علينا أن نلتقي به ونحاوره إنه الشاعر فراس حج محمد، التقينا به فحدثنا عن نفسه قليلا وعن ديوانه الجديد أميرة الوجد الذي تم توقيعه في الأيام الفائتة، وغير ذلك من المحاور التي تحدث عنها باستفاضة.
لا أريد أن أطيل عليكم، فإلي مضابط الحوار:
– نبدأ بالسيره الذاتية
– من مواليد عام 1973، في إحدى القرى التابعة لمدينة نابلس، درست في مدارس قريتي (تلفيت) حتى أنهيت الثانوية العامة في الفرع الأدبي، ثم التحقت بجامعة النجاح الوطنية، وتخرجت عام 1999 بدرجة الماجستير في الأدب الفلسطيني الحديث، وتحديدا في الشعر المقاوم.
التحقت بالعمل عام 1995 معلما في المدارس الثانوية في عدة مدارس من مدارس المدينة، ثم أصبحت مشرفا تربويا عام 2008، وما زلت على رأس عملي حتى اللحظة.
ـ أميرة الوجد هو ما دعانا للحديث معك، حدثنا عنه بالتفصيل.
– هو كتابي الرابع من حيث الإصدار، ولكنه قديم في نصوصه وتجربته، ويعود إلى عام 2011. الكتاب يضم بين دفتيه تجربة مكتملة عاطفيا، وثقت فيها كل تلك الطقوس الوجدانية التي كانت بيننا في حالتي الرضا والغضب، وهو من أحب كتبي إليّ، إذ فيه كتبت تفاصيل العشق بلغتي أنا وصوري الفطرية، أحببت أن يحمل التجربة كما هي بعيدا عن مقولات النقد الجافة والجاهزة، التي تفقد الشاعر تلقائيته وجميل إحساساته
– وماذا عن إصدارتك الأخرى؟
– أصدرت قبل ديوان أميرة الوجد، ثلاثة كتب، طبع منها اثنان في مصر، وصدرا عام 2013 عن دار غراب للطباعة والنشر والتوزيع، وكتاب ثالث بعنوان أناشيد وقصائد، يضم (10) قصائد وأناشيد مدعومة بالصور، للفتيان والفتيات، وصدر عام 2013 في رام الله عن جمعية الزيزفونة لتنمية ثقافة الطفل.
– في ظل ما تعانيه بلادكم ما هي المشاكل التي تواجهكم؟
– الحقيقة كما عبرت عنها وكما أفهمها وكتبتها في كثير من المقالات الصحفية، الوضع في فلسطين مترد جدا على الصعد كافة السياسية والاقتصادية والثقافية، وأحيانا الاجتماعية، وذلك لعدة أسباب ليس الاحتلال أولها وأهمها، نعم ليس الاحتلال أهمها، بل ما تعانيه السياسة الفلسطينية الداخلية وما ينتهجه الساسة في فلسطين وما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية جعلنا شعبا نعيش اللحظة ولا نفكر في المستقبل، شعبا فقيرا معدما، يعاني معظمه من الديون والرهانات البنكية، والثقافة لا تنتعش في ظل شعب مقهور داخليا وخارجيا، ويلهث أفراده وراء لقمة الخبز الحاف!
الوضع كما أراه كارثي!!
– وما هو دوركم تجاه القضيه الفلسطينية وما يصاحبها من تعقيدات؟
– سؤال لن تجدي له إجابة حقيقية بعد أن تم ما تم من محاصرة الشعب واستلابه وسلبه كل طاقاته المعنوية، لا أحد بعد أن دخلنا النفق المظلم يرى إلى أين يذهب، الكل يحس بالعجز، تم حصارنا بشكل محبوك جدا، فلا السياسيون بمستطاعهم أن يفعلوا شيئا، ولا الأحزاب بمقدورها أن تخرج عن خط السياسة الذي رسمته السلطة، والفعل الجماهري لا بد له من محرك وضاغط، والكل لا يثق بالقيادات السياسية والحزبية، بعد ما يتم من محاصصة وصراع على الكراسي والوزارات الزائفة، وتقاسم ما بقي من ظل الوطن، أنا غير متفائل والمصيبة أكبر مما قلت أيضا. أنا لا أريد أن أخدع القارئ الكل يجب أن يرى العلة حتى نستطيع التفكير، نحن إلى الآن لم نستطع التفكير، ولا يجوز أن نعمل ارتجاليا دون تفكير.
– ما تقومون به من حراك ثقافي هو جهد ذاتي. ألم يكن هناك من يقف إلى جانبكم؟
– يشيع وهم بين الناس أنه لا بد من جهة رسمية لدعم الثقافة، وأقرر هنا أن الإبداع هو قرار ذاتي شخصي، ما نحن بحاجة إليه كمثقفين وكتاب هو أن نثق بقدراتنا الأدبية، وأما الدعم من المؤسسات والحكومة المتمثل بوزارة الثقافة يجب ألا يكون هو الحكم على الإبداع، أو ينظر إليه الكاتب، ويتخذه حجة لعدم كتابته ونشره إبداعاته وكتبه، ولو استعرضنا سويا الحالة الثقافية منذ أصبحنا أمة مؤلفات لرأينا أن الإبداع قرار شخصي، فهل كانت الدولة تدعم الجاحظ وابن سينا والفاربي وغيرهم؟ حتى الشعراء، ومن كانت تدفع لهم من أعطيات كانوا قلة قليلة بجانب ما وجد في الأمة من مبدعين وما خلفوه للأمة من تراث عظيم متنوع، وهذه هي حال الثقافة العربية في كل زمان.
– بجانب كتابة الشعر هل لديك اهتمامات ثقافيه أخرى؟
– الكتابان الأوليان "رسائل إلى شهرزاد" و"من طقوس القهوة المرة"، هما كتابان نثريان وقد غلب المنحى القصصي على كتاب "من طقوس القهوة المرة"، عدا أنني أكتب المقالة السياسية والفكرية والنقدية والاجتماعية، وكتابة التقارير الإخبارية، والتحقيق الصحفي والتدقيق اللغوي لبعض المجلات المحلية، ولي بعض المساهمات في كتابة الأغنية باللهجة العامية الفلسطينية، والقصة القصيرة جدا، على الرغم من أنني لا أومن كثيرا بحدود فاصلة كثيرا بين الأجناس الأدبية، فعندما تأتي الفكرة ستخرج وهي سترتدي لباسها التي تتأنق فيه لتزهو بعين قارئها وتجعل كاتبها مزهوا فخورا بها.
– هل راودتك فكره الخروج من الوطن مثل الكثيرين الذين يهجرون أوطانهم هروبا مما تعانيه؟
– قد يكون بحكم أسباب شخصية جدا، لا أحب السفر والابتعاد عن مثواي اليومي، فأنا بطبيعتي لا أتأقلم مع المكان الجديد بسهولة، فأرى أن استقراري في بيتي وليس في وطن (لأنه لا وطن للمرء في ظل أوضاعنا) هو أسلم طريقة وأكثر أمنا على كل شيء، ليس لدي أحلام كبرى لأسافر من أجلها، حلمي الوحيد أن يظل القلم بين يدي وأستطيع القراءة والكتابة، وما دمت قادرا على شراء ما أريده من كتب فأنا لا أفكر بشيء بعدها.
– إذا قدر لك الخروج من بلدك إلى أين ستكون وجهتك؟
– إذا انعدم الهدف فكل سبيل هو الضياع، لا يهم إلى أين سأذهب ولكنني أفضل أن أموت على أن أجد نفسي مرميّا على قارعة شارعٍ تلفظني المارة فيه، لا أفكر ببلد ما لأنه لا رغبة لدي بمفارقة محيط البيت الذي يألفني وآلفه!!
– هل لديك موضوع معين تريد الحديث عنه؟
– لعلّ أكثر موضوع يؤرقني هو الوضع العام عالميا المتمثل بسيطرة الوحوش الرأسمالية سياسيا واقتصاديا جعلت الناس عبارة عن كائنات هلامية لا تقوى إلا على الفعل الغرائزي المفضي لتحقيق مآرب هؤلاء. إن البشرية اليوم تعيش أسوأ فتراتها التاريخية، فهي تغرق في عصور ظلام أشد حلكة من ظلامية العصور الوسطى، والبعض يفتش عن حلّ، ويبدو أن لا حل في الأفق، فالتخبط الفكري واضح على ما يكتبه المفكرون في العالم، وأضحوا لا يعرفون كيف السبيل للخروج من عنق الزجاجة.
– ماذا تقول لهؤلاء... الساسة والمثقفين.. والرأسمالية، الفلسطينيين.. والمجتمع الدولي، والعربي على وجهة الخصوص؟
– على الرغم مما تجدين في كلامي من تشاؤمية وسلبية إلا أنني أثق بحركة التاريخ، ولا بد من أن يتغير العالم، وكل هؤلاء سيصبحون في مزبلة التاريخ.
المثقفون عليهم دور كبير، وأهم ما يجب هو تبصير الناس بالواقع، وليس مدحه وتبجيله، بل تضخيم ما فيه من هنات وعيوب، لتزيين الثورة عليه بوعي كامل للوصول إلى مجتمع متراحم واقتصاد عادل وسياسة أكثر حكمة ورأفة، ولا بد من أن يأتي ذلك اليوم، ولكن علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي يجب أن نضاعف من نضالاتنا الإنسانية من أجل المساهمة في التغيير وإحداث الفرق للوصول إلى النهضة الفكرية والمادية الحقيقيتين.
– كلمات ورسائل لمن تحبّ أن توجهها؟
– أقول لكل من يقرأ هذا الحوار، لا بد من معرفة الداء قبل العلاج، فعلينا ألا نستهين بقدرتنا مهما تكالبت القوى الشريرة علينا، فليس لدينا ما نخسره سوى هذه الحياة، فلتذهب غير مأسوف عليها:
فإما حياة تسرّ الصديق *** وإما ممات يغيظ العدا
– وفي الختام ماذا تقول.. كما أرجو أن تخصنا ببعض ما دونته بأميرة الوجد؟
– أشكر لك مبادرتك لهذا الحوار، مع أنك فتحت الألم على مصرعيه، ولكن لا بأس، ما دمنا جميعا نسعى إلى غد أفضل.
ومن ديوان أميرة الوجد أهديكم هذه قصيدة
"وعشقي لم يكن نزوة"لماذا هذه الجفوةْلماذا تحدث النبوةْ؟فهمي صار مثل الريــح، محمولا على الكبوةْفهات الحرف مبتهجايرتل شعرُنا زهوهْفإن كان الهوى يبغىفهذا ديدن القوةْ!فعودي واسمعي قوليلتطرب روحك الحلوةْأنا ما خنت عاشقتيأحب متانة العروةْفهل ما كان من شعرهفا في عرقك نسوهْوهل ترضين لو أخطوعلى حد النوى خطوةْوهل ترضين أن ألقىبذات اليأس في الذروةْوهل ترضين يا وعدابأن أجزى الرضا قسوةْأما من بعض تحنانفأين النخوةُ النخوةْ؟فقلبي عاد مسكوناتعذب فكرُه السطوةْفقد شرنقت من ولهيتفتحُ في دمي كوّةْوقد ألقتنيَ الشطآن في درب الخطى حصوةْفهل تبغين أن تُغوي؟!فهذي نشوة الصحوةْوعاد العمر خطواتتقهقر في لظى شبوةْوعدت أسائل الماضيكأني جاهل نحوهْففتكك قد بدا صلباكأنك في الربا لبوةْأطاحت تهدم البنيان يبني وهمها بهوهْفظني أنك الأقوىوأنك معدن المروةْوأنك من رياح الحــب قد رفت بك الغنوةْفتلك النشوة العجلىتفوح بعطرها النشوةْفكم من يومنا صمناوأفطرنا على الخلوةْوكم من ليلنا قمنافصلينا على سهوةْوكم من عيد فرحتناوأترعنا الغنا دلوهفكنت العيد في عيدٍوكنت كروعة الجلوةْفإن رثت حبال الوصل ننسجها على القهوةْفنشرب نخب صفوتناونسبح في ربى الشهوةأنا أفديك يا ليلىأعيدى للهوى صفوهْهواك اليوم رَبانيوعشقي لم يكن نزوةْفحبي مثل معتقديترسّخ في الجوى قوّةْ!!
ـ وبعد هذه الكلمات التي عطر لنا بها الشاعر فراس حج محمد اللقاء، لم يبق لنا إلا أن نزجي له جزيل الشكر بأن أتاح لنا فرصة اللقاء به وتخصيص جزء من وقته لنا.