مطالَبٌ بواجبي تجاه القضيّةِ الفلسطينيّة
أهلًا بِضيفِنا: فقرة حوارات أسبوعيَّة لمجلَّة ديوان العرب العريقة.
محمّد زلّوم: «مطالَبٌ بواجبي تجاه القضيّةِ الفلسطينيّة»
مختصر السّيرة الذّاتيّة للضّيف:
– محمّد حمّودة زلّوم مقيم في مدينة الزّرقاء الأردنيّة.
– بكالوريوس في إدارة أعمالخرّيج 1997 من جامعة العلوم التّطبيقيّة
– من مؤلّفاته، ثلاث روايات:
الرّيح العقيم
أنفاس الخزامى
رجالٌ صدقوا
– عضو لجنة تحكيم مسابقة شاعر الرّيشة.
– شاركَ في العديد من النّدوات والأمسيات الأدبيّة.
– حبّذا لو تحدّثنا عن مدينة الزّرقاء، وإغنائها مخزونك الفكريّ، وإبداعاتك الأدبيّة بإيجاز.
الزرقاء، مدينة تمتد جذورها في عمق التاريخ،هي موطن الجند والعسكر،كما هي موطني ومهد طفولتي.
تربيت فيها وعشت طفولتي في حاراتها وأزقتها، حيث تعلمت أولى حروف الحياة، ونضجت مع طيبة أهلها وتنوع وتعدد سُكانها من جميع محافظات الأردن، مما جعلها فسيفساء الأردن.
للزرقاء وجهٌ آخر يروي حكايا المجد والتاريخ، حيث يقف قصر شبيب شامخاً شاهداً على زمنٍ مضى وقصر عمرة الأموي .
فيها سكة الحديد الحجازية، وتزهو بمخيم اللاجئين والقرى المحيطة بها، بما يحمل من تضامنٍ وجيرة طيبة.
الزرقاء معروفة بسيلها والبساتين المحيطة به، وذكرياته الجميلة، لكن الآن يئن سيلها بفعل التجاوزات، إذ جفّ، وتلاشت مياهه بسبب عبث المصانع وانحسار المنابع، وكأنها تعكس ما تجود به الأنفس الإنسانية من طموحاتٍ وجراحات.
-محمّد زلّوم، والدك الكاتب والشّاعر حمّودة زلّوم، هل نستطيع القول بأنّ الكاتب الّذي يكون أحد أفراد أسرته كاتبًا، هو كاتب محظوظ، ولماذا؟
في الزرقاء، بين أحيائها التي شهدت خطوي الأول وأحلامي الناشئة، بدأت رحلتي الأدبية، حيث وجدت ملاذًا خصبًا لإثراء مخزوني الفكري.
الزرقاء لم تكن لي مدينة فقط، بل كانت نافذةً تُطل بي على التاريخ، تُنير ذاكرتي بقصور بني أمية وسكة الحديد الحجازية، وتُشعرني بأهمية الحفاظ على التراث والماضي.
وُلدت في بيت أدبيّ وعشت تحت كنف والدي، الشاعر والكاتب والناقد حمودة زلوم أطال الله بعمره، والذي أخذ بيدي إلى عوالم الكتب، حيث كنت أستمد منها زادًا لا ينضب.
كان يشجعني دوماً على القراءة، يختار لي كتبًا أدبية وتاريخية تنمّي فكري وتُثري أسلوبي ويوجهني.
بدأت بالكتابة في دفاتر صغيرة أحتفظ بها، أسجّل فيها أفكاري وانطباعاتي، حتى صارت هذه الدفاتر رفيقة رحلتي، وتحوّلت الكتابة من شغف إلى صوتٍ يعبر عمّا بداخلي.
نعم، يمكن القول بأنّ الكاتب الذي يُولد في كنف أسرةٍ أدبية هو كاتب محظوظ، فكأنّ الجينات الأدبية المتوارثة تنبض في عروقه كما ينبض القلب بالدم.
وإذ كان أحد أفراد أسرته كاتبًا أو شاعرًا، فإنّ هذه الموهبة لا تكون وليدة الصدفة، بل تنمو وتترعرع على أرض خصبة، تغذيها المعرفة وترويها الحكمة.
- لديك رواية بعنوان (الريح العقيم) هي أولى رواياتك، وهي رواية اجتماعيّة تتحدّث عن الطّموح، وفيها حديث عن أثر البورصة العالميّة على المجتمع، ولاسيّما في الأردن، لمَ اخترتَ أن تكون البداية مع رواية اجتماعيّة، ومن ثمّ بتَّ تتّجه نحو روايات أدب المقاومة؟
كتبتُ الريح العقيم، روايتي الأولى، كأنها صرخةٌ في وجه واقعٍ مريرٍ مرّرت به في الحياة.
كنت أعمل في إدارة المستودعات في إحدى الشركات الكبرى، إلى أن جاءت رياح البورصة العالمية وأطاحت بأحلامنا، فأغلقت الشركة أبوابها، تاركةً وراءها ألمًا يعصر قلبي على فقدان وظيفتي التي أحببتها وكنت أرى فيها مسيرتي المهنية.
وجدت نفسي في فترة الحجر الصحي الكورونا اللعينة محظورًا في مكتبة والدي، حيث انصرفت إلى القراءة والكتابة، غارقًا بين الكتب وأوراق الكتابة. وهكذا، ولدت روايتي، التي تتناول تأثير البورصة العالمية على المجتمع الأردني، لتمثل نداءً أدبيًا عن الطموح والتحديات التي قد تعصف بنا.
أما التوجه نحو أدب المقاومة، فقد جاء بعد أن وجدت نفسي في هذا الأدب، حيث غصتُ في أعماقه وقرأت تفاصيله، وأحببته لكونه يحمل رسالة سامية ومسؤولية كبيرة.
كتبت فيها أنني آمنتُ بأن لكل كاتب رسالة يجب أن يوصلها، ورأيت أنني مُطالبٌ بواجبي تجاه القضية الفلسطينية، فتوجّهت ببوصلة قلمي نحوها، لأعبر عن آلامها وآمالها، وأساهم، ولو ببضع كلمات في إبقاء جذوة الحق مشتعلة.
- الرواية الثانية لك هي (أنفاس الخزامى)، وتعدّ من أدب المقاومة، تدور أحداثها بين الأردن وفلسطين، تنتهي باستشهاد البطل على تراب الخليل في فلسطين، ما هي الرّسالة الّتي أردتَ إيصالها من خلال روايتك، وحبّذا لو تحدّثنا عن سبب اختيار العنوان الجميل.
في روايتي الثانية أنفاس الخزامى، أردتُ أن أقدم رسالة حبٍ سامية؛ رسالة تنبض بعشق الأرض والوطن، وتُعظّم قيمة التضحية في سبيله، حتى إذا اقتضى الأمر بذل الروح والشهادة لتحريره من قيد الأعداء.
دارت الرواية بين الأردن وفلسطين، كجسرٍ يمتد بين قلبين، حيث استشهد البطل على تراب الخليل، ليُكمل الحكاية التي نذرت نفسي لكتابتها حكاية الفداء والتضحية التي لا تعترف بحدود، ولا ترضى إلا بالتحرير والانتصار.
أما العنوان، أنفاس الخزامى، فقد اخترته لما يحمله من رائحةٍ عطريةٍ عذبة، تبعث في الروح شعورًا بالهدوء والسلام. فالخزامى حين تبث عطرها، تُشبه أنفاس الشهداء التي تبقى خالدة في ذاكرة الوطن، وأنفاس حب الوطن التي لا تفنى. أنفاس الخزامى، هي أنفاس الشهداء، أنفاس العزّة التي تنتشر كالعطر، في كل شبرٍ من الأرض التي سقوها بدمائهم الطاهرة.
– تقول في رواية (رجالٌ صدقوا):
"وعلى ضفاف هذه الحارات القديمة.. تحاصرها كروم واسعة من العنب الأخضر...تحلّق الطيور وهي تنشد أعذب الألحان، وترفرف على شجر الزّيتون والمشمش والخوخ.."
ما أهميّة الوصف بالنّسبة للقارئ، وهل قرأت رواية ما،وكان الوصف مملًّا، فعزفتَ عن قراءتها؟
الوصف هو نبض الرواية، وهو ما يجعل القارئ يسافر بين السطور، ويرى بعينيه مشاهد لم تطأها قدماه. أن تكون روائيًا يعني أن تكون وصّافًا، تنسج بالكلمات صورًا حيّة تُشعل خيال القارئ، وتلامس وجدانه، فتربطه بعالمٍ قد يكون بعيدًا عنه.
صحيح أنّ هناك روايات قد يغرق فيها الوصف في الإطناب، فيطغى على الأحداث، ويشعر القارئ بالملل. لكن بالنسبة لي، أكمل القراءة لتلك الرواية ،لأنني أدرك أن وراء تلك التفاصيل رسالة خفيّة، قد تكون مختبئة بين الحروف، أو متوارية بين السطور، تحمل من المعاني ما يجعلني أتجاوز الملل وأواصل الرحلة، لأفهم عمق ما أ راده الكاتب من وراء تلك الصور والوصف.
– روايتُك (رجالٌ صدقوا)، تتحدّث فيها عن البطل عبد الحليم الجيلانيّ.
أليست مسؤوليّة كبيرة الكتابة عن شخصيّة مهمّة مثله؟
نعم، الكتابة عن شخصية كعبد الحليم الجيلاني هي مسؤولية كبيرة، بل هي عهد أتحمل به أمانة الحكاية، ووفاءً لهذا البطل الذي سطّر بتضحياته صفحات من الكرامة في ثورة فلسطين خلال فترة الانتداب البريطاني.
عبد الحليم الجيلاني بطل منسي هو ابن مدينتي الخليل، له معارك خاضها بشجاعة، وترك بصمة لا تُنسى، ومن حق الأجيال القادمة أن تعرف أبطالها وأمجادها.
حين أجريت مسحًا بين مختلف الفئات العمرية، سائلاً عن معرفتهم بعبد الحليم الجيلاني، أصابتني الدهشة لجهل الكثيرين به، فأيقنت أنني يجب أن أكتب عنه، ليس فقط لتبقى سيرته حاضرة في الذاكرة، بل جزء للوفاء والتكريم لهذا البطل الذي ضحى لأجل وطنه.
– برأيك لمَ لمْ يأخذ الجيلانيّ شهرة عبد القادر الحسينيّ، وما مصدر معلوماتك عنه، هل التقيتَ أحد أفراد أسرته مثلًا؟
أعتقد أنّ عبد القادر الحسيني نال الشهرة الواسعة لأنه كان رجل سياسة وحربٍ معًا، يجمع بين فنون السياسة ومهارة القتال، فكان صوته صدى لمعارك الوطن في جامعة الدول العربية، وصورته رمزٌ للمقاومة، مما جعل اسمه يتردد في ذاكرة الشعب أكثر من غيره، بينما بقي عبد الحليم الجيلاني، رغم بطولاته وتضحياته، بعيدًا عن الأضواء التي حظي بها الحسيني لأنه رجل حرب ومقاومة.
أما عن مصدر معلوماتي حول البطل الجيلاني، فقد كانت المراجع والكتب التي تناولت سيرته، وقد زودني بها نجله السيد أنور عبد الحليم الجيلاني. لم تكن هذه الكتب وحدها كافية، فقد زادتني رواياته الشفهية عن والده ثراءً، حيث عشتُ تفاصيل تلك الحكايات وكأنها تُروى أمامي، واستشعرت عبر كلماته عمق تضحيات هذا البطل، لتتكون في مخيلتي صورة صادقة عن عبد الحليم الجيلاني، تستحق أن تكتب وتخلّد.
- ماذا قرأت للرّوائيّ السّوريّ حنّا مينا، ومَن مِنَ الكتّاب الأردنيّين تحبّ كتاباته؟
الروائي حنّا مينا، ابن الميناء والوصاف، أسرتني كتاباته بواقعيّتها وجمال سردها، وقد قرأت له المصابيح الزرق ونهاية رجل شجاع، حيث كان دقيق الوصف، يأخذ القارئ إلى عمق الحياة اليومية للناس البسطاء، بأسلوب يلامس النفس ويبعث في الروح حياةً جديدة.
أما عن الكتّاب الأردنيين، فأنا أحب أن أقرأ لوالدي، الكاتب والشاعر حمودة زلوم، فهو أول من علّمني عمق وحب الكلمة وقوتها.
كذلك، أجد متعةً في قراءة أعمال الروائي جلال برجس، والدكتور أيمن العتوم، والقاص أحمد أبو حليوة، والروائية الدكتورة سحر ملص، إذ يتميز كلٌ منهم بأسلوبه الخاص الذي يجذبني ويثري فكري. ومع ذلك، لا ألتزم باسمٍ واحد، بل أقرأ مَن يعجبني أسلوب سرده، فكل نصٍ جيّد يجد في قلبي مقامًا.
- إلى أيّ مدى تسهم التّكنولوجيا في ازدهار الحركة الأدبيّة؟
لقد أسهمت التكنولوجيا في إحداث نقلة نوعية في ازدهار الحركة الأدبية، حيث لم تعد الأعمال الأدبية حبيسة الورق أو حدود المكان. بفضل التكنولوجيا أصبح العالم قرية صغيرة، وانفتح الأفق للأدب ليصل إلى كل قارئ، مهما كانت المسافات بعيدة.
اليوم، يمكن نشر الأعمال الأدبية بكبسة زر، فتجد طريقها إلى القراء في شتى بقاع الأرض، تتنقل بحريةٍ بين الثقافات، وتخلق جسورًا من الفهم والتواصل. لم يعد المبدع مقيدًا بجغرافيا معينة؛ بل أصبحت كتاباته تتردد في فضاءات العالم، تلامس أرواحًا لم يكن ليصلها من قبل، ما يجعل من التكنولوجيا شريكةً في إبراز الإبداع الأدبي وإثرائه.
- ما هي رسالتك الأدبيّة عمومًا، ورسالتك للأدباء، ولأهلنا في فلسطين الحبيبة؟
رسالتي الأدبية هي أن تصل حروف كلماتي إلى العالم، لتكون همزة وصلٍ بين القلوب والعقول، وأن تساهم، ولو بقدرٍ بسيط، في نشر الأمن والسلام في منطقتنا التي تستحق العيش بسلام.
أما رسالتي للأدباء، فهي أن تتحد كلماتكم وتعلو نحو الأدب الرفيع الجميل، وأن تبثّوا الإيجابية في مجتمعاتكم، فالكتابة ليست حروف كلمات، بل هي أداة تغيير عميقة التأثير، وقادرة على زرع الأمل وتحفيز النهوض.
ولأهلنا في فلسطين الحبيبة، أقول:
أعانكم الله على هذا المحتل الغاشم.
أنتم الشعب الصابر الصامد، وحتماً سيأتي اليوم الذي يزول فيه الاحتلال، ويكون الخبر الرئيسي على الشاشات من ثلاث كلمات: تم تحرير فلسطين.