حوار مع الشاعر عمر حكمت الخولي
قلما نسمع عن شاعر استطاع أن يحقق شيئاً من الشهرة والنجاح والوجود الأدبي وهو لَم يتجاوز بعد الثامنة عشرة من عمره!
كذلك هو عمر حكمت الخولي، الشاعر الشاب من مدينة حمص السورية، الذي استطاع خلال ما يقرب العامين أن يحصد لنفسه نجاحاتٍ عديدة، وأن يكسب إعجاب الآلاف ممن واتتهم فرصة التعرف عليه وعلى نصوصه الدافئة حيناً، والمتقدة بنار الثورة حيناً آخر.
*مَن أنت؟
– مجرَّدُ طفلٍ قرَّرَ أنْ يقرأَ الفلسفةَ والأدبَ والتَّاريخَ عوضاً عنْ لعبِ الكرةِ في أزقَّةِ الشَّوارعِ، وأنْ يكتبَ الشِّعرَ بدلاً منْ رسمِ الأراجيحِ والشَّمسِ والعصافير.
ربَّما، أنا أبسطُ مِنْ أنْ أستطيعَ التَّعريفَ بنفسي كما يجب!
* كيف ظهرت موهبتك الشعرية؟ ومتى بالتحديد؟
– أصابَني جنونُ الكتابةِ أوَّلَ مرَّةٍ حينَ علمتُ بوفاةِ والدي عام 1996م، وكتبتُ حينَها ما أعتبرُهُ ديوانيَ الأوَّل.
واستمرَّ هذا الجنونُ رفيقاً لي خلالَ مراحلِ دراستي جميعِها، كتبتُ القصَّةَ القصيرةَ والقصيرةَ جدَّاً، وكتبتُ ما أطلقتُ عليهِ اسمَ الرِّوايةِ مذ كنتُ في الثَّامنةِ مِنْ عمري.
لمْ أقرأْ الشِّعرَ وقتَها إلاَّ منْ خلالِ الكُتُبِ المدرسيَّةِ، والطَّريفُ أنَّني لمْ أُعجَبْ بهِ يوماً! حتَّى قرأتُ الأعمالَ الكاملةَ للرَّاحلِ محمود درويش، فوقعتُ في عشقِ الشِّعرِ والشُّعراء.
بعدَها اتَّجهتُ نحوَ الخاطرةِ قرابةَ خمسِ سنواتٍ، تُوِّجتْ أخيراً بأوَّلِ قصيدةِ نثرٍ في عام 2005م، وهكذا حتَّى سبحتُ أوَّلَ مرَّةٍ في بحورِ الفراهيديِّ منذُ قرابةِ عامين.
* كيف تصقل تلك الموهبة؟
– قيلَ إنَّ الشِّعرَ يولدُ معَ المرءِ، ورغمَ ما ذكرتُهُ قبلَ قليلٍ عنْ عدمِ تقبُّلي للشِّعرِ في طفولتي، إلاَّ أنَّني لمستُهُ وكتبتُهُ منذُ نعومةِ أظفاري دونَ أن أدري.
وكما كانَ الفضلُ لقراءةِ أعمالِ محمود درويش في حبِّي للشِّعرِ، كانَ صقلُ هذا الحبِّ وترسيخُهُ بفضلِ قراءاتٍ واسعةٍ شعراً ونثراً، لمعظمِ أدباءِ وكتَّابِ العالَمِ المعاصرينَ والرَّاحلين.
* ما هي أول قصيدة ناضجة لكَ؟ انثرْ لنا جزءاً منها....
– لا أدري ما المقصودُ مِنَ النُّضجِ، فأنا أؤمنُ تماماً بقولِ طاغور: "من استطاعَ أنْ يبقى طفلاً، استطاعَ أنْ يصبحَ شاعراً". وما زلتُ أعتبرُ نفسي طفلاً يرسمُ الشِّعرَ محاولاً إرضاءَ والديهِ، وكسرَ قوانينِ المنزلِ المقيِّدةِ للحرِّيَّات!
كلُّ قصيدةٍ أكتبُها اليومَ هي قابلةٌ قانونيَّةٌ لِما بعدَها، وكلُّ بيتٍ أخطُّهُ هو خليَّةٌ في جسدِ الشِّعرِ الَّذي أحاولُ خلقَ ملامحَ ملائمةً لهُ. لذا لا أستطيعُ أنْ أصفَ قصيدةً ما بالنِّضجِ كما وصفتَ، وإلاَّ لأعلنتُ بذلكَ احتضارَ الحالةِ الشِّعريَّةِ عندي.
* ما هي آخر قصيدة لكَ تشرع في كتابتها؟ ما فكرتها أو عنوانها؟
– وُهِبْتُ نعمةً قدْ أُحْسَدُ عليها، فالكتابةُ عندي ليستْ حالةً أقرِّرُها، أو صفحةً أفتحُها وأعملُ على إنهائِها، بلْ هي كالشَّهيقِ والزَّفيرِ أمارسُها يوميَّاً دونَ شعورٍ منِّي ودونَ توقُّعٍ، فلا أكادُ أنتهي مِنْ كتابةِ قصيدةٍ حتَّى أجدُ نفسي أخطُّ أخرى، وأغرقُ في تجلِّياتِها.
لذا أحوِّلُ سؤالَكَ مِنَ القصيدةِ إلى المشروعِ الأدبيِّ، فأنا أعملُ الآنَ على طباعةِ مجموعتي الشِّعريَّةِ الأولى (عندما زرتُ القَدَر) والَّتي ستصدرُ عنْ دارِ (اكتبْ) للنَّشرِ في جمهوريَّةِ مصرَ العربيَّةِ، وستُنشرُ في شهرِ نيسان/إبريل المقبل، وتضمُّ عدداً مِنْ قصائدي الَّتي لمْ تُنشرْ إضافةً إلى أخرى نُشرتْ. وأعدُّ لمجموعةٍ أخرى لمْ تحملْ عنواناً بعد.
* ما هو حجم إنتاجكَ الشعري وإنتاجك الأدبي بصفة عامة من المنشور والمطبوع حتى الآن؟
– بلغَ ما كتبتُهُ مِنَ القصائدِ /600/ قصيدةٍ حتَّى السَّاعة، ما بينَ قصيدةِ النَّثرِ وقصيدةِ العمودِ والتَّفعيلة، نُشرَ منها ما يزيدُ عنْ ثلاثينَ قصيدةً في المجلاَّتِ الإلكترونيَّةِ والمجلاَّتِ والصُّحفِ المطبوعةِ النَّاطقةِ بالعربيَّة.
* ما المسابقات الشعرية التي خضتَها والجوائز التي حصلتَ عليها؟
– شاركتُ في العديدِ مِنَ الأنشطةِ الأدبيَّةِ، فأنا لا أحبِّذُ لفظةَ (مسابقة) على عملٍ أدبيٍّ قدْ يضمُّ نخبةَ شعراءِ وأدباءِ العالَمِ العربيِّ. منها في مدينةِ صافيتا وقدْ تمحورت النُّصوصُ حولَ الأمِّ، وحزتُ على المركزِ الأوَّلِ وكُرِّمتُ في صافيتا، وفي موقعِ (نبضِ سوريا) احتفاءً بدمشقَ عاصمةً للثَّقافةِ العربيَّةِ، حيثُ حزتُ المركزَ الثَّاني، وفي موقعِ (انتفاضةِ فلسطين) وكنتُ الثَّالثَ، وفي ملتقى الفينيق الأدبي حيثُ كنتُ الثَّالثَ أيضاً.
في بداياتي شاركتُ في برنامجِ (شاعر العرب) على قناةِ المستقلَّةِ، إلاَّ أنَّني لَمْ أُجَزْ حيثُ كنتُ تحتَ السِّنِّ القانونيَّةِ للاشتراكِ. وحالياً أنا مشاركٌ في عدَّةِ أنشطةٍ منها: جائزةُ تجمُّعِ شعراء بلا حدود، جائزةُ مركزِ النُّورِ للإبداعِ الأدبيِّ في السُّويد، وجائزةُ كاستلو دي دوينو العالميَّةُ للشِّعرِ في إيطاليا.
كما أحييتُ أمسيةً شعريَّةً ضمنَ فعالياتِ دمشقَ عاصمةِ الثَّقافةِ العربيَّةِ, وأحضِّرُ لأمسياتٍ أخرى.
* للأهل والمحيطين بالشاعر دور كبير في حياته، تُرى كيف كان دور عائلتكَ في حياتكَ الأدبية؟
– كانَ للقَدَرِ دورٌ رئيسٌ في انقلابي الشِّعريِّ هذا، فلقدْ وُلدتُ في عائلةٍ ترعى الأدبَ والفنونَ كما ترعى أبناءَها، وتمارسُهُ هوايةً وعشقاً.
في عائلتي رسَّامونَ وكتَّابٌ وموسيقيُّونَ ونحاَّتون، وجميعُهمْ يشتركونَ في ذلكَ العشقِ السَّرمديِّ للإبداعِ، لذا فقدْ كانَ مِنَ المحتِّمِ أنْ أجدَ نفسي محاطاً بالتَّشجيعِ في بداياتي، وبالنُّصحِ والتَّقديرِ في الوقتِ الرَّاهن.
* ما أثر بيئتك الحمصية بتاريخها العتيد في إبداعكَ الشعري؟ وهل تلازمكَ أينما كتبتَ؟ أم هي مجرد خلفية تستقي منها حينما أردتَ العبر والأحداث؟
– قيلَ إنَّ حمصَ هي مدينةُ الشِّعراءِ، تخرَّجَ مِنْ أزقَّتِها عشراتٌ منهمْ، مثلَ ديك الجنِّ، نسيب عريضة، ممدوح سكاف، عبد الباسط الصّوفي، وآخرونَ كثر. [1]
وكما كانتْ دمشقُ حاضرةً في شِعرِ نزار، وبغدادُ في يتيمةِ ابن زريق، وفلسطينُ في نصوصِ محمود درويش، فإنَّ حمصَ بمسجدِها التَّاريخيِّ (ضريح خالد بن الوليد)، وبتاريخِها المجيدِ مذْ كانَ اسمُها (إميسَّا)، وبأباطرتِها الَّذينَ حكموا العالَمَ بأسرِه (جوليا دومنا، كاراكالا، جوليا مامايا) [2] حاضرةٌ بلا أدنى شكٍّ في كلِّ حرفٍ أخطُّهُ، وفي كلِّ قصيدةٍ مهما كانَ فحواها.
وحمصُ كما استطاعتْ جعلَ إلهِها (إيلاكا بعل) [3] الإلهَ الأوحدَ والرَّسميَّ في العالَمِ القديمِ، فلقد استطاعتْ أنْ تجعلَ مِنْ نفسِها آلهةَ الشِّعرِ الغامضةَ، الَّتي قدَّسَها الشُّعراءُ كتابةً – ومنهمْ أنا – دونَما قصد.
* لكل شاعر مدرسة ينتمي إليها، ولكل شاعر نموذج يحتذي به، تُرى كيف تَرى مدرستكَ الشعرية؟ ومَنْ مِنَ الشعراء تحذو حذوهم؟ وكيف أثَّروا بكَ؟
– الشِّعرُ المعاصرُ هو نتاجُ عصورٍ عديدةٍ قدَّمَ مِنْ خلالِها شعراءُ الشَّرقِ والغربِ آلافَ النُّصوصِ الَّتي أصبحتْ مرجعاً ثقافيًّاً وروحيَّاً للأجيالِ اللاَّحقةِ، لمْ تقمْ مدرسةٌ للشِّعرِ في العصر ِالحديثِ إلاَّ مِنْ خلالِ توظيفِها وتطويرِها. لذا فإنَّ اتِّجاهيَ الشِّعريَّ يقومُ على ثقافاتٍ متباينةٍ، واتِّجاهاتٍ ومذاهبَ أدبيَّةٍ عدَّةٍ، وربَّما – دونَ أن أدري – أؤسِّسُ الآنَ مدرسةً أخرى قد يتبعُها شعراءُ الجيلِ القادمِ ويتأثَّرونَ بها، كما فعلتُ أنا، وكما حدثَ معَ مئاتِ المبدعينَ في العالَم.
لا أستطيعُ أنْ أحدَّ ثقافتي باسمٍ واثنينِ لشعراءِ وكُتَّابِ العالَمِ، وكما كتبتُ في مقدَّمةِ ديواني (عندما زرتُ القَدَر): "... لذلكَ وُلِدَتْ قصائدي دوماً مِنْ رحمِ التَّاريخِ، لتكونَ تراجيديا كوميديَّةً – أو بالعكسِ – تروي حكايةَ آدمَ، وشجرةِ العائلةِ المنتسبةِ إليهِ... ومُحاولةً إيجادَ مكانِها رغماً عنْ صراعِ الأجيالِ، وعنْ سلطةِ الأقلامِ الكبيرةِ، وعنْ شوفينيَّةِ التَّفكيرِ، ومُحاولةً إيجادَ بُعدٍ رابعٍ للشِّعرِ، ربَّما لنْ يكونَ يوماً، وربَّما يكون".
* هنالك مفاهيم يدركها البعض بكينونتها الواقعية، أما الشاعر فله آراء أخرى بها، ماذا تعني لكَ تلك الكلمات: الحب، المرأة، الوطن، العروبة؟
– الحبُّ عندي هو الحياةُ، وتكادُ لا تخلو قصيدةٌ لي مِنَ الحبِّ وتباريحِهِ، كما لمْ تخلُ آياتُ اللهِ منهُ، وكما تقتضي الإنسانيَّةُ الحقّ.
أمَّا المرأةُ، فلستُ مِنْ دعاةِ تحريرِها، ولستُ مِنْ دعاةِ مساواتِها بالرَّجلِ بالحقوقِ والواجباتِ، فأنا أراها كذلكَ مسبقاً، بل إنَّني مِنْ دعاةِ مساواةِ الرَّجلِ بالمرأة! المشكلةُ أنَّنا لم نزلْ نعتبرُ المرأةَ أنثى الإنسانِ، لكنَّ الواقعَ يقولُ إنَّ البشرَ نوعانِ: رجلٌ وامرأةٌ، وهما ليسا بجنسينِ؛ فلكلِّ منهما خصائصُهُ الَّتي تميِّزُهُ عنْ رفيقِهِ، ولا فضلَ لأحدِهِما على الآخرِ بشيء.
والوطنُ باختصارٍ، هو حيثُ نجدُ وسادةً نتَّكئُ عليها بلا خوف! لمْ يكن الوطنُ يوماً مجرَّدَ حدودٍ تُعرِّفُها لنا الخرائطُ، وليسَ مجموعةَ قوانينَ ودساتيرَ، أنا كما أرى الوطنَ بعيني المجرَّدةِ واقعاً، أراهُ في نفسي، وفي أسئلتِكَ، وفي عينيها!
تسألُني عن العروبةِ وكأنَّها كيانٌ يستمتعُ باستقلالِه! العروبةُ بمفهومي هي فكرةٌ لا قوميَّة، ومتى أصبحت العروبةُ قوميَّةً نتزمَّتُ لها، وتقوقعُنا بلغتِها وتاريخِها وأهدافِها، أصبحتْ كأيِّ الأفكارِ العنصريَّةِ، ولا فرقَ – حينها – بينَها وبينَ النَّازيَّةِ مثلاً. عروبتي الَّتي أعتزُّ بحملِ اسمِها، هيَ تلكَ الَّتي جعلتْ صلاحَ الدِّينِ يقفُ إلى جانبِها، وتلكَ الَّتي أجبرتْ الظَّاهرَ بيبرس على الدِّفاعِ عنها حتَّى الموتِ، وكلاهما لمْ ينتميا إلى العروبة.
* للأماكن في مفهوم الشاعر آمال ورؤى، تُرى ماذا تعني لكَ حمص، دمشق، القاهرة، مكَّة، القدس، بيروت، وكشمير؟
– المدنُ جميعُها متشابهةٌ ما لمْ تطغَ السِّياسةُ على ملامحِها، فحمصُ كدمشقَ وطني، وقدْ عشتُ فيها بضعةَ سنواتٍ في طفولتي، أنا وآخرونَ ندينُ لها بالكثير. وكلاهما كالقاهرةِ، وجلُّ ما أرجوهُ أن تبقى أمَّاً للدُّنيا كما كانتْ لعصور.
مكَّةُ والقدسُ وجهانِ لعملةٍ واحدةٍ، ليسَ باستطاعتي أنْ أرى إحداهما دونَ الأخرى، ولو سألتَني عن الفاتيكانِ وكربلاءَ ونيبورَ أيضاً، لضُمُّوا إليهما.
بيروت، كثيراً ما تحدَّثَ الشُّعراءُ عنها.. ربَّما ينبغي أنْ أزورَها!
وكشمير، هي قدسٌ أخرى، وبغدادُ أخرى، آنَ أنْ تعرفَ السَّلام.
* للأسماء والشخصيات التاريخية وقع لدى العامة يختلف رنينه عند الشعراء، تُرى ماذا يمثِّل هؤلاء عند عُمَر (عمر بن الخطاب، خالد بن الوليد، عمر المختار، شكسبير، جورج واشنطن، غيفارا، نهرو، جمال عبد الناصر، تيتو، روزفلت، هتلر، الخميني، أسامة بن لادن، بوش الأب وبوش الابن، غولدا مائير، صدَّام حسين، شمعون بيريز، محمد إقبال، أحمد شوقي، محمود درويش، صلاح جاهين، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، حسن نصر الله، محمَّد خاتمي، بشَّار الأسد، حسني مبارك، إسماعيل هنية)؟
– ربَّما – يا صديقي – لو سألتَ تلكَ الأسماءَ نفسَها عِنْ وقعِ بعضِها في نفوسِ بعضِها الآخرِ، لما أجابتْ بداعي الدّبلوماسيَّة!
وأكتفي بأنْ أقولَ إنَّ التَّاريخَ – كما قالَ أحدُهمْ – "هو جملةُ الأحداثِ الَّتي كانَ مِنَ الممكنِ تفاديها"، وبضعةُ أسماءٍ كانَ مِنَ الواجبِ تجاهلُها!
* للشعر سحر عبر التاريخ يفوق سحر القنبلة والدبابة، تُرى هل ما زال ذلك السحر موجوداً بين الجماهير ويؤثِّر فيها؟ أم أنَّ الشعر أصبح لغة الشعراء والمثقَّفين وحدهم؟
– لا أرى في الشِّعرِ سلاحاً، بلْ هو السَّلامُ المنشودُ حتَّى ولو حملَ الحربَ بينَ كلماتِهِ. لهذا فلستُ مِنَ الَّذينَ يطالبونَ بجعلِ الشِّعرِ عتاداً في المعركةِ، بلْ عنصراً فاعلاً في المجتمعِ، يحملُ همومَ الماضي والحاضرِ لنعملَ على جلائِها مِنْ واقعِنا، علَّ المستقبلَ المشرقَ يرى النُّور.
وأعلمُ علمَ اليقينِ، أنَّ شعوبَنا تقدِّرُ إبداعَ الشُّعراءِ، وتعملُ على تحقيقِ تلكَ الآمالِ الَّتي ينشدُها، وإلاَّ لما تحرَّكَ قلمٌ في يدِ شاعر.
* ما رأيك في المشهد العربي الآن بكل صراحة؟ وما دور سوريا بالأخص في أزمة غزَّة؟
– أنا والآخرونَ نعيشُ داخلَ المشهدِ العربيِّ، لا أدري كيفَ باستطاعتي تقييمَهُ بموضوعيَّةٍ الآن!
بخصوصِ مأساةِ غزَّة، فالشَّارعُ السُّوريُّ بمختلفِ شرائحِهِ يقفُ إلى جانبِها قولاً وفعلاً كأيِّ شارعٍ عربيٍّ آخرَ، لكنَّنا حتَّى الآنَ لَمْ نتعلَّمْ مِنْ تجاربِ غيرِنا مِنَ الشُّعوبِ، أولئكَ الَّذينَ أجبروا حكوماتِهم على التَّغييرِ، وفرضِ الوجودِ السِّياسيِّ الفاعل.
ستظلُّ مواقفُ الشُّعوبِ العربيَّةِ محدودةً، ما دامتْ تؤمنُ بأنَّ الحركةَ الثَّوريةَ تحتاجُ أحزاباً وتنظيماتٍ، وما دامتْ ترى أنَّ التَّغييرَ يأتي على طبقٍ مِنْ فضَّة، أو في بيانٍ حزبيّ!
* لتجارب الإنسان تأثير على ذاته الشاعرية وتجربته الشعرية، تُرى هل للبُعد العاطفي لـ عُمَر وتأثيره مجال في أدبه وقصائده؟
– مِمَّا لا شكَّ فيهِ أنَّ كتاباتِ الشَّاعرِ نابعةٌ مِنْ تجاربِهِ الخاصَّةِ، الَّتي يستطيعُ – بخيالِهِ الشِّعريِّ وبُعدِ الأفقِ عندَهُ – إسقاطَها على مجتمعٍ بأسرِهِ. ومِمَّا لا شكَّ فيهِ أيضاً أنَّ الصَّفحاتِ السَّوداءَ مِنْ حياةِ الشَّاعرِ تتمكَّنُ – أكثرَ مِنْ غيرِها – مِنَ الحفاظِ على مكانتِها الرَّفيعةِ في نصوصِهِ وذكرياتِه، سواءً أَكانتْ عاطفيَّةً، اجتماعيَّةً، أمْ سوى ذلك.
وللأسفِ، وكحالِ معظمِ شعراءِ الأرضِ، لمْ يكنْ الجانبُ العاطفيُّ في حياتي يمثِّلُ سوى صفحةٍ قاتمةٍ، طبعتْ نصوصي بشيءٍ مِنَ السَّوداويَّةِ أحياناً فيما يتعلَّقُ بالحبِّ، إلاَّ أنَّ الأملَ بتجربةٍ آتيةٍ قدْ تكونُ أفضلَ خاتمةً يبقى، ليُعلنَ للملأِ انتصارَ الشَّاعرِ على هزيمتِهِ العاطفيَّةِ، وانتصارَهُ على جميعِ أساطيرِ وملاحمِ العشقِ التَّاريخيَّةِ السَّوداء، ربَّما حتَّى يحينَ موعدُ هزيمةٍ أخرى، فانتصارٌ آخر!