السبت ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٧
بقلم جميل السلحوت

ديوان «اصعد إلى عليائك» في اليوم السابع

ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان"اصعد إلى عليائك فيّ" للشاعرة الفلسطينية فاطمة نزال. ويقع الدّيوان الصادر عام 2017 عن مكتبة كلّ شيء الحيفاويّة، وقدّم له الحبيب بالحاج سالم من تونس في 120 صفحة من الحجم المتوسط، ويحمل غلافه الأول لوحة للأديب الفنّان محمود شاهين.

بدأ النقاش جميل السلحوت:

أعترف أنّني لم أقرأ شيئا للشّاعرة الفلسطينيّة فاطمة نزّال من قبل، فأنا أتهيّب أو أحاذر من قراءة الدّواوين الشّعريّة التي تصدر لشواعر وشعراء شباب لكثرة الغثّ منها، خصوصا وأنّ هناك عشرات الكتب صدرت وعلى غلافها "ديوان شعر"، مع أنّ ما جاء فيها ليس شعرا ولا خاطرة ولا أقصوصة، بل لا علاقة له بالابداع، هذا مع التّأكيد أنّني أفرح فرحا طفوليّا كلّما مرّ بي كاتب أو شاعر شابّ مجيد.

وفاطمة نزّال شاعرة شابّة وأعتقد أنّ هذا الدّيوان هو اصدارها الأوّل، لذا فإنّني وضعت ديوانها "اصعد إلى عليائكّ فيّ" على رفّ المكتبة لأقرأه في وقت الفراغ الزّائد عندي. وها أنا أقرأه من باب الالتزام ببرنامج ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة، والتي نعطي فيها الأولويّة لنقاش اصدارات محلّيّة للتّعريف بأدبنا وأدبائنا المحلّيّين، وذلك بسبب الحصار الثّقافيّ الجائر الذي فرضه المحتلون علينا قبل ظهور "الانترنت" في تسعينات القرن الماضي.

وما أن شرعت بقراءة ديوان فاطمة نزّال قافزا عن تقديم الكتاب، لأنّ غالبيّة من يقدّمون لكتاب يهيلون عليه وعلى كاتبه أطنانا من المدائح التي لم تحظ بها معلّقات الشّعر العربيّ، حتّى وجدت نفسي أمام شاعرة متميّزة قد تقلب ما اعتدت عليه في نظرتي للاصدارات الشّابّة. فقد وجدت نفسي أمام شاعرة حقيقيّة، تملك ناصية الكلمة، أدهشتني بجمال صورها الشّعريّة، وبجرأتها في قول ما تريد من خلال لغة انسيابيّة كأنّها تعزف سمفونيّة الحياة، يأخذ إيقاعها وموسيقاها لبّ قارئها والمستمع إليها. وهذه الجماليّات اللغويّة تأتي عفويّة لا تصنّع فيها، مّما يشي أنّنا أمام شاعرة موهوبة تبوح بما في دواخلها؛ لتقدّم لنا شعرا جميلا يعزف ألحان المشاعر الحقيقيّة للانسان. وهذه المشاعر الجيّاشة الصّادقة وجماليّة اللغة، في الدّيوان ليست حكرا على قصيدة واحدة في الدّيوان، بل هي دفق شعريّ يشي بتميّز واضح" وهذا يدفعني إلى مخاطبة صاحبة الدّيوان :"فاطمة نزّال : أنت شاعرة، وهذا يكفيك."

وكتب ابراهيم جوهر:

دعوة للصعود الإنساني الرّاقي على سلّم الكلمات والصور والإيحاءات الإنسانية المحمّلة بالتّوق لغد أفضل، يحمل بساتين للأطفال وخبزا للجوعى وانسجاما لإنسان يعاني من اغتراب الواقع وغربة الرّوح.

بثقة وموسيقى تحاور الشّاعرة آخرها الكامن فيها تارة، وذاك الموازي لها في تردّده تدعوه للصّعود، ولا صعود بغير إرادة وتوق للتّغيير.

توظّف الشّاعرة "فاطمة نزال" مفرداتها البسيطة لتنسج ثوبا للفرح والحياة موشّى بربيع لوحاته زهور القلوب وبلسم الفؤاد بما تحفل به نداءات طفلة بريئة، تعزف لحنا إنسانيا، يعلي من نشوة الرّوح التي اعتراها صدأ الجهل والضياع في براري البحث عن درب للخلاص.

بهذا الصّعود الذي ترسمه الشّاعرة في ديوانها الأول يعود للشّعر وقعه ولغته الأليفة غير المغرقة برموز متنافرة. إنها ببساطة تقول:

هذه الحياة أكثر بساطة مما نظن، فهيّا بنا نصعد إلى عليائها ولنغادر قاعها الملوّث ولنتسلّح بالحب والفرح والانسجام.

وكتب عبدالله دعيس:

كانت الشّاعرة فاطمة نزّال موفّقة باختيار عنوان ديوانها (اصعد إلى عليائك فيّ) والذي هو شطر من قصيدة بعنوان مدارج. هذا النّص الذي يخاطب المتلقّي بلغة إنثويّة صريحة، يشي بما ستفصح عنه القصائد، بلسان امرأة واضحة في مشاعرها حدّ البوح، وبصور شعريّة جميلة تستقيها من الطبيعة، فتكون الطبيعة مرآة تعكس دواخل نفسها ومكنونات عشقها، تخاطب بها الآخر عما يدور في نفسها دون مواربة. امرأة بامتياز، مشاعرها مميّزة وعواطفها جيّاشة، تعتزّ بالأنثى داخلها، ولا تخجل مما يجيش في خاطرها، تتعالى بكونها أنثى، لكنّها لا تترفّع عن الرجل ولا تنأى بنفسها بعيدا عنه، فهو محور عشقها وغاية مشاعرها، فهذا البوح الأنثويّ يتغنّى بسمفونيّة عشق بمشاعر جيّاشة واضحة لا تُخفي من خباياها شيئا.

اصعد إلى عليائك فيّ
فقد نذرت لك ما تكاثف في مزن الرّوح
وما يساقط من رطب
ما أنضجه قيظ الشوق
وما تخمّر من عنب

نهجت الشاعرة في ديوانها منهجين أعطياه التّميز والجمال: رسم صور حيّة من جمال الطبيعة بحركاتها وسكناتها، والتّناص مع القرآن الكريم بشكل واضح ومنهج قويم من أولى قصائدها إلى نهاياتها.

تأمل قولها:

ظِلي دثار الليل لجبين الشمس
ظِلي يعانق نور الله
حين يشقّ صدر العتمة بعسعسة ناعمة
يتنفّس انبلاج الصّبح من روحي
وأفيض على الكون.

يتساءل القارئ لقصائد الديوان عمّا تبحث عنه الشاعرة وعن أيّ عشق ترجو، فيجد الإجابة بوضوح لا يقبل التأويل في كلّ سطر من أسطر قصائدها، حيث ترسم طريق العشق بأشواكه ومخاطره وجماله ومتعته، وتراه في كلّ ما يحيط بها من مظاهر الطبيعة التي تستعيرها لترسم بها لوحات فنّية تعبّر عن حقيقة مشاعر المرأة، وعن نقائها الفطريّ الذي لا تلوّثه أدران الخطيئة.

فدرب المريد شائكة
غابة عذراء لم تمسسها سوى قبل الندى
وظل السحاب

وتبدو الشاعرة أحيانا حائرة في تصاريف الدهر ومرور جيل في إثر جيل، يحيا الإنسان حاملا الأمل والألم في ثناياه، ليندثر ويمهّد الطريق لغيره ليحيا. فسنابل نيسان الخضراء تجف لتصبح قمحا وتُطحن لتصبح خبزا. لكنها ترى الموت طريقا لحياة جديدة ولحاضر ينهض على رفات الماضي.

أيها الموت أسرع بخطاك
واحصد ما استطعت من أرواحنا
فالبيادر غلال من أجسادنا
الدماء جداول
والأرض باقية باقية

أمّا كلماتها فتخرج عفوية جميلة مفاجأة، فهي كالنرجس الذي ينبثق من أرض مقفرة مع أول أمطار كانون، والكمأة التي تبعثها شدّة الرعد.

كلماتي
ثورة النرجس في تقلبات كانون الأول
انبثاق الكمأة
في هزيم الرّعد...
وهي الطلع الذي يحمل
لقاح الفكرة المجنونة
لتختمر في اللاوعي
قصيدة وتراتيل...

وتصور الشاعرة شوق الأنثى ووصالها وحبها وإخلاصها، ثم التردّد الذي يعتريها عندما تريد أن تتصل بحبيبها، ثم استيائها من صمت الرجل وعدم الإفصاح عن حبه لها، وتُبرز قلق الأنثى من انقضاء زهرة شبابها، ولكنها تعود لتدرك أن الحب يعيش في الأنثى مهما تقدمت بها االأيام. أما الشك فيستحيل غولا ينغّص على المرأة حياتها، فتكون فريسة حمقاء له.

تعتريني رعشة ذكرى
كلما مرّت
كأنها الدهشة الأولى...
فأبتسم وعيني ترى المشهد
ما زلت على قيد الحبّ وما زال قلبي منتشيا
بخمرته....

وديدن الشاعرة الصراحة التامة، والبعد عن المغمغة في وصف توق الأنثى للرجل والرجل للمرأة، وتعتبر من يترفع عن هذه العلاقة كاذبا يتوارى خلف خداعه.

لا اعتراف أدلي به أيها الراهب
اخلع عنك هذا الثوب
وجهك عارٍ كما الحقيقة وإن توارى
خلف جدار

وتحاول أن تنفي عن المرأة ما يلحق بها من عار، وتدعوها إلى الجرأة في ملاحقة حبها كالفراشة التي تحوم حول النار، وأن تتعلم قول لا. وقد تصبح الأنثى شرسة، ولكن لا بد من يد الرجل لتنتشلها.

فراشة تركل طرف الضوء
تغازله وتمضي برقصتها
غير عابئة بالاحتراق...
بعض الموت حياة
إن كان البرزخ بينهما
قبلة...

وفي خضم حديثها عن العشق تبرز المرأة الأم أيضا واضحة في قصائدها.

حين كانت أمي ترتق الوقت بخيط صبرها
وتهيل على الوجع تراب قلبها
لم تكن تحب البكاء، لكنه كان يتفنّن في وخز
مآقيها...

والأمّ هي الأرض أيضا، تمنّ على أبنائها بخيراتها وتحزن لهجرانهم لها، فينقلب عليهم حزنها غربة وشقاء.

تستأنس الأرض
بساكنها
فتجري له لباء صدرها
جداولا تسقيه...
فإن هجر
جفّ منبعها
وتصحّرت
حتى لا تهبَ
من لا يستحقّ
وصالها
إلا غربةً وتيه

ولا تنسى الشاعرة ما يدور حولها من أحداث مفجعة، فتتدفّق شاعريتها بوصف رائع في قصيدة (إلى صديقتي) وبأسلوب مؤثر مفعم بالعاطفة.

ومن الفصد ما يُشفي
لا النزف مرعب يا صديقتي، ولا الجرح الدامي
يؤلم دائما
كثير من الوجع يخدّر الحواس
آخر مشهد
كان لرضيع متشبث بثدي كرزي متخثر
على ناصية رصيف...
أخر مشهد
كان لقبر شهيد قضى منذ عقد
يُفتح
ليعانق العم ابن أخيه...
طازجا الدّم والرائحة والجرح النازف
آخر مشهد
كان لطفلة تحتضن دميتها المحترقة
وهي شعثاء ممزقة الثياب
ترنو إلى أنقاض غرفتها المحطمة تحت جدار
نصفه انهار
والآخر ما زال مسرحا للريح...
آخر مشهد
كان لأمواج تلاطم قاربا
تصفع من فيه بكفّ الصقيع
وتُلقي بهم زبدا أحمر على شواطئ منسيّة

فهذا الديوان هو بحقّ بوح امرأة تهذي بما يجيش بخاطرها، مستلهمة كلماتها من روعة الطبيعة، وشفافيّة نفس شاعرة، ترى الجمال حولها فتعكسه على ما بداخلها من احتدام مشاعر وأفكار.

أمّا هدى عثمان أبو غوش فقد قالت:

إصعد إلى عليائك فيّ" عنوان مُميز، ملفت للنظر ،فيه أغراء للسّامع ،فيه صوت انثى تخاطب الذكر بجُرأة بصيغة الأمر ،وتطلب منه أن يصعد إلى مجده وذروته من خلالها.

قسّمت الشّاعرة ديوانها الشّعري إلى ثلاثة أقسام: ففي القسم الأول عبّرت عن علاقتهاومشاعرها بأُمِّهاوقضايا إنسانيّةأُخرى ،القسم الثاني يتطرق إلى وجدانيّة الشّاعرةوقلبها،أمّاالقسم الثالث فاحتوى على قصائد قصيرة جدا غير معنونّة تحمل صورا شعريّة جميلةأيضا ذات طابع وجدانيّ.

القسم الثاني من الدّيوان يجذب القارئ أكثر من الأقسام الأُخرى لما فيه من جُرأة في التعبير عن العاطفة ،العشق والإشتياق.

تأتي الشّاعرة بصور شعريّة تمزج صور العشق بالإشارات الدّينية لتعبّر عن حنينها عشقها ولوعة اشتياقها للحبيب وأثر الفراق، وتمنيت لو أنّ الشّاعرة ابتعدت عن زجّها بتلك الإشارات لما فيها من قداسة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى