
«ذكريات حب سيأتي» لحسن بوعجب

تطوف قصائد "ذكريات حب سيأتي" لبشاعر المغربي حسن بوعجب في العديد من الموضوعات التي تلامس الهم الإنساني، وتسائل الوجود بكل ما ينطوي عليه من غموض وأسرار.
ولا يبدو الشاعر في مجموعته الصادرة عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن (2025)، باحثاً عن إجابات بقدر ما هو مهتم بطرح السؤال تلو الآخر، وكأنما حالة الوجود البشري بأسرها تقوم على السؤال وحسب.
ولعل هذا التوجه ما وسم عدداً من قصائد بوعجب بالتكرار، إذ نقرأ مثلا في قصيدته "الإصبع السادس":
"أنام أنام كالصغير في حجر الكلمات
أكف عن أسئلتي أنساها ولو لبضع لحظات
قبل أن يصفق الحارس ويوقظني وأودع حبيبتي
ثم أعود أعود إلى سجني سجن المشكلات
أكف عن أسئلتي أنساها ولو لبضع لحظات
ولو لبضع لحظات ُتُشذّبُ أورام السرطان
ولو لبضع لحظات تُقترض البسمة من بنك الآتيات والذكريات
ولو لبضع لحظات تُستضاف الفرحة تتألق واجهتي
ولو ببضع ومضات
و يُضمد الأصبع بنزيفه بشحمه بزهر الكلمات.
بعد ما حكم القاضي برفع الكمامات
واندفعت في الناي الزفرات
بعدما عمِلت بوصية الناي إذ أوصى
أن أبقي أناملي دوما على بعض الفُوّهات
بعدما عملت بها وعلِمت إذ علمني
كيف يُغني كيف يحيا المرء وإن مات
كيف الأمر يُسلم إلى الآيات والنغمات
وكيف أن زهر الكلمات لا شيء بلا نغمات لا شيء بلا نسمات".
وتضمنت المجموعة ما يزيد على الخمسين قصيدة، بعضها كتب منذ أكثر من عشر سنوات بحسب التاريخ المثبت أسفلها، وفيها يقدم بوعجب صوراً ثرية بالمعاني ومفتوحة على التأويل، فالشعر يغني في بئر لا يسمعه فيه أحد في عصر الإنترنت، والفوانيس لها صوت الصراخ، والصحراء مدى واسع يبتلع الرمل:
"عيناك يتيمتان يتيمتان
أما الآن بين يديك يبتسم الورق
لك يمضي أنك تبتسمين
لك يمضي أنك تستحقين شهادة الألق
لا شي أنت إن لم تقرئي
ماذا سيرضع الطفل ماذا ستحكي مدرسة المنطلق؟
حبيبتي اقرئي
حبيبتي اقرئي باسم ربك الذي خلق
واحمديه واحمديه
لأنه لك أعطى عيونا تذيب كل إصراري على صفعك ساعة القلق"
وكما الحب أساس بنيت عليه الحياة برمتها، فكذلك الحرب، ولعل الشاعر كثيراً ما يقارب بين الحب والحرب، وتحضر عبر تلك المقاربات مفردات تتناغم وتتمازج ضمن صور فنية تجمع بين هذا وذاك، فتغدو النظرات كما لو أنها طلقات، ويغدو صوت القنابل كما لو أنه موسيقى ونغمات، ومن ذلك نقرأ في قصيدته "حب على نغم القنابل":
"بين القنابل وبين القنابل، أنفخ في كفي المقطوعة وأمد ما تبقى من أنامل، أداعب زناد قلبي، أفجر آخر قصائدي الأرامل، عن زهري الذابل عن روضي الذي سممته المزابل، بين القنابل وبين القنابل، أقول لحبيبيتي ركزي معي في الحب في عشق السنابل، وتصاب حبيبتي في حضني، وأكمل درس العشق أقبلها أقبلها وأنا أقاتل، وتقتل حبيبتي في حضني، وأكمل درس العشق أقبلها أولدها وأنا أقاتل".
وتميزت لغة الشاعر بالتجديد ومواكبة العصر، حيث ابتعد عن الغامض من الألفاظ، واستخدم ألفاظاً تعبر عن روح العصر وتطور التكنولوجيا فيه، منحازاً دوماً إلى الإيقاع الخارجي للقصيدة الذي وسمها بالرقة والقوة، ومن ذلك نقرأ:
"يا نجمة تبكي على شعري، على صدري النحيل المتعب، آن أن تمضي قميصي، آن لا حزنا، آن أن تختفي، خطيب هناك عند الباب القريب فلتذهبي، أما أنا، أما أنا فنطفة شابت أحبت ولم تخلق، كلام كلام بعد ما زال يموت ولم يفطم، كلام يبحث عن حبر عن أياد يد، كلام بعد مازال في عقد البحر لم ينظم، لا تحاولي، فبعيد بعيد، هيهات، ما تتوقعي".
يذكر أن حسن بوعجب من مواليد مدينة إيموزار مرموشة بالمملكة المغربية (1986)، حصل على شهادة الدكتوراة في الأدب الحديث من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، وشارك في عدة أنشطة ثقافية بمدن مغربية مختلفة، ونشر العديد من المقالات في مجموعة من المجلات والمواقع الإعلامية المغربية، وهو المشرف العام منذ سنة 2015 على موقع المزهرية الذي يعنى بالتنوع الأدبي والثقافي في المملكة المغربية.