السبت ٥ حزيران (يونيو) ٢٠٢١
بقلم سلوى أبو مدين

رسالةٌ إلى أبي

أبي الغالي.. اشتقتُ إليك كثيرًا.. كم مضى على غيابك؟! أحاولُ أنْ أستعيدَ الأيام الناصعة التي قضيتها معك.. الظلامُ خفَّاشٌ يحطُّ على قلبي، أحاولُ أنْ أؤثِّث حياتي بأعقاب الشموع.
منذُ رحيلك لم يتبدَّل شيءٌ. الحياة تمضي بسرعة غريبة، السنوات تهرول، ذاكرتي مدينة تضجُّ بالازدحام.

أبي الحاني..

أتذكرُ الساعة الكبيرة في بيتك، التي تشبه ساعة Big Ben في لندن، لقد توقَّفتْ عن القرع، كان صوتها عاليًا كثيرًا، ما قطعت حديثي معك فأصمت حتى تتوقَّف.
أبي الحبيب..

مقتنيات الفقد الغالية التي تركتها، لديَّ القليل منها، وما يصلني من ذكريات وصور وأوراق بخطِّ يدك أقبِّلُها وأضمُّها إلى صدري بكاملِ دموعي.

الحزن بغزارته جعلني أحيا بروح شاردة، منذُ غبتَ وشيءٌ في قلبي لم يعدْ على قيد الحياة، أثقلني الحزن. سامحني لم أقوَ على الذهاب إلى بيتك الدافئ، لستُ على قدرٍ كافٍ من الشجاعة، فأنا هشَّة من الداخل كزهرة سرعان ما تذبل، أتظاهر بالقوَّة، لكنِّي أخفقُ عند أوَّل محاولة.

كنتَ تأتيني في اليقظة، أشعرُ بك وأنت تجوب أنحاء المكان الذي أجلس فيه، روحك تحيطني من كل جانب.

أتصدِّق حين أتحدَّث عن زيارتك لي يعتقدُون أنَّني أُصبتُ بالجنونِ!! كيف لا يصدِّقُون ذلك؟ والغائبون يأتون لزيارتنا، يشعرون بنا وبكل تفاصيلنا.

أبي الحاضر في داخلي..

بعد رحيلك بأشهر قليلة حلَّ وباءٌ في العالم بأكمله، حصد أرواحًا كثيرة. سكن الرعب قلوب الناس. توقَّفت الحياة، بل شُلَّت كليًّا حتى السكون تتثاءب!

لم تعد الحياة كما عهدتها، أصبحت المدينة ملبَّدةً بالسواد. الناس تخشى بعضها! لزمنا البيوت شهورًا عديدة.

كأنَّه شتاء مفاجئ، النجوم بهتت، والضباب يلوح في الأفق. مدينتي يكسوها الحزن.

الناس تحلم وتنتظر، غبتَ قبل أنْ ترى العالم يتلألأ بالدموع!

أثقلت عليك بالنهايات المؤلمة، سأخبرك عن أصدقائك الأوفياء، فهم لا يكفُّون عن ذكرك والدعاء لك، يا إلهي كم أنت محظوظ بهم!

أبي أيُّها الفارس..

كعادتي أحلمُ باليوتيوبيا، ذاك الحلم الذي لم يتحقَّق على سطح الأرض. أتذكرُ حين كنتَ تردِّد بيت الشاعر المعرِّي:

تعبٌ كُلّها الحياةُ فمَا أعجبُ
إلَّا مِن راغبِ فِي ازديادِ
حقًّا العالم يبدو صغيرًا وهشًّا، ابتلع السواد نجومه.
أبي أيُّها الإنسان الناصع..

لازال صوتك ووجهك مصباحًا، يا أوَّل الغيث اشتقتُ إليك أيُّها الوطنُ الشاسعُ! ليتني أُحال إلى طائر يحلِّق حيثُ أنت، أقفُ أرتِّلُ آياتٍ من القرآن الكريم، وأرفعُ كلَّ دعوة ناصعة إلى عنان السماء. بقدر ما يؤلمني الفقد، إلَّا أنَّني على يقين بأنَّك في مكان أفضل ممَّا نحن فيه.

دعواتي خالقي أنْ يملأ قبرك بالرضا والنور والسرور والفسحة، ويغفر لك، ويؤنس وحشتك، ويوسِّع قبرك، ويرزقك الجنَّة، ويجعلك ممَّن رضى الله عنهم ورضوا عنه.

اللهم اجعل عيدك في الجنة أجمل. أمطر الله عليك شآبيب رضوانه وعفوه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى