الأربعاء ٢٣ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم
رمادُ الكوابيس
دمي مُصابٌ بدوارِ الحمامعينايَ بحيرتانِ داميتانيداي تتقصَّفانِ كغصنينِ يابسينِ من الصفصافعاجزتانِ حتَّى عن رفعِ صليبي وحملهِ عدَّةَ أمتاروفمي مصابٌ بالخرَسفزبانيةُ مؤسسةِ الرعبِ الوطنيِّ تطاردني بالمسدَّساتِ المسلولةكأنني العربيُّ الوحيدُ الذي يعيشُ في هذهِ البلادِ التي قدَّسها الربُّ والحاخاموبالرغمِ من أنني أتحدَّثُ لغةَ شعبِ اللهِ المختارِ لا أقولُ بطلاقةٍولكن بمستوى لا بأسَ بهِأجدُ نفسي مصاباً بالخرَسِ وبالصمَمِعندما أجادلُ موظفةً بسيطةً تعملُ في هذهِ المؤسسَّةِوفي صباحِ أحدِ الأيامِ الرماديَّةِ يحتشدُ رأسي بالعواصفِ والأمطارِ والدموعفأنا منذُ خلقني اللهُ لا أفلحُ في العثورِ على أملٍ ملائمٍ لحالتي النفسيَّةِ أو الجسديَّةِلا أنجحُ إلاَّ في العثورِ على خازوقٍ عظيمٍ يرفعني على بابِ الجحيمِ الأرضيِّمنذُ تيتَّمتُ وأنا أعيشُ على هامشِ موائدِ اللئامبشعورِ المطاردِ أو مجرمِ الحربِ أو اللصِّ أوالمارقِ أو الصعلوكِأذكرُ مرَّةً قبلَ عامٍ ربمَّا أو أكثركيفَ انقضُّوا على بيتي كأنهم خفافيشُ نهارٍ مسعورةٍفي ذلكَ اليومِ أرعبوا حتى الجمادَ والنباتاتِ المنـزليَّةَوعندما اتصَّلوا بي أُصبتُ بالبكَمِ وتحوَّلَ الدمُ في عروقي إلى شرابٍ أحمريلمعُ كليزرٍ في ليلٍ بهيمبينما وحشٌ يكادُ يموتُ من العطشِ يرقبهُ من علٍ كالبومةِالتي تستعدُّ للانقضاضِ على فريستها الساذجةفي الحقيقةِ اليانعةِ كعينيِّ إبليسأنني لا أُفرِّقُ بينَ أيِّ انسانٍ وآخرَعلى أساسِ مذهبٍ أو عرقٍ أو قوميَّةٍ أو دينٍ أو لغةٍ أو لونٍ أو شكلٍولكنَّ البشرَ الملعونينَ السفهاءَ يدفعونني أن أُفرِّقَ بينَ الأخِ وأخيهِوالزهرةِ وأختها والزوجِ وزوجهِوسبِّ آباءِ الجنودِ المرتزقةِ الذينَ اندفعوا كالكلابِ المسعورةِللدفاعِ عن قرَفِ البيروقراطيَّةِ على حسابِ إراقةِ دميعلى رصيفِ المدنِ القاسيةورفعي على صليبِ الفقرِفي الحقيقةِ الطالعةِ من دمِ الشاعرِ المسكينِ كألفِ شمسٍ ربيعيَّةٍ زرقاءِأنني لا أسعى إلى زعزعةِ الاستقرارِ السياسي أو الاقتصادي في هذهِ الكرةِ المأفونةولا أدعمُ المنظَّماتِ السريَّةَ الثوريَّةَ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِفلماذا أعيشُ كما كانَ يعيشُ محمَّدُ الماغوطُ في أواخرِ حياتهِعلى فتاتِ الكوابيسِ والأحزانِ والعزلةِ والأحلامِ واليأسِ والجنونأحلمُ فقط بكتابةِ قصيدةٍ واحدةٍ ليست جميلةً ولا عصماءَبقدرِ ما تعبِّرُ بصدقٍ مرهفٍ عن حالتيوأنا مستلقٍ على كنبةٍ من أوجاعِ الحياةِأستمعُ إلى أغنيَّةٍ تركيَّةٍ عذبةٍ لا أفهمُ شيئاً من كلماتهاأحلمُ فقط بحياةٍ تشبهُ حياةَ تشي جيفاراأحلمُ كما كانَ يحلمُ عشَّاقُ القرونِ الوسطىبعاطفةٍ محترقةٍ وسذاجةٍ بالغةٍكما يحلمُ إبليسُ بالجنَّةِوأتخيَّلُ ذراعينِ من النعناعِ تعانقانِ وحدتيوبحيرتينِ من الزمرُّدِ كعَينيِّ امرأةٍ في لوحةٍ من لوحاتِ رفائيلتستقبلانِ جسدي التائهَ والمصابَ بألفِ نابٍ وسهمٍ وقوسٍوشظيَّةٍ من شظايا الحبِّكأنَّ كوابيسَ السامريِّ كلَّها تعشِّشُ في دميوتحشو قلبي برمادها غيرِ المرئيِّ.