السبت ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٨

رواية «حرب وأشواق» في ندوة اليوم السابع

ديمة جمعة السمان

خصصت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس لقاءها يوم 28 حزيران ٢٠١٨ لنقاش رواية "حرب وأشواق " للأديبة نزهة أبو غوش، والصادرة عن دار قطيش أبو قطيش للنشر والتوزيع، وتقع الرواية التي صمّم غلافها حسان أبو قمر في ٢٨٨ صفحة من الحجم المتوسط.

افتتح النقاش مديرة الندوة ديمة جمعة السمان، حيث قالت:

قرأنا الكثير عن مأساة النكبة وصدمة النكسة، ولكن في كل عمل أدبي تلحظ أن الكاتب يختار زاوية خاصة يحددها، ينطلق من خلالها ليروي حكايته بأسلوبه وطريقته؛ لتعطي العمل نكهة خاصة تميزه عن كل ما تم خطه من قبل. رواية حرب وأشواق للكاتبة نزهة أبو غوش كتبت عن ذات الموضوع من خلال قصص متناثرة، تعددت فيها الشخوص والأماكن في فلسطين المحتلة عام 1948 وعام 1967، كلها تضع القارىء في الجو العام لمأساة الشعب الفلسطيني، تصف مشاعر الخيبة والصدمة التي أصابت الفلسطينيين بعد أن سقطت باقي مدن فلسطين بيد الصهاينة عام النكسة ١٩٦٧، وتتطرق لآثار النكبة على الشعب الفلسطيني على المستوى الانساني. أجادت الكاتبة وصف التشتت والضياع وشعور الألم وعذاب الفرقة والقلق الذي عاشه اهل بلدة عمواس بعد ان تم تهجيرهم قسرا من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي. كما لونت الكاتبة الأحداث بقصص اجتماعية ومشاعر وأحاسيس إنسانية توثق من خلالها عذابات الفلسطينيين أثناء النزوح وما ترتب عليه من ألم وشعور بالضياع. كثرت القصص التي وثقت حياة الفلسطينيين وعاداتهم وتقاليدهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض، لتعطينا فكرة واضحة عن البيت الفلسطيني البسيط المتواضع وطريقة معيشته. ركزت بشكل كبير على خيبة امل الفلسطينيين من الدول الشقيقة. حتى أن أمّ العرب بعد ان شعرت بخيبة أمل من العرب قالت ص.76: " لا تقولوا لي أم عرب؟ احذفوا هذه الكلمة من قاموسكم، انسوها". أجادت الكاتبة في وصف مشاعر الجنود العرب الذين كانوا ضحايا لزعمائهم الذين وضعوهم في الواجهة لأمر في نفس يعقوب. وكان الجندي نجاح الذي حارب كجندي أردني هو أحد الضحايا، حيث انتهى به الامر في مصحة عقلية لعدم استطاعته استيعاب ما حدث. فلم يأخذ أيّ أوامر بإطلاق النار، ممّا اضطره ان يتصرف على مسؤوليته ويطلق النار للدفاع عن نفسه، فدفع ثمن هذا القرار حيث تعرض للعقاب من مرؤوسيه. الجندي المصري أيضا كان ضحية، وظهر مدى اخلاصه للقضية الفلسطينية. ولكن يا حبذا لو ان الكاتبة أجادت الحديث بلهجته المصرية، فقد ظهرت الجملة التي تحدثت على لسانه نصفها باللهجة المصرية والنصف الاخر باللهجة الفلسطينية. حيث قالت على لسانه ص. 94: " يا هانم ما تتوسلي لهم، لأني ما راح اسلم دي قبل دي ".

الأغاني والتهاليل جاءت جميلة ولم تأت مقحمة. بدأت الرواية ب "علي" المناضل والد سامح، وانتهت به قبل آخر عنوان وهو " الصدمة" الذي لخص الواقع الفلسطيني المؤلم من جهة وبث الأمل بفجر جديد من جهة أخرى. الرواية غنية وجميلة، إلا انني كنت أتوه في بداية كل فصل قبل أن أحدد هوية الراوي، حيث وصل عددهم حوالي عشرة رواةٍ، وما كان يتم الكشف عن شخصية الراوي - في بعض الاحيان- إلا بعد مرور صفحتين أو ثلاثة، مما يضطر القارئ إلى العودة لبداية الفصل للربط من جديد بين الأحداث. فلم تتبع الكاتبة أسلوب الراوي العليم، ولم يكن المتحدث طيلة العمل الادبي شخصية واحدة، بل كان الكاتبة تذكر الحادثة الواحدة في بعض الأحيان أكثر من مرة، حيث تروي الحدث ذاته على لسان شخصية أخرى، لكي تظهر وجهة نظره، وتبرزه من جميع الجوانب. يا حبذا لو أن الكاتبة اختصرت من عدد الشخوص، وقللت من عدد الرواة، كي يستطيع القاريء حصر الاحداث والشّخوص والرّبط بينهم. الرواية تعتبر مرجعا وطنيا قيما تعطي صورة واضحة عن الوجع الفلسطيني الذي لم يذكره التاريخ، وذلك بلغة بسيطة بعيدة عن التّعقيد.

وقالت هدى عثمان أبو غوش:

"حرب وأشواق"أم حب وأشواق؟ ليت حرف الرّاء سقط وما عرفناه ، ليته تركنا منذ ١٩٤٨وما كانت روايّة "خريف يطاول الشّمس" ليته نام كأهل الكهف، لكنّه أبى إلاّ أن يجرحنا ويشتتنا، هي الحرب ما أقساها! بقلمها النازف ألما وشوقا ، اختارت الكاتبة نزهة أبو غوش أن تستكمل الجزء الثاني من هزيمة العرب ، فقسمت الرّوايّة إلى فصلين: الأول يتمحور حول القرى المهجرّة الثلاث"عمواس، يالو، بيت نوبا" أمّا الفصل الثاني، فهو تدمير حارةالشرف والمغاربة وسقوط القدس.أما عنصر الزّمان فهو سنة 1967، والمكان يتنقل بين القرى المهجرة، أبوغوش والقدس. استطاعت الكاتبة أن تجسد وتنقل حالة القلق والخوف، فقدان الأهل والموت والشوق للأحبّة والقرى من خلال استنطاق شخوص الرّوايّة وظهورها بشكل منفرد، حيث تحدثت بشكل انسيابي عن صلتها بالحرب. وقد جاء مشهد أُم العرب على سبيل المثال معبّرا عن حالة القلق حين بلغت أقصى أُمنياتها أن تجمعها بمظلة تضم عائلتها، جاء عنوان الرّوايّة مترابطا مع مضمونها، فالرّوايّة تتحدّث عن الحرب بتفاصيلها، ذكرياتها المؤلمة والشّوق إلى المكان المتمثل بالقرى المهجرة، وكذلك الشوق إلى الأحبّة. سميح وليلى يشتاقان كل إلى الآخر، يتساءل سميح سرا عن حبيبته ثم يفضحه شوقه ولهفته أمام الأهل والأقارب الذين لم يعرفوا سرّه، فيبحث عنها تحت الركام ويناجيها. وكذلك ليلى فإنّها تحلم به حتى في حالة الاغماء أثناءسقوطها بين الأشواك. وتشتاقه بين نفسها وتتساءل كيف وقع حبّ سميح في قلبها؟ ويتزايد شوق شخوص الرّوايّة عامة في نهايّتها حين عادوا إلى عمواس وأخذ كل يبحث عن بيته المدمر، فالشيخ رضوان يبحث عن الحصيرة التي تعني له الكثير أيّام طفولته، وأُمّ محسن تجثم فوق الحجارة وتقبلّها بلهفة. رصدت الكاتبة المعاناة التي يعيشها الفلسطيني تحت ظل الحرب ومابعدها فصورت المواقف الإنسانيّة في كيفيّة نزوح العائلات، الصعوبات والمخاطر التي واجهوها في الطرق، كذلك الكثير من المشاهد المؤثرة من خلال الوصف الدقيق، وبيّنت الأثر النفسي والعاطفي على الشخوص كشخصيّة علي عبدالحكيم الثائر الذي مرض نفسيا جراء تأثره من قسوة الحرب، وكذلك إصابة نجاح عبدالعزيز بصدمة نفسيّة حادّة، وإصابة أبو محمود بالسكتة القلبيّة، ردة فعل جميل الجنجي الّذي بقي صامتا طوال عمله في الدّير، إلا أنّه انفجر غضبا وألما أثناء الحرب، عدم استقرار نفسي عند سميح وهو في سجن الظاهريّة يقول"أنا الآن في حالة عقيمة من الفهم، كل المعايير انقلبت أمامي، وأنا بحاجة لصفاء ذهني". طغت التساؤلات والجمل الخبريّة بكثرة في الرّوايّة وقد ظلّت تراود الشخوص في أغلب مراحلها، للتعبير عن حالة عدم التّصديق والهزيمة مرة أُخرى. فتراشقت الشخوص باتهام الزعماء العرب وايعاز الفشل إلى عدم استعداد الدّول العربية للحرب وأسباب أُخرى. ومن تلك التساؤلات المؤثرة والمثيرة للاستغراب كيف احتلت فلسطين في ستة أيام مع العلم لو أردنا التجول فيها لاحتجنا أياما أكثر؟ جاءت الّلغة مشوقة ،سلسة بسيطة غير معقدة وقد جعلت النصوص حيويّة غير جامدة بعيدة عن الرّتابة من خلال تنوع الأُسلوب الّلغوي حيث استخدمت أُسلوب النداء(يا ألله، يا إلهي) وأكثرت من التعجب(كم أشتاق لك أيتّها المحبوبة! كم أنت رائعة يا جدّتي!) وكذلك أكثرت من الإستفهام (كيف، ماذا، لماذا،هل) ،والقسم (والله، لا والله، أُقسم).أمّابالنسبة للعاطفة فقد استمطرت المشاهد بانفعالات النفس وأحاسيس الغضب، الحزن والحبّ من خلال نبرات أصوات الشخوص(غمغمت بصوت مقهور، تزاحمت أصوات بكاء، ترديد الأغاني الحزينة من خلال موّال العم أبو محمود كل صباح، كلنا بكينا كلنا هتفنا..).وأيضا فإنّ الكاتبة جعلت الشخوص تعبّر عن أحاسيسها بلسان المتكلّم، فاستخدمت الأفعال الحسيّة (شعرت، أحسست ،كاد قلبي يسقط منّي، أتحسسه،فزعت...الخ)جاء الحوار الدّاخلي في الرّوايّة ليعبر عن الشعور بالضياع ولإثارة قضيّة الإستخفاف بالعقل العربي في عدم مصارحته بالحقيقة. (يقول سميح: رحت أبحث عن نفسي كي أعبر بها من البدايّة حتى النهايّة..قولوا لي بصراحة بأنّ عمواس دمرت وهجرّت؟ لماذا الخط الأعوج؟). استخدمت الكاتبة الأمثال، الموّال الشعبي والأغاني التراثية. بيّنت الكاتبة الأسماء والمصطلحات الجديدة التي ظهرت بعد الحرب (النكسة، بوابة مندلبوم، متنزه كندا بدلا من عمواس، توحيد القدس ، خط التّماس، نازح،فتحت الدنيا على بعضها). سلطت الكاتبة الضوء على قضيّة الإعلام المضلل الذي كان ينقل الأخبار كذبا فترة الحرب من خلال إذاعة صوت العرب بصوت المذيع الشهيرأحمد سعيد، وأثرها السيءعلى المجتمع الفلسطيني في ظل الحرب. بيّنت الكاتبة حالة التشتت في ذهن الطالب العربي الذي يدرس ضمن المنهاج الإسرائيلي ومفهوم الخارطة الجغرافية لفلسطين وأسمائها والهويّة المفقودة. ختمت الكاتبة الرّوايّة بملامح الأمل من خلال زواج سميح وليلى بعد أن خيّم الحزن فصولها، وإعلان أبى سميح حين قال سنبني عمواس من جديد. روايّة تستحق القراءة ومرجع هام للأجيّال القادمة.

وكتب عز الدين السعد:

في روايتها حرب واشواق تضع نزهة ابو غوش بين ايدينا رواية فيها يتداور الزمن حول المكان بأسى، تضع أبعادا" للمسافات يختزلها ابطال روايتها كل في زمنه الذي يبدأ من أزل الفلسطيني مارا" عبر بوابات تتصنع رأب الصدع ليكون المكان شاهدا" على الدوائر " قالت بصوت يحمل الأسى : البعد بين عمواس وبلدة ابو غوش لا يتجاوز عشر دقائق في السيارة. تصور يا سميح بأننا نقضي ليوم بأكمله حتى نصل لمقابلة الأهل في مندلباوم" وفيها قبيل اللقاء تقوم حرب ٦٧ ... ترصد الكاتبة بحنكة تصارع الاحداث بزخم الصور وحوار الشخوص من المكان الى ذات المكان بتسلسل زمني متداخل يأخذنا في دورة الفلسطيني المتحدي الباقي رغما" عن اي حدث " كم هو غريب هذا الانسان الفلسطيني يبدأ على الفور ببناء الهرم حال انهدم.. كم هرم يخبىء لنا التاريخ؟ " وتستمر مسيرات تتزامن في طرد من عمواس وهدمها... وضياع ليلى.. وصرخة : " لا اريد ان يسألني احد. ضعنا يا ام العرب". ان استطردت في السرد تجدها تدفع بشخوص تقول وتسأل وتحدد ما تجدد.. فها هي تدخلك الى الشريط الشائك " لا تقلق يا سميح لن يصيب قريبك اي شيء لأن بلدتنا الشرقية فتحت على الغربية بيت صفافا رجعت بلد واحد. يبادرها سميح هل صنعت الحرب الأمان يا خالتي؟! " وتستمر بسرد الصدمة من دخول المدينة لترى اللافتات جميعها بالعربية ... وترى القدس ورام الله وبيت لحم على لسان شخوصها ... تضع بين يدي القارىء ذروة التضاد بين لم الشمل وفتح الحدود وعلى لسان ابي صابر اللاجىء من اللد عام ٤٨ الى سلوان ضياع القدس ..." ابو صابر ولا يهمك انت رجل طيب ( قال له ضابط عرفه كان عتالا" يهوديا" في مندلباوم) تساءل ابو صابر لماذا لم يقل ....... انتم شعب نائم"... ظل ساهما" الى ان قال لزوجته " هذه القدس يا ام صابر اتعرفين ما معنى القدس ؟ القدس هي القلب وهل يعيش الانسان لحظة واحدة دون القلب؟" وتغلق دائرة التهجير بزيارة اهل عمواس لبلدتهم المهجرة فتنطلق صرخة الجذور بين الفلسطيني وارضه سنبنيها من جديد.... لتظل معلقة في فضاء عمواس مع سؤال "لماذا يتصارع الزمن معنا نحن الفلسطينيين؟ ابدعت نزهة ابو غوش بنقل احاسيس الشخوص ونداء المكان وتنقل الزمن ورصد الاحداث لترسم لوحة متناسقة بل قل تظاهرة يشارك فيها كل الشخوص على مدار زمن الاحداث وتسلسلها تجد في السرد متعة لتسارع الحدث وقوة فرض الصورة المنتقاة بدقة بالغة ... هي رواية لكن فيها شهادة لراصدة اجادت منح الحدث منتهى انفعاله ليجد القارئ نفسه شريكا" فيه يتابع بشغف باحثا" عن نهاياته.

وقالت هدى خوجا:

الغلاف متناسق مع المحتوى والألوان البني لون التّربة والأرض، مع تمازج أحمر بلون الدّم والحبّ والشّوق والحنين، والأصفر المائل للبرتقالي مع التّحليق عاليا لشّمس بقامات عالية، علو السّماء، عنوان الرّواية متناغم حرب وأشواق.

الرّسمة توحي بشمعة بشكل قارب للنّجاة. تحتوي الرّواية على صور رائعة ومعبّرة. تتساءل: ماذا تشتاق في الوطن؟ أشتاق لكل شيء في وطني: أشتاق للتّين، للصّبر، للعنب، للرّمان أشتاق للنّرجس ورائحته التي تملأ الجبال، أشتاق للطّحالب الملساء الّتي ترقب الماء حول البئر، كم أنت قاس أيّها الزّمن! ص9 يجد القارئ نفسه يغوص في حروف الرّواية وجمالها، كم يلفحني هواءك أيّها الوطن! ص10 وهل هنالك أبهى من هواءك أيّها الوطن في غربة وما أدراك ما الغربة؟ ولا تخلو الرّواية من أقوال الحكماء: "إنّ أجمل هندسة في العالم ، هي أن تبني جسرا من الأمل على نهر من اليأس"ص15، تكرار محبب لكلمة الأمل، كم جبلا من الأمل بنينا!" الأمل تلك الفسحة الّتي نبني عليها همومنا"ص16 وتمتزج الحواس في حرب وأشواق بين سمع وشم وتذوق بين عبد الوهاب وأم كلثوم، وحكم وفلسفة وشوق وحنين ورائحة فواحة لمحشي الكوسا البلدي وورق العنب الأخضر، وألوان تزهو بالربيع، نعم إنها عمواس جنّة الله على الأرض. ولم تنس الكاتبة الأغاني الشّعبية والتهاليل وووقعها على الأذن الرّنانة. حتى أسماء الشّخوص في الرواية كانت تحاكي الشّخصية تماما، والحدث مثال اسم هلالة "حيث كانت هلالة دوما على استعداد وتأهب لكل شيء"ص22. ركزت الكاتبة على شخصية المرأة بشكل كبير، مثل أم العرب منيرة أم أكرم، شخصيّة المرأة الصّامدة والقويّة التّي تتناغم مع الأسماء وتحاكيها. تمّ التّركيز على عدّة قرى ومدن منها أبوغوش وعمواس، ويافا وحيفا. الزّغاريد الشّعبيّة كان لها مساحة مناسبة في الرّواية مع كلمات بعض الأغاني. الصّورة المجسدّة للأشخاص بشكل مترابط ومنسجم مع الحركة والحدث. كم هي جريئة أم سميح! ص66 رحت أعد أولادي من جديد.ابتسام أحمد إبراهيم....حاضر وعبد الوهاب أكرم غائبون. بكاء وحزن ومرارة، هي تبكي من العطش والجوع، وابراهيم يبكي من حرارة الشّمس. " قال لي هل هذا ولدك الملقى على جانب الطّريق يا أم العرب" نعم هو ولدها والامارة الاسفلت الملتصق على قدميه، أبهذه الدّرجة الغرق بالوحل وبسواد الحرب والهزيمة والانكسار. بكاء وحزن ومرارة وألم ، هي تبكي من العطش والجوع وإبراهيم يبكي من حرارة الاسفلت، وأحمد يبكي. وتستمر الأسئلة السّابرة والاستنكارية. يا الهي ما هذه المفارقة العجيبة؟!تركنا آبارنا خلفنا مملوءة بالماء العذب.والآن نكاد نموت من العطش. كيف بي أن أعبر عن غضبي الآن؟ كيف أعبر عن قهري، عن ألمي تجاه المحتل؟ ص73 يا ابنتي يا أم العرب ، لقد أخذ ابنك ضربة شمس.ص74 أهي ضربة شمس أم ضربة خداع وذل وتخاذل واستسلام، لمن ترمز الشّمس هنا ؟ أم العرب لا تعترف بأنها أم العرب !"أنا لست أم العرب ، ولا أم اليهود".ص 74 لا تقولوا لي عرب . عرب ؟ احذفوا هذه الكلمة من قاموسكم .انسوها. وتستمر تعدّ أبناءها من جديد هل هم أبناءها أم رمز للدول العربيّة.ص76 وتستمر المعاناة والألم حتى شربة الماء يستمر البحث عنها.والجوع والعطش والخوف والخذلان. أهي الصّدمة أم حرب الجوع والعطش.وتسلسل الأسئلة والاجابات لا نهاية لها ! هل تتساوى الأوطان بالرّجال العظماء؟ واتّسمت الرّواية بالتّركيز على صورة المرأة القويّة، مثل هلالة والكلمات المنسابة الحزينة مثل:"راحوا وما ودّعونني يا ويلي ما أقساهن"ص112 المفارقة بين ميرا الفتاة اليهوديّة الّتي مازالت تختبئ بالملجأ والفتاة من قرية عمواس المتمردّة والجريئة الواثقة من نفسها. وتستمر الأسئلة المريرة لماذا يتصارع الزّمن معنا نحن الفلسطينيين؟ لماذا يهجرنا المكان؟ لماذا تتواطأ الأحداث مع من يغزونا؟ ما هو السّر؟ هل هو ضعفنا؟ هل هو جهلنا؟هل هو سوء تخطيطنا؟ وهل هو قوتّهم وجبروتهم، وحسن تخطيطهم؟ص141 ونلاحظ أنسنة المكان بمشاعر الأسى والحزن والاكتئاب. وارتباط سميح بمجنون ليلى" لا أريد أتركوني أبحث عن ليلى"ص168 وإلى متى سيستمر الضّياع ؟ ضياع الوطن، والوالد ، والجدّ والحبيبة؟ ولكن إلى متى سيبقى الهتاف حد السّماء رح نبكيك يا عمواس ونحررك أمام النّاس؟ ص284 حرب وأشواق مع الكاتبة نزهة أبو غوش دقة في التّفصيل وتوثيق في المشهد صورة وكلمة وأنين وحنين، وما بين سؤال وآخر جروح وألم لا ينضب تعصف بالوجدان تارة وتحاور العقل والنّفس تارة أخرى ، أسئلة وأسئلة وجراح فوق جراح دماء وجروح انكسار وحنين وأمل .

وقال عبد الله دعيس:

قراءة في رواية (حرب وأشواق) للكاتبة نزهة أبو غوش ما الآثار التي تركتها هزيمة عام 1967 في نفس الإنسان العربي؟ وماذا أدرك كثير من العرب بعد الهزيمة؟ وهل ما زال بعضهم متشبّثا بأسباب الهزيمة بنواجذه، لا يريد أن يتخطاها إلى بداية درب النّصر والنجاح؟ رواية (حرب وأشواق) للكاتبة نزهة أبو غوش تتناول فترة حرب عام 1967، وتكمل الحكايات التي ابتدأتها في روايتها الأولى (خريف يطاول الشمس) التي غطّت نكبة عام 1948 وتهجير أهالي لفتا وصوبا وأبو غوش، لتعود هنا وتتحدث عن نكبة أخرى عصفت بنفس المنطقة، وتتحدث عن تهجير وتدمير قرى عمواس وبيت نوبا ويالو في نكبة عام 1967، وتشير إلى أسباب الهزيمة، وتصف بدقة عالية وعواطف جيّاشة الشّعور الذي طغى على النفوس في تلك الحقبة المظلمة من تاريخ وطننا وأمتنا. تصف الكاتبة أحداث الحرب بطريقة مذهلة ومحرّكة للمشاعر، وكأنها تنقل صورة حقيقيّة حيّة على لسان شخصيّات عاشت الأحداث ورأت مقدّماتها ونتائجها. لم تقم الكاتبة باتهام أحد بالهزيمة وإنما جعلت الاحداث وما يدور في خلد الرواة يكشف للقارئ عن الحقيقة كاملة. فهي تبدأ الرّواية بالثائر(عليّ) الذي دُجّن بعد عام 1948 وأُبعد ظانّا نفسه أنّه يستعدّ لمعركة جديدة، بينما يستمع للأكاذيب التي تبثّها وسائل الإعلام العربيّة، ويعبد مع الجماهير العربيّة المخدوعة أصنام العجوة التي صُنعت لهم، ظانّا أنّها ستحمل لهم النّصر والتّمكين، ويعادي -كغيره- كلّ من يحمل فأسا لهدم هذه الأصنام التي استطاعت تدجين الشعب العربيّ وساقته من هزيمة إلى أخرى. وتنتهي بهذا الثائر مريضا عقليّا فاقدا للذاكرة، وهذا بحقّ يمثّل الحالة العربيّة قبل وبعد الهزيمة. فهل استفاق الشعب بعد تلك الهزيمة؟ إحدى وخمسون سنة مرّت بعد تلك النّكبة، تنبئ أن البعض ما زال تأخذه حالة التصفيق، وما زال يقدّم القرابين لأصنام هُدمت وأصنام أخرى قامت على أنقاضها، وما زال يتمسّك بكل أسباب الهزيمة. والمطالع لروايتي الكاتبة نزهة أبو غوش، يلحظ المفارقة بين نكبتي عام 1948 و1967، حيث يشتركان بالتواطؤ العربيّ والتآمر على فلسطين، لكن، قبل نكبة عام 1948 كانت هناك مقاومة حقيقيّة للشعب الفلسطيني، وبطولات وتضحيات حمت القدس من الاحتلال، وبالمقابل لم تكن هناك حرب حقيقيّة بعد تسع عشرة سنة من التدجين والتخدير، عدا عن مبادرات فرديّة تمثّلت في الرّواية في شخصيّة (نجاح). تستخدم الكاتبة أسلوب الرّاوي الذاتي، وتتميّز الرّواية بتعدّد الرواة. وقد استطاعت الكاتبة بهذا الأسلوب توضيح الصورة من زوايا مختلفة، وإعطاء صورة شاملة للأحداث، والخوض في نفسيّات الشّخصيات المختلفة، حتّى الجندي الصهيوني الذي أخذته نشوة الانتصار. لكن هذا التغيير سبّب إرباكا للقارئ في بعض الفصول، فلا يدرك أحيانا من الراوي حتّى يقرأ بعض الفقرات. وقد تطرّقت الكاتبة من خلال روايتها لموضوع آخر وهو ذوو الاحتياجات الخاصّة، من خلال شخصيّات بهيّة الكفيفة ومحسن المقعد، حيث نلحظ عدم الاهتمام الكبير بهما من ذويهما، رغم المشاعر الجيّاشة تجاههما، فقد رضوا أن يتركوهما خلفهما ويوصدوا الأبواب عليهما بعد وعد من قوات الاحتلال بنقلهما إلى قرية بيت عور، فهل كان سيحصل نفس الشيء لو كانا صحيحين؟ ثمّ تبين ساديّة المحتلّ وغطرسته والذي تركهما جائعين مسجونين، ثمّ سوّى البيوت عليهما دون أي اعتبار لإنسانيتهما. حبّذا لو جعلت الكاتبة أحد هاتين الشخصيّتين تروي ما حدث من وجهة نظرها، ونظرة الناس والعدو لها، وشرحت معاناتها وهي تنتظر الموت، كما فعلت مع الشخصيات الأخرى، لأضفى عنصرا إنسانيّا آخر على الرّواية. رواية (حرب وأشواق) عمل رائع يستحق القراءة، وإضافة كبيرة إلى المكتبة الفلسطينية وخاصة وأن الهجرة في عام 1967 وهدم القرى الثلاث لم يتم التركيز عليها بنفس القدر الذي نالته نكبة عام 1948، فالكاتبة لا تكتفي فقط بسرد الأحداث بل تكشف عن المشاعر والأحاسيس المصاحبة لتلك الأحداث، وتجعل القارئ يفكّر مليّا بأسباب الهزيمة، ويفهم ما يدور في حاضره.

وقالت: رائدة أبو الصوي:

استطاعت الكاتبة أن تنقل لنا في هذه الرواية صورا مؤلمة جدا، صورا واقعية حدثت في نكسة العام ١٩٦٧، التصاق الشخصيات بالأماكن . بالوطن قرى عمواس وابوغوش ويالو وبيت نوبا محطات مؤلمة جدا من تاريخ القضية الفلسطينية. شخصيات منتقاة بعناية استطاعت الكاتبة أن تجذبنا لمتابعة الأحداث بالرواية للصدق والواقعية في نقل التفاصيل الدقيقة. كاتبة تتمتع باحساس قوي جدا وعاشت النكسة، عندما يكتب كاتب من قلب المعاناة...من قلب الحدث تلامس تلك الكتابة الأعماق لديك، حرب وأشواق أهل المخيمات وبالتحديد. وصفت الكاتبة في هذه الرواية مخيم الوحدات في عمان والحياة في المخيم والحياة الصعبة التي اضطر أهل القرى المهجرة لعيشها، الكاتبة نزهة ابوغوش أسقتنا جرعة الهزيمة على دفعات، نقلتنا من محطة الى محطة بأسلوب شيق جدا ومؤلم، عدم المبالغة بالسرد والمصداقية أعطت الرواية هذا الجمال، ولا أبالغ اذا قلت حد الكمال شعرت بالارتواء. لم تترك لا شاردة ولا واردة في تلك الفترة إلا ونقلتها لنا. أبطال الرواية والشخصيات: بطل الرواية الطيار علي عبد الحكيم ابن قرية عمواس المهجرة، وبداية سرد القصة المؤثرة جدا، معاناة شعب اختزلتها الكاتبة في شخصيات الرواية علي وسميح وهلالة وليلى، وأمّ العرب وعزيز وأبوصالح ونجاح وجورج واولغا، وعدنان ومصطفى وعادل وسعاد وأبوفهمي وابوماهر والشيخ محمود، ومحسن وبهية والاعلامي أحمد سعيد. تتحدث الكاتبة بالرواية بلغة الأنا نحن الفلسطينيين الذين عشنا النكبة والنكسة، لغة الحاضر ولغة الماضي والأمل بالعودة غدر الدول العظمى للفلسطينيين روسيا وامريكا وبعض الدول العربية وخيانتهم للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، صورة الخيانة العظمى للشعب الفلسطيني ترجمتها الكاتبة في هذا النص. كانت خديجة تضحك اسنانها بيضاء ناصعة ظهرت من خلف المنديل الشّفاف. كلّ الرجال في بلدة لفتا راحوا يصفّقون . المرأة الروسية مريكا صعدت فوق الفرس . أطاحت بخديجة على الأرض . جاء روبيان ، صديقي، وسحب حطّتي وعقالي . رماني أرضا وراحت الفرس تتخبّط فوق صدري وبطني . ص (258 ) هذه الصورة تمثل الخيانة للقضية .كيف تتخبط المصالح فوق الضحية وهنا الضحية هي القضية الفلسطينية وشعب فلسطين. اختيار مهنة طيار لبطل الرواية علي عبد الحكيم اختيار موفق جدا. نحن نعيش على أمل، وبطل الرواية وابنه سميح من بداية الرواية الى نهايتها يبحثان عن الأمل، حالهما كحال معظم الفلسطينيين في المهجر وفي المخيمات، يحلمون بالعودة الى الوطن. استخدمت الكاتبة كلمات لامست أجمل ذكريات لدينا، وشعرنا بالشوق مثل: راحت تهيل على الأرض كل الفرشات والألحفة صفحة (٢٣) وصفحة (25) أنعف تلك الأوراق وأنبشها ورقة ورقة، والركسة والشبشب تاريخ شفوي جميل للأحداث عندما يبوح ابن البلد عن مشاعره نحو وطنه، تأتي الصورة أقوى جاءت العواطف متدفقة . في الرواية شهادات ناطقة قرأتها ما بين السطور عندما كانت الكاتبة تنتقل من قصة الى اخرى من نص الى نص .

وكتبت سوسن عابدين الحشيم:

الرواية هي عرض لسلسلة الاحداث المأساوية التس حصلت أيام الاحتلال الاسرائيلي لباقي الاراضي الفلسطينية عام ١٩٦٧ والتي فيها تم احتلال القدس، وهدم حارتي الشرف والمغاربة، وهدم بعض القرى الفلسطينية وتهجير قسري لسكانها، ومن هذه القرى قرية عمواس التي كانت محور الرواية التي تدور عليها الاحداث . استخدمت الكاتبة أسلوب السرد الواقعي حيث أن شخوص الرواية هم الرواة فكانوا يروون ما حصل معهم من مآسي وآلام إثر تهجيرهم من أراضيهم وبيوتهم، وحدوث نكسة فلسطين وتخاذل العرب والتخلي عن أرض فلسطين بما فيها القدس. فبعضهم أصيب بصدمة نفسية والبعض بذهول واكتئاب. تميزت الكاتبة بوصف حالة السكان الكئيبة بسبب اجبارهم على ترك قريتهم عمواس يحذوهم الأمل بالرجوع اليها والحلم الذي راودهم لفترة طويلة.. أحد ابطال القصة علي الأب وابنه سميح ومحبوبته ليلى وابن الخالة وغيرهم كلهم عانوا من التشريد والتهجير على أيدي المحتل الغاصب لأرضهم وبلدهم؛ ليعيشوا في بلدهم لاجئين او في مخيمات الاردن وسوريا. استخدمت الحوار بين الشخوص فلا يمل القارئ من الرواية، كما أنها قسمتها في عدة فصول، كل فصل يرويها بطل من ابطال الرواية، يروي فيها ما يختلج في نفسه من حزن وألم على ما آل إليه من قسوة الاحتلال وبطشه على شعب كتب عليه الشقاء من قبل مستعمرين يستوطنون ارضا ليست لهم، وليس لهم الحق فيها. عاطفة الحزن الجياشة التي خيمت على أبطال الرواية نساءا ورجالا اثر الحرب وسياسة المحتل البربرية في القتل والتهجير والهدم جعلت الرواية تتميز في تأثيرها الكبير على القارئ، وتحريك مشاعره وتزيد من عنصر التشويق . خاتمة الرواية تنتهي بفرح سماح وليلى وشفاء البطل القائد الثائر علي من سكونه وشروده الذي أصابه بعد النكسة. خلال القراءة كانت الكاتبة تثير بعض الأسئلة ليحللها كل قارئ حسب رأيه عن أسباب هزيمة العرب، وعن خسارة فلسطين وتخاذلهم اتجاه القدس والاقصى وحتى الآن، ولعل الكاتبة تهدف الى قراء هذا الجيل لأخذ العبرة وفهم قضيتهم التي يجب ان يدافعوا عنها ويسترجعوا حقوقهم، ويا ليت معلمي اللغة العربية عرض الرواية على طلبهم ومناقشاتها امام الجميع ...

وقالت نزهة الرملاوي:

حينما نكتب للقدس وأحيائها، نكتب عن البقاء، وكلما تعمقنا في النظر إليها، وجدنا أن لكل حجر فيها رواية، ولكل قوس حكاية، ولكل حارة ميلاد، ولكل قرية تاريخ، ولرائحتها عبق آخر، يسري في وجداننا حتى النهاية. حين تكتب الأحداث وتؤرخ بالقص والسرد مصائب وقلع وتهجير ألم بالوطن، من نكبة ونكسة وانشطار وتضييق، تكون شاهد عيان على تقلبات المرحلة، أو مستمعا أو قارئا جيدا لأحداث مضى عليها زمن، لكن أبعادها السياسية وتقسيماتها الجغرافية ماثلة أمام عينيك، لذا تكتب عنها، وتتعمد إفراز أحداثها ومصائبها لتقولبها تحت مسميات أدبية كالرواية والقصة القصيرة والشعر والخاطرة، فإنك وبلا شك تكون قد ساهمت في إبقاء موروثها وعاداتها وتقاليدها وأحداثها التاريخية والتعريف بأماكنها، ذلك ما يسمى المقاومة الثقافية، أو أدب المقاومة، الذي يتميز بتعريف الآخرين بقضيتنا وإحيائها سياسيا واجتماعيا ودينيا، فالوطن والقدس يستحقان الحياة والتضحية. من هنا نرى أن الكتابة عن القضية واجبة علينا ككتاب ومثقفين وأكاديميبن، لما تتعرض له فلسطين عامة والقدس خاصة من تهجير وتهويد، وأهل القدس ومن عشقها مقتنعون أنها تكتبهم ولا يكتبونها، حجارتها وقراها وأقواسها وأسواقها وناسها، تنادينا لنكتب حكاياتها، وأشواق من غيبهم التهجير وباتوا نواقيس تدق في عالم النسيان. لقد وفقت الكاتبة في بداية الرواية، بسرد رائع حين عرفتنا على بطل الرواية علي، وموقفه السياسي في روسيا، وتحدثت عن القوى السياسية آنذاك.

نقلت لنا في روايتها أحاسيس الأفراد الذين هجروا وتركوا قراهم مجبرين تحت نير السلاح والمجازر التي قضت عليهم بصدق، فاحسسنا أن الكلام يخرج منهم بعفوية. صدق ليلى في بحثها عن أفراد من قرية عمواس، إنما يسجل تعلق المغتربين والمهجرين بها، وأنهم سيعودون إليها عاجلا أم آجلا، هذه اللوحة من الاشتياق واللوعة تجلت عندما تلاقت مع أهل عمواس في الأقصى، أحسست كقارئة أنني أمام قلوب صادقة في مشاعرها، تحمل نفس الألم. الشخوص الذين تلاقت عيونهم بعمواس بعد ألف غياب، تعلق الحاجة زهوة بالشجرة ونبشها الأرض لتبين بلاط بيتها ولا تريد من أحد ان يهدئها، تريد أن يسمع العالم كله صراخها وقضيتها، صور تدفقت بعاطفة قوية من قبل أمّ محسن وهي تجثم على حجارة بيتها في عمواس، تقبلها حجرا بعد حجر ص283 وحديث الأستاذ صابر مع حجارة البيت بهدوء وسكينة، فقد ترجمت هذه الصور أوجاع المهجرين وذكرياتهم المؤلمة. لقد جاءت التساؤلات التي طرحتها الكاتبة ما بين الفينة والأخرى بالرواية، لتجيب عن مكنونات الحدث ودواخل الشخوص. وصفت الكاتبة الحياة الاجتماعية بشكل جميل ولافت، فقد عرضت بعض الأمثلة الشعبية، والأغاني والتهاليل، وأغاني الحرب والزغاريد التي جاءت لتخدم الأفكار، أضف الى ذلك اهتمامها بالتفاصيل الصغيرة في مسار التهجير ووصولا الى المخيمات. تفرعت الكاتبة بأحداث الرواية، فتحدثت عن القرى المهجرة، والشتات والسياسيين والاعلاميين والفلاحين البسطاء وحبهم العذري، وقد جاءت هذه القصص والحكايا كتاريخ شفوي أرخته الكاتبة بطريقتها الخاصة، حبذا لو غلفت تلك القصص والأحداث الواقعية بشيء من المحسنات والتشبيهات البلاغية. هناك بعض الهفوات التي جاءت بالرواية تكرار بعض الجمل مثل: يا أبا صابر عدة مرات في ص 197 الأسلوب كان في معظم أحداث الرواية كانت تقريريا، وبسيطا، ويبدو أن الكاتبة تعمدت ذلك للحقائق التاريخية الهامة التي مررتها الرواية..كدخول القوات العربية لتحرير فلسطين، وابتهاج الفلسطينيين بدخولهم حينما سمعوا وبشروا بقدومهم، وذلك من خلال التكبيرات والزغاريد، وتصوير التخاذل من قبل الحكومات، والانكسار في وجوه الناس، حينما اكتشفوا ان تلك الجيوش هي جيش الاحتلال، وسقوط فلسطين وتهجير الآلاف من قراهم ومنازلهم، لتقام المستوطنات على ترابها. وصفت الكاتبة طريق معاناة المهجرين في الطرق وفي الشتات والمخيمات، وتصوير البيوت والاراضي في عز أصحابها، وتصوير حالها بعد التهجير والغياب. أجادت الكاتبة تصوير وجوه الناس وحالهم المنكسر بعد النكسة وخيبات الرجاء من القيادات العربية وحربها غير المتكافئة مع اسرائيل. تطرقت الى القيادات في تلك الفترة كقيادة جمال بعد الناصر والجيوش العربية التي خرجت مهزومة بعد أمل التحرير. كذلك تحدثت عن طبيعة القرية والعلاقات الاجتماعية في الماضي، كالأكلات الشعبية مثل الكماميس ص120 ص109 وأنواع الشجر والثمر. في النص المعنون خلف الأبواب المغلقة،،كانت روعة الطرح والسرد والتساؤل والذروة عندما دخل اليهود عمواس لاحتلالها، اختباء ليلى وعدم التحاقها بأهلها وتذكر عمتها ظريفة التي ضاعت في حرب ١٩٤٨ ولم تلق أهلها إلا عن طريق الصدفة في منطقة سحاب في الأردن، وزواجها من ابن شيخ القبيلة، وثورتها على اللباس البدوي وعدم تقبلها رعي الغنم. تطرقت الكاتبة الى غناء عمتها ظريفة وتذكرها أهلها..مما اثرى الرواية وزاد من العواطف المتدفقة فيها، كعاطفة الحزن التي سيطرت على أجواء الرواية، والحنين والتذكر لأحباب وأماكن غابت وما تعد الا في وجدان الحاضرين. أسعفتنا الكاتبة بدفقات من الأمل اثناء سرد الأحداث، كما في نهاية الرواية، وعندما التقت ليلى بخيوط توصلها الى أحبابها من بلدة عمواس المهجرة، وحينما توج الحب بزواج ليلى من سميح الذي أحبته وأحبها قبل النكبة. اكثرت الكاتبة في كثير من المواقف بفتح باب التساؤلات، مما أوقع القارئ في الحيرة، وربما كان ذلك نتيجة المواقف والأحداث الصعبة التي مرت بها البلاد. في الصفحة 148 اقحام بعض الكلمات غير الضرورية وكانت مكررة مثل: أبي العزيز أقصد أبي الحبيب، أبي البعيد ايضا في ص 149 أرجوك يا والدي العزيز، اسمع يا أبي العزيز، استعملت نفس الأسلوب في ص 187 صديقتي ليلى أو عزيزتي ليلى أو أختي ليلى، ساكتب محبوبتي ليلى.صور جميلة أثناء لقاء سميح بليلى، تمنى لو يصور قلبه وعدد نبضاته التي تتغنى باسمها. اثرتنا الكاتبة بأسماء كثيرة لأماكن في القدس وشوارعها ومحيطها وقراها المحيطة بها والتي خدمت النص بشكل او بآخر.. كذلك أثرت الرواية بالكثير من الاشخاص التي تحركت بعفوية، ملائمة للأحداث. تمنيت لو حظيت النهاية بأسلوب آخر، فالقراء مختلفون في ثقافتهم وتذوقهم للأدب، كما أن معظم جمل الرواية جاءت بلغة بسيطة، تفتقد الرمزية، إضافة الى تعدد الرواة التي كانت تشتت القارئ في بعض الأحيان. حرب وأشواق رواية تلقفت الأحداث التاريخية والحكايا والقصص والإلهام من أشخاص عاشوا الألم بحذافيره، فكانت تتشابه مع الآخرين في رسم أحداث القهر والتهجير واللجوء في عصري النكبة والنكسة وهروب الانسانية من قلوب المغتصبين. لا يتوفر نص بديل تلقائي.

وقالت رفيقة عثمان:

سردت الكاتبة أحداث دراميَّة لحرب النكسة، 1967 تهجير أهلها وهدم قرية عمواس، فوق عددٍ من النساء والرِّجال المقعدين والشيوخ الذين لم يستطيعوا اللحاق بالأهل.

تحدَّثت الكاتبة الأحداث الدراميَّة المؤلمة على لسان ، على لسان شخصيَّات أبطال الرّواية ولم تظهر شخصيَّة الكاتبة خلال نصوص السَّرد إلّا أن الكاتبة جيَّرت خبرتها الخاصَّة؛ ودرايتها ومعاصرتها للأحداث المؤلمة لحرب النكسة؛ وطعَّمتها بالعاطفة والخيال الخصب؛ لدرجة يصعب التمييز بين الخيال والحقيقة، ممَّا يجعل القارئ متشوِّقًا لقراءة الرواية بشكل متواصل، طغت مشاعر الحزن والألم، واليأس والإحباط على العاطفة، حيث احتلَّت العاطفة الحزينة مساحة واسعة بقدر الحزن والألم الذي واجه مصير الفلسطينيين المُهجَّرين من قرية عمواس.

الحب في هذه الرواية كان غير مُصرَّح به، حيث كان الحبيب سميح يحمل مشاعر الحب الدَّفينة، ولم يبُح بهه علنًا، وكان استخدام الكاتبة متحفِّظًا في استخدام العبارات والكلمات الي تحافظ على قدسية العلاقة بين سميح بن البطلة؛ والتعبير عنها بالحوار الذَّاتي، والتذكُّر، لدرجة كان الحب حبَّا عذريَّا يحمل معاني سامية للحب والمحبوبة؛ بما يتلاءم مع عادات وتقاليد تلك الحقبة الزمنيَّة؛ وربَما هذا هو النهج الذي تنتهجه الكاتبة في التعبير عن العلاقات بين الجنسين بطريقة راقية وسامية.

الجدير بالذكر بأنَّ الكاتبة نجحت بذكاء في تحريك الشخصيَّات بسهولة، دون جهد منها، حيث كانت تخدم المواقف والأحداث، من خلال استخدام الحوار الذاتي (المونولوج) والسرد بلغة فصحى سلسة ذات بلاغة عالية، مع استخدام اللغة العاميَّة لِما تتطلبه المواقف والأشخاص.

تعتبر هذه الرواية من الجنس الأدبي الواقعي، في زمن ومكان محدَّدين، وأحداثها مكمّلة لأحداث رواية "خريف يُطاول الشَّمس" الجزء الأوَّل للكاتبة نزهة أبوغوش؛ حيث ارتكزت الرّواية على شخصيَّة البطل الرئيسيّة (علي) الذي اختفت آثاره في نهاية الرواية الأولى بعد النكبة؛ وتابعت الكاتبة سرد الأحداث أثناء النكسة بعد عشرين عامًا. في الجزء الثاني للرواية "حرب وأشواق".

ديمة جمعة السمان

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى