«بوح الحياة» لسربند حبيب
أصدر الكاتب السوري، سربند حبيب، مجموعة قصصية، هي الأولى له، تحت عنوان «بوح الحياة». أصدرها عن دار «نوس هاوس» للنشر والترجمة والأدب، والتي وقعت في مائة وثماني صفحات، وضمّت بين دفّتيها ست وثمانين قصة قصيرة جداً، كانت شاهدة على عالم القاصّ الذاتي، الذي هو انعكاس للشعور الجمعي، عالم مكتوب بأحاسيس ومشاعر كبيرة.
تحتوي المجموعة على قصص مقتضبة منوّعة من الحياة اليومية، أغلبها واقعية مشوبة بخياله، سلّط فيه الكاتب الضوء على معاناة الفرد أمام المجتمع القاسي والمستكين لقوالبه الجامدة والمتخلّفة، وظلمه للإنسان، سواء بقوة العادات والمفاهيم المتخلّفة، أو بقوة السلطة الراسخة، والتي تسعى لإدامة قيودها.
كما تقوم على بعض القصص التي تصوّر الذات الإنسانية في تشظّيها، سابرة عوالمها الداخلية وصراعاتها المشحونة عاطفياً بمشاهد تصويرية سريالية، لتستدرج القارئ لمشاركة تخيّل الحدث وإتباع خيوطه المتعدّدة والمتشعّبة، وليصبح شريكاً في الكتابة.
وقال سربند حبيب عن مجموعته القصصية: «لم أكن أدري بأن حكايات جدّتي ستكون بمثابة باب للولوج إلى عالم الأدب، فعندما كنّا صغاراً، وفي ليالي الشتاء الطويلة، كانت تنقطع الكهرباء كثيراً، فكانت جدتي على ضوء الفوانيس تسرد لنا قصصاً من وحي خيالها، عن الإنس والجن وأبطال خرافيين، فننام على هسيس كلماتها، لتصبح تلك القصص جزءاً من ذاكرتي، فعندما تعلمت الكتابة ولأول مرة ترجمت إحدى قصصها من المخيلة الكردية إلى اللغة العربية المكتوبة».
وأوضح حبيب عن سبب اختياره للقصة القصيرة: «لقد انجذبت إلى هذا الجنس الأدبي؛ لخفّته وقصره وزخمه، فهو مؤهّل ليتماشى مع روح الإنسان المعاصر، الذي لم يعد يرغب في إرهاق نفسه، فهو يريد الوصول بسرعة بدون جهد عقلي، لذلك نرى بأن القصة القصيرة قد تطوّرت إلى القصة القصيرة جداً، وهذه الاستجابة طبيعية لما يقع من تحولات مجتمعية كبيرة، وكنتيجة حتمية لتطوّر العصر ووتيرة الحياة، التي تتّسم بإيقاع السرعة والتطور التكنولوجي الهائل، فهذا الجنس يتخلص من شحوب الإطناب والزوائد اللفظية (الكتابة الكوليسترولية)، التي تتخم ذائقة القارئ، الذي بات ينفر من كل ما يثير ملله وسأمه من الكتابات الطويلة، التي تتصف بالبطء في إيقاعها، لذلك انصاع قلمي لهذا المولد الجديد في الساحة الأدبية، فواظبتُ على الكتابة».
ونقرأ من الكتاب قصة عنوانها «معجون الأسنان بطعم المُخاط»:
صدى تلك الجملة «أخرجْ إصبعك من أنفك، لا تلحسْ مُخاطك»، باتت محفورة في ذهنه منذ نعومة أظافره، كان دائماً يتلقّى العقاب والتوبيخ من أمّه على هذه العادة السيئة، كبُر وأصبح يافعاً، فحدثت حرب دموية في بلاده، اختار الهجرة واللجوء إلى بلد آمن.
ذات يوم وبينما كان عائداً مع صديقه النمساوي إلى بيته، في المترو، رأى طفلاً طليقاً يتلذّذ لحس مُخاطه بشراهة، فتذكّر فوراً عقاب أمّه وجعجعتها، كاد يهجم الطفل ويمنعه من ذلك، لكن صديقه حظره ومنعه من ذلك؛ فتعجّب مستفسراً:
إن دولتكم حضارية ومتطوّرة، كيف تسمحون لأطفالكم بأكل مُخاطهم هكذا؟!
أجابه:
نعم يا صديقي! نحن دولة متقدّمة، وأكل المُخاط ليس عادة يمارسها الصغار، وإنما الكبار أيضاً، عندما كنت في المرحلة الابتدائية كانت لي صديقة تمارس هذه العادة، وفي كثير من الأحيان لا تشبع من مُخاطها، فكان الأصدقاء يجلبون لها المُخاط الفائض لديهم، وهي تخزنها وتستمتع بأكلها، فقد ثبت علمياً أن «الميوسينات» الموجودة في المُخاط تقي الأسنان بشكل طبيعي من تكوّن البكتيريا الضارّة على الأسنان وإفراز الحمض، الذي يسبّب تآكل طبقة الميناء وسطح الأسنان الخارجي، فخيراتكم كثيرة، لكنكم لا تستفيدون منها.
هذا واعتمد الكاتب في هذا العمل القصصي على تقنية التكثيف وضغط عناصر السرد داخل هذا القالب الأدبي الصغير جداً، وكذلك خاصية الحذف والإضمار؛ لكسر رتابة الزمن وتجاوز النسق الخطي، ولتسريع من وتيرة الأحداث من خلال تجاوز فترات زمنية دون الإشارة إلى الوقائع التي حدثت فيها.
وتتنوع القصص بالصور والإسقاطات والرموز عبر رؤيته الذاتية، فأسقط أفكاره بفعل التخييل القصصي من الواقع، ولم يستطع الانفصال عنه، لأنها الملهم لأي عمل فني – بحسب القاصّ – إذ ثمة علاقة وثيقة ما بين الأدب والواقع، ومن هنا يتجلى «بوح الحياة» مشكلة قصصاً تبحث عن قارئ نَهِم يقرأ ما وراء الكلمة وبين ثنايا السطور العلاقة الجدلية لروح النص.
والجدير ذكره، أن سربند حبيب، قاصّ وكاتب كردي سوري، من مواليد كوباني 1983م، تخرّج من كلية التربية قسم (معلم صف) بجامعة البعث في مدينة حمص، عمل في مجال التدريس للمرحلة الابتدائية، يكتب باللغة العربية قصصاً قصيرة جداً، وله كثير من مقالات رأي وقراءات أدبية وفنية منشورة في كثير من المواقع الالكترونية والصحف العربية والكردية، يعمل كناشط إعلامي مدني في جمعية سبا الثقافية، ومؤسس لموقع سبا الثقافي الإلكتروني.