الخميس ٨ آذار (مارس) ٢٠١٨
بقلم مهند النابلسي

فيلم التحريك الجديد المبهر «كوكو» (2017):

فانتازيا الثقافة المكسيكية الآخاذة وبراعة الاقتباسات اليابانية:

هيمنة الجينات وتداخل الثيمات في تحفة تحريكية تتضمن:

جمالية التحريك والأكشن والمغامرات الحافلة بالمغزى والحكم والأحداث، والبحث عن بركة الأموات الأبدية لانهاء اللعنات العائلية، ومغامرة السفر الشيقة لأرض الأموات، للكشف عن زيف الادعاء، ولتبديد الافتراء، ولكيفية التخلص من كابوس النسيان لتفادي الهذيان والذوبان، وكيف يرتبط الأحياء بالأموات بنسيج الذكريات التي تحقق المعجزات، وتخلد أعذب النغمات عبر الثقافات، الحافلة بالتلوينات والحركات والمفاجاءآت...

يتحدث عن موسيقي شغوف يواجه بمنع اجداده القدماء للموسيقى، ثم يضطر لدخول "أرض الموتى" للبحث عن جده الأكبر، الذي يتبين انه مغن كبير: يعتبر هذا الشريط بمثابة متعة بصرية خالصة مدمجة مع سيناريو متماسك شيق، يتحدث عن ثيمات العائلة والذكريات والصداقة، متعمقا بشغف بالتفاصيل، طارحا أسئلة محورية حول كل من الثقافة، العائلة، والحياة والموت بطريقة آخاذة جاذبة.

*بالرغم من حرمانه القديم من الموسيقى، يناضل ميجيل (أنتوني كونزالس) لكي يصبح موسيقيا متمكنا مثل نموذجه المحبوب أرنستو دي لا كروز (بنجامين برات)، يائسا ومحبطا من امكانية اثبات موهبته واظهارها، مما يضطره للقيام برحلة خيالية-سيريالية لأرض الموتى (في مشاهد ملونة مدهشة)، حيث يتعرض لسلسلة من الحوادث الغامضة والمحيرة، ويلتقي في طريقه بشخصية جذابة غامضة تدعى هيكتور (جاتل جارسيا مارنيل)، وحيث يقومان معا برحلة غير اعتيادية لكشف خفايا اللغز المحير وراء أسباب منع عائلة "ميجيل" للموسيقى...
*هذه التحفة التحريكية الشيقة هي من اخراج كل من: لي اونكرش وادريان مولينا، وبطولة أصوات كل من: انتوني كونزالس، جارسيا بيرنال ، وبنجامين برات:

*التسلسل "الغير تتابعي" للأحداث:

*قلب القصة:

يواجه ميغيل هيكتور في أرض الموتى، وهو مجرد هيكل عظمي، ويلعب مع أرنستو، ثم يطلب هيكتور من ميغيل أن يأخذ صورته ثانية معه لأرض الأحياء، حتى يتمكن من زيارة ابنته للمرة الأخيرة (الجدة العجوز الآن كوكو)، قبل ان تنساه ويختفي ويذهب الى غياهب النسيان، وعندما يكتشف هيكتور أن لميغيل أقارب موتى آخرين يبحثون عنه غير أرنستو، عندئذ يسعى جاهدا لاعادته لأقاربه، ولكن ميغيل يشعر بالخطر فجاة فيهرب في اللحظة الملائمة، ويتسلل الى قصر أرنستو، ويعلم حينئذ ان صداقتهما قد توترت قبيل وفاة هيكتور، ويرحب أرنستو بميغيل كحفيده ومن سلالته...ولكن هيكتور يواجههما اخيرا، ويطالب ميغيل مصرا على أخذ صورته، فيتحقق هيكتور حينئذ من حقيقة موته، ويقوم أرنستو بتسميمه وسرقة "الجيتار" والأغاني التي كتبها، ومن ثم يسعى لأن ينسبها لنفسه لكي يصبح مشهورا...كما يسرع بسرقة صورة هيكتور، ويلقي به وبميغيل كليهما في الحفرة!

*الفقرة الأخيرة من الحبكة المعقدة:

*عندما تشرق الشمس يصبح هيكتور في طي النسيان مختفيا، فتقوم "ايملدا" بمباركة ميغيل دون شروط مسبقة ليتمكن من العودة سالما لأرض الأحياء، ويقوم حينئذ بلعب اغنية جميلة لكوكو، هي نفسها التي كتبها يوما ما هيكتور خلال فترة طفولتها، مسترجعا الحنين للطفولة والموسيقى الصادحة الاخاذة، عندئذ "تشعل" هذه الأنغام ذاكرتها المتعلقة بذكرياتها مع هيكتور، وتنشط طاقتها، فتعطي ميغيل القطعة الممزقة "المخفية" من صورة "اوفريندا"، والتي يظهر فيها وجه "هيكتور"...ثم تتصالح ايلينا مع ميغيل، وتتقبل موسيقاه راجية منه ان يعود وينضم للاسرة.

*بعد مرور عام واحد، يعبر ميغيل بوابة العبور "اوفريندا" عائدا لعالم الأحياء، ويقدم صورة للراحلة "كوكو" كاهداء للمولودة الجديدة، ويتبين من الرسائل القديمة التي حفظتها كوكو أنها تتضمن اثباتا بأن "أرنستو" كان قد سرق موسيقى وألحان هيكتور، وكنتيجة لذلك تدمر اسطورة أرنستو ويزول مجده، وينظر له الجمهور بازدراء قبل ان يلقى حتفه، فيما يتم تكريم هيكتور بدلا منه، وهناك في أرض الموتى، ينضم كل من هيكتور وايميلدا لكوكو لزيارة "ريفيراس" الحية، كما يتحف ميغيل الجميع باغنية جميلة وموسيقى صادحة متوجها لجميع أقاربه المشدوهين: الموتى والأحياء على حد سواء.

*الاستهلال:

* كانت عائلة الام "ريفيرا" في الأصل عائلة موسيقية، ثم تحولت لأسباب مجهولة لصناعة الأحذية بعد مغادرة الزوج فجأة، ولكن الحفيد الصغير ميغيل ذي ال12 عاما، ورث هذه الموهبة، وأصبح يحلم في سره لكي يصبح موسيقيا مثل "أرنستو دي لاكرو"، النجم والمغني الشعبي المشهور من جيل "ايميلدا" المنصرم، وفي يوم ما يتلف ميغيل عن غير قصد صورة "ايميلدا" من وسط صورة العائلة ويزيلها...ثم يكتشف حينها أن زوج ريفيرا (المنزوعة صورته) كان يحمل بفخر غيتار "أرنستو" الشهير، وفي وقت لاحق وعندما يسعى ميغيل للمشاركة في عرض المواهب احتفالا بيوم الموتى (المكسيكي التراثي الشهير)، يفاجىء بقيام امه "الينا" بتدمير غيتاره غضبا ورغبة من العائلة لاعادته لصناعة الأحذية...

ملخص نقدي:

*فيلم ذكي يسرد بسلاسة حبكة معقدة وقادر على احتواء التواءآت ومنعطفات القصة المعقدة والبالغة الطرافة والظرافة، يخوض بعمق في الثقافة والأساطير المكسيكية، طارحا بهجة مشهدية نادرة مع طاقة كوميدية وعاطفة متدفقة، محسوب جيدا ويتمتع بتناغم عاطفي مؤثر، ويحاول ايجاد المعادلة الدقيقة ما بين العائلة والاحساس الفردي بالهوية والموهبة متوغلا بحس المغامرة الحابسة للأنفاس، التي تطرح العلاقات بين الفرد والعائلة والمجتمع بشكل جديد وطازج واستثنائي ...يحتوي على الكثير من المفاجاءآت الشيقة، ويتحدث بروح درامية جذابة عن العلاقة الوثيقة الخالدة ما بين الأحياء والموتى...يقرب هذا الشريط المسافة بين الأحياء والأموات، محاولا "تجميل" الموت وبناء تآلف فريد طريف وحتى الطريق لعالم الآخرة فيبدو "ذهبيا ورخوا" وحيث يعيش الموتى هناك بحالة من الراحة الأبدية والانسجام والترفيه واللامبالاة ونرى "ميغيل" في بداية دخوله لهناك وهو يخترقهم كأشباح، ويتحفنا بمشاهد حركية متواصلة لبراعة استخدام العظام والمفاصل والجماجم بشكل بهلواني متواصل، منها الفصل واعادة اللصق و"التطيير" في الهواء، وتصوير "السلفي" للجماجم منفصلا عن الهيكل العظمي، كما يحتوي على لقطات لاهثة كالسقوط في الماء ومن المرتفعات والانتشال في االلحظات الأخيرة بواسطة النمر الوحشي الطائر ومساندة للكلب الظريف دانتي (بحركاته التهريجية المضحكة)والذي "تلون" بدوره في العالم الآخر (اسوة بالنمر الطائر) قبل ان يعود لشكله الطبيعي في عالم الأحياء، وحيث تماثلت ألوانه الفاقعة مع ألوان النمر "بيبيتا"، كما يبدع بتصوير عيون الموتى الجاحظة والواسعة التي تبدو وكأنها "مكحلة"، كما يطرح رؤيا خيالية مبتكرة لفكرة "التذكر"، حيث لا مجال لدخول عالم الأموات بواسطة بوابة "اوفريندا"(التي تشبه بوابة دخول المطارات) بدون بصمة الذكريات تعريف الشخصية المسجلة مسبقا على الشاشة، وهنا يعزز أهمية مفهوم استرجاع الذكريات مع الراحلين، ويتمثل ذلك جليا بمشهد الجدة كوكو المتهالكة، التي ينجح حفيدها الصبي باحياء ذاكرتها واعادتها للحياة بواسطة عزف جيتاري جميل لاغنية حميمية غناها والدها الراحل لها قبل مغادرته لاسرته!

*قد يكون واحدا من أروع واجمل أفلام التحريك الملونة التي انتجتها شركة "بيسكار" في السنوات الأخيرة، كما يمثل معلم ثقافي لامع لديزني في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين: يطلق فانتازيا حركية لا تعرف الحدود، وتتحدث عن شجاعة واقبال فتى يانع يرغب بشدة وشغف لأن يكون موسيقيا في مواجهة عناد العائلة واصرار والدته "الخمسينية" وممانعتها الوراثية، يقدم لنا تحفة كلاسيكية فريدة في فن التحريك السينمائي المذهل، ويسلينا بتقديم تفاعلات جميلة للثقافة المكسيكية والأغاني المؤثرة مع الألحان الشجية، وينغمس بخيالات مدهشة لعالم فانتازي حافل بالتفاصيل والحيوية والتلوين الجميل الآخاذ، ملهم عاطفيا ويقتبس بعض البصمات اليابانية من معلم التحريك الياباني الشهير ""هايوا يازاكي"، وخاصة بطريقة تداخل الأحياء مع الموتى، كما باظهار بعض المخلوقات الغرائبية مثل "دانتي وبيبيتا" (وهما يمثلان الكلب الظريف والنمر الوحشي الطائر الملون)، كما يبدع "مصمم الانتاج" بتجسيم الوجوه بدقة مع كثرتها، اما ملاحظتي الأخيرة فتتعلق باسم الشريط الذي كان يفضل ان يسمى "ميجيل" باسم البطل الفتي العنيد، ولكنهم ربما فضلوا اسم "كوكو" لايقاعه الموسيقي اللافت!

 Coco.. البحث عن الشغف في أرض الموتى

هذا الفيلم لك ولطفلك، سيمنح طفلك طاقة البحث عن شغفه في الحياة، ويجعلك – كوالد أو والدة – تقدر هذا الشغف وتنميه، فيلم الرسوم المتحركة «Coco كوكو» يقوم ببطولته الصوتية الطفل أنتوني جونزالز، وأخرجه لي أنكريش، الذي شارك في صناعة أفلام الرسوم المتحركة «Toy Story – قصة لعبة» ، وفيلم «Finding Nemo – البحث عن نيمو»، و«Monster Inc – شركة المرعبين

تاريخ المخرج الإبداعي ليس السبب الوحيد لترشيح هذا الفيلم في قائمة أفضل أفلام 2017، بل القصة المُلهمة للفيلم هي التي وضعته في تلك المكانة، إلى جانب الإبداع الموسيقي المُبهج في أحداث الفيلم، والذي تدور أحداثه حول طفل يعشق الغناء والموسيقى، ويجد شغفه فيها، ولكن الأب والأم لم يدعموا ابنهما لمطاردة حلمه؛ فيعود الطفل إلى أرض الموتى، حيث يقابل جده الذي يتبنى موهبته ويشجعه على تطويرها...وبينما وصلت إيرادات الفيلم 500 مليون دولار، كانت ميزانيته 175 مليون دولار، وجاء تقييمه على موقع (IMDB) بتسع نقاط من 10


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى