الأربعاء ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٩
بقلم سهيل عيساوى

قراءة في قصة الفقير الغبي للكاتب نجيب نبواني

قصة الفقير الغبي، تأليف الكاتب الدكتور نجيب نبواني، رسومات ايرينا كركبي، اصدار الكلية العربية للتربية - في اسرائيل - حيفا – مركز ادب الاطفال، مراجعة لغوية لبنى صفدي، سنة الاصدار 2000، تقع القصة في 24 صفحة.

القصة: تتحدث القصة عن رجل فقير عاش في احدى القرى، لكن لحظه السيئ لم يعثر على عمل، متزوج وأب لخمسة اطفال، توجه الفقير الى أحد العرافين، فدله على صخرة الحظ، والتي يمكن ان تهبه الحظ، لكنها بعيدة عن قريته، قطع الرجل الفقير مسافات شاسعة، في طريقه صادف في الغابة ملكها الأسد، وكان مريضا،عندما عرف ان الفقير يقصد صخرة الحظ طلب من الفقير ان يستفسر له عن الدواء للشفاء، وعندما واصل طريقه استراح في ظل شجرة وارفة الظلال ـ لكنها كانت تعاني من المرض، فهي تزهر ولا تثمر، فطلبت ان يستفسر لها من صخرة الحظ عن وضعها وعندما واصل المسير اقترب من قصر منيف، ادخله الحراس الى الملك اعتقادا منهم انه ينوي السرقة، فقال للملك انه ذاهب الى صخرة الحظ، فطلب منه الملك ان يسأل صخرة الحظ عن حكمه وحظه، اخيرا وصل الى صخرة الحظ الغريبة، سأل عن حظه، وعن حظ الملك، والدواء للأسد وللشجرة، وأجابته الصخرة عن جميع الاستفسارات، عندما وصل الى الملك قال للملك انت ملكة وليست ملكا وتنصحك الصخرة بالزواج وعدم اخفاء الامر، فقال الملك للرجل الفقير هل تتزوجني، لكن الرجل الفقير رفض ليعود لزوجته واولاده، أما الشجرة فقال لها ان تحتها كنزا يجب قلعها واخراج الكنز ثم نقلها الى مكان اخر، لكن الرجل الفقير رفض قلعها والحصول على الكنز، وعندما وصل الى الاسد قال للأسد “انك بحاجة الى دماغ انسان احمق وغبي كي تشفى من مرضك “ عندها فهم الاسد الرسالة وضرب الرجل على رأسه ليأكل دماغه.

ملاحظات على رسالة الكاتب:

 العنوان: من خلال العنوان الصق الكاتب، تهمة الغباء بالرجل الفقير،بل اسقط ايضا كلمة”رجل “كأن الغباء مقرون بالفقر، أو الفقر مقرون بالغباء، العنوان جاء بصيغة مباشرة وتقريرية، قضى على متعة القارئ في اكتشاف احداث القصة، في اعتقادي الكاتب لم يوفق في اختيار العنوان المحفز للقارئ النهم، فهو اختصر القصة بالعنوان.

 التوجه للعراف: من خلال القصة يتوجه الرجل الفقير الى عراف كي يرشده الى حل، فيرشده الى صخرة الحظ، والاتكاء على العرافين هو النقيض للعلم.

 الفقر والسرقة : عندما اقترب الرجل الفقير من قصر الملك، اعتقله الحراس ظنا منهم ان لص وينوي السرقة مع ان الرجل لم يقم باي حركة تدل على نيته السرقة.

 رفض الزواج من الملكة: رفض الرجل الفقير الزواج من “الملك"، بسبب ارتباطه والتزامه نحو زوجته واسرته المكونة من خمسة اولاد. هل هذا الموقف ينم عن غباء؟ بل موقف رجولي انساني مبدئي، التزام برباط الزواج المقدس.

 التخفي: كيف نجح الملك في اخفاء كونه ملكة عن شعبه طيلة فترة حكمه؟ وهل ترفض الشعوب تنصيب الملكات على العروش؟عبر التاريخ تقلدت عدة ملكات سدة الحكم وفي الشرق الاسلامي حكمت شجرة الدر في مصر، لم يمنحنا الكاتب سببا لإخفاء جنس الملك، كذلك لم ينصدم الملك بعد ان اخبره الرجل الفقير بالأمر.

 الشجرة والرجل الفقير، عرضت الشجرة على الرجل الفقير قلعها ونقلها الى مكان اخر، مقابل حصوله على الكنز الذي تحتها، هكذا تنجو من المرض وتثمر، وهو يودع الفقر الى الابد، لكنه رفض بحجة العودة الى اسرته، جواب الرجل لم يكن مقنعا للقارئ، لو وافق الرجل لتغير مسار القصة وحظ الرجل.

 الذهاب سيرا الى الموت: عاد الرجل الى الاسد يحمل له رسالة موته دون ان يفكر ولو للحظة، هذه الموقف يذكرنا بقصة شاعر الجاهلي طرفة بن العبد، حمل رسالة مغلقة مع خاله الشاعر (المُتلمس) كُتب فيها حتفيهما، فسارا بهما إلى (عامل البحرين) حينها، فأطلع المتلمس خال طرفة على الرسالة فوجد إنها تأمر من يُقتل حاملها فرماها في نهر الحيرة وفر هارباً إلى الشام، ونصح طرفة بن العبد على الهروب معه لكنه رفض وذهب إلى الوالي.. فأطلع على الرسالة فقتله.كذلك الرجل الفقير قال للأسد عن دواء، فالتقط الاسد الاشارة وانقض عليه ليلتهم دماغه.

 صخرة الحظ: الكاتب يضع اسرار الكون في يد صخرة صماء.

 نهاية القصة: هنالك تناقض بين ما ورد في نهاية نص القصة “ فهم الأسد وضرب الرجل الفقير على رأسه ليأكل دماغه “ وبين اللوحة الاخيرة في القصة التي توضح ان الرجل يعانق اطفاله أمام عيون زوجته، فهل افلت الرجل من مخالب الاسد؟.

خلاصة: قصة الفقير الغبي، جاءت الرسالة التربوية والانسانية مشوشة، لان الكاتب وضع العنوان وحاول مطابقة الأحداث للعنوان، حاول الصاق تهمة الغباء بالرجل الفقير، من ناحيته هو صاحب الحظ السيئ، واضاع فرصة تلو الفرصة للتخلص من الفقر، لذا دفع ثمن تجاهله لحبال النجاة التي القيت اليه، من براثن الفقر. وهنالك سؤال فلسفي، ما هو مدى مسئولية الانسان الفقير عن وضعه الاقتصادي؟ هل الدولة أو المملكة او القرية لها اصابع وخيوط في وقوع الناس في شباك الفقر؟ هل البيئة والاسرة شريكة؟ لم يوضح لنا الكاتب اذا كانت هنالك علاقة بين كون الرجل أب لخمسة أطفال أي صاحب أسرة مباركة الأولاد وحالته الاقتصادية.

قد يكون الكاتب أراد ان يوضح لنا العلاقة بين الذكاء والغنى، والعلاقة بين الفقر والغباء، من خلال الحكاية، لكن الامور في الحياة اليومية ليست بهذه البساطة: أبيض وأسود، انما الامور متشابكة ومتداخلة ومركبة،ولا شك مكافحة الفقر (مسؤولية الجميع) يقول الأمام علي بن ابي طالب”لو كان الفقر رجلا لقتلته “ والكاتب الدكتور نجيب نبواني لم يقترح حلولا علمية لمكافحة الفقر والبطالة مثل العمل والاجتهاد والتكافل الاجتماعي، والدعم الحكومي، زيادة الثقافة، التعليم، العدالة الاجتماعية، خلق فرص عمل جديدة، وتوزيع الثروات، ونشر ثقافة السلم والسلام،في القصة نلحظ الصوت الارستقراطي، الذي لا ينحاز الى الفقراء والبسطاء.

القصة لغتها جميلة وسلسة وواضحة ومترابطة، لكننا نختلف مع الكاتب حول رسالتها والقيم التي تحملها في ثناياها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى