الجمعة ٢٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٧
بقلم صباح الشرقي

قضايا وحقوق المرأة هي كذلك قضايا الرجل والمجتمع

من العبث طرح قضايا شؤون المرأة على أنها حكر عليهن، حسب إحصاءات دولية أن نسبة النساء تمثل نصف سكان العالم أو أكثر بقليل، فالنساء في الدول المتقدمة تمكنت من الحصول على حقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة لتطور الأفكار وثقافة تلك المجتمعات، إلا أن المرأة العربية لا تزال في أعين الكثير لا تصلح إلا لغسيل الأواني وحفظ النسل، لما وقع على حقوقها من تعسف وتمييز واضطهاد تحول إلى تخلف إنساني

من المؤكد أن سياسة البلدان العربية وأقطار العالم الثالث غير رشيدة في جزئها الأكبر الذي يتكالب على حقوق المرأة لتصبح أول ضحاياها، بالرغم كون المرأة لازالت تواصل نضالها الشاق إضافة إلى واجباتها المنزلية وأعمال أخرى تنجزها فتأوي إلى السرير غالبا في ساعة متأخرة من الليل وجسدها الضعيف متهالك من التعب لتقوم في الصباح وتبدأ يوم جديد بما يحمله من مصاعب بدون كلل أو ملل.

كيف نتصور وضع المرأة في الدول العربية ودول العالم الثالث إذ أصبحت مجرد نقطة لمظاهر عديدة من التخلف الفكري والحضاري والثقافي يفضي إلى فوارق محبطة.

الأمر أضحى مستعصيا خصوصا في القرن الواحد والعشرين وما حضي به من تقدم وتغيير شامل إذ تضاعفت الأصوات والأقلام المناهضة للدفاع عن شؤون المرأة العربية من خلال المناقشات والقوانين والتشريعات والآراء الواسعة والمختلفة منها المتباعدة والمتقاربة، لكن بالرغم من كل هذا لم تأتي ثمارها المرجوة ولازالت المراهنة تدفع فيها النساء الثمن باهضا من اجل تحقيق إنسانيتهن وكرامتهن في ظل تغيير حضاري واجتماعي وفكري من الصعب حل جل الظواهر والمشاكل والمتناقضات التي تتخبط فيها الأمة العربية.

نجد الكثير مؤمنون ومقتنعون بأن حق المرأة متشابه في كل الأقطار العربية إلا أن بعضها له خصوصية لا يسع إنكارها خصوصا أن نصف سكان الوطن العربي هم من النساء أي ما يناهز 170 مليون نسمة وهذا الكم البشري له كذلك حقوق وعليه واجبات. ولأن المرأة ولدت حرة متساوية مع أخوها الرجل في الحقوق والكرامة غير قابلة للتجزيء إلا أننا نلمس أن جل القوانين والتشريعات الجديدة ما هي إلا حبر على ورق، لا تطبق فعلا وفكرا وممارسة على ارض الواقع الملموس والمحسوس وبالتالي تعطل سيرها وتقف حاجزا صلبا أمام قدراتها وتسحق كرامتها الإنسانية.

الحديث عن حق المرأة لا يجري بمعزل عن حقوق الرجل، ولا يستقيم هذا في جزئه الأخير إلا بفهم واضح وعقلاني أمام وضعية المجتمع العربي الحديث بما فيه من قهر وثقافة مشحونة وتفكير الرأي العام في ظل القيود الاجتماعية والإحباط والاضطهاد فمصاب النساء فيه أعظم من مصاب الرجل بكثير، وحق المرأة العربية محاصر داخل متسع ضيق ، عسير ومعقد.

المشاركة في شؤون الوطن ضمن الموازين القانونية والشرعية والمساهمة البناءة في المجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حكرا على الرجل فحسب بل هو حق وواجب شرعي كذلك على المرأة والذي نص عليه القرآن الكريم في سورة التوبة ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) كذلك الحديث الشريف الذي يقول ( النساء شقائق الرجال).

المرأة التي جثمت على حقها نكسة التقاليد القديمة والتأويل الضيق، هي التي تعد الستر والحجاب من النار لأخوها الرجل يوم القيامة، ففي سياق الحديث الشريف ( من ابتلى من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار) ما يمكن التقاطه من هذا الحديث هو أن العصر الجديد لم يعد يفرض الشريعة الإسلامية كمصدر له الأولوية في التشريع وإصدار القوانين من اجل ترسيخ هذا التميز لأن هذا أمر ليس مصدره الإسلام بقدر ما هو تأويل بعض المفكرين على أساس تحليلهم للآية الكريمة ( الرجال قوامون على النساء ) حيث خرجت نتائج الاجتهاد الذي تناول الآية الكريمة بتأويل على أن القوامة تعني الأفضلية لا المساواة.

العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الإسلامي وداخل الأسرة تقوم على أساس التكامل بين أدوار هما - وهو ما يسمى بالتكامل الوظيفي-، ومن مقاصد هذا التكامل: حصول السكن للرجل والمودة والرحمة بينهما، قال سبحانه: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)الروم (21)، ولفظ السكن لا يوجد أبلغ منه في اللغة العربية، وربما لا يوجد - كذلك - في لغات أخرى، فهو يعني جملة من المعاني منها : الأمن، والراحة، الطمأنينة،والعدل والأنس ، وحفظ الحق،وهو ما ينعكس إيجاباً على حياتهما بتبعاتها الواسعة . وبما أن الجنسان يتمايزان في الصفات العضوية والحيوية والنفسية، فمن الطبيعي أن يتمايزا في الوظائف الاجتماعية، والتكامل بينهما في المسئوليات والحقوق، إذ يعتبر ثمرة العدل الذي قامت عليه جل العلاقات في الإسلام. بناءً على ذلك فقد حدد الشرع مجالَ عمل الرجل في هذه الحياة ونوعيته، كما حدد مجالَ عمل المرأة الأساس ونوعيته، وقد جاء ملائما لما تقتضيه العقول السليمة والفطر المستقيمة،بما يحدث من تكامل وتوازن وامن اجتماعي، والذي يتحمله طبعاً وعرفا، لذلك كان من الظلم والجور استلاب حق المرأة وتحميلها أغلاط وأعباء بعض الأفكار الجامدة والقديمة، حيث يمثل ذلك اعتداءً على حق العدل في الحقوق والواجبات، كما يمثل اعتداءً على كرامة المرأة وأنوثتها.

الدين الإسلامي الحنيف رفع من شأن المرأة وسوى بينها وبين الرجل في الأحكام: كرمها واختارها أخت وعمة وخالة فأمر بصلة الرحم، كرمها تكريما عظيما ووجبت طاعتها والإحسان إليها، كرمها وجعل رضاها من رضا الله عز وجل واقر بان اقرب طريق للجنة تكون تحت قدميها، كرمها وجعل حقها أكثر من حق الرجل الذي هو الوالد، كرمها كزوجة فأوصى بها الأزواج خيرا، كرمها كبنت فأوجبت تربيتها وتعليمها وكسوتها ورعايتها عملا بالحديث الشريف ( من له ثلاث بنات فضير عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته " من ماله" كن له حجابا من النار يوم القيامة ).

الحقوق المعروفة والمتفق عليها مبدئيا، سواء كانت شرعية أو موروثة أو قانونية مستحدثة، منها ما هو مطبق ومنها ما هو عالق لا زال يبرز اغتصاب الحق النسوي في أرثى صوره والذي يتطلب العمل على علاجه فورا مثل:

 تجريم عنف المرأة بما فيه العنف الأسري والزوجي
 إقرار دستور عربي يتضمن المساواة القانونية والفعلية في القانون بين الجنسين بشقه السياسي، المدني، الثقافي والاجتماعي
 إقرار مشروع المساواة في مساطر الطلاق
 إقرار حق المرأة في رفض تعدد الزوجات
 تعزيز مكانة المرأة سياسيا عبر توفير شروط المشاركة في الانتخابات
 إجبارية ومجانية التعليم للإناث خصوصا في الوسط القروي والصحراوي والنائي
 تعزيز حقها في العمل والأجور العادلة
 تفعيل حقها في اختيار الزوج محض إرادتها
 تفعيل حق التحاقها بجميع المؤسسات التعليمية ثم حق اختيارها مناهج الدراسة والتخصص وتوحيده مع الاختيار المفتوح أمام الرجل فقط.
 تعزيز حق الفتاة في اختيار ثم تزويج نفسها دون ولاية من أقاربها حين بلوغ سن محدد.
 تفعيل المدارس المختلطة لإزالة فكرة التميز بين الجنسين منذ الطفولة.
 تعزيز حقها الشامل في حماية الأسرة والأمومة
 إلغاء جميع القوانين التي تعترض النساء المحتجبات وتزج بهم إلى الحرمان من حقوقهن على اعتبار أن الحجاب مسألة تتعلق بحرية الاختيار ولا احد له الحق في التدخل فيه.
 الاهتمام بالأمهات العازبات والأمهات ضحايا محارم زنا وأطفالهن بتفعيل تدابير حاسمة للحد من الظاهرة وإقرار حق الإجهاض في حالة وقوع حمل وضمان حقوق الطفل إذا ولد انطلاقا من نسبه إلى التعليم والصحة والرعاية
كل هذا وسيظل حق المرأة مطروح من جانب الاستلاب والاعتداء على إنسانية وكرامة الإنسان من خلال رفض الاعتراف بالحقوق والواجبات وكبتها من الجانب الذكوري والذي يفضي إلى التعامل مع هذا الكائن كجزء من أثاث المنزل.

الدستور هو أسمى قانون الدول وملزم أن يضمن حقوق جميع المواطنين دون تمييز،و إقرار دستور ديموقراطي لا يمكنه أن يكون إلا إذا اعتمدت بنوده على المساواة بين الجنسين، والدول لا تعتبر ديموقراطية إلا بدستورها.

نجد من هذه المؤشرات نموذج المرأة في السعودية الممنوعة من قيادة السيارة رغم أنها وصلت لقيادة الطائرة خارج بلدها، ومع هذا لا مجال للإنكار أنها حصلت على عدة حقوق متساوية مع الرجل كالأجر والتعليم والتمريض ومميزات التقاعد الخ، نجد كذلك في بعض البلدان العربية المرأة محرومة من حق التصويت والانتخاب، كل هذه المعطيات توضح لنا نسبة التميز والتي لا علاقة له بالدين بتاتا.

حفظ ورعاية الضرورات الخمس للمجتمع أصل شرعي كلي جاء ضمن المقاصد الشرعية والذي ترجع إليه جميع الأحكام ، وهي: حفظ الدين، والنفس، والعرض، والعقل، والمال. وأي انتقاص لهذا لمبدأ هو عدوان على الشريعة ومقاصدها، وانتهاك لحقوق المرأة والرجل والأسرة والمجتمع، وإشاعة للفاحشة بين المؤمنين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) النور:19"، ولذا شرع الحكيم الخبير أحكاماً لرعايتة .

بهذا تظل عدة عوامل مشتركة تكبل النساء وهن يخضن أشرس معارك البقاء والحضور في التاريخ العربي الحديث إذ القضية لا تقتصر على المساواة القانونية أي الحد من التميز القائم بحكم القانون العربي، بل تجاوزت ذلك إلى المساواة في الواجبات وفرض المشاركة النسوة في التنمية باعتبارها عنصر فعال وايجابي بجوار أختها المرأة في العالم الثالث والتي لا زال أمامهن الكثير من اجل تثبيت حقوقهن قولا وفعلا وممارسة حتى يتمكن من رفع هامتهن وكرامتهن وعزتهن


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى