الثلاثاء ٢٣ نيسان (أبريل) ٢٠٢٤

كتاب علم النفس الاجتماعي للباحث محمد الشاوي

صدر للأستاذ الدكتور محمد الشاوي عن منشورات "مكتبة سلمى الثقافية" بتطوان كتاب جديد اختار له المؤلف موضوع: "علم النفس الاجتماعي: دراسة المعتقدات والإيديولوجيات عند جان بيار دوكونشي؛ نحو مقاربة تحليلية للخطاب".
وبهذه المناسبة، فقد تقدم محمد الشاوي بالشكر الجزيل -كما جاء في صفته على الفايس بوك- إلى العالِم الأستاذ الدكتور عبد الكريم بلحاج، على جميل تأطيره العلمي خلال مرحلةِ الإعداد، وقتَ كان الكتاب مخطوطًا لمشروعِ مقالٍ علمي إلى أن صار كتابًا ينضاف إلى كتب علم النفس الاجتماعي بالمكتبة العربية. كما تقدم أيضا بالشكر للأستاذ والمترجم عبد اللطيف العلمي على ترجمته للقسم الفرنسي من الكتاب، نقلا عن الملخص العربي.

ويضمُّ الكتاب بين دَفَّتيه مقاربة تحليلية لخطاب علم النفس الاجتماعي المعاصر من خلال المساهمة العلمية التي أنجزها عالِم النفس الاجتماعي الفرنسي جان بيار دوكونشي (2014-1934). وتنبع هذه المساهمة عن علاقة عضوية بين النظرية والممارسة العلمية الأكاديمية من منظور علم النفس الاجتماعي التجريبي. وقد شملتْ مُختلف مناحي الحياة الدينية بمظاهرها السلوكية في المجتمع، لاسيما دراسة المعتقدات والإيديولوجيات؛ لتُجسد وبحق أنموذجا مرجعيا تأصيليا يتأطر ضمن مجال دراسة السيرورات والميكانيزمات السوسيومعرفية التي تنتظم وفقها علاقة الفرد بالمجتمع. وكانت عيِّناتُ أبحاث ودراسات هذا العالِم تمثل وبكل دقة مجتمع الدراسة، ومن ثَمَّ المجتمع العام بالنظر إلى المقاييس التجريبية التي يقوم عليها علم النفس الاجتماعي. وهي المقاييس التي اعتمدها في ممارسته العلمية، والتي طبّقها طُلابه تحت إشرافه بمختبر علم النفس الاجتماعي الذي أداره بجامعة باريس-نانتير، وقام هؤلاء أيضا بتطوير هذه الممارسة بالنظر إلى خصوصيات الموضوع في هذا المجال العلمي، وما يعرفه من تقدم ملحوظ في المقاربة والمنظور، وكذلك في العدة والنماذج التجريبية المطبَّقة التي راكمها دوكونشي في مسيره العلمي المثمر. وينتمي هؤلاء الطلاب إلى عدة دول قام دوكونشي بالمشاركة العلمية بها، وكذلك بتطوير نواة البحث العلمي فيها: كإسبانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، بلجيكا، اليونان، إيطاليا، المغرب، تونس، لبنان، سويسرا، المكسيك، بريطانيا، البرتغال، هولندا، رومانيا، المكسيك، ساحل العاج، كندا، والبرازيل...

كما ساهم دوكونشي في إضفاء الطابع المؤسساتي الأكاديمي على علم النفس الاجتماعي بفرنسا رفقة علماء بارزين في هذا المجال، أمثال: جان ميزونوف، سيرج موسكوفيسي، جيرار لومين، بنجامان ماطالون، جان ليون بوفوا، نيكول ديبوا، روبير فانسان جول، جان كلود دوشومب، وَجان مارك مونتيل...

إن المتتبع لهذا المسير العلمي مع الباحث محمد الشاوي، سيقف على عمل فريد ونوعي يروم طرح أفقٍ للتفكير العلمي باللغة العربية، ينخرط في دراسة أعمال جان بيار دوكونشي؛ وذلك بمقاربتها تبعا لضوابط الاشتغال العلمي والأكاديمي للدراسات والأبحاث النفسية الاجتماعية والمعرفية في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية، ومن أجل تبييئها داخل ثقافتنا من باب إغناء المكتبة العربية وفتح نافذتها على هذا المجال.

يطرح موضوع الكتاب رؤية تأصيلية للبَارَادَايْم المعرفي لعلم النفس الاجتماعي عند جان بيار دوكونشي، حيث قام المؤلف بإتباع مقاربة تحليل الخطاب في العلوم الإنسانية والاجتماعية بعامة، وبخاصة أنموذج علم النفس الاجتماعي.

ويعتبر هذا العلم -حسب وجهة الكتاب- من أنشط العلوم التي تنتمي إلى حظيرة العلوم الإنسانية والاجتماعية، والذي مازالت قضاياه وموضوعاته ومشكلاته تُلامس واقعنا الراهن. لذلك فإن موضوع علم النفس الاجتماعي يهتم بدراسة العلاقة الاجتماعية التي تتأسس بين الأنا والغير (الفردي أو الجماعي)، وباستحضار الوسط الاجتماعي في بعده الواقعي أو الرمزي. وهو أيضا العلم الذي يهتم بدراسة "ظواهر الإيديولوجيا (المعارف Cognitions والتمثلات الاجتماعية) وظواهر التواصل" (موسكوفيسي).

كما تتحدّد هُوية هذا علم في: "تحليل ما يربط الفرد بالجماعة وما يفصله عنها -وقد تكون هذه الجماعة واقعية أو مُتخيّلة، مصرحٌ لها أو مُتنازعٌ عليها، موجودة أو يتم التخطيط لها- فيمكنه حسب هذا المعنى أن يساهم في تشكيلها كما يمكنه أيضا أن ينسحب منها" (دوكونشي). وقد تكون هذه الجماعة دينية، أو نقابية، أو سياسية، أو فنية، أو علمية ...
أما بالنسبة للبَارَادَايْم المعرفي الذي ساهم فيه جان بيار دوكونشي، فهو البَارَادَايْم الذي يتقاطع مع علوم وتخصصات تتشارك مع علم النفس الاجتماعي اهتماماته البحثية في دراسة الأنشطة والميكانيزمات المعرفية Cognitives، ومنها: العلوم العصبية، والذكاء الاصطناعي، واللسانيات، وفلسفة العقل والذهن، وعلم النفس المعرفي، والأنثروبولوجيا المعرفية... فقد كان علم النفس الاجتماعي سبّاقا في اعتماده، بل إنه ساهم في توطيده. وهذا ما تبيّن في المساهمة العلمية والأكاديمية التي جسدتها أعمال جان بيار دوكونشي التي ارتبطتْ بدراسة المعتقدات والإيديولويات.

كان جان بيار دوكونشي في السنوات الأخيرة من حياته كثير السفر إلى المغرب، حيث قضى فيه أوقاتا ممتعة رفقة صديقه الدكتور عبد الكريم بلحاح -الذي يعتبر من قدماء طلابه- سعى من خلالها إلى معرفة الثقافة المغربية، واستكشاف الحياة اليومية للمغاربة، وآرائهم، وتمثلاتهم الاجتماعية، ومعارفهم الاجتماعية، وأنشطتهم الذهنية... وتندرج هذه المعرفة ضمن سلسلة أسفاره واستكشافاته الجغرافية، والاجتماعية، والثقافية، والدينية للقارة الإفريقية. إنها تلك التي قال عنها ذات مرة، مخاطبا صديقته وزميلته الباحثة الإيطالية كيارا فولباتو:"إنّي أقوم بملاحظات اثنوغرافية". وهي ملاحظات عاين فيها العادات المُتبعة داخل المجتمع المغربي في المدن والبوادي، وطريقة تعامل المغاربة مع الوقت خلال أنشطتهم وممارساتهم اليومية، وتفاعلات الناس في الأماكن العمومية، وداخل الأسواق، وفي المقاهي الشعبية، والساحات العمومية...

لقد كرس جان بيار دوكونشي حياته لدراسة المعتقدات والإيديولوجيات التي يشتكرها الأفراد والجماعات، وتتم مأسستها وتنظيمها، دينيا، وثقافيا، وسياسيا، واقتصاديا... فجماع دراساته للظاهرة الدينية تمثل وبحق، قيمة مضافة لعلم النفس الاجتماعي المعاصر من خلال التطبيقات التجريبية على السلوك الاجتماعي الذي يحضر فيه النفسي بكل فاعليته وديناميته. وتمتد هذه الدراسات إلى: استراتيجيات الاشتغال السوسيومعرفي للعزو السببي للسلوك وتفسيراته، وَلنمط التنظيم الشخصي والجماعي الذي تتخذه الأرثوذكسية الدينية، وَفي ميكانزمات الضبط الاجتماعي للمعتقدات والإيديولوجيات، وَفي الأجرأة التجريبية للنظريات الضمنية...، وَأخيرا في التأثيرات اللاتناظرية Asymétriques للكتابة ودورها في أنشطة الفكر والعمل.

كانت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية مسقط ازدياد دراسات دوكونشي للبُنى الخاصة بالمعتقدات الفردية والجماعية، ولكي يستمر في مسيره العلمي وجد أنه من الصعب التفكير داخلها في المعتقدات بطريقة علمية تجريبية. فكان بذلك منهجه العلمي بمثابة كفر على مسألة المنهج حسب ادعاء الكنيسة. لكن هذا الكفر الذي سار على منواله هو كفر منهجي وليس عقيدة. فوجد ضالته في خروجه من الكنيسة وبمتابعته لمشروعه العلمي داخل مناخ الممارسة النفسية الاجتماعية على الظاهرة الإنسانية. وهي ظاهرة تُجرّب وتُفهم وتُفسر، كما تطرح إمكانيات تأويل النتائج المتوصل إليها بالنظر إلى القوانين المتحكمة فيها.

لكل ذلك، استطاع جان بيار دوكونشي تأسيس ممارسة نفسية اجتماعية رائدة لدراسة المعتقدات والإيديولوجيات بمرجعية علمية متينة تنتمي إلى حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية،وتقوم على تجاوز علم نفس الدين إلى علم النفس الاجتماعي للمعتقدات والإيديولوجيات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى